الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صور التجسس
صور التجسس الممنوع:
- التجسس على بيوت المسلمين والاطلاع على عوراتهم (بالاستماع من وراء الأبواب أو بالدخول في البيوت على حين غفلة من أهلها أو باستئذان لغرض كاذب كشرب الماء والمقصود غير ذلك .... وكل ذلك لا يجوز في شرع الإسلام)(1).
- ومن صوره أيضاً اقتحام البيوت والخلوات بحجة ضبط من فيها متلبسين بالمعصية ولا شك أن هذا مما لا يبيحه الشرع ولا يقبله.
وقد قدمنا قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما دخل على أبي محجن رضي الله عنه بعد أن سمع أنه يشرب الخمر في بيته هو وأصحابه، وعندما دخل عليه بين له أبو محجن أن ما يفعله هو من التجسس الذي نهى الله عز وجل عنه، وأقره على ذلك زيد بن ثابت وعبد الله بن الأرقم فخرج عمر وتركه (2).
- ومن صور التجسس الممنوع التقصي والبحث عن معاص وسيئات اقترفت في الماضي والتجسس على أصحابها لمعرفتها.
قال صاحب غذاء الألباب: (ويحرم تجسيس على ما يفسق به في الزمن الماضي أو الفسق الماضي مثل أن يشرب الخمر في الزمن الذي مضى وتبحث عنه أنت بعد مدة لأن ذلك إشاعة للمنكر بما لا فائدة فيه ولا عود على الإسلام وإنما هو عيب ونقص فينبغي كفه ونسيانه دون إذاعته وإعلانه، وإنما يحرم التجسس عن ذلك إن لم يجدد العود عليه والإتيان به ثانيا. فإن عاوده فلا حرمة إذن.
قال في الرعاية: ويحرم التعرض لمنكر فعل خفية على الأشهر أو ماض أو بعيد وقيل يجهل فاعله ومحله. وقال أيضا: لا إنكار فيما مضى وفات إلا في العقائد أو الآراء) (3).
- ومن صور التجسس الممنوع استماع المرء إلى حديث قوم وهم له كارهون، فقد تُوُعِّدَ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه سيصب في أذنه الآنك يوم القيامة بسبب فعلته. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة)) (4).
قال علي بن ذريان في كتابه بهجة الأسماع في أحكام السماع: (ومن هذا الحديث يعلم أن الاستماع لحديث الآخرين بغير رضاهم وإذنهم هو من التجسس المحرم الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منه، وكفى بترتيب العقوبة المذكورة في الحديث على من يفعل هذا دليلاً على حرمته)(5).
ويدخل في هذه الصورة من صور التجسس التنصت على هواتف الناس ومكالماتهم وهو (يتضمن معنى تسمع حديث قوم أو التجسس عليهم فيكون حكم المسألة هو حكم التجسس
…
أو يكون حكمه حكم التسمع إلى حديث قوم وهم كارهون لأن العادة أن الناس لا يريدون أن يطلع على مكالمتهم أحد والذي يتنصت على هواتف الناس بهذا المعنى يدخل تحت الوعيد) (6).
(1)((المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية)) (4/ 207).
(2)
((تفسير عبد الرزاق الصنعاني)) (3/ 223).
(3)
((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) للسفاريني (1/ 263).
(4)
رواه الطبراني (11/ 248)(11637). قال الألباني في ((صحيح الجامع)) (6028): صحيح. والحديث رواه بنحوه البخاري (7042).
(5)
((بهجة الأسماع في أحكام السماع في الفقه الإسلامي)) لعلي بن ذريان (ص: 364).
(6)
((أحكام السماع والاستماع في الشريعة الإسلامية)) لمحمد معين الدين بصري (ص: 357).
- ومن صور التجسس الممنوع التجسس على الكافر المسالم خاصة إذا لم يظهر منه ما يدعو للريبة قال محمد معين الدين البصري: (والظاهر عدم الجواز إذا لم يظهر منه الريبة في إرادة الفساد لأمر الله بالقسط معهم قال تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8] ولأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها بصلة رحم أمها تطبيقاً للآية السابقة).
- ومن أبشع صور التجسس وأقبحها التجسس على المسلمين لصالح أعداء الدين (فإذا كان التجسس للوقوف على عورات الأفراد ومعائبهم أمراً محرماً فإن التجسس على الأمة الإسلامية لحساب أعدائها أشد حرمة، وأعظم خطراً وضرراً على البلاد والعباد وخيانة لله ورسوله وللأمة وقد تحدث الفقهاء رحمهم الله تعالى على عقوبة من يقوم بهذا العمل الخطير، الذي يعرض الأمة الإسلامية بأكملها لأضرار فادحة قد يستمر أثرها لأمد بعيد محطماً كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة الإسلامية)(1).
قال عبد القادر العاني: (ومن أكبر الكبائر وأفظعها التجسس على المسلمين وإفشاء أسرارهم الحربية إلى أعدائهم أو إلى من يوصل إليهم)(2).
وقال محمد الطاهر بن عاشور: (وإذ قد اعتبر النهي عن التجسس من فروع النهي عن الظن فهو مقيد بالتجسس الذي هو إثم أو يفضي إلى الإثم، وإذا علم أنه يترتب عليه مفسدة عامة صار التجسس كبيرة. ومنه التجسس على المسلمين لمن يبتغي الضر بهم
…
) (3).
صور التجسس المشروع:
- من صور التجسس المشروع التجسس على أعداء الأمة لمعرفة عددهم وعتادهم (فقد اتفق الفقهاء على أن التجسس والتنصت على الكفار في الحرب مشروع وجائز لمعرفة عددهم، وعتادهم، وما يخططون له، ويدبرون من المكائد للمسلمين، وهو الأمر الذي يكون بعلم الإمام وتحت نظره ومعرفته)(4).
(فالتجسس على أعداء الأمة الإسلامية بتتبع أخبارهم، والاطلاع على مخططاتهم التي يعدونها للقضاء على الأمة الإسلامية، وإثارة الفتنة والقلاقل بين صفوفها، وزعزعة أمنها واستقرارها أمر مشروع، بل قد يكون واجباً في حالة قيام حرب بينهم وبين المسلمين، وقد دل على مشروعيته الكتاب والسنة وعمل الصحابة:
فمن الكتاب: عموم قول الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال: 60].
فقد أمرت الآية المسلمين بإعداد ما يستطيعون من قوة لمواجهة الأعداء، ومن أسباب القوة التخطيط السليم، واليقظة والحذر، والتأهب الدائم، لإحباط مخططات الأعداء، ولا شك أن ذلك لا يتم إلا بمعرفة أخبار الأعداء وخططهم، ورصد تحركاتهم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فدلت الآية على مشروعية التجسس على الأعداء بكل وسيلة شريفة وطريقة نبيلة).
ومن السنة أحاديث كثيرة منها:
(1)((عقوبة الإعدام دراسة فقهية مقارنة لأحكام العقوبة بالقتل في الفقه الإسلامي)) لمحمد بن سعد الغامدي (ص: 472).
(2)
((بيان المعاني)) لعبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني (6/ 226).
(3)
((التحرير والتنوير)) لمحمد الطاهر بن عاشور (26/ 254).
(4)
((بهجة الأسماع في أحكام السماع في الفقه الإسلامي)) لعلي بن ذريان (ص: 376).
- ما ورد أن نعيم بن مسعود رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق، فقال:((يا رسول الله، مرني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا، فذهب نعيم بن مسعود إلى بني قريظة، وكان لهم نديمهم في الجاهلية وحذرهم: إن هزمت قريش فنجت بنفسها فإنها ستترككم تحت رحمة محمد وصحبه، ونصحهم ألا يطمئنوا لقريش إلا أن يأخذوا الرهائن من السادة والأشراف ثم ذهب إلى قريش وأوهمهم أن بني قريظة نادمة على نقض العهد مع محمد، وقال: تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم؟ ثم ذهب إلى غطفان وأوهمهم بما أوهم به قريشاً فاستعجلت قريش وعد قريظة لها نصرتها، فكان جوابهم ما يؤكد كلام نعيم بن مسعود من أنهم بيتوا الغدر ونجح نعيم ابن مسعود في الإيقاع بهم وتفريق كلمتهم)) (1).
- وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوم الأحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير)) (2) ....
- وعن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، يزيد أحدهما على صاحبه قالا:((خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة، قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة، وبعث عينا له من خزاعة، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشطاط أتاه عينه، قال: إن قريشا جمعوا لك جموعا، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت، ومانعوك، فقال: أشيروا أيها الناس علي، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عينا من المشركين، وإلا تركناهم محروبين، قال أبو بكر: يا رسول الله، خرجت عامدا لهذا البيت، لا تريد قتل أحد، ولا حرب أحد، فتوجه له، فمن صدنا عنه قاتلناه. قال: امضوا على اسم الله)) (3).
…
فهذه الأحاديث جميعها تدل على مشروعية جمع المعلومات عن الأعداء وكشف مخططاتهم وذلك بالطرق المشروعة والوسائل الشريفة، وأنه عليه الصلاة والسلام كان يتخير لهذه المهمة الأشخاص الذين كان يثق بهم حرصاً منه على صحة المعلومات التي تصله، ودقتها، لكي يبني عليها خططه العسكرية في مواجهة الأعداء) (4).
- ومن صور التجسس المشروع (تتبع المجرمين الخطرين وأهل الريب وقد عده بعض الفقهاء من التجسس المشروع إذا كانت جرائمهم ذات خطر كبير على الأفراد أو على الأمة بأسرها، وغلب على الظن وقوعها بأمارات وعلامات ظاهرة، وذلك كالتجسس على إنسان يغلب على الظن أنه يتربص بآخر ليقتله، أو بامرأة أجنبية ليزني بها، بل قد يكون واجباً إذا خيف فوات تدارك الجريمة بدون التجسس.
ورد في نهاية المحتاج: (وليس لأحد البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون، نعم إذا غلب على ظنه وقوع معصية ولو بقرينة ظاهرة كإخبار ثقة جاز له، بل وجب عليه التجسس إن فات تداركها كقتل وزنى، وإلا فلا)(5).
(1) رواه بنحوه البيهقي في ((دلائل النبوة)) (3/ 445 - 447).
(2)
رواه البخاري (4113).
(3)
رواه البخاري (4178).
(4)
((عقوبة الإعدام دراسة فقهية مقارنة لأحكام العقوبة بالقتل في الفقه الإسلامي)) لمحمد بن سعد الغامدي (ص: 465 - 467).
(5)
((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (4/ 47 - 49).
وذكر القاضي أبو يعلى جوازه في حالة ما إذا كان في تركه انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلاً خلا برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها، فيجوز له في مثل هذه الحال أن يتجسس، ويقدم على الكشف والبحث، حذراً من فوات ما لا يستدرك من انتهاك المحارم وارتكاب المحظورات (1).
(ويتخرج على هذه المسألة وضع الدولة أجهزة تنصت ومراقبة على أجهزة الاتصال لأشخاص معينين، إن كانت الريبة تدور بهم للإيقاع بهم، ومعرفة صحة الشكوك المنسوبة إليهم، فهذا جائز وفق ما ذكرنا، إن كان بإذن الإمام وتحت نظره وفق المصلحة التي يراها الإمام)(2).
- ومن صور التجسس المشروع تفقد الوالي لأحوال رعيته لمعرفة المظلومين والمحتاجين وتأمين احتياجاتهم إذ هم أمانة في عنق الوالي (3).
ومن أمثلة ذلك:
- ما روي عن أسلم رضي الله عنه قال: خرجت ليلة مع عمر إلى حرة واقم، حتى إذا كنا بصرار إذا بنار فقال: يا أسلم هاهنا ركب قد قصر بهم الليل، انطلق بنا إليهم، فأتيناهم فإذا امرأة معها صبيان لها وقدر منصوبة على النار وصبيانها يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، قالت: وعليك السلام. قال: أدنو؟ قالت: ادن أو دع. فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد. قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: من الجوع. فقال: وأي شيء على النار؟ قالت: ماء أعللهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر. فبكى عمر ورجع يهرول إلى دار الدقيق فأخرج عدلا من دقيق وجراب شحم، وقال: يا أسلم احمله على ظهري، فقلت: أنا أحمله عنك. فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة؟ فحمله على ظهره وانطلقنا إلى المرأة فألقي عن ظهره وأخرج من الدقيق في القدر، وألقى عليه من الشحم، وجعل ينفخ تحت القدر والدخان يتخلل لحيته ساعة، ثم أنزلها عن النار وقال: آتيني بصحفة. فأتي بها فغرفها ثم تركها بين يدي الصبيان وقال: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا - والمرأة تدعو له وهي لا تعرفه - فلم يزل عندهم حتى نام الصغار، ثم أوصلهم بنفقة وانصرف، ثم أقبل علي فقال: يا أسلم الجوع الذي أسهرهم وأبكاهم (4).
- وقدم المدينة رفقة من تجار، فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن تحرسهم الليلة؟ قال: نعم! فباتا يحرسانهم ويصليان، فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: اتق الله تعالى وأحسني إلى صبيك. ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان آخر الليل سمع بكاء الصبي فأتى إلى أمه فقال لها: ويحك، إنك أم سوء، ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة من البكاء؟! فقالت: يا عبد الله إني أشغله عن الطعام فيأبى ذلك، قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للمفطوم. قال: وكم عمر ابنك هذا؟ قالت: كذا وكذا شهرا، فقال: ويحك لا تعجليه عن الفطام. فلما صلى الصبح وهو لا يستبين للناس قراءته من البكاء. قال: بؤسا لعمر. كم قتل من أولاد المسلمين. ثم أمر مناديه فنادى، لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام. وكتب بذلك إلى الآفاق (5).
(1)((الأحكام السلطانية)) للماوردي (ص: 366).
(2)
((بهجة الأسماع في أحكام السماع في الفقه الإسلامي)) لعلي بن ذريان (ص: 376).
(3)
((عقوبة الإعدام دراسة فقهية مقارنة لأحكام العقوبة بالقتل في الفقه الإسلامي)) لمحمد بن سعد الغامدي (ص: 469).
(4)
((البداية والنهاية)) لابن كثير (7/ 153 - 154).
(5)
ذكره ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (7/ 153).