الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم الحقد في القرآن والسنة
ذم الحقد في القرآن الكريم:
من الناس من يحمل نفساً مظلمة، وقلبا أسود، لا يعرف للعفو طريقا، ولا للصفح سبيلا، فبمجرد أدنى إساءة تقع في حقه من أحد إخوانه تجده يحقد عليه ولا يكاد ينسى إساءته مهما تقادم العهد عليها، فتجده يتربص بصاحبه الدوائر، وينتظر منه غرة، لينفذ إليه منها، ويصيبه من خلالها، فيشفي غيظه ويروي غليله (1).
- قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ [البقرة: 204 - 205].
- وقال سبحانه: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ [الأعراف: 43].
- وقال عز وجل: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر: 47 - 48].
قال الطبري: (وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغِمْرٍ وعَداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلوها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خصَّ الله به بعضهم وفضّله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة)(2).
وقال القرطبي: (ذكر الله عز وجل فيما ينعم به على أهل الجنة نزع الغل من صدورهم. والنزع: الاستخراج والغل: الحقد الكامن في الصدر. والجمع غلال)(3).
وقال السعدي: (وهذا من كرمه وإحسانه على أهل الجنة، أن الغل الذي كان موجودا في قلوبهم، والتنافس الذي بينهم، أن الله يقلعه ويزيله حتى يكونوا إخوانا متحابين، وأخلاء متصافين
…
ويخلق الله لهم من الكرامة ما به يحصل لكل واحد منهم الغبطة والسرور، ويرى أنه لا فوق ما هو فيه من النعيم نعيم. فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض، لأنه قد فقدت أسبابه) (4).
(ولما كانت الجنة دار سعادة ونعيم عام وشامل كان لا بد لأصحابها من أن يكونوا مبرئين من كل حقد وغل، ومن كل علة خلقية تسبب لهم آلاما وأكداراً، وقد وصف الله أهل دار النعيم يوم القيامة بأنهم مبرؤون من كل غل، وما كان من غل في صدورهم في الدنيا فإن الله ينزعه منها متى دخلوا الجنة)(5).
ذم الحقد في السنة النبوية:
إن الحقد حمل ثقيل يتعب حامله، يحمله الجاهل في صدره فيشقي به نفسه ويفسد به فكره، ويشغل به باله، ويقض به مضجعه، ويكثر به همه وغمه، إنه كحمل من أحمال الشوك الملتهب الحار، المحشو بصخور ثقيلة محمية تنفث السموم التي تلتهب منها الصدور، ويظل الجاهل الأحمق يحمل هذا الحمل الخبيث مهما حل أو ارتحل، حتى يشفي حقده بالانتقام ممن يحقد عليه (6).
- فعن جابر رضي الله عنه قال: ((تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فمن مستغفر فيغفر له، ومن تائب فيتاب عليه، ويرد أهل الضغائن بضغائنهم حتى يتوبوا)). قال المنذري: الضغائن: هي الأحقاد (7).
(1)((الهمة العالية)) لمحمد الحمد (ص 55).
(2)
((جامع البيان)) للطبري (12/ 438).
(3)
((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (7/ 208).
(4)
((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص 289).
(5)
((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (1/ 726).
(6)
((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (1/ 723).
(7)
رواه الطبراني في ((الأوسط)) (7/ 251). قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 307): رواته ثقات. وقال الهيثمي في ((المجمع)) (8/ 66): رجاله الثقات.
- وعن ابن عباس- رضي الله عنهما قال: ((قال رسول الله؟: ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهن، فإن الله يغفر له ما سوى ذلك لمن يشاء: من مات لا يشرك بالله شيئا، ولم يكن ساحرا يتبع السحرة، ولم يحقد على أخيه)) (1).
- وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: ((كنا جلوسا مع رسول الله؟ فقال: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي؟ مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي؟ مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي؟ تبعه عبد الله بن عمرو، فقال: إني لا حيت أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت. قال: نعم. قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل، وكبر حتى لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث الليالي، وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله؟ يقول لك ثلاث مرات: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله؟؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك. وفي رواية البزار- سمى الرجل المبهم سعدا- وقال في آخره: فقال سعد: ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي إلا أني لم أبت ضاغنا على مسلم. أو كلمة نحوها)) (2).
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)) (3).
- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: ((قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قيل صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد)) (4).
(1) رواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (12/ 243)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (4/ 99). وضعفه الألباني في ((ضعيف الترغيب)) (1653).
(2)
رواه أحمد (3/ 166)(12720)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9/ 318)(10633)، والبيهقي في ((الشعب)) (9/ 7) (6181). قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 348): إسناده على شرط البخاري ومسلم. وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (ص1085): إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقال الهيثمي في ((المجمع)) (8/ 79): رجاله رجال الصحيح.
(3)
رواه أبو داود (4860)،والترمذي (3896)، وأحمد (1/ 395) (3759). قال الترمذي: غريب من هذا الوجه. وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (6322).
(4)
رواه ابن ماجه (4216)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (59/ 451). وصحح إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4386)، والألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (948).