الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم القسوة والغلظة والفظاظة في القرآن والسنة
ذم القسوة والغلظة والفظاظة في القرآن الكريم:
- قال تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 74].
قال الشوكاني: (القسوة: الصلابة واليبس، وهي: عبارة عن خلوها من الإنابة، والإذعان لآيات الله، مع وجود ما يقتضي خلاف هذه القسوة)(1).
قال السعدي: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم أي: اشتدت وغلظت، فلم تؤثر فيها الموعظة، مِّن بَعْدِ ذَلِكَ أي: من بعد ما أنعم عليكم بالنعم العظيمة وأراكم الآيات، ولم يكن ينبغي أن تقسو قلوبكم، لأن ما شاهدتم، مما يوجب رقة القلب وانقياده، ثم وصف قسوتها بأنها كَالْحِجَارَةِ التي هي أشد قسوة من الحديد، لأن الحديد والرصاص إذا أذيب في النار، ذاب بخلاف الأحجار). وقوله: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً أي: إنها لا تقصر عن قساوة الأحجار) (2).
قال الطبري: فيقوله: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً يعني فقلوبكم كالحجارة صلابة ويبسا وغلظا وشدة، أو أشد قسوة) (3).
قال الرازي: وقوله: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (إنما وصفها بأنها أشد قسوة لوجوه .. - منها- أن الحجارة ليس فيها امتناع مما يحدث فيها بأمر الله تعالى وإن كانت قاسية بل هي منصرفة على مراد الله غير ممتنعة من تسخيره، وهؤلاء مع ما وصفنا من أحوالهم في اتصال الآيات عندهم وتتابع النعم من الله عليهم يمتنعون من طاعته ولا تلين قلوبهم لمعرفة حقه .. وكأن المعنى أن الحيوانات من غير بني آدم أمم سخر كل واحد منها لشيء وهو منقاد لما أريد منه وهؤلاء الكفار يمتنعون عما أراد الله منهم .. -و- الأحجار ينتفع بها من بعض الوجوه، ويظهر منها الماء في بعض الأحوال، أما قلوب هؤلاء فلا نفع فيها البتة ولا تلين لطاعة الله بوجه من الوجوه)(4).
- وقوله تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام: 43].
قال الألوسي: (ومعنى قَسَتْ الخ استمرت على ما هي عليه من القساوة أو ازدادت قساوة)(5).
قال ابن كثير: (قال الله تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ أي: فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ أي: ما رقت ولا خشعت وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ أي: من الشرك والمعاصي)(6).
قال ابن عاشور: (ولكن اعتراهم ما في خلقتهم من المكابرة وعدم الرجوع عن الباطل كأن قلوبهم لا تتأثر فشبهت بالشيء القاسي - والقسوة: الصلابة - وقد وجد الشيطان من طباعهم عوناً على نفث مراده فيهم فحسن لهم تلك القساوة وأغراهم بالاستمرار على آثامهم وأعمالهم)(7).
- وقال تعالى: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [الحج: 53].
(1)((فتح القدير)) للشوكاني (1/ 118).
(2)
((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (1/ 55).
(3)
((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (2/ 234).
(4)
((مفاتيح الغيب)) للرازي (3/ 556).
(5)
((روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني)) للألوسي (4/ 143).
(6)
((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير القرشي (3/ 256).
(7)
((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (7/ 229).
قال السعدي: (وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ أي: الغليظة، التي لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير، ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان، جعلوه حجة لهم على باطلهم، وجادلوا به وشاقوا الله ورسوله)(1).
قال أبوبكر البقاعي (وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ عن فهم الآيات، وهم من علت قلوبهم عن ذلك الجدال أن صارت حجرية، وهم المصارحون بالعداوة، فهم في ريب من أمرهم وجدال للمؤمنين، قد انتقشت فيها الشبه، فصارت أبعد شيء عن الزوال)(2).
- وقال تعالى: أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الزمر: 22].
- قال الشوكاني: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 22] والمعنى: أنه غلظ قلبه، وجفا عن قبول ذكر الله، يقال: قسا القلب إذا صلب، وقلب قاس، أي: صلب لا يرق، ولا يلين)(3).
- قال السعدي: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أي: لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشر الكبير)(4).
قال الألوسي: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أي من أجل ذكره سبحانه الذي حقه أن تلين منه القلوب أي إذا ذكر الله تعالى عندهم أو آياته عز وجل اشمأزوا من ذلك وزادت قلوبهم قساوة)(5).
- وقوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 16].
قال ابن كثير: (وقوله: الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب قبلهم من اليهود والنصارى، لما تطاول عليهم الأمد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم واشتروا به ثمنا قليلا ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المختلفة والأقوال المؤتفكة، وقلدوا الرجال في دين الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، فعند ذلك قست قلوبهم، فلا يقبلون موعظة، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ أي: في الأعمال، فقلوبهم فاسدة، وأعمالهم باطلة)(6).
قال الطبري: (وقوله: فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ عن الخيرات، واشتدت على السكون إلى معاصي الله)(7).
- قال تعالى فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ [آل عمران: 159].
قال العز بن عبد السلام: (فَظًّا الفظ: الجافي، والغليظ: القاسي القلب، معناهما واحد، فجمع بينهما تأكيداً)(8).
(1)((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (1/ 542).
(2)
((نظم الدرر في تناسب الآيات والسور)) لأبي بكر البقاعي (13/ 72).
(3)
((فتح القدير)) للشوكاني (4/ 526).
(4)
((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (1/ 722).
(5)
((روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني)) للألوسي (12/ 246).
(6)
((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (8/ 20)
(7)
((جامع البيان في تأويل القرآن)) لابن جرير الطبري (23/ 189).
(8)
((تفسير ابن عبد السلام)) لعز الدين بن عبد السلام (1/ 290).
وقال ابن كثير: (قال تعالى: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ الفظ: الغليظ، (و)(6) المراد به هاهنا غليظ الكلام؛ لقوله بعد ذلك: غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: لو كنت سيئ الكلام قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك، ولكن الله جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفا لقلوبهم) (1).
وقال السعدي: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا أي: سيئ الخلق غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: قاسيه، لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين، تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟!)(2).
ذم القسوة والغلظة والفظاظة من السنة النبوية:
- عن أبي مسعود: قال أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمين وقال: ((الإيمان هاهنا - مرتين - ألا وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين - حيث يطلع قرنا الشيطان - ربيعة ومضر)) (3).
قال الخطابي: (إنما ذم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم عليه عن أمور دينهم وتلهيهم عن أمر الآخرة وتكون منها قساوة القلب)(4).
- وعن عبد الله بن عمرو قال عن صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة، (قال: والله إنه لموصوفٌ في التوراة ببعض صفته في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الأحزاب: 45] وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظٍ) (5).
قال الملا علي القاري: (والمعنى ليس بسيئ الخلق أو القول ولا غليظ أي ضخم كريه الخلق أو سيئ الفعل أو غليظ القلب وهو الأظهر لقوله تعالى وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ [آل عمران: 159]. أي شديده وقاسيه فيناسب حينئذ أن يكون الفظ معناه بذاذة اللسان ففيه إيماء إلى طهارة عضويه الكريمين من دنس الطبع ووسخ هوى النفس الذميمين وقد قال الكلبي فظا في القول غليظ القلب في الفعل)(6).
وقال المناوي: (ليس بفظ) أي شديداً ولا قاسي القلب على المؤمنين (ولا غليظ) أي سيئ) (7).
- وعن أبي هريرة، أن رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه قال:((إن أردت أن يلين قلبك، فأطعم المسكين، وامسح برأس اليتيم)) (8).
قال الملا علي القاري في شرحه للحديث: (أي قساوته وشدته وقلة رقته وعدم إلفته ورحمته قال امسح رأس اليتيم لتتذكر الموت فيغتنم الحياة فإن القسوة منشؤها الغفلة وأطعم المسكين لترى آثار نعمة الله عليك حيث أغناك وأحوج إليك سواك فيرق قلبك ويزول قسوته ولعل وجه تخصيصهما بالذكر أن الرحمة على الصغير والكبير موجبة لرحمة الله تعالى على عبده المتخلق ببعض صفاته فينزل عليه الرحمة ويرتفع عنه القسوة وحاصله أنه لا بد من ارتكاب أسباب تحصيل الأخلاق بالمعالجة العلمية أو بالعملية أو بالمعجون المركب منهما)(9).
- وعن حارثة بن وهبٍ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا أدلكم على أهل الجنة؟ كل ضعيفٍ متضعفٍ لو أقسم على الله لأبره وقال: أهل النار كل جواظٍ عتل مستكبرٍ)) (10).
فسر بعض العلماء العتل بأنه الفظ الشديد من كل شيء، والغليظ العنيف والجواظ بالفظ الغليظ، والجعظري بالفظ الغليظ (11).
وقال ابن عثيمين: (فالعتل الشديد الغليظ الذي لا يلين للحق ولا للخلق)(12).
(1)((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 148)، ((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (7/ 341).
(2)
((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (1/ 154).
(3)
رواه البخاري (3302)، ومسلم (51).
(4)
((عمدة القاري)) للعيني (15/ 191).
(5)
رواه البخاري (2125).
(6)
((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للملا علي القاري (9/ 3679).
(7)
((التيسير بشرح الجامع الصغير)) للمناوي (2/ 89).
(8)
رواه أحمد (2/ 263)(7566)، والبيهقي (4/ 60)(7345)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 237). قال المنذري، والدمياطي في ((المتجر الرابح)) (259)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 163)، والرباعي في ((فتح الغفار)) (4/ 2133): رجاله رجال الصحيح، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1410).
(9)
((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للملا علي القاري (8/ 3130).
(10)
رواه البخاري (6657).
(11)
أخرجه البخاري ومسلم وثم تفسيرات أخرى فلتراجع انظر ((فتح الباري)) لابن حجر (8/ 663)، ((فيض القدير)) للمناوي (3/ 87).
(12)
((كتب ورسائل ابن عثيمين)) مجالس شهر رمضان (ص155).