الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صور الفتور
هناك مظاهر وصور للفتور تمثل قصورا في العمل الصالح، أو ارتكاب لذنب، ومن هذه الصور والمظاهر:
1 -
قسوة القلب:
توعد الله سبحانه وتعالى القاسية قلوبهم بالضلال المبين فقال: فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 22 - 23].
وقاسي القلب لا يتأثر بالقرآن ولا بالمواعظ حتى يلين قلبه، قال السعدي في قوله تعلى: فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ (أي: لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشر الكبير)(1).
وقال مالك بن دينار: (أربع من علم الشقاوة قسوة القلب وجمود العين وطول الأمل والحرص على الدنيا)(2).
2 -
أن يتكاسل عن الطاعة:
من مظاهر الفتور التكاسل عن الطاعات والعبادات فتجده يؤخرها عن وقتها ولا يؤديها كما هي مطلوبة منه، وهو يختلف بحسب العبادة فإما أن تكون فرضاً أو نفلا، والتكاسل عن الفرائض أمر خطير جدا فليُنتبه له، وقد يخدش في إسلام المرء، قال تعالى عن المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 142] وقال: وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة: 54].
3 -
الابتعاد عن الجليس الصالح:
من صور الفتور أن يُضعف الشخص علاقته مع إخوانه الصالحين فيبتعد عنهم ويميل إلى العزلة، أو يصاحب قرناء السوء فيحرقون ثيابه أو يجد منهم ريحاً خبيثة كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال:((مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة)) (3).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة)) (4).
4 -
(ضياع الوقت وعدم الإفادة منه، وتزجيته بما لا يعود عليه بالنفع، وتقديم غير المهم على المهم، والشعور بالفراغ الروحي والوقتي وعدم البركة في الأوقات، وتمضي عليه الأيام لا ينجز فيها شيئا يذكر.
5 -
عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهرب من كل عمل جدي؛ خوفا من أن يعود إلى حياته الأولى. هكذا يسوّل له شيطانه زخرف القول غرورا.
(1)((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) السعدي (1/ 722)
(2)
((الزهد وصفة الزاهدين)) ابن الأعرابي (1/ 47).
(3)
رواه البخاري (5534) ومسلم (2628) واللفظ للبخاري.
(4)
رواه الترمذي (2165)، وأحمد (1/ 18)(114)، النسائي في الكبرى (5/ 388)(9225)، وأبو يعلى (1/ 131)(141)، وابن حبان (16/ 239)(7254)، والحاكم (1/ 197)، والبيهقي (7/ 91) (13299). من حديث عمر رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/ 26): حسن صحيح، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/ 401): له طرق أخر وهو حديث مشهور جدا. وصحح إسناده ابن حجر في ((هداية الرواة)) (5/ 388). وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
6 -
الفوضوية في العمل: فلا هدف محدد، ولا عمل متقن، أعماله ارتجالا، يبدأ في هذا العمل ثم يتركه، ويشرع في هذا الأمر ولا يتمه، ويسير في هذا الطريق ثم يتحول عنه، وهكذا دواليك.
7 -
خداع النفس؛ بالانشغال وهو فارغ، وبالعمل وهو عاطل، ينشغل في جزئيات لا قيمة لها ولا أثر يذكر، ليس لها أصل في الكتاب أو السنة، وإنما هي أعمال يقنع نفسه بجدواها، ومشاريع وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع) (1).
8 -
عدم الغضب إذا انتهكت محارم الله:
فمن ماتت لديه الغيرة لدين الله وأصيب بالفتور، لا تغضبه المنكرات، ولا يحاول أن يغير المنكر باليد أو باللسان، قال صلى الله عليه وسلم:((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) (2).
قال الغزالي: (فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة وخسة النفس في احتمال الذل والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه)(3).
9 -
عدم الشعور بالمسؤولية:
ومن مظاهر الفتور (عدم استشعار المسئولية الملقاة على عاتقه، والتساهل والتهاون بالأمانة التي حمّله الله إياها، فلا تجد لديه الإحساس بعظم هذه الأمانة، والله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب: 72] وقد تحدثه ساعة ويحدثك أخرى، فلا تجد أن همّ الدعوة يجري في عروقه، أو يؤرق جفونه ويقضّ مضجعه. ومما يلحق بهذا الباب أنك تجد هذا الفاتر أصبح يعيش بلا هدف أو غاية سامية، فهبطت اهتماماته وسفلت غاياته، وذلت مطامحه ومآربه. وتبعا لذلك فلا قضايا المسلمين تشغله، ولا مصائبهم تحزنه، ولا شئونهم تعنيه، وإن حدث شيء من ذلك فعاطفة سرعان ما تبرد وتخمد ثم تزول)(4).
(1)((الفتور)) لناصر العمر (ص 39).
(2)
رواه مسلم (49).
(3)
((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 169).
(4)
((الفتور)) لناصر العمر (ص 37).