الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يباح من القسوة والغلظة والفظاظة
(اللين ورقة القلب هي الأصل في الكلام والتعامل حتى مع المخالفين كما قال تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: 46]. ولكن قد يعدل عنه إلى غيره حسب ما تقتضيه الحكمة ومقامات الأحوال)(1).
قال أبو حامد الغزالي: (قال سفيان لأصحابه: تدرون ما الرفق؟ قالوا: قل يا أبا محمد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها: الشدة في مواضعها واللين في موضعه والسيف في موضعه والسوط في موضعه؛ وهذه إشارة إلى أنه لا بد من مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق)(2).
وقال الجاحظ: (القساوة مكروهة من كل أحد إلا من الجند وأصحاب السلاح والمتولين للحروب؛ فإن ذلك غير مكروه منهم إذا كان في موضعه)(3).
وهذه المواطن التي يباح فيها القسوة والغلظة والفظاظة تخضع لقاعدة مراعاة المصالح والمفاسد.
قال فضل إلهي: (ولا يظنن أحد أنه إذا وجدت تلك الأحوال أو بعضه شرع في استخدام الشدة والقسوة في الدعوة من غير النظر إلى العواقب والنتائج .. بل يجب مراعاة ما يتوقع حدوثه عند استخدام الشدة والقسوة فإن تأكد لديه أن لجوءه إلى الشدة سيكون سبب حدوث منكر أعظم من المنكر الذي أراد إزالته أو ترك معروف أهم منه فليس له أن يلجأ إليها آنذاك)(4) والكلام وإن كان عن الدعوة فإنه عام في جميع الأحوال.
والمواطن التي تباح فيها القسوة والغلظة والفظاظة هي كالتالي:
1 -
في الجهاد:
جاء في قصة الحديبية حينما قال عروة بن مسعود الثقفي للرسول صلى الله عليه وسلم: ((فإني والله لأرى وجوها، وإني لأرى أوشابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر. قال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك)) (5).
الموقف الثاني:
((تناول عروة بن مسعودٍ الثقفي لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة واقفٌ على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد – أي لابس سلاح المقاتل من درع ونحوه - قال: فقرع يده ثم قال أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل والله لا تصل إليك. قال ويحك ما أفظك وأغلظك)) (6).
2 -
مجادلة الظالم المتعد من أهل الكتاب:
قال تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: 46].
3 -
مخاطبة المرأة للأجانب للضرورة:
(1) انظر: ((أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة)) لمحمد بن إبراهيم الحمد (55) بتصرف.
(2)
((إحياء علوم الدين))، لأبي حامد الغزالي (3/ 186).
(3)
((تهذيب الأخلاق)) للجاحظ (30).
(4)
((من صفات الداعية مراعاة أحوال المخاطبين)) لفضل إلهي (180).
(5)
رواه البخاري (2731).
(6)
رواه أحمد (4/ 323)(18930). من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما. والحديث أصله في البخاري (2731).
قال النووي: (إذا احتاجت المرأة إلى كلام غير المحارم في بيع أو شراء، أو غير ذلك من المواضع التي يجوز لها كلامه فيها، فينبغي أن تفخم عبارتها وتغلظها ولا تلينها مخافة من طمعه فيها، قال الإمام أبو الحسن الواحدي من أصحابنا في كتابه (البسيط): قال أصحابنا: المرأة مندوبة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في المقالة، لان ذلك أبعد من الطمع في الريبة، وكذلك إذا خاطبت محرما عليها بالمصاهرة، ألا ترى أن الله تعالى أوصى أمهات المؤمنين وهن محرمات على التأبيد بهذه الوصية، فقال تعالى: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب: 32]. قلت: هذا الذي ذكره الواحدي من تغليظ صوتها كذا قاله أصحابنا. قال الشيخ إبراهيم المروزي من أصحابنا: طريقها في تغليظه أن تأخذ ظهر كفها بفيها وتجيب) (1).
4 -
عند إقامة الحدود:
قال تعالى في حق الزناة: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النور: 2].
وعن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: (والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله)(2).
5 -
عند ظهور العناد والاستهزاء بالدين.
6 -
عند بدور مخالفة الشرع لدى من لا يتوقع منه ذلك (3).
كما في حديث شفاعة أسامة في المرأة المخزومية التي سرقت: ((فكلم فيها أسامة بن زيدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتشفع في حد من حدود الله. فقال له أسامة استغفر لي يا رسول الله)) (4).
(1)((الأذكار)) للنووي (1/ 280).
(2)
رواه البخاري (6786).
(3)
من رقم (4 - 6) انظر: ((من صفات الداعية مراعاة أحوال المخاطبين)) لفضل إلهي (180).
(4)
رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688) ، واللفظ له.