الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم سوء الظن والنهي عنه في القرآن والسنة
ذم سوء الظن والنهي عنه من القرآن الكريم:
- قال تعالى في ذم سوء الظن بالله تعالى وعاقبة من فعل ذلك: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [آل عمران: 154.]
قال ابن القيم: (فسر هذا الظن الذي لا يليق بالله بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وأنه يسلمه للقتل، وقد فسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقضائه وقدره، ولا حكمة له فيه، ففسر بإنكار الحكمة، وإنكار القدر، وإنكار أن يتم أمر رسوله، ويظهره على الدين كله .. وإنما كان هذا ظن السوء، وظن الجاهلية المنسوب إلى أهل الجهل، وظن غير الحق لأنه ظن غير ما يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وذاته المبرأة من كل عيب وسوء، بخلاف ما يليق بحكمته وحمده وتفرده بالربوبية والإلهيه، وما يليق بوعده الصادق الذي لا يخلفه وبكلمته التي سبقت لرسله أنه ينصرهم ولا يخذلهم، ولجنده بأنهم هم الغالبون، فمن ظن بأنه لا ينصر رسوله، ولا يتم أمره، ولا يؤيده ويؤيد حزبه، ويعليهم ويظفرهم بأعدائه، ويظهرهم عليهم، وأنه لا ينصر دينه وكتابه، وأنه يديل الشرك على التوحيد، والباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالا لا يقوم بعده أبدا، فقد ظن بالله ظن السوء، ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته، فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به العادلين به، فمن ظن به ذلك فما عرفه ولا عرف أسماءه ولا عرف صفاته وكماله)(1).
- وقال سبحانه في عاقبة من ظن به السوء: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [فصلت: 22 - 23].
قال أبو حيان الأندلسي: (هذا الظن كفر وجهل بالله وسوء معتقد يؤدي إلى تكذيب الرسل والشك في علم الإله)(2).
(1)((زاد المعاد في هدي خير العباد)) لابن القيم (3/ 206) بتصرف يسير، ((فتح القدير)) للشوكاني (1/ 449).
(2)
((البحر المحيط في التفسير)) لأبي حيان الأندلسي (9/ 300)
قال السعدي: (وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ بإقدامكم على المعاصي أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ فلذلك صدر منكم ما صدر، وهذا الظن، صار سبب هلاكهم وشقائهم ولهذا قال: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ الظن السيئ، حيث ظننتم به، ما لا يليق بجلاله. أَرْدَاكُمْ أي: أهلككم فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ لأنفسهم وأهليهم وأديانهم بسبب الأعمال التي أوجبها لكم ظنكم القبيح بربكم، فحقت عليكم كلمة العقاب والشقاء، ووجب عليكم الخلود الدائم، في العذاب، الذي لا يفتر عنهم ساعة)(1).
- ثم أوضح سبحانه صورة هذا الهلاك والخسران بقوله تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [الفتح: 6].
قال ابن القيم: (توعد الله سبحانه الظانين به ظن السوء بما لم يتوعد به غيرهم، كما قال تعالى: عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [الفتح: 6])(2).
وقال الشوكاني: (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات .. أي: يعذبهم في الدنيا بما يصل إليهم من الهموم والغموم بسبب ما يشاهدونه من ظهور كلمة الإسلام وقهر المخالفين له، وبما يصابون به من القهر والقتل والأسر، وفي الآخرة بعذاب جهنم .. عليهم دائرة السوء أي: ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين دائر عليهم، حائق بهم، والمعنى: أن العذاب والهلاك الذي يتوقعونه للمؤمنين واقعان عليهم نازلان بهم
…
وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا) (3).
- وقال سبحانه في ذم سوء الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12].
قال ابن كثير: (قال تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا)(4).
وقال السعدي: (نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين، فـ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وذلك، كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء، الذي يقترن به كثير من الأقوال، والأفعال المحرمة، فإن بقاء ظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي، وفي ذلك أيضًا، إساءة الظن بالمسلم، وبغضه، وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه)(5).
ذم سوء الظن والنهي عنه من السنة النبوية:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث)) (6).
(1)((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (1/ 747)
(2)
((الداء والدواء)) لابن القيم (1/ 138).
(3)
انظر ((فتح القدير)) للشوكاني (5/ 54) بتصرف يسير.
(4)
((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (7/ 377)
(5)
((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (1/ 801)
(6)
رواه البخاري (5143)، ومسلم (2563).
قال الصنعاني: (المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظن)) سوء الظن به تعالى وبكل من ظاهره العدالة من المسلمين - وقوله فإن الظن أكذب الحديث سماها حديثا؛ لأنه حديث النفس، وإنما كان الظن أكذب الحديث؛ لأن الكذب مخالفة الواقع من غير استناد إلى أمارة، وقبحه ظاهر لا يحتاج إلى إظهاره. وأما الظن فيزعم صاحبه أنه استند إلى شيء فيخفى على السامع كونه كاذبا بحسب الغالب فكان أكذب الحديث، والحديث وارد في حق من لم يظهر منه شتم ولا فحش ولا فجور) (1).
وقال الملا علي القاري: (إياكم والظن أي احذروا اتباع الظن في أمر الدين الذي مبناه على اليقين قال تعالى: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَاّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [يونس: 36] قال القاضي: التحذير عن الظن فيما يجب فيه القطع أو التحدث به عند الاستغناء عنه أو عما يظن كذبه .. أو اجتنبوا الظن في التحديث والإخبار، ويؤيده قوله: (فإن الظن): في موضع الظاهر زيادة تمكين في ذهن السامع حثا على الاجتناب أكذب الحديث) (2).
- وعن صفية بنت حيي قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا أو قال: شيئا)) (3).
قال النووي: (الحديث فيه فوائد منها بيان كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومراعاته لمصالحهم وصيانة قلوبهم وجوارحهم وكان بالمؤمنين رحيما فخاف صلى الله عليه وسلم أن يلقى الشيطان فى قلوبهما فيهلكا فإن ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع والكبائر غير جائزة عليهم وفيه أن من ظن شيئا من نحو هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر .. وفيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان وطلب السلامة والاعتذار بالأعذار الصحيحة وأنه متى فعل ما قد ينكر ظاهره مما هو حق وقد يخفى أن يبين حاله ليدفع ظن السوء)(4).
- وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم)) (5).
(1) انظر: ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 664، 665).
(2)
((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح) للملا علي القاري (8/ 3147).
(3)
رواه البخاري (3281)، ومسلم (2175).
(4)
((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنووي (14/ 156 - 157).
(5)
رواه أبو داود (4889)، وأحمد (6/ 4)(23866)، والطبراني (8/ 108)(7516)، والحاكم (4/ 419)، والبيهقي (8/ 333)(17402). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 242):[فيه] إسماعيل بن عياش وجبير بن نفير أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو في التابعين وكثير بن مرة نص الأئمة على أنه تابعي وذكره عبدان في الصحابة، قال الهيثمى (5/ 218): رواه أحمد والطبرانى، ورجاله ثقات، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 469) كما قال في المقدمة، والسيوطي في ((الجامع الصغير)) (1956)، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
قال المناوي: (إن الأمير إذا ابتغى الريبة: أي طلب الريبة أي التهمة في الناس بنية فضائحهم أفسدهم وما أمهلهم وجاهرهم بسوء الظن فيها فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ورموا به ففسدوا ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل وعدم تتبع العورات فإن بذلك يقوم النظام ويحصل الانتظام والإنسان قل ما يسلم من عيبه فلو عاملهم بكل ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع واتسع المجال بل يستر عيوبهم ويتغافل ويصفح ولا يتبع عوراتهم ولا يتجسس عليهم)(1).
أقوال السلف والعلماء في ذم سوء الظن:
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه خزية فقد ظلم)(2).
- وعنه أيضاً: (ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن)(3).
- وقال ابن عباس: (إن الله قد حرم على المؤمن من المؤمن دمه وماله وعرضه وأن يظن به ظن السوء)(4).
- وقال ابن مسعود: (الأمانة خير من الخاتم. والخاتم خير من ظن السوء)(5).
- وقال سلمان الفارسي: (إني لأعد غراف قدري مخافة الظن)(6).
- وقال ابن عطية: (كان أبو العالية يختم على بقية طعامه مخافة سوء الظن بخادمه)(7).
- وقال القاضي عياض: (ظن السوء بالأنبياء كفر)(8).
- وقال الغزالي: (سوء الظن غيبة بالقلب)(9).
- وقال الخطابي: (الظن منشأ أكثر الكذب)(10).
- وقال إسماعيل بن أمية: (ثلاث لا يعجزن ابن آدم الطيرة وسوء الظن والحسد قال فينجيك من الطيرة ألا تعمل بها وينجيك من سوء الظن ألا تتكلم به وينجيك من الحسد ألا تبغي أخاك سوءا)(11).
- وقال الحارث المحاسبي: (احم القلب عن سوء الظن بحسن التأويل)(12).
(1)((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) للمناوي (2/ 323)
(2)
ذكره الزمخشري في ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) (3/ 257).
(3)
ذكره الزمخشري في ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) (3/ 257).
(4)
((إحياء علوم الدين)) لأبي حامد الغزالي (2/ 177)، قال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/ 221): أخرجه الحاكم في التاريخ من حديث ابن عباس دون قوله: و (عرضه)، ورجاله ثقات.
(5)
ذكره ابن عطية في ((المحرر الوجيز)) (5/ 134). وقد رواه ابن أبي شيبة مسندا عن أبي ذر (13/ 341)
(6)
ذكره ابن عطية في ((المحرر الوجيز)) (5/ 134).
(7)
((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) لابن عطية (5/ 151)
(8)
((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (7/ 63)
(9)
((إحياء علوم الدين)) لأبي حامد الغزالي (2/ 177)
(10)
((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) لبدر الدين العيني (23/ 232)
(11)
((غريب الحديث)) للخطابي (1/ 85)
(12)
((رسالة المسترشدين)) للحارث المحاسبي (1/ 89)