الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم الغدر والنهي عنه في القرآن والسنة
ذم الغدر والنهي عنه في القرآن الكريم:
- قال تعالى: وَلَا تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللهِ [النحل: 92].
قال ابن كثير: (
…
لأن الكافر إذا رأى المؤمن قد عاهده، ثم غدر به لم يبق له وثوق بالدين، فانصدّ بسببه عن الدخول في الإسلام) (1).
وقال ابن زيد، في قوله: تتخذون أيمانكم دخلا بينكم [النحل: 92] يغر بها، يعطيه العهد يؤمنه وينزله من مأمنه، فتزل قدمه وهو في مأمن، ثم يعود يريد الغدر، دَخَلا بَيْنَكُمْ [النحل: 92] قَالَ قَتَادَةُ: خِيَانَةً وَغَدْرًا (2).
وقال المراغي: (أي تجعلون أيمانكم التي تحلفون بها على أنكم موفون بالعهد لمن عاقدتم- خديعة وغروراً ليطمئنوا إليكم، وأنتم مضمرون لهم الغدر وترك الوفاء بالعهد، والنّقلة إلى غيرهم من أجل أنهم أكثر منهم عدداً وعدداً وأعز نفراً، بل عليكم بالوفاء بالعهود والمحافظة عليها في كل حال)(3).
- قال تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 91].
قال الطبري: (إن الله تعالى أمر في هذه الآية عباده بالوفاء بعهوده التي يجعلونها على أنفسهم، ونهاهم عن نقض الأيمان بعد توكيدها على أنفسهم لآخرين بعقود تكون بينهم بحق مما لا يكرهه الله)(4).
قال الماوردي: (لا تنقضوها بالغدر بعد توكيدها بالوفاء)(5).
- قوله تعالى: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ [الأنفال: 58].
قال الحافظ ابن كثير: (يقول تعالى لنبيه، صلوات الله وسلامه عليه وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ قد عاهدتهم خِيَانَةً أي: نقضًا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهود، فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ أي: عهدهم عَلَى سَوَاءٍ أي: أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم حتى يبقى علمك وعلمهم بأنك حرب لهم، وهم حرب لك، وأنه لا عهد بينك وبينهم على السواء، أي: تستوي أنت وهم في ذلك)(6).
وقال العلامة السعدي: (وإذا كان بينك وبين قوم عهد وميثاق على ترك القتال فخفت منهم خيانة، بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة. فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عهدهم، أي: ارمه عليهم، وأخبرهم أنه لا عهد بينك وبينهم. عَلَى سَوَاءٍ أي: حتى يستوي علمك وعلمهم بذلك، ولا يحل لك أن تغدرهم، أو تسعى في شيءٍ مما منعه موجب العهد، حتى تخبرهم بذلك. إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ بل يبغضهم أشد البغض، فلا بد من أمر بيِّنٍ يبرئكم من الخيانة
…
ودل مفهومها أيضاً أنه إذا لم يُخَفْ منهم خيانة، بأن لم يوجد منهم ما يدل على ذلك، أنه لا يجوز نبذ العهد إليهم، بل يجب الوفاء إلى أن تتم مدته) (7).
- قال تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً [الإسراء: 34].
قال القاسمي: (لا تنقضوا العهود الجائزة بينكم وبين من عاهدتموهم، فتخفروها وتغدروا بمن أعطيتموه إياها)(8).
(1)((تفسير القرآن العظيم)) (4/ 600).
(2)
((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) للطبري (14/ 346).
(3)
((تفسير المراغي)) (14/ 134).
(4)
((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) (14/ 340).
(5)
((النكت والعيون)) (3/ 210).
(6)
((تفسير القرآن العظيم)) (4/ 79).
(7)
((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (ص324).
(8)
((محاسن التأويل)) (6/ 460).
وقال الراغب: (ولكون الوفاء سبباً لعامة الصلاح. والغدر سبباً لعامة الفساد، عظم الله أمرهما، وأعاد في عدة مواضع ذكرهما، فقال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء: 34]، وقال: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ)(1).
وقال ابن رجب: (ويدخل في العُهود التي يجب الوفاءُ بها، ويحرم الغَدْرُ فيها: جميعُ عقود المسلمين فيما بينهم، إذا تَرَاضَوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاءُ بها، وكذلك ما يجبُ الوفاء به لله عز وجل ممَّا يعاهدُ العبدُ ربَّه عليه من نذرِ التَّبرُّرِ ونحوه)(2).
ذم الغدر والنهي عنه من السنة النبوية:
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان)) (3).
قال ابن بطال: (وهذه مبالغة في العقوبة وشدة الشهرة والفضيحة)(4).
وقال النووي: (لكل غادر لواء أي علامة يشهر بها في الناس لأن موضوع اللواء الشهرة مكان الرئيس علامة له وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر لتشهيره بذلك)(5).
وقال ابن عثيمين: (وفي هذا الحديث دليل على أن الغدر من كبائر الذنوب، لأن فيه هذا الوعيد الشديد)(6).
- وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربع، من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)) (7).
قال المناوي: (وإذا عاهد غدر) أي: نقض العهد (8).
وقال العظيم آبادي: (وإذا عاهد غدر) أي: نقض العهد وترك الوفاء بما عاهد عليه (9).
وقال ابن عثيمين: (وإذا عاهد غدر) يعني: إذا أعطى عهدًا على أي شيء من الأشياء غدر به ونقض العهد، وهذا يشمل المعاهدة مع الكفار، والمعاهدة مع المسلم في بعض الأشياء ثم يغدر بذلك (10).
- وفي حديث هرقل الطويل مع أبي سفيان عندما سأله عن النبي: ((فهل يغدر؟ قال: لا، ثم قال هرقل: وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون)) (11).
قال ابن بطال: قد جاء فضل الوفاء بالعهد وذم الختر في غير موضع في الكتاب والسنة، وإنما أشار البخاري في هذا الحديث إلى سؤال هرقل لأبى سفيان: هل يغدر؟ إذ كان الغدر عند كل أمة مذموماً قبيحاً، وليس هو من صفات رسل الله، فأراد أن يمتحن بذلك صدق النبي؛ لأن من غدر ولم يفِ بعهد لا يجوز أن يكون نبياً؛ لأن الأنبياء والرسل عليهم السلام أخبرت عن الله بفضل من وفى بعهد وذم من غدر وختر (12).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعط أجره)) (13).
قال المهلب: قوله: (أعطى بي ثم غدر) يريد: نقض عهداً عاهده عليه (14).
(1)((تفسير الراغب)) (2/ 659).
(2)
((جامع العلوم والحكم)) (3/ 1255).
(3)
رواه مسلم (1736)، بهذا اللفظ، ورواه البخاري ومسلم بألفاظ مختلفة، من حديث أبي سعيد، وابن عمر، وأنس رضي الله عنهم.
(4)
((شرح صحيح البخاري)) (5/ 357).
(5)
((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) (12/ 43).
(6)
((شرح رياض الصالحين)) (6/ 273).
(7)
رواه البخاري (2227).
(8)
((فيض القدير)) (1/ 463).
(9)
((عون المعبود)) (12/ 289).
(10)
((شرح رياض الصالحين)) (6/ 166).
(11)
رواه البخاري (2941)، ومسلم (1773).
(12)
((شرح صحيح البخاري)) (5/ 356).
(13)
رواه البخاري (2227).
(14)
((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (6/ 345).
وقال المناوي: (ثم غدر) أي: نقض العهد الذي عاهد عليه لأنه جعل الله كفيلاً له فيما لزمه من وفاء ما أعطى والكفيل خصم المكفول به للمكفول له (1).
وقال الصنعاني: فيه دلالة على شدة جرم من ذكر وأنه تعالى يخصمهم يوم القيامة نيابة عمن ظلموه، وقوله أعطى بي أي: حلف باسمي وعاهد أو أعطى الأمان باسمي وبما شرعته من ديني، وتحريم الغدر والنكث مجمع عليه (2).
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به)) (3).
قال ابن بطال: (دل أن الغدر حرام لجميع الناس برهم وفاجرهم؛ لأن الغدر ظلم، وظلم الفاجر حرام كظلم البر التقي. فإن قال قائل: فما وجه موافقة حديث ابن عباس للترجمة؟ قيل: وجه ذلك والله أعلم أن محارم الله عهود إلى عباده، فمن انتهك منها شيئاً لم يف بما عاهد الله عليه، ومن لم يف فهو من الغادرين، وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة مَنَّ على أهلها كلهم مؤمنهم ومنافقهم، ومعلوم أنه كان فيهم منافقون، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن مكة حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وأنه لا يحل قتال أحد فيها، وإذا كان هذا فلا يجوز الغدر ببر منهم ولا فاجر؛ إذ شمل جميعهم أمان النبي وعفوه عنهم)(4).
- وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء عند إسته يوم القيامة)) (5). وفي رواية: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة)) (6).
قال النووي: وفي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر لاسيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثيرين (7).
(1)((فيض القدير)) للمناوي (3/ 315).
(2)
((سبل السلام)) (2/ 116).
(3)
((سبل السلام)) (2/ 116).
(4)
((شرح صحيح البخاري)) (5/ 351).
(5)
رواه مسلم (1738)(15). والحديث روي بألفاظ مختلفة من حديث عبد الله بن مسعود، وابن عمر، وأنس رضي الله عنهم.
(6)
رواه مسلم (1738)(16). والحديث روي بألفاظ مختلفة من حديث عبد الله بن مسعود، وابن عمر، وأنس رضي الله عنهم.
(7)
((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) (12/ 44).