الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صور إفشاء السر
صور إفشاء السر المذموم:
1 -
إفشاء الأسرار الزوجية:
لقد جعل الله سبحانه وتعالى لكل من الزوجين حقوق وواجبات، ومن هذه الحقوق حفظ الأسرار الزوجية، فكل من الزوجين أمين على أسرار الآخر، يجب عليه حفظها وعدم إفشاءها، لاسيما أن حياتهم الزوجية مليئة بالأسرار التي لا يعلمها سواهم من البشر.
ومن أعظم هذه الأسرار وأشدها أسرار الجماع وما يجري بين الزوجين في الفراش، من الأشياء التي لا ينبغي لأحدهما إفشاؤها أو نشرها.
ولذلك حرم الشارع الكريم هذا العمل الذي يتنافى مع الأخلاق الإسلامية الحميدة.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الزوج أو الزوجة الذي ينشر الأسرار الزوجية بأنه شيطان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل منكم رجل أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم، قال: ثم يجلس بعد ذلك فيقول: فعلت كذا، فعلت كذا، فسكتوا، ثم أقبل على النساء؛ فقال: منكن من تحدث؟ فسكتن، فجثت فتاة كعاب، على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله إنهم ليحدثون، وإنهن ليحدثن، فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة، فقضى حاجته والناس ينظرون إليه)) (1).
بل بيّن بأن مفشي سر زوجه من أشر الناس منزلة يوم القيامة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه ثم ينشر سرها)) (2).
قال السفاريني: (يكره لكل من الزوجين التحدث بما صار بينهما ولو لضرتها
…
لأنه من السر وإفشاء السر حرام) (3).
وكذلك فكل من الزوجين مطالب بحفظ باقي الأسرار الأخرى التي تقع في الحياة الزوجية، بل حتى بعد الفراق بطلاق أو غيره، لا ينبغي له إفشاء ما كان بينه وبين زوجه من أسرار خاصة لا ينبغي إطلاع الغير عليها.
(يروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأة؛ فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته، فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ فقال مالي ولامرأة غيري)(4).
2 -
إفشاء أسرار الدولة:
إن إفشاء أسرار الدولة والتعاون مع الأعداء لتمكينهم من معرفة عتاد الدولة، ونقاط ضعفها وقوتها، لمن الأشياء التي حرمها الشارع الحكيم، وحذر منها. وعاقب عليها لأنها خيانة عظمى.
3 -
إفشاء وإعلان الذنوب التي يرتكبها:
عن زيد بن أسلم)) أن رجلا اعترف على نفسه بالزنى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور، فقال: فوق هذا فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته، فقال: دون هذا، فأتي بسوط قد ركب به ولان، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد، ثم قال: أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله؛ فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله)) (5).
(1) رواه أبو داود (2174). وصححه الألباني بشواهده في ((الإرواء)) (7/ 73)(2011).
(2)
رواه مسلم (1437).
(3)
((غذاء الألباب شرح منظومة الآداب)) للسفاريني (1/ 118).
(4)
((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/ 56).
(5)
رواه مالك (2/ 825)(12)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (8/ 565)(17574). قال ابن عبد البر في ((الاستذكار)) (7/ 497)،وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (8/ 617): رواه الشافعي، عن مالك باللفظ المذكور، ثم قال: هذا حديث منقطع، ليس مما تثبت به - هو نفسه - حجة، وقد رأيت (من) أهل العلم عندنا من يعرفه ويقول به. وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (7/ 363)(2328).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله؛ فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)) (1).
4 -
إفشاء أسرار المسلمين:
لقد نهى الشارع الكريم عن إفشاء أسرار المسلمين وأمر بسترها وكتمانها، لما في ذلك من حفظ لأعراضهم، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور: 19]. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)) (2).
صور إفشاء السر المحمود:
1 -
أداء الشهادة عند القاضي:
(والشهادة في حد ذاتها هي إخبار بالشيء السري الذي يخفى عن القاضي حقيقته، والمراد من أداء الشهادة: إظهار الأسرار لإثبات الحق في مجلس القضاء، وقد نهى الحق عن كتمان الشهادة: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283].
وكذلك لا تكون الشهادة إلا بالإخبار القاطع، والإخبار لا يكون قاطعاً إلا بالإخبار التفصيلي، كما هو حاله في الشهادة على الزنا، لابد من ذكر المكان والزمان والكيفية وذكر الفاعل والمفعول به وما إلى ذلك حتى تتوفر فيه الشروط المقررة في حد الزنا. وكذلك في الشهادة على السرقة، لابد من ذكر الكيفية والحرز والمقدار حتى تثبت بشهادتهم أن المشهود عليه قد فعل الجناية المستحقة للعقوبة) (3).
2 -
الحسبة وإفشاء الأسرار:
إن عمل المحتسب هو البحث عن المنكرات الظاهرة وتغييرها، لكن المنكر إذا كان سراً ولم يظهر أمام الناس فإن هذه المنكرات التي هي سر إذا ظهرت للمحتسب دون تجسس على أعراض الناس، لا يحق له أن يسكت عنها أو يغض الطرف عنها، بل يجب عليه تغييرها وإزالتها.
3 -
إفشاء الأسرار للإخوان لما فيه المصلحة العامة:
كأن يرى أي مصلحة أو فائدة فيها خير يعود نفعها على الإسلام والمسلمين، أو فرصة سانحة يمكن أن تنفذ الدعوة من خلالها إلى ميادين الخير، فالهدهد لما أفشى خبر بلقيس وقومها إلى نبي الله سليمان، كان ذلك باب خير وانتشار للدعوة، وبسبب ذلك دخلت بلقيس وقومها في الإسلام.
وكذلك الرجل الذي نقل خبر فرعون وقومه حينما كانوا يسعون لقتل موسى، فأفشى ذلك السر لموسى، وكان في ذلك نجاة لموسى من القتل بإذن الله. وغيرها من الأمثلة.
(1) رواه البخاري (6069).
(2)
رواه البخاري (2442)، ومسلم (2580).
(3)
((كتمان السر وإفشاؤه في الفقه الإسلامي)) لشريف بن أدول (ص113 - 114).