الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنواع الغش وصوره
1 -
الغش في البيع والشراء وغيرها من المعاملات المالية:
كأن يحصل الشخص على المال بطرق محرمة إما عن طريق الكذب أو كتمان عيب السلعة أو البخس في ثمنها أو التطفيف في وزنها، أو خلط الجيد بالرديء، وغيرها من الطرق المحرمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا فقال:((ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني)) (1).
قال ابن حجر مبيناً هذا النوع من الغش في البيع والشراء: (الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئا لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل)(2).
وقال المراغي: (ضروب الغشّ والاحتيال كما يقع من السماسرة من التلبيس والتدليس، فيزينون للناس السلع الرديئة والبضائع المزجاة، ويورطونهم في شرائها، ويوهمونهم ما لا حقيقة له، بحيث لو عرفوا الخفايا ما باعوا وما اشتروا)(3).
وقال ابن تيمية: (والغش يدخل في البيوع بكتمان العيوب وتدليس السلع، مثل أن يكون ظاهر المبيع خيرًا من باطنه، كالذي مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر عليه. ويدخل في الصناعات مثل الذين يصنعون المطعومات من الخبز والطبخ والعدس والشواء وغير ذلك، أو يصنعون الملبوسات كالنساجين والخياطين ونحوهم، أو يصنعون غير ذلك من الصناعات، فيجب نهيهم عن الغش والخيانة والكتمان)(4).
2 -
غش الراعي للرعية وغش الرعية للراعي:
فغش الرعية للراعي يكون بمدحه وإطرائه بما ليس فيه؛ كأن يذكروا له إنجازات لم يعملها، أو بعدم نصحه إذا رأو منه منكرا، وغير ذلك.
وأما غش الراعي للرعية:
ويقصد بالراعي؛ الرؤساء، والحكام، والمدراء، والرجل في أهله، وغيرهم ممن لهم الرعاية على غيرهم، ويكون الغش بظلمهم، وعدم النصح لهم.
فعن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)) (5).
قال ابن القيم رحمه الله: (وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء)(6).
وقال ابن عثيمين: (السبب التاسع من الأسباب التي يستحق فاعلها دخول النار دون الخلود فيها: الغش للرعية وعدم النصح لهم بحيث يتصرف تصرفا ليس في مصلحتهم ولا مصلحة العمل، لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد يسترعيه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)) (7)، وهذا يعم رعاية الرجل في أهله والسلطان في سلطانه وغيرهم لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلكم راع ومسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته)) (8). (9).
3 -
الغش في القول:
(1) رواه مسلم (102).
(2)
((الزواجر)) (1/ 396).
(3)
((تفسير المراغي)) (2/ 82).
(4)
((الحسبة في الإسلام)) (ص18).
(5)
رواه مسلم (142).
(6)
((تحفة المودود)) (ص142).
(7)
رواه مسلم (142).
(8)
رواه البخاري (893)، ومسلم (1829).
(9)
((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (20/ 387).
وذلك عند إدلاء الشاهد بالشهادة فيشهد بشهادة فيها زور وبهتان وكذب.
4 -
الغش في النصيحة:
ويكون الغش في النصيحة بعدم الصدق والإخلاص فيها، وهذا من علامات المنافقين، لأن المؤمنون نصحة والمنافقون غششة.
فعن جرير بن عبد الله، قال:((بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم)) (1).
وعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) (2).
5 -
الغش في تعلم العلم:
كأن يغش في الامتحانات ويحصل على شهادة لا يستحقها وقد يتبوأ بها منصباً وهو ليس أهلاً لذلك المنصب، وبهذا الغش يخرج جيل جاهل خامل منحرف، غير مؤهل لقيادة الأمة، ذو همة دنيئة.
وقد تكلم بعض العلماء عن هذا الجانب من الغش؛ نذكر من ذلك:
سؤال قدم للجنة الدائمة للإفتاء؛ مفاده: ما حكم من يغش في امتحانات الدراسة كمواد الكيمياء والطبيعة؟
فكان رد اللجنة ما يلي: الغش حرام في امتحانات الدراسة أو غيرها، وفاعله مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:((من غشنا فليس منا)) (3). ولا فرق في ذلك بين كون المواد الدراسية دينية أو غير دينية (4).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: (الغش محرَّم في الاختِبارات، كما أنَّه محرَّم في المعاملات، فليس لأحدٍ أن يغشَّ في الاختِبارات في أيَّة مادَّة، وإذا رضي الأستاذ بذلك فهو شريكُه في الإثم والخيانة)(5).
وقُدم له سؤال رحمه الله مفاده: ما قولُكم فيمَن يقول: إنَّ الغشَّ حرام فقط إذا كان في المواد والعلوم الشرعيَّة، ويكون مباحًا إذا كان في غيرها؛ كاللغة الإنجليزية أو التاريخ أو الرياضيات أو الهندسة أو نحوها؟
فقال رحمه الله: (الغش في جميع المواد حرام ومنكر؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن غشنا فليس مِنَّا)) (6)، وهذا لفظ عام يعمُّ الغش في المعاملات، وفي النصيحة والمشورة، وفي العلم بجميع مواده؛ الدينية والدنيوية، ولا يجوز للطالب ولا للمدرِّس فعل ذلك، ولا التساهُل فيه، ولا التغاضِي عنه؛ لعموم الحديث المذكور وما جاء في معناه، ولما يترتَّب على الغشِّ من المَفاسِد والأضرار والعَواقِب الوخيمة) (7).
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين: (وإن مما يؤسف له أن بعض الطلاب يستأجرون من يعد لهم بحوثاً أو رسائل يحصلون على شهادات علمية أو من يحقق بعض الكتب فيقول لشخص حضر لي تراجم هؤلاء وراجع البحث الفلاني ثم يقدمه رسالة ينال بها درجة يستوجب بها أن يكون في عداد المعلمين أو ما أشبه ذلك فهذا في الحقيقة مخالف لمقصود الجامعة ومخالف للواقع وأرى أنه نوع من الخيانة لأنه لابد أن يكون المقصود من الرسالة هو الدراسة والعلم قبل كل شيء فإذا كان المقصود من ذلك الشهادة فقط فإنه لو سئل بعد أيام عن الموضوع الذي حصل على الشهادة فيه لم يجب لهذا أحذر إخواني الذي يحققون الكتب أو الذين يحضرون رسائل على هذا النحو من العاقبة الوخيمة
…
) (8).
وسئل فضيلته أيضاً: ما نصائحكم للطلبة في أيام الامتحانات والإجازات؟
(1) رواه البخاري (57)، ومسلم (56).
(2)
رواه مسلم (55).
(3)
رواه مسلم (101).
(4)
((فتاوى اللجنة الدائمة - 1)) (12/ 199).
(5)
((مجموع فتاوى ومقالات ابن باز)) (6/ 397).
(6)
رواه مسلم (101).
(7)
((مجموع فتاوى ومقالات ابن باز)) (24/ 61).
(8)
((فتاوى يسألونك)) لحسان عفانة (11/ 204).
فأجاب بقوله: (نصيحتي للطلبة في أيام الامتحانات، وفي غير أيام الامتحانات وفي الإجازة: أن يتقوا الله عز وجل، وأن يخلصوا له النية في طلب العلم، وأن يؤدوا الأمانة في الامتحانات بحيث لا يحاول أحد منهم الغش لا لنفسه ولا لغيره؛ لأنه مؤتمن، ولأن من نجح بالغش فليس بناجح في الحقيقة، ثم إنه يترتب على غشه أنه سينال بشهادته مرتبة لا تحل إلا بالشهادة الحقيقة المبنية على الصدق، والإنسان إذا لم ينجح إلا بالغش فإنه لم ينجح في الحقيقة، ثم إنه سوف يكون فاشلاً ليتولى منصبًا يتولاه من حصل على الشهادة التي غش فيها، إذ أنه ليس عنده علم فبقي فاشلاً في أداء مهمته، ولا فرق في ذلك بين مادة وأخرى فجميع المواد لا يجوز فيها الغش، وما اشتهر عند بعضهم بأنه يجوز الغش في بعض المواد فإنه لا وجه له)(1).
6 -
عدم الوفاء بالعقود:
كالعقود التي تعمل في الإنشاءات والمقاولات، وغيرها من المعاملات التي أبرمت فيها العقود، فعدم الوفاء بها يعتبر من الغش المحرم، والله سبحانه يأمر بالوفاء وعدم الغش حيث يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1]
7 -
الغش في الديانات:
قال ابن تيمية: (فأما الغش والتدليس في الديانات فمثل البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة من الأقوال والأفعال، مثل إظهار المكاء والتصدية في مساجد المسلمين، ومثل سب جمهور الصحابة وجمهور المسلمين، أو سب أئمة المسلمين، ومشايخهم، وولاة أمورهم، المشهورين عند عموم الأمة بالخير. ومثل التكذيب بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تلقاها أهل العلم بالقبول. ومثل رواية الأحاديث الموضوعة المفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومثل الغلو في الدين بأن ينزل البشر منزلة الإله. ومثل تجويز الخروج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم. ومثل الإلحاد في أسماء الله وآياته، وتحريف الكلم عن مواضعه، والتكذيب بقدر الله، ومعارضة أمره ونهيه بقضائه وقدره. ومثل إظهار الخزعبلات السحرية والشعبذة الطبيعية وغيرها التي يضاهى بها ما للأنبياء والأولياء من المعجزات والكرامات، ليصد بها عن سبيل الله، أو يظن بها الخير فيمن ليس من أهله، وهذا باب واسع يطول وصفه)(2).
ومن صور الغش أيضاً: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم الإنكار على الأصحاب والأقارب محاباة لهم ومداهنة.
(1)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (26/ 459).
(2)
((الحسبة في الإسلام)) (ص43).