الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صور الكذب
للكذب صور كثيرة منها:
1 -
الكذب على الله تعالى ورسوله:
وهذا أعظم أنواع الكذب، (والكذب على الله نوعان:
النوع الأول أن يقول: قال الله كذا، وهو يكذب.
والنوع الثاني: أن يفسر كلام الله بغير ما أراد الله، لأن المقصود من الكلام معناه، فإذا قال: أراد الله بكذا كذا وكذا، فهو كاذب على الله، شاهد على الله بما لم يرده الله عز وجل، لكن الثاني إذا كان عن اجتهاد وأخطأ في تفسير الآية فإن الله تعالى يعفو عنه؛ لأن الله قال: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] وقال: لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا [البقرة: 286] وأما إذا تعمد أن يفسر كلام الله بغير ما أراد الله، اتباعاً لهواه أو إرضاء لمصالح أو ما أشبه ذلك، فإنه كاذب على الله عز وجل (1).
وقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ [الأنعام: 93].
(يقول تعالى: لا أحد أعظم ظلما، ولا أكبر جرما، ممن كذب على الله. بأن نسب إلى الله قولا أو حكما وهو تعالى بريء منه، وإنما كان هذا أظلم الخلق، لأن فيه من الكذب، وتغيير الأديان أصولها، وفروعها، ونسبة ذلك إلى الله ما هو من أكبر المفاسد.
ويدخل في ذلك، ادعاء النبوة، وأن الله يوحي إليه، وهو كاذب في ذلك، فإنه -مع كذبه على الله، وجرأته على عظمته وسلطانه يوجب على الخلق أن يتبعوه، ويجاهدهم على ذلك، ويستحل دماء من خالفه وأموالهم.
ويدخل في هذه الآية، كل من ادعى النبوة، كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي والمختار، وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف) (2).
قال الله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر: 60].
وقال سبحانه: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ
…
[الأعراف: 37].
وقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33].
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) (3).
وقال: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين)) (4).
(وأكثر الناس كذبًا على رسول الله هم الرافضة الشيعة، فإنه لا يوجد في طوائف أهل البدع أحد أكثر منهم كذبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نص على هذا علماء مصطلح الحديث رحمهم الله، لما تكلموا على الحديث الموضوع قالوا: إن أكثر من يكذب على الرسول هم الرافضة الشيعة، وهذا شيء مشاهد ومعروف لمن تتبع كتبهم)(5).
2 -
الكذب على الناس:
(1)((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 156) بتصرف.
(2)
((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 264).
(3)
رواه البخاري (110)، ومسلم (3) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
رواه مسلم في باب وجوب الرواية عن الثقات، والترمذي (2662)، وابن ماجه (41)، وأحمد (4/ 255)(18266) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(5)
((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 156 - 157).
(كذب يظهر الإنسان فيه أنه من أهل الخير والصلاح والتقى والإيمان وهو ليس كذلك، بل هو من أهل الكفر والطغيان والعياذ بالله، فهذا هو النفاق، النفاق الأكبر الذين قال الله فيهم: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8] لكنهم يقولون بألسنتهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون، وشواهد ذلك في القرآن والسنة كثيرة، إنهم - أعني المنافقين أهل الكذب يكذبون على الناس في دعوى الإيمان وهم كاذبون، وانظر إلى قول الله تعالى في سورة (المنافقون) حيث صدر هذه السورة ببيان كذبهم حيث قال تعالى: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون: 2] أكدوا هذه الجملة بكم مؤكد؟ بثلاثة مؤكدات، (نشهد)(إن)(اللام) ثلاثة مؤكدات، يؤكدون أنهم يشهدون أن محمدًا رسول الله، فقال الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون: 1] في قولهم (نشهد إنك لرسول الله) هذا أيضًا من أنواع الكذب، وهو أشد أنواع الكذب على الناس؛ لأن فاعله والعياذ بالله منافق) (1).
3 -
الكذب في الحديث بين الناس:
(الكذب في الحديث الجاري بين الناس يقول: قلت لفلان كذا وهو لم يقله، قال فلان كذا وهو لم يقله، جاء فلان وهو لم يأت وهكذا، هذا أيضاً محرم ومن علامات النفاق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب
…
)) (2)) (3).
4 -
كذب الحكام على الشعوب:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: الشيخ الزاني، والإمام الكاذب، والعائل المزهو)) (4).
5 -
الكذب لإضحاك الناس:
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له)) (5).
قال المناوي في شرحه للحديث: (كرره إيذانا بشدة هلكته؛ وذلك لأن الكذب وحده رأس كل مذموم، وجماع كل فضيحة، فإذا انضم إليه استجلاب الضحك الذي يميت القلب ويجلب النسيان ويورث الرعونة كان أقبح القبائح، ومن ثم قال الحكماء: إيراد المضحكات على سبيل السخف نهاية القباحة)(6).
قال ابن عثيمين: (وهذا يفعله بعض الناس ويسمونها (النكت)، يتكلم بكلام كذب ولكن من أجل أن يضحك الناس، هذا غلط، تكلم بكلام مباح من أجل أن تدخل السرور على قلوبهم، وأما الكلام الكذب فهو حرام) (7).
(والحكمة من هذا المنع أنه يجر إلى وضع أكاذيب ملفقة على أشخاص معينين يؤذيهم الحديث عنهم، كما أنه يعطي ملكة التدرب على اصطناع الكذب وإشاعته فيختلط في المجتمع الحق بالباطل والباطل بالحق)(8).
6 -
المبالغة في الإطراء والمدح:
(1)((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 157).
(2)
رواه البخاري (33)، ومسلم (59) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 158).
(4)
رواه البزار (6/ 493)(2529) من حديث سلمان رضي الله عنه. وجوَّد إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 189)، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (6/ 258): رجاله رجال الصحيح غير العباس بن أبي طالب، وهو ثقة. وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2398).
(5)
رواه أبو داود (4990)، والترمذي (2315)، وأحمد (5/ 5)(20067) من حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه. وحسنه الترمذي، وقال ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (1/ 18): له طرق إلى بهز وهو ثابت إليه وبهز حديثه حسن. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (9648).
(6)
((فيض القدير)) للمناوي (6/ 368).
(7)
((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 117).
(8)
((الأخلاق الإسلامية)) لعبدالرحمن الميداني (1/ 495).
(تمدح الناس مدرجة إلى الكذب، والمسلم يجب أن يحاذر حينما يثني على غيره فلا يذكر إلا ما يعلم من خير، ولا يجنح إلى المبالغة في تضخيم المحامد وطيِّ المثالب، ومهما كان الممدوح جديراً بالثناء فإن المبالغة في إطرائه ضرب من الكذب المحرم)(1).
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب)) (2).
قال النووي: (اعلم أن مدح الإنسان والثناء عليه بجميل صفاته قد يكون في حضور الممدوح، وقد يكون بغير حضوره، فأما الذي في غير حضوره، فلا منع منه إلا أن يجازف المادح ويدخل في الكذب، فيحرم عليه بسبب الكذب لا لكونه مدحا، ويستحب هذا المدح الذي لا كذب فيه إذا ترتب عليه مصلحة ولم يجر إلى مفسدة بأن يبلغ الممدوح فيفتتن به، أو غير ذلك)(3).
7 -
كذب التاجر في بيان سلعته:
فعن عبد الله بن أبي أوفى قال: أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف بالله: لقد أعطي بها مالم يعط ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ
…
[آل عمران: 77].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم
…
)) (4).
8 -
الكذب على الأولاد:
فكثيرًا ما يكذب الوالدان على أولادهما الصغار؛ رغبةً في التخلص منهم، أو تخويفاً لهم؛ كي يكفُّوا عن العبث واللعب، أو حفزًا لهم كي يجِدّوا في أمر ما، أو غير ذلك (5).
9 -
شهادة الزور:
(الحيف في الشهادة من أشنع الكذب، فالمسلم لا يبالي إذا قام بشهادة ما أن يقرر الحق ولو على أدنى الناس منه وأحبهم إليه، لا تميل به قرابة ولا عصبية، ولا تزيغه رغبة أو رهبة.
وتزكية المرشحين لمجالس الشورى، أو المناصب العامة، نوع من أنواع الشهادة فمن انتخب المغموط في كفايته وأمانته، فقد كذب وزوَّر، ولم يقم بالقسط) (6).
فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا قلنا: بلى، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وكان متكئا فجلس وقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت)) (7).
10 -
المبالغة في المعاريض:
لا ريب أن في المعاريض مندوحةً عن الكذب، ولكن هناك من يبالغ في المعاريض، ويتوسع فيها توسعًا يخرجه عن طوره، ويجعله يدخل فيها ما ليس منها، فتجده يقلب الحقائق، وينال من الآخرين، ويُلبس عليهم، ويحصل على مآربه بالمراوغة والمخاتلة، مما يوقعه في الكذب، فَتُفْقَدُ الثقة به، وبحديثه (8).
11 -
الكذب السياسي:
الكذب الذي يقوم على القاعدة الميكافيلية التي تقول: إن الغاية تبرر الوسيلة أو الغاية تسوغ الواسطة. وهذه القاعدة الفاجرة الكافرة يأخذ بها غالبية السياسيين (9).
(1)((خلق المسلم)) للغزالي (ص: 36).
(2)
رواه الترمذي (2394)، وابن عدي في ((الكامل)) (4/ 375).
(3)
((الأذكار)) للنووي (ص: 276).
(4)
رواه البخاري (2369) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
((الكذب مظاهره - علاجه)) لمحمد الحمد.
(6)
((خلق المسلم)) للغزالي (ص: 37).
(7)
رواه البخاري (5976)، ومسلم (87).
(8)
((الكذب مظاهره - علاجه)) لمحمد الحمد.
(9)
((الكذب مظاهره - علاجه)) لمحمد الحمد.