الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم الذل في القرآن والسنة
ذم الذل والنهي عنه في القرآن الكريم:
- قال تعالى: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [البقرة: 61].
قال ابن كثير: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أي: وضعت عليهم وألزموا بها شرعا وقدرا، أي: لا يزالون مستذلين، من وجدهم استذلهم وأهانهم، وضرب عليهم الصغار، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء متمسكنون .. وقال الضحاك: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ قال: الذل
…
وقال الحسن: أذلهم الله فلا منعة لهم، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين. ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية) (1).
- وقال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26].
قال الشوكاني: (قوله: وتذل من تشاء أي: في الدنيا، أو في الآخرة، أو فيهما)(2).
وقال أبو حيان الأندلسي: (تعز من تشاء وتذل من تشاء قيل: محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حين دخلوا مكة في اثني عشر ألفا ظاهرين عليها، وأذل أبا جهل وصناديد قريش حتى حزت رؤوسهم وألقوا في القليب. وقيل: بالتوفيق والعرفان، وتذل بالخذلان. وقال عطاء: المهاجرين والأنصار وتذل فارس والروم. وقيل: بالطاعة وتذل بالمعصية. وقيل: بالظفر والغنيمة وتذل بالقتل والجزية. وقيل: بالإخلاص وتذل بالرياء. وقيل بالغنى وتذل بالفقر. وقيل: بالجنة والرؤية وتذل بالحجاب والنار، قاله الحسن بن الفضل. وقيل: بقهر النفس وتذل باتباع الخزي، قاله الوراق. وقيل: بقهر الشيطان وتذل بقهر الشيطان إياه، قاله الكتاني. وقيل: بالقناعة والرضا وتذل بالحرص والطمع، وينبغي حمل هذه الأقاويل على التمثيل لأنه لا مخصص في الآية، بل الذي يقع به العز والذل مسكوت عنه)(3).
- وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152].
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ إلهًا سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ، بتعجيل الله لهم ذلك وذلة وهي الهوان، لعقوبة الله إياهم على كفرهم بربهم في الحياة الدنيا، في عاجل الدنيا قبل آجل الآخرة)(4).
وقال ابن عاشور: (معنى: نيل الذلة إياهم أنهم يصيرون مغلوبين لمن يغلبهم، فقد يكون ذلك بتسليط العدو عليهم، أو بسلب الشجاعة من نفوسهم. بحيث يكونون خائفين العدو، ولو لم يسلط عليهم، أو ذلة الاغتراب إذ حرمهم الله ملك الأرض المقدسة فكانوا بلا وطن طول حياتهم حتى انقرض ذلك الجيل كله، وهذه الذلة عقوبة دنيوية قد لا تمحوها التوبة، فإن التوبة إنما تقتضي العفو عن عقاب التكليف، ولا تقتضي ترك المؤاخذة بمصائب الدنيا، لأن العقوبات الدنيوية مسببات تنشأ عن أسبابها، فلا يلزم أن ترفعها التوبة إلا بعناية إلهية خاصة)(5).
(1)[3570])) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (1/ 282)
(2)
[3571])) ((فتح القدير)) للشوكاني (1/ 379)
(3)
[3572])) ((البحر المحيط في التفسير)) لأبي حيان الأندلسي (3/ 86)
(4)
[3573])) ((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (13/ 134)
(5)
[3574])) ((التحرير والتنوير)) للطاهر بن عاشور (9/ 119)
- وقال تعالى: قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [النمل: 34].
قال الشوكاني: (وجعلوا أعزة أهلها أذلة أي: أهانوا أشرافها، وحطوا مراتبهم، فصاروا عند ذلك أذلة وإنما يفعلون ذلك لأجل أن يتم لهم الملك، وتستحكم لهم الوطأة وتتقرر لهم في قلوبهم المهابة)(1).
وقال القاسمي: (معنى قولها إن الملوك إذا دخلوا قرية أي عنوة وقهرا أفسدوها أي أخربوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة أي بالقهر والغلبة والقتل والأسر ونهب الأموال وكذلك يفعلون)(2).
- وقال تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً [الإسراء:111].
قال الطبري: (ولم يكن له ولي من الذل يقول: ولم يكن له حليف حالفه من الذل الذي به، لأن من كان ذا حاجة إلى نصرة غيره، فذليل مهين، ولا يكون من كان ذليلا مهينا يحتاج إلى ناصر إلها يطاع)(3).
قال ابن كثير: (ولم يكن له ولي من الذل أي: ليس بذليل فيحتاج أن يكون له ولي أو وزير أو مشير، بل هو تعالى شأنه خالق الأشياء وحده لا شريك له، ومقدرها ومدبرها بمشيئته وحده لا شريك له، قال مجاهد في قوله: ولم يكن له ولي من الذل لم يحالف أحدا ولا يبتغي نصر أحد، وكبره تكبيرا أي: عظمه وأجله عما يقول الظالمون المعتدون علوا كبيرا)(4).
وقال القاسمي: (ولم يكن له ولي من الذل أي ناصر من الذل ومانع له منه، لاعتزازه به. أو لم يوال أحدا من أجل مذلة به، ليدفعها بموالاته)(5).
وقال ابن عطية: (قيد لفظ الآية نفي الولاية لله عز وجل بطريق الذل وعلى جهة الانتصار، إذ ولايته موجودة بتفضله ورحمته لمن والى من صالحي عباده)(6).
ذم الذل والنهي عنه في السنة النبوية:
- عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة الباهلي قال: ورأى سكة وشيئا من آلة الحرث، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل)) (7).
(1)[3575])) ((فتح القدير)) للشوكاني (4/ 159)
(2)
[3576])) ((محاسن التأويل)) للقاسمي (7/ 491)
(3)
[3577])) ((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (17/ 589)
(4)
[3578])) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 130)
(5)
[3579])) ((محاسن التأويل)) للقاسمي (6/ 523)
(6)
[3580])) ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) لابن عطية (3/ 493)
(7)
[3581])) رواه البخاري (2321).
- قال ابن بطال: (قال المهلب: معنى هذا الحديث - والله أعلم - الحض على معالي الأحوال، وطلب الرزق من أشرف الصناعات لما خشي النبي على أمته من الاشتغال بالحرث وتضييع ركوب الخيل والجهاد في سبيل الله، لأنهم إن اشتغلوا بالحرث غلبتهم الأمم الراكبة للخيل المتعيشة من مكاسبها، فحضهم على التعيش من الجهاد لا من الخلود إلى عمارة الأرض ولزوم المهنة، والوقوع بذلك تحت أيدي السلاطين وركاب الخيل. ألا ترى أن عمر قال: تمعددوا واخشوشنوا، واقطعوا الركب، وثبوا على الخيل وثبا لا يغلبكم عليها رعاة الإبل. أي دعوا التملك والتدلك بالنعمة، وخذوا أخشن العيش لتتعلموا الصبر فيه، فأمرهم بملازمة الخيل والتدريب عليها والفروسية، لئلا تملكهم الرعاة الذين شأنهم خشونة العيش، ورياضة أبدانهم بالوثوب على الخيل، وقد رأينا عاقبة وصيته فى عصرنا هذا بميلنا إلى الراحة والنعمة. قال المؤلف: فمن لزم الحرث وغلب عليه، وضيع ما هو أشرف منه، لزمه الذل كما قال عليه السلام، ويلزمه الجفاء فى خلقه لمخالطته من هو كذلك .... - فمن - شأن ملازمة هذه المهن توليد ما ذكر من هذه الصفات ومن الذل الذى يلزم من اشتغل بالحرث ما ينوبه من المؤنة بخراج الأرضين)(1).
- وعن تميم الداري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر)) وكان تميم الداري، يقول:(قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية)(2).
- وجاء من طريق المقداد بن الأسود الكندي رضي الله عنه بنحو حديث تميم رضي الله عنه وفيه بيان لصورة العز والذل فقال صلى الله عليه وسلم: ((يعزّهم الله فيجعلهم من أهلها أو يذلّهم فلا يدينوا لها)) (3).
قال المباركفوري: (وذل بضم الذال ذليل أي أو يذله الله بها – كلمة الإسلام - حيث أباها بذل سبي أو قتال حتى ينقادون لها طوعاً أو كرهاً، أو يذعن لها ببذل الجزية، والحديث مقتبس من قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33]، ثم فسر العز والذل بقوله إما يعزهم الله أو يذلهم (فيدينون لها) بفتح الياء أي فيطيعون وينقادون لها، من دان الناس أي ذلوا وأطاعوا) (4).
(1)[3582])) ((شرح صحيح البخارى)) لابن بطال (6/ 486)
(2)
[3583])) رواه أحمد (4/ 103)(16998)، والطبراني (2/ 58)(1280). والحاكم (4/ 477)، والبيهقي (9/ 181) (18400). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وقال الهيثمي (6/ 17): رجال أحمد رجال الصحيح، وقال الألباني في ((تحذير الساجد)) (158): على شرط مسلم وله شاهد على شرط مسلم أيضا ..
(3)
[3584])) رواه أحمد (6/ 4)(23865)، وابن حبان (15/ 92)(6699)، والطبراني (20/ 254)(601)، والحاكم (4/ 476)، والبيهقي (9/ 181) (18399). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وحسنه ابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (2/ 806)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (6/ 17): رجال الطبراني رجال الصحيح، وصحح إسناده الألباني في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (39)، وصححه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1159).
(4)
[3585])) ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (1/ 113 - 114) برقم (42)
وقال الألباني: (مما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان)(1).
- وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه. قالوا: وكيف يذلّ نفسه؟ قال: يتعرّض من البلاء لما لا يطيق)) (2).
ومعنى الحديث لا يجوز للمؤمن أن يأتي ما يكون سببا في ذله وهوانه بالتعرض لما لا يطيق من البلاء كان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر من لا يسلم غالبا من أذاه على نفسه وماله وأهله فليس له والحال كذلك أن يأمر أو ينهى لما يترتب عليه من ذل وهوان للمؤمن (3).
- وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة فقالت: ((يا رسول الله والله ما كان على ظهر الأرض خباء أحبّ إليّ من أن يذلّوا من أهل خبائك. وما أصبح اليوم على ظهر الأرض خباء أحبّ إليّ من أن يعزّوا من أهل خبائك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأيضا والّذي نفسي بيده)) (4).
قال بدر الدين العيني: (خباء هي الخيمة التي من الوبر أو الصوف على عمودين أو ثلاثة. وقال الكرماني: يحتمل أن تريد به نفسه صلى الله عليه وسلم فكنت عنه بذلك إجلالا له، وأهل بيته، والخباء يعبر به عن مسكن الرجل وداره. قوله: (قالت: وأيضا والذي نفسي بيده)، هذا جواب لهند بتصديق ما ذكرته يعني: وأنا أيضا بالنسبة إليك مثل ذلك، وقيل: معناه وأيضا ستزيدين في ذلك ويتمكن الإيمان في قلبك فيزيد حبك لرسول الله، صلى الله عليه وسلم ويقوى رجوعك عن غضبه، وهذا المعنى أولى وأوجه من الأول) (5).
(1)[3586])) ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) للألباني (1/ 32) برقم (3)
(2)
[3587])) رواه البخاري (3825)، ومسلم (1714).
(3)
[3588])) انظر ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للقاري (5/ 1739)، ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/ 251)
(4)
[3589])) انظر ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للقاري (5/ 1739)، ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/ 251).
(5)
[3590])) ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) لبدر الدين العيني (16/ 284)