الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النهي عن السخرية والاستهزاء في القرآن والسنة
النهي عن السخرية والاستهزاء في القرآن الكريم:
نهى الله سبحانه وتعالى عن السخرية والاستهزاء بكل أشكالها وأنواعها:
- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11].
قال ابن كثير: (ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم،
…
فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له؛
…
وقوله: وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ أي: لا تلمزوا الناس. والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون
…
وقوله: وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ أي: لا تتداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها. عن الشعبي قال: حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال: فينا نزلت في بني سلمة: وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دعي أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا: يا رسول الله، إنه يغضب من هذا. فنزلت: وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ (1)) (2).
وقال ابن جرير: (إن الله عمّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية، فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك)(3).
- وقال سبحانه: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَاّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة: 1 - 4].
(وَيْلٌ أي: وعيد، ووبال، وشدة عذاب لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله، فالهماز: الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز: الذي يعيبهم بقوله. ومن صفة هذا الهماز اللماز، أنه لا هم له سوى جمع المال وتعديده والغبطة به، وليس له رغبة في إنفاقه في طرق الخيرات وصلة الأرحام، ونحو ذلك)(4). (ولقد سجل القرآن الكريم عاقبة الساخرين والمستهزئين من المؤمنين وأخبر بانعكاس الوضعية يوم القيامة بصورة يصبح الساخرون موضع سخرية واستهزاء من طرف عباده المستضعفين في هذه الدنيا قال الحق سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [المطففين: 28 - 34])(5).
النهي عن السخرية والاستهزاء في السنة النبوية:
(1) رواه أبو داود (4962)، وابن ماجه (3030)، وأحمد (4/ 260)(18314)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6/ 466)(11516)، والطبراني (22/ 389)(968)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5/ 307)(6745). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(2)
((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (7/ 376).
(3)
((جامع البيان في تأويل القرآن)) لابن جرير (22/ 376).
(4)
((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص 934).
(5)
((قضايا اللهو والترفيه)) لمادون رشيد (ص 206).
- عن عائشة قالت قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ((حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة. فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته. قالت وحكيت له إنسانا فقال: ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا)) (1).
(وقوله: (وقالت بيدها) أي أشارت بها (تعني قصيرة) أي تريد عائشة كونها قصيرة وفي المشكاة قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة ((لقد مزجت بكلمة)) أي أعمالك ((لو مزج)) بصيغة المجهول أي لو خلط (بها) أي على تقدير تجسيدها وكونها مائعة (لمزج) بصيغة المجهول أيضا والمعنى تغير وصار مغلوبا. وفي المشكاة: لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته. قال القاري: أي غلبته وغيرته. قال القاضي: المزج الخلط والتغيير بضم غيره إليه) (2).
وقوله ((ما أحب أني حكيت إنسانا)): (أي فعلت مثل فعله أو قلت مثل قوله منقصا له يقال حكاه وحاكاه، قال الطيبي: وأكثر ما تستعمل المحاكاة في القبيح ((وأن لي كذا وكذا)) أي لو أعطيت كذا وكذا من الدنيا أي شيئا كثيرا منها بسبب ذلك فهي جملة حالية واردة على التعميم والمبالغة، قال النووي: من الغيبة المحرمة المحاكاة بأن يمشي متعارجا أو مطاطيا رأسه أو غير ذلك من الهيئات) (3).
- وعن أم هانئ، رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:((قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله تبارك وتعالى: وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ [العنكبوت: 29] ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه؟ قال: كانوا يسخرون بأهل الطريق ويخذفونهم)) (4).
قال المباركفوري: (اختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه فقيل كانوا يخذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب، وقيل كانوا يتضارطون في مجالسهم قالته عائشة، وقيل كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضا، وقيل كانوا يلعبون بالحمام، وقيل كانوا يناقرون بين الديكة ويناطحون بين الكباش؛ وقيل يبزق بعضهم على بعض ويلعبون بالنرد والشطرنج ويلبسون المصبغات)(5).
- وعن ابن مسعود، ((أنه كان يجتني سواكا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد)) (6).
- وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره التقوى هاهنا)) ويشير إلى صدره ثلاث مرات ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه)) (7).
قوله: ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) قال ابن عثيمين: (يعني يكفي المؤمن من الشر أن يحقر أخاه المسلم، وهذا تعظيم لاحتقار المسلم، وأنه شر عظيم، لو لم يأت الإنسان من الشر إلا هذا، لكان كافيا، فلا تحقرن أخاك المسلم، لا في خلقته ولا في ثيابه ولا في كلامه ولا في خلقه ولا غير ذلك، أخوك المسلم حقه عليك عظيم فعليك أن تحترمه وأن توقره، وأما احتقاره فإنه محرم، ولا يحل لك أن تحتقره، وكذلك حديث ابن مسعود وحديث جندب بن عبد الله رضي الله عنهما كلاهما يدل على تحريم احتقار المسلم، وأنه لا يحل له حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث بحديث ابن مسعود، أنه لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، قالوا يا رسول الله: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ظن الصحابة رضي الله عنهم أن الإنسان إذا تلبس لباسا حسنا وانتعل نعلا حسنا)(8).
(1) رواه أبو داود (4875)، والترمذي (2502)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3/ 113). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (118)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(2)
((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (7/ 177).
(3)
((فيض القدير)) للمناوي (5/ 524).
(4)
رواه الترمذي (3190)، وأحمد (6/ 341)(26935)، والحاكم (4/ 316)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5/ 310) (6755). قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (4/ 424):[فيه] سعيد بن زيد هو عندي في جملة من ينسب إلى الصدق، وقال البيهقي:[له متابعه].
(5)
((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (9/ 36).
(6)
رواه أحمد (1/ 420)(3991)، والبزار (5/ 221)(1827)، وابن حبان (15/ 546)(7069)، والطبراني (9/ 78) (8452). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/ 292): رجاله رجال الصحيح، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (6/ 39)، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2750): صحيح بطرقه الكثيرة.
(7)
رواه مسلم (2564).
(8)
((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 260).