الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في الاعتداد بقول التابعي المجتهد في إجماع الصحابة
…
مسألة: [في الاعتداد بقول التابعي المجتهد في إجماع الصحابة]
وإذا بلغ التابعي رتبة الاجتهاد في عصر الصحابة اعتد بخلافه في الإجماع عند الجمهور، واختاره أبو الخطاب1.
وقال القاضي وبعض الشافعية: لا يعتد به، وقد أومأ أحمد رضي الله عنه إلى القولين2.
وجه قول القاضي:
أن الصحابة شاهدوا التنزيل، وهم أعلم بالتأويل، وأعرف بالمقاصد، وقولهم حجة على من بعدهم، فهم مع التابعين كالعلماء مع العامة، ولذلك قدمنا تفسيرهم3.
1 انظر: التمهيد "3/ 267" وهو رأي الحنفية والمالكية وجمهور الشافعية، وهو ما اختاره ابن عقيل، والقاضي أبو الطيب الطبري، وأبو إسحاق الشيرازي، وابن الصباغ، وابن السمعاني.
وقال القاضي عبد الوهاب، الفقيه المالكي: الحق التفصيل، وهو: أن الواقعة إن حدثت للصحابة بعد أن صار التابعي من أهل الاجتهاد، كان كأحدهم لا إجماع لهم بدونه، وإن حدثت قبل أن يصير من أهل الاجتهاد، فأجمعوا على حكمها، أو اختلفوا، أو توقفوا، لم يعتد بقوله.
قال الطوفي: "قلت: ونحوه اختار الآمدي، والأشبه: أنه متى أدرك الخلاف فيها، أو التوقف، اعتبر قوله فيها، اختلافًا أو اتفاقًا" شرح المختصر "3/ 62".
2 الروايتان عن الإمام أحمد ذكرهما القاضي أبو يعلى في العدة "4/ 1153، 1157" وأبو الخطاب في التمهيد "3/ 267، 268".
3 ذكر القاضي أبو يعلى في العدة "4/ 1160" عدة وجوه تأييدًا لمذهبه، وأورد أدلة المخالفين وردّ عليها، وخلص من ذلك كله: أن للصحابة رضي الله عنهم مزايا لا توجد في التابعين، فلا يشاركهم التابعون في هذا الفضل.
وأنكرت عائشة رضي الله عنها على أبي سلمة1 حين خالف ابن عباس، قالت:"إنما مثلك مثل الفروج، سمع الديكة تصيح فصاح لصياحها"2.
ووجه الأول3:
أنه إذا بلغ رتبة الاجتهاد: فهو من الأمة، فإجماع غيره لا يكون إجماع كل الأمة، والحجة إجماع الكل.
نعم لو بلغ رتبة الاجتهاد بعد إجماعهم: فهو مسبوق بالإجماع، فهو كمن أسلم بعد تمام الإجماع.
ولا خلاف أن الصحابة رضي الله عنهم سوّغوا اجتهاد التابعين:
ولهذا ولى عمر رضي الله عنه "شريحًا"4 القضاء وكتب إليه:
1 هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، قيل: اسمه عبد الله وقيل: إسماعيل، وقيل: اسمه كنيته. كان ثقة كثير الحديث، روى عن أبيه وعن عثمان بن عفان وطلحة وعائشة وغيرهم.
توفي سنة 94هـ. وقيل: سنة 104هـ. "تهذيب التهذيب 12/ 115".
2 مخالفة أبي سلمة لابن عباس في عدة المتوفى عنها زوجها سيأتي تخريجها قريبًا، وليس فيها كلام السيدة عائشة رضي الله عنها والذي ورد فيه ذلك هو: ما رواه مالك في الموطأ: كتاب الطهارة، باب واجب الغسل إذا التقى الختانان وفيه:"قال أبو سلمة: سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ما يوجب الغسل؟ فقالت: هل تدري ما مثلك يا أبا سلمة؟ مثل الفروج يسمع الديكة تصرخ، فيصرخ معها، إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل".
3 أي المذهب الأول وهو مذهب جمهور العلماء، من أن التابعي إذا بلغ رتبة الاجتهاد اعتد برأيه في الإجماع.
4 هو: شريح بن الحارث بن قيس، أبو أمية الكندي، الكوفي، القاضي المشهور، تولى القضاء ستين سنة مات سنة 78هـ وقيل غير ذلك بعد أن عمر طويلًا. =
"ما لم تجد في السنة فاجتهد رأيك"1.
وقد علم أن كثيرًا من أصحاب عبد الله2، كعلقمة3، والأسود4، وغيرهما، وسعيد بن المسيب5، وفقهاء المدينة6 كانوا يفتون في عصر الصحابة رضي الله عنهم فكيف لا يعتد بخلافهم؟!
= انظر: "تذكرة الحفاظ 1/ 58، شذرات الذهب 1/ 85".
1 كتاب عمر رضي الله عنه إلى شريح أخرجه وكيع في كتابه: أخبار القضاة "2/ 189" بسنده إلى الشعبي ولفظه: "عن الشعبي قال: كتب عمر إلى شريح: ما في كتاب الله وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم فاقض به، فإذا أتاك ما ليس في كتاب الله ولم يقض به النبي عليه السلام فما قضى به أئمة العدل، وما لم يقض به أئمة العدل فأنت بالخيار، إن شئت أن تجتهد رأيك، وإن شئت تؤامرني، ولا أرى في مؤامرتك إياي إلا أسلم ذلك".
كما رواه بلفظ آخر قريب مما تقدم، جاء في آخره:".. فإن جاءك ما ليس في كتاب الله، ولم يسنه رسول الله، ولم يتكلم به أحد، فاختر أي الأمرين شئت، فإن شئت فتقدم واجتهد رأيك، وإن شئت فأخره، ولا أرى التأخير إلا خيرًا لك".
2 يعني: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وتقدمت ترجمته.
3 هو: علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي الهمداني، تابعي، كان يشبه ابن مسعود في هديه وسمته وفضله. توفي سنة 62هـ. "تأريخ بغداد 12/ 296".
4 هو: الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، الكوفي، تابعي، روى عن الخلفاء الأربعة، كما روى عن عائشة وغيرها. توفى سنة 75هـ. وقيل غير ذلك.
"تذكرة الحفاظ 1/ 50، تهذيب التهذيب 1/ 321".
5 هو: سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي، سيد التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة المنورة. توفي سنة 94هـ. "حلية الأولياء 2/ 161".
6 فقهاء المدينة هم: الذين عينهم عمر بن عبد العزيز لأخذ رأيهم في أمور المسلمين كمجلس استشاري له رضي الله عنه حتى روى أنه قال لهم: "إنما =
وقد روى الإمام أحمد في الزهد أن أنسًا1 سئل عن مسألة فقال: "سلوا مولانا الحسن2، فإنه غاب وحضرنا، وحفظ ونسينا"3 "وإنما
= دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعوانًا على الحق، ما أريد أن اقطع أمرًا إلا برأيكم، أو برأي من حضر منكم" وكانوا عشرة هم:
1-
عبد الله بن عامر بن ربيعة توفي سنة بضع وثمانين من الهجرة.
2-
عروة بن الزبير. توفي سنة 94هـ.
3-
أبو بكر بن عبد الرحمن. توفي سنة 94هـ.
4-
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة. توفي سنة 98هـ.
5-
خارجة بن زيد. توفي سنة 100هـ.
6-
عبد الله بن عبد الله بن عمرو. توفي سنة 105هـ.
7-
سالم بن عبد الله بن عمر. توفي سنة 106هـ.
8-
سليمان بن يسار. توفي سنة 107هـ.
9-
القاسم بن محمد. توفي سنة 108هـ.
10-
أبو بكر سليمان بن أبي حثْمة.
انظر: "تأريخ الطبري 6/ 427-428" ط. دار المعارف، عمر بن عبد العزيز وسياسته في رد المظالم، ماجدة فيصل زكريا ص73 ط مكتبة الطالب الجامعية مكة المكرمة".
1 يعنى: أنس بن مالك، تقدمت ترجمته.
2 هو: الحسن بن أبي الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد، تابعي عالم زاهد، ولد بالمدينة المنورة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتوفي سنة بالبصرة سنة 110هـ. "تذكرة الحفاظ 1/ 71".
3 هذا الأثر أخرجه ابن سعد في الطبقات "7/ 176" في ترجمة الحسن البصري وفيه:....... فقالوا: يا أبا حمزة نسألك وتقول: سلوا مولانا الحسن؟! فقال: إنا سمعنا وسمع، فحفظ ونسينا" وذكر مثله الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب "2/ 264".
يفضل الصحابي بفضيلة الصحبة"1 أليس فيكم أبو الشعثاء؟ يعني: جابر بن زيد2.
وروى نحوه عن جابر بن عبد الله3.
وإنما فضّل الصحابي بفضيلة الصحبة4، ولو كانت هذه الفضيلة تخصص الإجماع لسقط قول متأخري الصحابة بقول متقدميهم، وقول المتقدم منهم بقول العشرة5، وقول العشرة بقول الخلفاء، وقولهم بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وإنكار عائشة على أبي سلمة مخالفة ابن عباس قد خالفها أبو هريرة7 فقال:"أنا مع ابن اخي"8 هي قضية في عين،
1 يبدو أن هذه الجملة مكررة ولا محل لها هنا، وأن قوله "أليس فيكم أبو الشعثاء" من تمام الأثر. والله أعلم.
2 هو: جابر بن زيد الأزدي ثم الجوفي -نسبة إلى الجوف- محلة بالبصرة، فقيه ثقة، من مشاهير علماء التابعين. توفي سنة 93هـ. "البداية والنهاية 9/ 93".
3 تقدمت ترجمته.
4 هذه الجملة تؤكد أن الجملة السابقة مكررة.
5 يقصد العشرة المبشرين بالجنة، وهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وأبو عبيدة الجراح، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد. رضي الله عنهم جميعًا.
6 يريد أن يرد على الاستشهاد بالأثر المروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها بأنه معارض بما روي عن ابي هريرة رضي الله عنه من أنه وافق أبي سلمة على رأيه -كما سيأتي-.
7 هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، المقلب بأبي هريرة، كان أكثر الصحابة حفظًا للحديث ورواية له. توفي سنة 59هـ. "تهذيب الأسماء 2/ 270".
8 أخرج هذا الأثر البخاري في كتاب التفسير، سورة الطلاق، كما أخرجه مسلم، =