الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرينة، كاستعمال ألفاظ الحقيقة بأسرها في مجازها1.
1 معنى ذلك: أن صيغة الأمر حقيقة في الطلب الجازم، مجاز في غيره من المعاني.
وذكر الآمدي أنهم اتفقوا على أن صيغة "افعل" مجاز فيما سوى الطلب، والتهديد، والإباحة، واختلفوا في أنها مشتركة بين الثلاثة، أو حقيقة في الإباحة، مجاز فيما سواها، أو في الطلب، مجاز فيما سواه.
قال: وهو المختار؛ لأن من قال لغيره: افعل كذا مجردًا عن جميع القرائن، تبادر إلى الفهم منه: الطلب، وذلك دليل الحقيقة. انظر:"الإحكام 2/ 142".
قال الطوفي: "قلت: وإذا ثبت بهذا أنها حقيقة في الطلب، ثبت أنها للجزم
…
" شرح مختصر الروضة "2/ 358".
فصل: [لا يشترط الإرادة في الأمر]
ولا يشترط في كون الأمر أمرًا: إرادة الآمر في قول الأكثرين.
وقالت المعتزلة: إنما يكون أمرًا بالإرادة1.
1 هذه المسألة ناشئة من الخلاف الذي بين أهل السنة والجماعة وبين المعتزلة في: هل الطلب هو الإرادة، أو غيرها؟
وتحقيق القول في هذه المسألة: أن الإرادة نوعان:
1-
إرادة كونية قدرية، وهي الإرادة الشاملة لجميع الموجودات.
2-
إرادة دينية شرعية، وقد توجد وقد لا توجد. والأمر الشرعي إنما تلازمه الإرادة الشرعية، ولا تلازمه الإرادة الكونية، فالله -تعالى- أمر أبا لهب -مثلًا- بالإيمان، وأراده منه شرعًا، ولكنه لم يرده منه كونًا وقدرًا؛ إذ لو أراده -كونًا- لوقع والآيات في معنى ذلك كثيرة:
قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 137] وقال تعالى: =
وحده بعضهم: بأنه: إرادة الفعل بالقول على وجه الاستعلاء.
قالوا: لأن الصيغة مترددة بين أشياء، فلا ينفصل الأمر منها مما ليس بأمر إلا بالإرادة.
ولأن الصيغة إن كانت أمرا لذاتها: فهو باطل بلفظ التهديد، أو لتجردها عن القرائن، فيبطل بكلام النائم والساهي.
فثبت أن المتكلم بهذه الصيغة على غير وجه السهو غرضه: المأمور به، وهو نفس الإرادة ولنا: أن الله أمر إبراهيم –عليه السلام بذبح ولده، ولم يرده منه وأمر أبليس بالسجود، ولم يرده منه؛ إذ لو أراده لوقع؛ فإن الله -تعالى- فعال لما يريد.
دليل ثان: أن الله -تعالى- أمر بأداء الأمانات بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} 1.
ثم لو ثبت أنه لو قال: "والله لأؤدين أمانتك إليك غدا إن شاء الله" فلم يفعل: لم يحنث2؛ فإن الله -تعالى- قد شاء ما أمره به من أداء أمانته.
= {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا....} [السجدة: 13] . وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة.
أما المعتزلة فقالوا: إنه لا يكون أمرا إلا بإرادة وقوعه. فأدى بهم ذلك إلى القول: بأن معصية العاصي ليست بمشيئة الله تعالى؛ لأنه أمر بتركها، ولم يرد إلا التزام الذي أمر به، لأن الأمر لا يكون أمرا إلا بالإرادة.
وقد رد المصنف على اتجاه المعتزلة كما سيأتي قريبا.
1 سورة النساء من الآية: 58.
2 في الأصل "يجب" وصححناه من النسخة التي حققها الدكتور "النملة" -سلمه الله-.
دليل آخر: أن دليل الأمر ما ذكرنا1 عن أهل اللسان، وهم لا يشترطون الإرادة.
ودليل آخر: أنا نجد الأمر متميزا عن الإرادة؛ فإن السلطان لو عاتب رجلا على ضرب عبده، فمهد عذره بمخالفة أمره فقال له بين يدي الملك:"أسرج الدابة" وهو لا يريد أن يسرج؛ فيه من خطر الهلاك للسيد.
ولأنه قصد تمهيد عذره، ولا يتمهد إلا بمخالفته، وتركه امتثال أمره، وهو أمر، لولاه لما تمهد العذر.
وكيف لا يكون آمرا، وقد فهم العبد والملك والحاضرون منه الأمر2؟.
فأما الاشتراك في الصيغة: فقد أجبنا عنه3.
ولأننا قد حددنا الأمر بأنه: استدعاء الفعل بالقول، ومع التهديد لا يكون استدعاء.
وهذا الجواب عن الكلام الثاني4، فإنا نقول: هي أمر؛ لكونها استدعاء على وجه الاستعلاء.
1 في قوله -سابقا-: "وأما الدليل على أن هذه صيغة الأمر إلخ".
2 نقل أبو يعلى في العدة "1/ 215" عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال: "أمر الله عز وجل العباد بالطاعة، وكتب عليهم المعصية؛ لإثبات الحجة عليهم، وكتب الله على آدم يصيب الخطيئة قبل أن يخلقه".
قال أبو يعلى: "وهذا يدل على أن الأمر يعتبر فيه الإرادة للآمر؛ لأن كتبه المعصية ضد الأمر بالطاعة، لأن ما كتبه حتم لا بد من وجوده، فعلم أن ما أمر به من الطاعة لم يكن مريدا له؛ لأنه كتب ضده".
3 في قوله: "قلنا: هذا لا يصح لوجهين
…
".
4 معناه: أن المعتزلة لما قالوا في دليلهم الثاني: "إن كانت الصيغة أمرا لذاتها، =