الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: [في حد الخبر وأقسامه]
وحد الخبر: هو الذي يتطرق إليه التصديق أو التكذيب1.
وهو قسمان: تواتر وآحاد2.
1 أي: ما صح أن يقال في جوابه: صدق أو كذب، فيخرج بذلك الإنشاء، من الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والدعاء، فلا يصح أن يقال في جواب شيء من ذلك: صدق أو كذب.
قال الغزالي في المستصفى "2/ 131": "
…
وهو أولى من قولهم: "يدخله الصدق والكذب" إذ الخبر الواحد لا يدخله كلاهما، بل كلام الله -تعالى- لا يدخله الكذب أصلًا، والخبر عن المحالات لا يدخله الصدق أصلًا".
2 التواتر في اللغة: التتابع، ومنه قوله تعالى:{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 44] أصلها: وترا، أبدلت الواو تاء.
واصطلاحًا: إخبار قوم يمتنع تواطؤهم على الكذب لكثرتهم.
والآحاد: جمع أحد، كأبطال جمع بطل، وهمزة أحد مبدلة من الواو، وأصل آحاد: أأحاد، بهمزتين، أبدلت الثانية ألفًا للتخفيف.
أما في الاصطلاح: فله تعريفات كثيرة، وجمهور الأصوليين يعرفونه: بأنه ما عدا المتواتر.
وقال الطوفي في شرح مختصر الروضة "2/ 103": "الثاني: الآحاد، وهو ما عدم شروط التواتر أو بعضها".
وخبر الآحاد -عند الجمهور- ينقسم إلى عدة أقسام: منها: خبر الواحد، ومنها: الخبر المستفيض، وهو ما زاد نقلته على ثلاثة أو على واحد، أو على اثنين -على خلاف في ذلك- ومنها: المشهور: وهو ما اشتهر ولو في القرن الثاني أو الثالث: وكان رواته في الطبقة الأولى واحدًا أو أكثر.
وقسم القرافي الأخبار إلى متواتر وآحاد، وما ليس بمتواتر ولا آحاد.
وجمهور الحنفية يقسمون السنة إلى ثلاثة أقسام: متواتر، ومشهور، وآحاد. =
فالمتواتر يفيد العلم، ويجب تصديقه، وإن لم يدل عليه دليل آخر، وليس في الأخبار ما يعلم صدقه بمجرده إلا المتواتر، وما عداه إنما يعلم صدقه بدليل آخر يدل عليه سوى نفس الخبر، خلافًا للسمنية1، فإنهم حصروا العلم في الحواس، وهو باطل، فإننا نعلم استحالة كون الألف أقل من الواحد، واستحالة اجتماع الضدين.
بل حصرهم العلم في الحواس -على زعمهم- معلوم لهم، وليس مدركًا بالحواس، ولا يستريب عاقل في أن في الدنيا بلدة تسمى "بغداد""وإن لم يدخلها"2 ولا نشك في وجود الأنبياء، بل في وجود الأئمة الأربعة ونحو ذلك.
= انظر "الكفاية للخطيب البغدادي ص16، شرح تنقيح الفصول ص349 كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي 2/ 360".
1 معنى ذلك: أنه يحصل العلم بالخبر المتواتر من نفس الخبر، دون أن ينضم إليه دليل آخر، بخلاف الأخبار الأخرى فإنها تحتاج إلى ما يقويها من قرائن وأدلة آخرى، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الفرق، فقالوا: يفيد الظن، ومنهم: الفرقة الضالة التي تسمى "السمنية" بضم السين وفتح الميم، حصروا مدارك العلم في الحواس الخمس: السمع والبصر والشم والذوق واللمس.
والسمنية: فرقة من الفرق الضالة التي كانت تسكن الهند، وتعبد الأصنام؛ دهريون يقولون بتناسخ الأرواح، وسموا بذلك نسبة إلى اسم بلد تسمى "سومنات" أو نسبة إلى صنم كانوا يعبدونه يسمى "سمن" أو "سوسان" كانوا يعتقدون فيه أنه يحيي ويميت، كسره القائد الإسلامي، السلطان محمود الغزنوي، المجاهد العالم الفقيه، أحد كبار القادة المسلمين، كانت عاصمته "غزنة" بين خراسان والهند، وامتدت سلطنته من أقاصي الهند إلى نيسابور، توفي سنة "421هـ" ينظر في ترجمته:"وفيات الأعيان 2/ 84، والأعلام 8/ 47، 48".
وقد رد عليهم المصنف بعدة ردود واضحة لا تحتاج إلى شرح.
2 ما بين القوسين من المستصفى، وبه يستقيم الكلام، وهو محل الشاهد حيث إن =
فإن قيل: لو كان معلوما -ضرورة- لما خالفناكم؟
قلنا: إنما يخالف في هذا معاند يخالف بلسانه، مع معرفته فساد قوله، أو من في عقله خبط1.
ولا يصدر إنكار هذا من عدد كثير يستحيل عنادهم.
ثم لو تركنا ما علمناه لمخالفتكم لزمنا ترك المحسوسات، لمخالفة السوفسطائية2.
= العلم حصل بدون مشاهدة، وإلا لكان للمخالف أن يقول: إن العلم حصل بدخولها: فيكون ثابتًا بالحواس.
1 الخبط: الاضطراب والفساد.
2 خلاصة ذلك الاعتراض والرد عليه: أنه لو أفاد التواتر العلم، لاشتركنا نحن وأنتم فيه بالضرورة -خصوصًا على رأي من يقول: إنه يفيد العلم الضروري، ولو اشتركنا جميعًا في حصول العلم الضروري من جهة التواتر لما خالفناكم فيه، لكنا خالفناكم ولم نشارككم في ذلك، ولما لم نشارككم في العلم التواتري دل على أنه لا يفيد الظن.
وأجاب المصنف على ذلك: بأن مخالفتكم لنا عناد منكم ومكابرة، أو اضطراب في عقولكم، شأنكم في ذلك شأن من يخالف في المحسوسات لاضطراب عقله ومزاجه، أو مرض في حواسه، كالمريض الذي ينكر حلاوة العسل، كما قال الشاعر:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماء من سقم
ثم لو تركنا ما علمناه لمخالفتكم، لزمنا ترك المحسوسات -أيضًا- لمخالفته السوفسطائية فيها.
والسفسطة: قياس مركب من الوهميات، الغرض منه: تغليظ الخصم وإسكاته.
والسوفسطائية: فرقة يونانية تنكر حقائق الأشياء وتزعم أنه لا حقيقة لها وهم ثلاث فرق: =