المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: في نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال - روضة الناظر وجنة المناظر - ت شعبان - جـ ١

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌مقدمة المجلد الأول

- ‌مدخل

- ‌مقدمة

- ‌فصل: "في أقسام الحد

- ‌فصل: [في أن تعذر البرهان على الحد لا يمنع صحته]

- ‌فصل: في البرهان

- ‌فصل: في كيفية دلالة الألفاظ على المعنى

- ‌فصل: في النظر في المعاني

- ‌فصل: في تأليف مفردات المعاني

- ‌فصل: [في مقدمتي البرهان وأضربه]

- ‌فصل: [في أسباب مخالفة البرهان أو القياس]

- ‌فصل: [في اليقين ومداركه]

- ‌فصل: في لزوم النتيجة من المقدمتين

- ‌فصل: [في تقسيم البرهان: إلى برهان علة وبرهان دلالة]

- ‌فصل: [في الاستدلال بالاستقراء]

- ‌الباب الأول: في حقيقة الحكم وأقسامه

- ‌معنى الحكم

- ‌فصل: [في تقسيم الواجب باعتبار ذاته]

- ‌فصل: [في تقسيم الواجب باعتبار وقت الأداء]

- ‌فصل: [في تضييق الواجب الموسع]

- ‌فصل: [في مقدمة الواجب وحكمها]

- ‌فصل: [في بعض الفروع المخرجة على مقدمة الواجب]

- ‌فصل: [في الواجب غير المحدد]

- ‌فصل: القسم الثاني: المندوب

- ‌فصل: [في حكم الأشياء قبل ورود الشرع]

- ‌فصل: [هل المباح مأمور به]

- ‌فصل: القسم الخامس: الحرام

- ‌فصل: [في أقسام النهي]

- ‌فصل: [الأمر بالشيء نهي عن ضده]

- ‌فصل: [في معنى التكليف وشروطه]

- ‌فصل: [في عدم تكليف الناسي والنائم والسكران]

- ‌فصل: [في حكم تكليف المكره]

- ‌فصل: [في حكم تكليف الكفار بفروع الإسلام]

- ‌فصل: [شروط الفعل المكلف به]

- ‌فصل: [في المقتضى بالتكليف]

- ‌فصل: الضرب الثاني - من الأحكام ما يتلقى من خطاب الوضع والإخبار

- ‌فصل: [في الشرط وأقسامه]

- ‌فصل: في القضاء والأداء والإعادة

- ‌فصل: في العزيمة والرخصة

- ‌الباب الثاني: في أدلة الأحكام

- ‌مدخل

- ‌فصل: [في تعريف الكتاب والقرآن وأنهما بمعنى واحد]

- ‌فصل: [في حكم الاحتجاج بالقراءة الشاذة]

- ‌فصل: [في اشتمال القرآن على الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [ليس في القرآن ألفاظ غير عربية]

- ‌فصل: [في المحكم والمتشابه]

- ‌الباب الثالث: النسخ

- ‌فصل: تعريف النسخ

- ‌فصل: [معنى النسخ عند المعتزلة]

- ‌فصل: [الفرق بين النسخ والتخصيص]

- ‌فصل: [ثبوت النسخ بالأدلة العقلية والنقلية]

- ‌فصل: [في وجوه النسخ في القرآن]

- ‌فصل: في نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال

- ‌فصل: [هل الزيادة على النص نسخ

- ‌فصل: [في نسخ جزء العبادة أو شرطها]

- ‌فصل: [في جواز نسخ العبادة إلى غير بدل]

- ‌فصل: [في النسخ بالأخف والأثقل]

- ‌فصل: [في حكم من لم يبلغه النسخ]

- ‌فصل: [في وجوه النسخ بين القرآن والسنّة]

- ‌فصل: [في حكم نسخ القرآن ومتواتر السنة بالآحاد]

- ‌فصل: [الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به]

- ‌فصل: [في نسخ القياس والنسخ به]

- ‌فصل: [في نسخ التنبيه والنسخ به]

- ‌فصل: فيما يعرف به النسخ

- ‌الباب الرابع: الأصل الثاني من الأدلة سنة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌فصل: في ألفاظ الرواية

- ‌فصل: [في حد الخبر وأقسامه]

- ‌فصل: [فيما يفيده الخبر المتواتر]

- ‌فصل: ي أن ما حصل العلم في واقعة أفاده في غيرها

- ‌فصل: [في شروط التواتر]

- ‌فصل: [مذاهب العلماء في عدد التواتر]

- ‌فصل: [لا يجوز على أهل التواتر كتمان ما يحتاج إليه]

- ‌فصل: [في حكم التعبد بخبر الواحد عقلًا]

- ‌فصل: [في التعبد بخبر الواحد سمعًا]

- ‌فصل: [في شروط الراوي]

- ‌فصل: [في حكم خبر مجهول الحال]

- ‌فصل: [فيما لا يشترط في الراوي]

- ‌فصل: تعارض الجرح والتعديل

- ‌فصل: [في عدالة الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم خبر المحدود في القذف]

- ‌فصل: في كيفية الرواية

- ‌فصل: [في حكم الشك في السماع]

- ‌فصل: [في حكم إنكار الشيخ للحديث]

- ‌فصل: [في حكم انفراد الثقة بزيادة في الحديث]

- ‌فصل: [في حكم رواية الحديث بالمعنى]

- ‌فصل: [في حكم مراسيل الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم مراسيل غير الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم خبر الواحد فيما تعم به البلوى]

- ‌فصل: [في حكم خبر الواحد في الحدود]

- ‌فصل: [في حكم الواحد إذا خالف القياس]

- ‌باب: الأصل الثالث: الإجماع

- ‌فصل: معنى الاجماع

- ‌فصل: [الأدلة على حجية الإجماع]

- ‌فصل: [في المعتبرين في الإجماع]

- ‌فصل: [فيمن يعتبر في الإجماع من أصحاب العلوم]

- ‌فصل: [في عدم الاعتداد بقول الكافر والفاسق في الإجماع]

- ‌فصل: في الاعتداد بقول التابعي المجتهد في إجماع الصحابة

- ‌فصل: [في حكم انعقاد الإجماع بقول الأكثر]

- ‌فصل: [في حكم إجماع أهل المدينة]

- ‌فصل: [في حكم إجماع الخلفاء الأربعة]

- ‌فصل: هل انقراض العصر شرط لصحة الإجماع

- ‌فصل: [هل اتفاق التابعين على أحد قولي الصحابة إجماع

- ‌فصل: [اختلاف الصحابة على قولين يمنع إحداث قول ثالث]

- ‌فصل: [في حكم الإجماع السكوتي]

- ‌فصل: في جواز انعقاد الإجماع عن اجتهاد وقياس

- ‌فصل: [الأخذ بأقل ما قيل ليس إجماعًا]

- ‌فصل: [هل النافي للحكم يلزمه الدليل]

- ‌باب: في تقاسيم الكلام والأسماء

- ‌فصل: اختلاف في مبدأ اللغات

- ‌فصل: [هل تثبت الأسماء بالقياس]

- ‌فصل: [في تعارض الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [في علامات الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [في تعريف الكلام وأقسامه]

- ‌فصل: [نفي الذوات لا يقتضي الإجمال]

- ‌فصل: [رفع الخطأ رفع للحكم]

- ‌فصل: في البيان

- ‌فصل: [الأمور التي يحصل بها البيان]

- ‌فصل: [لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة]

- ‌باب: الأمر

- ‌مدخل

- ‌فصل: [لا يشترط الإرادة في الأمر]

- ‌فصل: مسألة: الأمر المجرد يدل على الوجوب

- ‌فصل: [فيما تفيده صيغة الأمر بعد الحظر]

- ‌فصل: [الأمر المطلق هل يقتضي التكرار]

- ‌فصل: الأمر المطلق: هل يقتضي الفور

- ‌فصل: [الواجب المؤقت إذا فات وقته لا يحتاج إلى أمر جديد]

- ‌فصل: [مقتضى الأمر: حصول الإجزاء بفعل المأمور به]

- ‌فصل: الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا به

- ‌فصل: [أمر الجماعة أمر لكل واحد منهم]

- ‌فصل: [أمر الله تعالى للنبي أمر للأمة ما لم يوجد تخصيص]

- ‌فصل: [في تعلق الأمر بالمعدوم]

- ‌فصل: [في التكليف بغير الممكن]

- ‌فصل: [في النهي]

- ‌فهرس

- ‌موضوعات الجزء الأول:

الفصل: ‌فصل: في نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال

‌فصل: في نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال

وقد اعتاص1 هذا على2 القدرية2 حتى تعَسَّفوا3 في تأويله من ستة أوجه:

أحدها: أنه كان منامًا.

الثاني: أنه لم يؤمر بالذبح، وإنما كُلِّف العزم على الفعل؛ لامتحان سرِّه في صبره.

الثالث: أنه لم ينسخ، لكن قلب الله عنقه نحاسا، فانقطع التكليف عنه لتعذره.

الرابع: أن المأمور به: الاضطجاع، ومقدمات الذبح، بدليل {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} .

الخامس: أنه ذبح امتثالًا، فالتأم الجرح واندمل، بدليل الآية4.

السادس: أنه إنما أخبر أنه يؤمر به في المستقبل، فإن لفظه لفظ الاستقبال لا لفظ الماضي.

1 جاء في المصباح المنير "2/ 438": "اعتاص: صعب، فهو عويص، وكلام عويص: يعسر فهم معناه".

2 فرقة من المعتزلة سموا بذلك، لأنهم يقولون: إن الله -تعالى- غير خالق لأفعال الناس، ولا لشيء من أعمال الحيوانات، وأن الناس هم الذين يقدرون أعمالهم، ولذلك سماهم العلماء بالقدرية. انظر في هذه الفرقة وآرائها: الفرق بين الفرق ص94.

3 أي: تكلفوا في تأويله.

4 أي قوله تعالى: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} .

ص: 236

والجواب من وجهين:

أحدهما: يعم جميع ما ذكروه1.

والثاني: أنا نفرد لكل وجه مما ذكروه بجواب:

أما الأول2: فلو صح شيء من ذلك: لم يحتج إلى فداء، ولم يكن بلاءً مبينًا في حقه.

والجواب الثاني2:

أما قولهم: "كان منامًا لا أصل له".

قلنا: منامات الأنبياء عليهم السلام وحي4، وكانوا يعرفون الله -تعالى- به.

ولو كان منامًا لا أصل له: لم يجز له قصد الذبح، والتل للجبين. ويدل على فساده: قول ولده عليه السلام: {افْعَلْ مَا تُؤْمَر} ولو لم يؤمر: كان ذلك كذبًا.

والثاني: فاسد لوجهين:

1 أي: أن الجواب الأول يعم جميع الأوجه التي ذكروها.

2 وهو الجواب الذي يعم جميع ما تقدم.

3 وهو التفصيلي.

4 روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أول ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة الرؤيا الصادقة، كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح".

قال الطوفي: "إن رؤيا آحاد الأمم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة على ما شهدت به السنن الصحيحة، فرؤيا الأنبياء أولى أن تكون نبوة".

ص: 237

أحدهما: أنه سماه ذبحًا بقوله {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} والعزم لا يسمى ذبحًا.

والآخر1: أن العزم لا يجب ما لم يعتقد وجوب المعزوم عليه، ولو لم يكن المعزوم عليه واجبًا، كان إبراهيم عليه السلام أحق بمعرفته من القدَرية.

والثالث: لا يصح عندهم؛ لأنه إذا علم الله أنه يقلب عنقه حديدًا، يكون آمرًا بما يعلم امتناعه2.

والرابع: فاسد؛ لكونه لا يسمى ذبحًا.

والخامس: فاسد؛ إذ لو صح كان من آياته الظاهرة، فلا يترك نقله، ولم ينقل، وإنما هو اختراع من القدرية3.

ومعنى قوله: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} أي: عملت عمل "مصدق بالرؤيا"4. والتصديق غير التحقيق والعمل5.

وقولهم: "إنه أخبر أنه يؤمر به في المستقبل"6 فاسد؛ إذ لو أراد

1 أي الوجه الثاني من رده على الوجه الثاني للمعتزلة.

2 معناه: أن ذلك لا يصح على حسب أصول المعتزلة، لأن الأمر بالمشروط لا يصح عندهم، فإذا علم الله أنه سيقلب عنقه حديدًا، يكون آمرًا بما يعلم امتناعه، فلا يحتاج إلى الفداء، ولا يكون بلاء في حقه عليه السلام.

3 قال الغزالي في توضيح هذا الرد: "وأما الخامس: وهو أنه فعل والتأم: فهو محال؛ لأن الفداء كيف يحتاج إليه بعد الالتئام، ولو صح ذلك لاشتهر، وكان ذلك من آياته الظاهرة، ولم ينقل ذلك قط، وإنما هو اختراع من القدرية".

4 ما بين القوسين من المستصفى، وهي في الأصل:"صدق".

5 لفظ "والعمل" من المستصفى لتمام المعنى.

6 وهذا هو الوجه السادس، وإن لم يعنون له.

ص: 238

ذلك: لوجد الأمر به في المستقبل؛ كيلا يكون خلفًا في الكلام.

وإنما عبر بالمستقبل عن الماضي، كما قال:{إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَان} 1، و {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} 2. أي: قد رأيت.

1 سورة يوسف من الآية: 43.

2 سورة يوسف من الآية: 36.

قال الطوفي -ردًّا على هذا الوجه-: "قلنا: الجواب من وجهين:

أحدهما: لا نسلم أن المراد به المستقبل، بل معنى قوله:{مَا تُؤْمَرُ} افعل ما أمرت به، وضعا للمضارع موضع الماضي، وهو كثير في اللغة.

الوجه الثاني: أن معنى قوله: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} أي: ما تؤمر به في الحال، استصحابًا لحال الأمر الماضى.

وبيان ذلك: أن كل مأمور بفعل، فالأمر به متوجه إليه ما لم يفعله، استصحابًا لحال الأمر في آخر الوقت، فإبراهيم عليه السلام لما أمر في الليل بذبح ولده، ثم أصبح فأخبر ولده بذلك، فهو في حال إخباره ولده مأمور بما أمر به في الليل، بذبح ولده، لأن الأمر لم يسقط عنه بعد، فأمره بالذبح في الماضي مستصحب إلى حال إخباره ولده، وقوله:{مَا تُؤْمَرُ} أي: ما أنت مأمور به في الحال، بناء على استصحاب الأمر الماضي، والفعل المضارع يصلح للحال والاستقبال، وهو في الحال أظهر.

وإذا حملنا قوله: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} على الحال، عملًا بظاهر لفظه، وبما ذكرناه من دليلنا، فلا استقبال فيه، وحينئذ يبطل قولكم:"إنه أخبر أنه سيؤمر بذبحه في المستقبل".

ثم قال: ولو صح ما ذكرتموه من أن المراد به: سيؤمر بذبحه في المستقبل، إلا أنه أُمر به في الماضي، لما احتاج إلى الفداء؛ لأن الفداء يكون عن ترك مأمور وعلى قولكم: هو إلى الآن لم يؤمر بشيء، فضلًا عن أن يكون قد أُمر وترك، وأيضًا: لو صح ذلك لأمر به في المستقبل، لئلا يقع الخلف في خبر المعصوم، فلما لم يقع، دل على بطلان ما تأولوه" شرح مختصر الروضة "2/ 287، 288".

ص: 239

وقال الشاعر1:

وإذا تكونُ كريهةً أُدْعَى لَها

وَإذَا يُحاس الحيسُ يُدعى جُندب

وقولهم: "إنه يفضي إلى أن يكون الشيء مأمورًا منهيًّا" فلا يمتنع أن يكون مأمورا من وجه، منهيا عنه من وجه آخر، كما يؤمر بالصلاة مع الطهارة وينهى عنها مع الحدث.

كذا ههنا: يجوز أن يجعل بقاء حكمه شرطا في الأمر، فيقال:"افعل ما آمرك به، إن لم يزل حكم أمرنا عنك بالنهي".

فإن قيل:

فإذا علم الله -سبحانه- أنه سيُنهى عنه: فما معنى أمره بالشرط الذي يعلم انتفاءه قطعًا؟

قلنا: يصح إذا كان عاقبة الأمر ملتبسة على المأمور، لامتحانه

1 الشاعر هو: ضمرة بن ضمر بن جابر النهشلي، من بني دارم، شاعر جاهلي، من الشجعان الرؤساء، كان يقال له:"شقة بن ضمرة" فسماه النعمان "ضمرة" الأعلام "3/ 311".

والبيت من قصيدة له يشكو فيها من أهله أنهم يقدمون عليه أخًا له يسمى "جندبًا" مع أنه كان أبرّ بهم منه.

والحيس: تمر ينزع نواه ويدق مع أقط ويعجنان بالسمن، ثم يدلك باليد حتى يبقى كالثريد، وربما جعل معه سويق، وهو مصدر في الأصل، يقال: حاس الرجل حيسًا، من باب باع، إذا اتخذ ذلك. المصباح المنير "1/ 159".

ومعنى البيت: أنه إذا ألم بهم مكروه دعوا ضمرة لينقذهم منه، فإذا جاء موعد الطعام والأكل: دعوا أخاه جندبًا.

ومحل الشاهد من البيت: أنه عبر بالمستقبل عن الماضي.

ص: 240

بالعزم، والاشتغال بالاستعداد المانع له من أنواع اللهو والفساد، وربما يكون فيه لطيفة واستصلاح لخلقه.

ولهذا جوّزوا الوعد والوعيد بالشرط من العالم بعاقبة الأمور فقالوا: يجوز أن يَعِدَ الله -سبحانه- على الطاعة ثوابًا بشرط عدم ما يحبطها، وعلى المعصية عقابا بشرط عدم ما يكفرها من التوبة، والله -سبحانه- عالم بعاقبة أمره.

جواب ثان:

أنه يجوز أن يكون الشيء مأمورًا منهيًّا في حالين؛ إذ ليس المأمور حسنًا في عينه لوصف هو عليه قبل الأمر به، ولا المأمور مرادًا ليتناقض ذلك.

وقولهم: "إن الكلام قديم، فيكون أمرًا بالشيء ونهيًا عنه في حال واحد".

1 خلاصة هذا الرد من وجهين:

الوجه الأول: أن المعتزلة ينكرون ثبوت الأمر بالشرط، مع أنهم يجوّزون الوعد بالشرط من العالم بعواقب الأمور فقالوا: يجوز أن يعد الله -تعالى- بالثواب على الطاعة بشرط عدم وجود ما يحبطها كالردة، كما يجوز أن يوعد بالعقاب على المعصية بشرط عدم وجود ما يكفرها من التوبة، مع أن الله -تعالى- عالم بعاقبة أمر من يموت على الردة أو التوبة.

فإذا جاز ذلك عندكم فلا معنى للاعتراض.

الوجه الثاني: ما تقدم أكثر من مرة، من أنه لا مانع أن يكون الشيء مأمورًا به في وقت، ومنهيًّا عنه في وقت آخر.

وقوله: "إذ ليس المأمور حسنًا في عينه الخ" إشارة إلى ما يعتقده المعتزلة من أن حسن الأشياء وقبحها ذاتي لا ينفك عنها، وهذا التفسير هو الذي يترتب عليه التناقض، أما أهل السنة: فيرون أن حسن الأشياء وقبحها تابع لصفات قائمة بالمأمور، وليست ذاتية.

ص: 241