الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلنا: لم يوجب على غيره العمل به، بل قال: سمعت فلانًا قال كذا، وقد صدق فيه.
ثم لعله لم يعرفه بفسق ولا عدالة، فروى عنه ووكل البحث إلى من أراد القبول.
الثالث: العمل بالخبر، إن أمكن حمله على الاحتياط، أو العمل بدليل آخر وافق الخبر، فليس بتعديل.
وإن عرفنا يقينًا أنه عمل بالخبر فهو تعديل؛ إذ لو عمل بخبر غير العدل فَسَقَ.
ويكون حكم ذلك حكم التعديل بالقول من غير ذكر السبب.
الرابع: أن يحكم بشهادته، وذلك أقوى من تزكيته بالقول.
أما تركه الحكم بشهادته فليس بجرح؛ إذ قد يتوقف في شهادته لأسباب سوى الجرح.
فصل: [في عدالة الصحابة]
والذي عليه سلف الأمة وجمهور الخلف: أن الصحابة رضي الله عنهم معلومة عدالتهم بتعديل الله وثنائه عليهم.
قال الله -تعالى-: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} 1.
1 سورة التوبة الآية: 100 وتمام الآية: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .
قال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} 1 وقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّار} 2.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم "خير الناس قرني...." 3، وقال:"إن الله اختارني، واختار لي أصحابًا وأصهارًا وأنصارًا"4.
فأي تعديل أصح من تعديل علام الغيوب، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم؟
ولو لم يرد لكان فيما اشتهر وتواتر من حالتهم في طاعة الله -تعالى- وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وبذل المهج5 ما يكفي في القطع بعدالتهم.
وهذا يتناول من يقع عليه اسم الصحابي، ويحصل ذلك بصحبته ساعة ورؤيته مع الإيمان به6.
1 سورة الفتح من الآية: 18.
2 سورة الفتح من الآية: 29.
3 حديث صحيح رواه عمران بن حصين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم
…
" أخرجه البخاري في أول كتاب فضائل الصحابة، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. حديث رقم "2535" وأبو داود: كتاب السنة، باب في فضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حديث "4657" والترمذي: كتاب الفتن، باب ما جاء في القرن الثالث. والنسائي: كتاب الأيمان والنذور، باب الوفاء بالنذر، وأحمد في المسند "4/ 426، 436، 440".
4 أخرجه الحاكم في المستدرك "3/ 443" وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والخطيب في تاريخه "13/ 140" والطبراني في الكبير "17/ 140" بلفظ:"إن الله اختارني، واختار لي أصحابًا، فجعل لي بينهم وزراء وأنصارًا، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناسب أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل" قال الهيثمي في مجمع الزوائد "10/ 17": "فيه من لم أعرفه".
5 المهج: جمع مهجة، وهي الدم، أو الروح والنفس.
6 هذا تعريف للصحابي الذي تقدمت الأدلة على أنهم جميعًا عدول، وأن مجهول =
ويحصل لنا العلم بذلك بخبره عن نفسه، أو عن غيره: أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: إن قوله: [أنا صحابي] شهادة لنفسه، فكيف يقبل؟
قلنا: إنما هو خبر عن نفسه بما يترتب عليه حكم شرعي يوجب العمل، لا يلحق غيره مضرة، ولا يوجب تهمة، فهو كرواية الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
= الحال منهم تقبل روايته. هذا هو مقصود المصنف.
والذي ذكره في تعريف الصحابي هو رأي من الآراء التي قيلت في هذا المقام. وقد أجمل الغزالي هذه الآراء في المستصفى جـ2 ص261 فقال: "فإن قيل: القرآن أثنى عل الصحابة، فمن الصحابي؟ أمن عاصر رسول الله -صلي الله عليه وسلم-؟
أو من لقيه مرة؟
أو من صحبه ساعة؟
أو من طالت صحبته؟ وما حد طولها؟
قلنا: الاسم لا يطلق إلا على من صحبه، ثم يكفي للاسم -من حيث الوضع- الصحبة ولو ساعة. ولكن العرف يخصص الاسم بمن كثرت صحبته" وهناك آراء آخرى كثيرة، وبيان المدة التي يجب أن يصحب النبي صلى الله عليه وسلم فيها تراجع في المطولات.
1 قال الطوافي: "بل يوجب تهمة، وهو تحصيل منصب الصحبة لنفسه، ويضر بالمسلمين، حيث يلزمهم قبول ما يرويه مع هذه التهمة" شرح المختصر "2/ 187" وقال ابن بدران: "والحق أنه لا بد من تقييد من قال بقبول خبره أنه صحابي: أن تقوم القرائن الدالة على صدق دعواه، وإلا لزم خبر كثير من الكذابين الذين ادعوا الصحبة".