الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليست هذه محسوسة؛ فإن الحس شاهد حجرًا يهوي بعينه، أما أن كل حجر هاو، فقضية عامة لم يشاهدها، وليس للحس إلا قضية في عين.
الخامس- المتواترات:
كالعلم بوجود مكة وبغداد. وليس هو بمحسوس، إنما للحس أن يسمع، أما صدق المخبر فذلك إلى العقل. فهذه الخمسة مدارك اليقين.
فأما ما يتوهم أنه منها وليس منها: فالوهميات1، والمشهورات.
وهي آراء محمودة توجب التصديق بها2، إما شهادة الكل، أو الأكثر، أو جماعة من الأفاضل، كقولك: الكذب قبيح، وكفران المنعم، وإيلام البريء قبيح، والإنعام، وشكر المنعم، وإنقاذ الهلكى حسن.
1 الوهميات: عبارة عن قوة في التجويف الأخير من الدماغ تسمى "وهمية" شأنها ملازمة المحسوسات التي ألفتها، فليس في طبعها إلا النبوة عنها، وليست هي من مدارك اليقين. "نزهة الخاطر العاطر 1/ 81".
2 قوله: وهي آراء محمودة الخ: تفسير للمشهورات، وإنما لم تكن من مدارك اليقين، لأنها ليست مطردة، فتارة تكون صادقة، وتارة تكون كاذبة.
فصل: في لزوم النتيجة من المقدمتين
اعلم أنك إذا جمعت بين مفردين، ونسبت أحدهما إلى الآخر، كقولك:"النبيذ حرام" فلم يصدق بينهما العقل، فلا بد من واسطة بينهما تنسب إلى المحكوم عليه، فتكون حكمًا له، وتنسب إلى الحكم فتصير حكمًا له، فيصدق العقل به، فليزم -ضروة- التصديق بنسبة الحكم إلى المحكوم عليه.
بيانه: إذا قال: "النبيذ حرام" فمنع وطلب واسطة ربما صدّق العقل
بوجودها في النبيذ، وصدق بوصف الحرام لتلك الواسطة، فيقول: النبيذ مسكر؟ فيقول: نعم. إذا كان قد علم ذلك بالتجربة.
فيقول: وكل مسكر حرام؟ فيقول: نعم إذا كان حصل ذلك بالسماع، فيلزم التصديق بأن النبيذ حرام1.
فإن قيل: فهذه القضية ليست خارجة عن القضيتين2؟
قلنا: هذا غلط؛ فإن قولك: "النبيذ حرام" غير قولك: "النبيذ مسكر" وغير قولك: "المسكر حرام"، بل هذه ثلاث مقدمات مختلفات لا تكرير فيها.
لكن قولك: "المسكر حرام" شمل "النبيذ" بعمومه، فدخل "النبيذ" فيه بالقوة، لا بالفعل؛ إذ قد يخطر العام في الذهن، ولا يخطر الخاص، فمن قال:"الجسم متحيز" قد لا يخطر بباله ذكر القطب، فضلًا عن أن يخطر بباله -مع ذلك- أنه متحيز، فالنتيجة موجودة في إحدى المقدمتين بالقوة القريبة، لا تخرج إلى الفعل بمجرد العلم بالمقدمتين، ما لم يحضر المقدمتين في الذهن، ويخطر بباله وجه وجود النتيجة في المقدمتين بالقوة.
ولا يبعد أن ينظر الناظر إلى بغلة منتفخة البطن فيظن أنها حامل. فيقال: هل تعلم أن هذه البغلة عاقر؟ فيقول: نعم. فيقال: وهل تعلم أن
1 قال الشيخ "ابن بدران" -موضحًا هذه الصورة-: "وتحريرها أن يقال: وعرضته على العقل، لم يخل العقل فيه من أمرين: إما أن يصدق به، أو يمتنع عن تصديقه، فإن صدق به فهو الأولي المعلوم بغير واسطة، أو بغير علة، أو بغير دليل، وإن امتنع عن المبادرة إلى التصديق فلا بد حينئذ من واسطة.... "نزهة الخاطر "1/ 84".
2 أي المقدمتين السابقتين، لأنه يعبر عن المقدمة بالقضية.