المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: [في تقسيم الواجب باعتبار وقت الأداء] - روضة الناظر وجنة المناظر - ت شعبان - جـ ١

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌مقدمة المجلد الأول

- ‌مدخل

- ‌مقدمة

- ‌فصل: "في أقسام الحد

- ‌فصل: [في أن تعذر البرهان على الحد لا يمنع صحته]

- ‌فصل: في البرهان

- ‌فصل: في كيفية دلالة الألفاظ على المعنى

- ‌فصل: في النظر في المعاني

- ‌فصل: في تأليف مفردات المعاني

- ‌فصل: [في مقدمتي البرهان وأضربه]

- ‌فصل: [في أسباب مخالفة البرهان أو القياس]

- ‌فصل: [في اليقين ومداركه]

- ‌فصل: في لزوم النتيجة من المقدمتين

- ‌فصل: [في تقسيم البرهان: إلى برهان علة وبرهان دلالة]

- ‌فصل: [في الاستدلال بالاستقراء]

- ‌الباب الأول: في حقيقة الحكم وأقسامه

- ‌معنى الحكم

- ‌فصل: [في تقسيم الواجب باعتبار ذاته]

- ‌فصل: [في تقسيم الواجب باعتبار وقت الأداء]

- ‌فصل: [في تضييق الواجب الموسع]

- ‌فصل: [في مقدمة الواجب وحكمها]

- ‌فصل: [في بعض الفروع المخرجة على مقدمة الواجب]

- ‌فصل: [في الواجب غير المحدد]

- ‌فصل: القسم الثاني: المندوب

- ‌فصل: [في حكم الأشياء قبل ورود الشرع]

- ‌فصل: [هل المباح مأمور به]

- ‌فصل: القسم الخامس: الحرام

- ‌فصل: [في أقسام النهي]

- ‌فصل: [الأمر بالشيء نهي عن ضده]

- ‌فصل: [في معنى التكليف وشروطه]

- ‌فصل: [في عدم تكليف الناسي والنائم والسكران]

- ‌فصل: [في حكم تكليف المكره]

- ‌فصل: [في حكم تكليف الكفار بفروع الإسلام]

- ‌فصل: [شروط الفعل المكلف به]

- ‌فصل: [في المقتضى بالتكليف]

- ‌فصل: الضرب الثاني - من الأحكام ما يتلقى من خطاب الوضع والإخبار

- ‌فصل: [في الشرط وأقسامه]

- ‌فصل: في القضاء والأداء والإعادة

- ‌فصل: في العزيمة والرخصة

- ‌الباب الثاني: في أدلة الأحكام

- ‌مدخل

- ‌فصل: [في تعريف الكتاب والقرآن وأنهما بمعنى واحد]

- ‌فصل: [في حكم الاحتجاج بالقراءة الشاذة]

- ‌فصل: [في اشتمال القرآن على الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [ليس في القرآن ألفاظ غير عربية]

- ‌فصل: [في المحكم والمتشابه]

- ‌الباب الثالث: النسخ

- ‌فصل: تعريف النسخ

- ‌فصل: [معنى النسخ عند المعتزلة]

- ‌فصل: [الفرق بين النسخ والتخصيص]

- ‌فصل: [ثبوت النسخ بالأدلة العقلية والنقلية]

- ‌فصل: [في وجوه النسخ في القرآن]

- ‌فصل: في نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال

- ‌فصل: [هل الزيادة على النص نسخ

- ‌فصل: [في نسخ جزء العبادة أو شرطها]

- ‌فصل: [في جواز نسخ العبادة إلى غير بدل]

- ‌فصل: [في النسخ بالأخف والأثقل]

- ‌فصل: [في حكم من لم يبلغه النسخ]

- ‌فصل: [في وجوه النسخ بين القرآن والسنّة]

- ‌فصل: [في حكم نسخ القرآن ومتواتر السنة بالآحاد]

- ‌فصل: [الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به]

- ‌فصل: [في نسخ القياس والنسخ به]

- ‌فصل: [في نسخ التنبيه والنسخ به]

- ‌فصل: فيما يعرف به النسخ

- ‌الباب الرابع: الأصل الثاني من الأدلة سنة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌فصل: في ألفاظ الرواية

- ‌فصل: [في حد الخبر وأقسامه]

- ‌فصل: [فيما يفيده الخبر المتواتر]

- ‌فصل: ي أن ما حصل العلم في واقعة أفاده في غيرها

- ‌فصل: [في شروط التواتر]

- ‌فصل: [مذاهب العلماء في عدد التواتر]

- ‌فصل: [لا يجوز على أهل التواتر كتمان ما يحتاج إليه]

- ‌فصل: [في حكم التعبد بخبر الواحد عقلًا]

- ‌فصل: [في التعبد بخبر الواحد سمعًا]

- ‌فصل: [في شروط الراوي]

- ‌فصل: [في حكم خبر مجهول الحال]

- ‌فصل: [فيما لا يشترط في الراوي]

- ‌فصل: تعارض الجرح والتعديل

- ‌فصل: [في عدالة الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم خبر المحدود في القذف]

- ‌فصل: في كيفية الرواية

- ‌فصل: [في حكم الشك في السماع]

- ‌فصل: [في حكم إنكار الشيخ للحديث]

- ‌فصل: [في حكم انفراد الثقة بزيادة في الحديث]

- ‌فصل: [في حكم رواية الحديث بالمعنى]

- ‌فصل: [في حكم مراسيل الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم مراسيل غير الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم خبر الواحد فيما تعم به البلوى]

- ‌فصل: [في حكم خبر الواحد في الحدود]

- ‌فصل: [في حكم الواحد إذا خالف القياس]

- ‌باب: الأصل الثالث: الإجماع

- ‌فصل: معنى الاجماع

- ‌فصل: [الأدلة على حجية الإجماع]

- ‌فصل: [في المعتبرين في الإجماع]

- ‌فصل: [فيمن يعتبر في الإجماع من أصحاب العلوم]

- ‌فصل: [في عدم الاعتداد بقول الكافر والفاسق في الإجماع]

- ‌فصل: في الاعتداد بقول التابعي المجتهد في إجماع الصحابة

- ‌فصل: [في حكم انعقاد الإجماع بقول الأكثر]

- ‌فصل: [في حكم إجماع أهل المدينة]

- ‌فصل: [في حكم إجماع الخلفاء الأربعة]

- ‌فصل: هل انقراض العصر شرط لصحة الإجماع

- ‌فصل: [هل اتفاق التابعين على أحد قولي الصحابة إجماع

- ‌فصل: [اختلاف الصحابة على قولين يمنع إحداث قول ثالث]

- ‌فصل: [في حكم الإجماع السكوتي]

- ‌فصل: في جواز انعقاد الإجماع عن اجتهاد وقياس

- ‌فصل: [الأخذ بأقل ما قيل ليس إجماعًا]

- ‌فصل: [هل النافي للحكم يلزمه الدليل]

- ‌باب: في تقاسيم الكلام والأسماء

- ‌فصل: اختلاف في مبدأ اللغات

- ‌فصل: [هل تثبت الأسماء بالقياس]

- ‌فصل: [في تعارض الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [في علامات الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [في تعريف الكلام وأقسامه]

- ‌فصل: [نفي الذوات لا يقتضي الإجمال]

- ‌فصل: [رفع الخطأ رفع للحكم]

- ‌فصل: في البيان

- ‌فصل: [الأمور التي يحصل بها البيان]

- ‌فصل: [لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة]

- ‌باب: الأمر

- ‌مدخل

- ‌فصل: [لا يشترط الإرادة في الأمر]

- ‌فصل: مسألة: الأمر المجرد يدل على الوجوب

- ‌فصل: [فيما تفيده صيغة الأمر بعد الحظر]

- ‌فصل: [الأمر المطلق هل يقتضي التكرار]

- ‌فصل: الأمر المطلق: هل يقتضي الفور

- ‌فصل: [الواجب المؤقت إذا فات وقته لا يحتاج إلى أمر جديد]

- ‌فصل: [مقتضى الأمر: حصول الإجزاء بفعل المأمور به]

- ‌فصل: الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا به

- ‌فصل: [أمر الجماعة أمر لكل واحد منهم]

- ‌فصل: [أمر الله تعالى للنبي أمر للأمة ما لم يوجد تخصيص]

- ‌فصل: [في تعلق الأمر بالمعدوم]

- ‌فصل: [في التكليف بغير الممكن]

- ‌فصل: [في النهي]

- ‌فهرس

- ‌موضوعات الجزء الأول:

الفصل: ‌فصل: [في تقسيم الواجب باعتبار وقت الأداء]

‌فصل: [في تقسيم الواجب باعتبار وقت الأداء]

والواجب ينقسم -بالإضافة إلى الوقت- إلى مضيق وموسع.

وأنكر أصحاب أبي حنيفة التوسع، وقالوا: هو يناقض الوجوب1.

ولنا2: أن السيد لو قال لعبده: ابْن هذا الحائط في هذا اليوم: إما في أوله، وإما في وسطه، وإما في آخره وكيف أردت، فمهما فعلت امتثلت إيجابي، وإن تركت عاقبتك، كان كلامًا معقولًا.

ولا يمكن دعوى أنه ما أوجب شيئًا أصلًا، ولا أنه أوجب مضيقًا؛

= المذهب الثاني: أن الأمر بالأشياء على التخيير يقتضي وجوب الكل، ويسقط بفعل واحد منها، وهو مذهب بعض المعتزلة، وهو قريب من مذهب الجمهور، فلا خلاف بينهما في المعنى.

المذهب الثالث: أن الواجب معين عند الله تعالى دون الناس، وهو مذهب ضعيف ترويه المعتزلة عن الجمهور، ويرويه الجمهور عن المعتزلة، ولذلك يسمى بمذهب التراجم، لأن كل فريق يرجم به الآخر، فلا أصل له.

انظر: "الإبهاج للسبكي جـ1 ص86، المعتمد لأبي الحسين البصري جـ1 ص87".

1 هذا هو الدليل الذي تمسك به الحنفية على أنكاء الواجب الموسع وخلاصته: أنه لو وجب الفعل فيما قبل الوقت الأخير لما جاز تركه، لكن التالي باطل، وهو أنه يجوز ترك الواجب، فبطل المقدم، وثبت نقيضه، وهو عدم الوجوب فيما قبل الجزء الأخير من الوقت.

وأجيب عنه: بأن جواز ترك الفعل فيما عدا الجزء الأخير لا يقتضي عدم الوجوب، لأن الوجوب فيما عدا الجزء الأخير وجوب موسع، والذي ينافي الوجوب: هو الترك في جميع الأوقات، لا الترك في بعض الأوقات.

2 هذا هو الدليل العقلي للجمهور، وسيأتي -بعد ذلك- الدليل الشرعي.

ص: 108

لأنه صرح بضد ذلك، فلم يبق إلا أنه أوجب موسعًا.

وقد عهدنا من الشارع تسمية هذا القسم واجبًا، بدليل أن الصلاة تجب في أول الوقت1.

وكذلك انعقد الإجماع على أنه يثاب ثواب الفرض، وتلزمه نيته2، ولو كانت نفلًا لأجزأت نية النفل، بل لاستحالت نية الفرض من العالِمِ كونها نفلًا؛ إذ النية قصد يتبع العلم.

فإن قيل3: الواجب ما يعاقب على تركه، والصلاة إن أضيفت إلى

1 هذا هو الدليل الشرعي، وهو: أن الصلاة تجب في أول الوقت وجوبًا موسعًا والأدلة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى في سورة الإسراء من الآية 78:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْل} وقوله تعالى في سورة طه من الآية 130: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} وروي أن الله -تعالى- لما فرض الصلاة أرسل جبريل عليه السلام ليعلّم النبي -صلى الله عليه وسلام- كيفية الصلاة وأوقاتها، فأم جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وصلى به الصلاة في أول يوم في أول الوقت، وفي اليوم الثاني صلاها في آخر الوقت، ثم قال له:"الوقت ما بين هذين" وهو حديث صحيح رواه البخاري في صحيحه "1/ 101" وأبو داود في سننه "1/ 161"، وأحمد في مسنده "1/ 333" والنسائي في سننه "1/ 262".

قال البخاري: "هو أصح شيء في المواقيت".

وإذا كان الحديث قد قيد الوجوب بجميع الوقت، وهو صريح في هذا، فتخصيصه ببعض الأوقات دون البعض، تخصيص بلا دليل.

2 هذا هو الدليل الثالث للجمهور، وهو: أن الإجماع منعقد على أن من أدى الصلاة في أول وقتها أثيب عليها ثواب الفرض، وتلزمه النية، إذ النية تابعة لعلم المكلف وقصده، ولذلك يقول الآمدي في الإحكام "جـ1 ص108""أجمع السلف على أن من فعل الصلاة في أول الوقت ومات، أنه أدى فرض الله عليه".

3 هذا دليل من أدلة المنكرين للواجب الموسع، أورده المصنف في صورة اعتراض وأجاب عليه بما قاله -بعد- من أن القسمة ثلاثية، مندوب، وواجب مضيق، =

ص: 109

أخر الوقت فيعاقب على تركها، فتكون واجبه حينئذ، وإن أضيقت إلى أوله، فخيّر بين فعلها وتركها، وفعلها خير من تركها، وهذا حد الندب.

وإنما أثيب ثواب الفرض ولزمته نيته؛ لأن مآله إلى الفرضية، فهو كمعجّل الزكاة، والجامع بين الصلاتين في وقت أولاهما.

قلنا: الأقسام ثلاثة:

قسم: لا يعاقب على تركه مطلقًا، وهو: المندوب.

وقسم: يعاقب على تركه مطلقًا، وهو الواجب المضيق.

وقسم: يعاقب على تركه بالإضافة إلى مجموع الوقت، ولا يعاقب بالإضافة إلى بعض أجزاء الوقت، وهذا القسم ثالث، يفتقر إلى عبارة ثالثة، وحقيقته لا تعدو "الواجب، والندب" وأولى عباراته: "الواجب الموسع".

قالوا: ليس هذا قسمًا ثالثًا، بل هو بالإضافة إلى أول الوقت ندب، وبالإضافة إلى آخره واجب، بدليل أنه في أول الوقت يجوز تركه، دون آخره1.

وهذا القسم الثالث لا نستطيع أن نلحقه بالمندوب، لأن المندوب يجوز تركه مطلقًا، ولا نستطيع أن نلحقه بالواجب المضيق لأنه يخالفه، فلم يبق إلا أن نسميه باسم يختص به، وهو "الواجب" فهو واجب، لأن الشارع طلب فعله طلبًا جازمًا، وهو -أيضًا- موسع؛ لأن الشارع وسّع وقت الأداء، تيسيرًا على المكلفين، وما دام الشارع هو الذي رخص في ذلك فلا ينبغي المعارضة فيه، فلا اجتهاد مع النص، كما يقول العلماء.

1 خلاصة هذا الاعتراض: عدم التسليم بأن هذا قسم ثالث، بل هو داخل في القسمين، المندوب والواجب، فهو في أول الوقت ندب، لأنه يجوز تركه، وهذا هو الندب، وفي آخر الوقت واجب، لأنه لا يجوز تركه، وهذا هو حد الواجب.

وأجاب المصنف على هذا الاعتراض: بأن الندب يجوز تركه مطلقًا، =

ص: 110

قلنا: بل حد الندب: ما يجوز تركه مطلقًا، وهذا لا يجوز إلا بشرط وهو:"الفعل بعده" أو: "العزم على الفعل"، وما جاز تركه بشرط فليس بندب، كما أن كل واحد من خصال الكفارة يجوز تركه إلى بدل.

ومن أمر بالإعتاق فما من عبد إلا يجوز تركه بشرط عتق ما سواه، ولا يكون ندبًا، بل واجبًا مخيرًا، كذا هذا يسمى واجبًا موسعًا1.

وما جاز تركه بشرط يفارق ما جاز تركه مطلقًا، وما لا يجوز تركه مطلقًا فهو قسم ثالث2.

وإذا كان المعنى متفقًا عليه وهو: الانقسام إلى الأقسام الثلاثة، فلا معنى للمناقشة في العبارة.

وأما تعجيل الزكاة: فإنه يجب بنية التعجيل، وما نوى أحد من السلف في الصلاة في أول الوقت غير ما نواه في آخره، ولم يفرقوا أصلًا فهو مقطوع به3.

= والواجب الموسع يجوز تركه في أول الوقت مع نية فعله بعد ذلك، فهو مخالف للمندوب من هذا الوجه.

1 أراد المصنف بذلك: التنظير للواجب الموسع بالواجب المخير، فكما أنه في الواجب المخير مخير بين أمور معينة كذلك هنا مخير بين الوقت الأول: وما بعده. وهذا لا ينافي أن الوقت الأول أفضل من غيره، فالأفضلية شيء، وجواز التأخير شيء أخر.

2 هو: الواجب الموسع -كما سبق توضيحه-.

3 هذا رد على من قال: إن أداء الصلاة في أول الوقت يعتبر تعجيلًا كتعجيل دفع الزكاة قبل حولان الحول. وخلاصة الرد: أن الصلاة تفعل في أول الوقت كما تفعل في آخره بنية واحدة، ولم يفرق السلف الصالح بين النيتين، أما الزكاة فلا تجب ولا يتوجه الأمر بها إلا بعد حولان الحول، فدفعها قبل ذلك لا بد فيه من نية التعجيل، فهذا قياس مع الفارق.

ص: 111

فإن قيل1. قولكم: "إنما جاز تركه بشرط العزم أو الفعل بعده" باطل، فإن لو ذهل أو غفل عن العزم ومات لم يكن عاصيًا".

ولأن الواجب المخير: "ما خير الشارع فيه بين شيئين" وما خير بين العزم والفعل.

ولأن قوله: "صل في الوقت" ليس فيه تعرض للعزم أصلًا، فإيجابه زيادة.

قلنا: إنما لم يكن عاصيًا، لأن الغافل لا يكلف.

فأما إذا لم يغفل، فلا يترك العزم على الفعل إلا عازمًا على الترك مطلقًا، وهو حرام، وما لا خلاص عن الحرام إلا به يكون واجبًا.

فهذا دليل وجوبه، وإن لم تدل عليه الصيغة، والله أعلم.

1 القائل: هم الذين لا يشترطون العزم على الفعل في الوقت اللاحق للوقت الذي لم تفعل فيه العبادة. وخلاصة ما حكاه المصنف عنهم: أنهم ردوا على مذهب القائلين باشتراط العزم بثلاثة أوجه. فيقول: "فإنه لو ذهل.... الخ" هذا هو الوجه الأول، وقوله: "ولأن الواجب المخير

الخ" هو الوجه الثاني، وقوله: "ولأن قوله: صل الخ" هو الوجه الثالث. وقوله -بعد ذلك-: "قلنا" رد على الوجوه الثلاثة المتقدمة.

وخلاصة ما قيل في الواجب الموسع: أن العلماء متفقون على ذلك، إلا أنهم مختلفون في جزء الوقت الذي يتعلق به الوجوب ويمثلون في الجملة اتجاهين:

أ- اتجاه يعترف بالواجب الموسع.

ب- اتجاه آخر ينكر ذلك.

وتفرع على ذلك عد112

فإن قيل1. قولكم: "إنما جاز تركه بشرط العزم أو الفعل بعده" باطل، فإن لو ذهل أو غفل عن العزم ومات لم يكن عاصيًا".

ولأن الواجب المخير: "ما خير الشارع فيه بين شيئين" وما خير بين العزم والفعل.

ولأن قوله: "صل في الوقت" ليس فيه تعرض للعزم أصلًا، فإيجابه زيادة.

قلنا: إنما لم يكن عاصيًا، لأن الغافل لا يكلف.

فأما إذا لم يغفل، فلا يترك العزم على الفعل إلا عازمًا على الترك مطلقًا، وهو حرام، وما لا خلاص عن الحرام إلا به يكون واجبًا.

فهذا دليل وجوبه، وإن لم تدل عليه الصيغة، والله أعلم.

ص: 112

....................................................................................................

= المذهب الأول:

أن الوجوب يتعلق بالوقت كله وجوبًا موسعًا، فيجوز إيقاع الفعل في أي جزء من أجزاء الوقت، فيجوز ترك الفعل في أول الوقت بدون بدل، ولا يعتبر عاصيًا ولا يأثم بالتأخير، إلا إذا تضيق الوقت فيحرم التأخير.

ومع ذلك فهم يقولون: إن أداء العبادة في أول الوقت أفضل، ففرق بين الأفضلية والجواز.

وهو مذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين.

واستدلوا على ذلك بدليلين: أحدهما من القرآن، وثانيهما من السنة.

أولا- من القرآن الكريم:

فقد استدلوا بقوله -تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] .

ووجه الاستدلال بالآية: أن الأمر بإقامة صلاة الظهر المفهوم من قوله تعالى: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} عام في جميع الأوقات، ولم يقتصر على وقت معين، فلا دلالة في الآية على إيقاع الصلاة في وقت معين، فقصره على بعض الأوقات لا دليل عليه. "الإحكام للآمدي 1/ 99".

ويؤكد هذا الفهم دليل السنة الآتي:

ثانيًا: استدلوا من السنة بما تقدم من حديث جبريل عليه السلام والذي جاء فيه "الوقت ما بين هذين" وهو نص في الموضوع من جهة، ومفسر للآية الكريمة من جهة ثانية.

المذهب الثاني: أن الإيجاب يقتضي إيقاع الفعل في أي جزء من أجزاء الوقت، لكن لا يجوز ترك الواجب في الجزء الأول إلا ببدل، وهو العزم على إيقاع الفعل في الجزء الذي يليه، ثم إذا لم يفعل في ذلك الوقت تجدد البدل، وهكذا، حتى يدخل الوقت الأخير فيتعين هذا الجزء للأداء، وإلا خرج الوقت.

وهو مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني وجماعة من الأشاعرة والمعتزلة. =

ص: 113

..............................................................................................

= وهذا المذهب يتفق مع المذهب المتقدم في أن الإيجاب يتعلق بأول الوقت وجوبًا موسعًا، إلا أنهم يخالفونهم من حيث إنهم يوجبون العزم في الوقت الذي لم يحصل فيه الفعل. ومن هنا كان دليلهم على الشق الأول هو نفس أدلة أصحاب المذهب الأول.

أما أنه يجب العزم فدليلهم على ذلك: أنه لو لم يجب العزم عند عدم الإتيان بالفعل للزم ترك الواجب بلا بدل: وترك الواجب بلا بدل باطل، لأنه يجعل الواجب غير واجب، ضرورة أن الواجب هو: ما لا يجوز تركه بلا بدل، وغير الواجب يجوز تركه بلا بدل، فثبت بذلك أنه لا بد من العزم عند عدم الفعل وهو المدّعي.

وأجاب الجمهور على ذلك: بأن العزم لا يصلح أن يكون بدلًا عن الواجب، لأنه لو صح أن يكون بدلًا لتأدى به الواجب، لأن بدل الشيء يقوم مقامه، والكل متفق على أن العزم هنا لا يقوم مقام الفعل، ولترتب على ذلك أن من أخر الصلاة عن أول الوقت مع الغفلة عن العزم يكون عاصيًا، لأنه ترك الواجب وبدله، ولم تتعرض النصوص الدالة على إيجاب الصلاة لشيء من ذلك، فإيجاب العزم زيادة على مقتضى الأمر الوارد بالصلاة.

يضاف إلى ذلك: أنه لو عزم على الفعل في الجزء الأول من أجزاء الوقت، فهل يجب العزم في الجزء الثاني والثالث وهكذا أو لا؟

فإن قلنا: إنه لا يجب فقد ترك الواجب بلا بدل، ولزم على ذلك تخصيص جزء من الوقت بدون مخصص، حيث أوجبنا العزم في الجزء الأول، دون بقية الأجزاء.

وإن قلنا: يجب تعدد العزم لزم على ذلك تعدد البدل، والمبدل منه واحد، وهذا لا يجوز، لأن البدل -دائما- تابع للأصل وهو المبدل منه.

ثانيًا- اتجاه المنكرين للواجب الموسع:

وتفرع عن هذا الاتجاه ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: أن الوجوب يختص بأول الوقت، فإن فعل في آخره كان قضاء. =

ص: 114

.................................................................................................

= وهو منقول عن بعض المتكلمين، ونسب خطأ إلى الشافعية، فهي نسبة غير صحيحة.

واستدل القائلون بذلك بأدلة ضعيفة لا تصلح للاحتجاج بها.

منها: ما روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم: قال: "الصلاة في أول الوقت رضوان الله، وآخره عفو الله""رواه الترمذي والدراقطني: الترغيب والترهيب جـ1 ص256".

وقالوا في وجه الدلالة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بأن الصلاة في أول الوقت سبب رحمة الله ورضائه عن فاعلها، وأن فعلها في آخر الوقت يعد معصية، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"عفو الله" لأن العفو إنما يكون عن شيء فيه مخالفة.

وأجيب عن هذا الاستدلال من وجهين:

الوجه الأول: أن هذا الحديث ضعيف جدًّا. قال البيهقي في المعرفة: هذا الحديث كذبه أحمد بن حنبل، وقد روي بأسانيد كلها ضعيفة.

"تحفة الأحوذي 1/ 517، سبل السلام 1/ 17".

الوجه الثاني: أنه مع فرض التسليم بصحته فإنه لا يثبت المدّعي، لأن العفو الوارد في الحديث لا يدل على أن الصلاة في آخر الوقت معصية، لكنه يلج على أن المكلف قد تباطأ في أداء العبادة في أول وقتها، ولا شك أن الوقت الأول وقت فضيلة بلا خلاف، فإهمال لوقت الفضيلة يستحق العفو من الله تعالى. فغاية ما يدل عليه الحديث: هو حث المكلف على المبادرة بأداء العبادة في أول وقتها حتى يستحق رضا الله تعالى ومغفرته.

بالإضافة إلى أن أن هذا الحديث مخالف لحديث جبريل المتقدم وهو حديث صحيح.

المذهب الثاني:

أن الوجوب يختص بآخر الوقت، فإن فعل أوله كان من قبيل التعجيل، وهو مروي عن بعض الحنفية.

واستدلوا على ذلك: بأنه لو وجب الفعل فيما قبل الوقت الأخير لما جاز تركه لكن التالي باطل، وهو أنه لا يجوز ترك الواجب، فبطل المقدم، وثبت نقيضه، =

ص: 115