الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في جواز انعقاد الإجماع عن اجتهاد وقياس
…
مسألة: [في جواز انعقاد الإجماع عن اجتهاد وقياس]
يجوز أن ينعقد الإجماع عن اجتهاد وقياس، ويكون حجة1.
وقال قوم: لايتصور ذلك2؛ إذ كيف يتصور اتفاق الأمة مع اختلاف طبائعها، وتفاوت أفهامها على مظنون؟
أم كيف تجتمع على قياس، مع اختلافهم في القياس؟
وقال آخرون: هو متصور، وليس بحجة؛ لأن القول بالاجتهاد يفتح باب الاجتهاد ولا يجب3.
ولنا:
1 وهو رأي جمهور العلماء.
2 وهو رأي ابن جرير الطبري كما في المستصفى "2/ 377" وأهل الظاهر كما في الإحكام لابن حزم "4/ 527" والشيعة كما في الإحكام للآمدي "1/ 264".
3 عبارة المستصفى "لأن القول بالاجتهاد يفتح باب الاجتهاد، ولا يحرمه" وقد وضحه الطوفي فقال: "إنه إذا تصور الاتفاق عن القياس، كان حجة بأدلة الإجماع السابقة؛ لأنه سبيل المؤمنين، فيحرم خلافه، وبقوله عليه السلام: "أمتى لا تجمتع على ضلالة ونحوه" ومعناه: انه إذا كان عن اجتهاد جاز مخالفته ولا يحرم، وهذا بالتالي يتعارض مع طبيعة الإجماع.
وهناك رأي رابع حكاه الطوفي، وهو جواز انعقاده عن قياس جلي، لا عن قياس خفي.
وقد أورد الطوفي -كذلك- رأي القائلين بالجواز بأنهم اختلفوا في الوقوع: فمنهم من قال: إنه قد وقع، مثل: إمامة أبي بكر رضي الله عنه وقتال مانعى الزكاة، وتحريم شحم الخنزير وغير ذلك كلها ثبتت بالرأي والاجتهاد.
أما المانعون فقالوا: إن الصورة المذكورة مستفادة من نصوص معينة، وليست باجتهاد. انظر: شرح المختصر "3/ 124، 125".
أن هذا إنما يستنكر فيما يتساوى فيه الاحتمال.
أما الظن الأغلب فيميل إليه كل واحد، فأي بُعْدٍ في أن يتفقوا على أن النبيذ في معنى الخمر في التحريم؛ لكونه في معناه في الإسكار؟
وأكثر الإجماعات مستندة إلى عمومات، وظواهر، وأخبار آحاد، مع تطرق الاحتمال.
وإذا جاز اتفاق أكثر الأمم على باطل -مع أنه ليس لهم دليل قطعي ولا ظني- لِمَ لا يجوز الاتفاق على دليل ظاهر، وظن غالب؟!
وأما منع تصوره بناء على الخلاف في القياس: فإنا نفرض ذلك في الصحابة، وهم متفقون عليه، والخلاف حدث بعدهم1.
وإن فرض ذلك بعد حدوث الخلاف فيستند أهل القياس إليه، والآخرون إلى اجتهاد في مظنون ليس بقياس وهو في الحقيقة قياس، فإنه قد يظن غير القياس قياسًا وكذلك العكس.
وإذا ثبت تصوره: فيكون حجة لما سبق من الأدلة على الإجماع2.
1 هذا اعتراف من المصنف على أن المسألة خاصة بعصر الصحابة فقط، كما هو ديدنه في المسائل السابقة، بينما الجمهور على عدم التخصيص بعصر الصحابة رضي الله عنهم.
2 معناه: أن كثيرًا من المنكرين للقياس يستندون إليه في بعض الأحكام ويسمونه بغير اسمه، كالتنبيه وتنقيح المناط وما أشبه ذلك.
قال الطوفي: ".... فإن كثيرًا من منكري القياس استندوا إليه في مواضع، وسموه بغير اسمه، كالتنبيه وتنقيح المناط، فبعضهم يقول: لا يقضي القاضي وهو جائع، وهو في الحقيقة قياس على الغضب بالجامع المعروف، ويقولون: نبّه بحالة الغضب على حالة الجوع وغيرها من الأحوال.
والحنفية مع قولهم: لا قياس في الكفارات، أوجبوا الكفارة على الصائم =
فصل: الإجماع ينقسم إلى مقطوع ومظنون 1.
فالمقطوع:
ما وجد فيه الاتفاق مع الشروط التي لا تختلف فيه مع وجودها، ونقله أهل التواتر.
والمظنون:
ما اختل فيه أحد القيدين: بأن توجد مع الاختلاف فيه، كالاتفاق في بعض العصر، وإجماع التابعين على أحد قولي الصحابة، أو يوجد القول من البعض والسكوت من الباقين، أو توجد شروطه لكن ينقله آحاد1.
= بالأكل والشراب، وهو في الحقيقة قياس على الوطء، بجامع الإفساد، وقالوا: هذا تنقيح المناط، اعتبارًا من حديث الأعرابي، لعموم الإفساد، لا لخصوص الجماع.
فهكذا يجوز أن يستند المخالف في القياس عند الإجماع على ما لا يعتقده قياسًا، وهو قياس، فيتحد المستند ويتفرع عليه الإجماع، أو نفرض أن المخالف "يظن القياس غير قياس، كالعكس" أي: كما يجوز أن يظن غير القياس قياسًا، كالتنقيح، والتنبيه، ومفهوم الموافقة، كذلك يجوز أن يظن القياس غير قياس، فيستند إليه في الإجماع".
شرح المختصر "3/ 122-123".
1 خلاصة ما قاله المصنف: أن الإجماع قسمان: مقطوع: وهو ما وجد فيه جميع الشروط التي لا يختلف فيها، مع وجودها، ونقل نقلًا متواترًا. ومظنون: وهو: ما اختل فيه أحد القيدين، بأن يوجد على وجه مختلف فيه متواترًا، أو متفقًا عليه، لكن بطريق الآحاد.
مثال الأول: اتفاق أهل العصر الثاني على أحد قولي أهل العصر الأول، أو أن يكون الإجماع سكوتيًّا، أو يوجد الاتفاق في بعض العصر، ولم ينقرض حتى =
وذهب قوم إلى أن الإجماع لا يثبت بخبر الواحد1؛ لأن الإجماع دليل قاطع، يحكم به على الكتاب والسنة، وخبر الواحد لا يقطع به، فكيف يثبت به المقطوع؟
وليس ذلك بصحيح؛ فإن الظن متبع في الشرعيات، والإجماع المنقول بطريق الآحاد يغلب على الظن، فيكون ذلك دليلًا كالنص المنقول بطريق الآحاد.
وقولهم: "هو دليل قاطع".
خولف إلى آخر المسائل التي وقع فيها الخلاف، هل هي إجماع أو لا؟.
ومثال الثاني: وهو: المتفق عليه، لكنه نقل آحادًا: أن ينقل إجماع عن الصحابة بطريق الآحاد. هذا معنى كلامه.
إلا أن جمهور الأصوليين يقسمونه إلى أربعة أقسام: وضحها الطوفي بقوله: "إن الإجماع إما نطقي، أو سكوتي، وكل واحد منهما: إما تواتر أو آحاد:
فالنطقي: ما كان اتفاق مجتهدي الأمة، جميعهم عليه نطقًا، بمعنى: أن كل واحد منهم نطق بصريح الحكم في الواقعة، نفيًا أو إثباتًا.
والسكوتي: ما نطق به البعض، وسكت البعض.
وكل واحد من هذين إما أن ينقل تواترًا أو آحادًا.
ثم قال: ومراتبها متفاوتة في القوة والضعف، وأقواها: النطقي المتواتر، ثم النطقي المنقول آحادًا، لضعف الآحاد عن التواتر، ثم السكوتي المتواتر، ثم السكوتي المنقول آحادًا". شرح مختصر الروضة "3/ 126، 127".
1 أي: أن الإجماع يكون مستنده خبر من أخبار الآحاد، وهو رأي جمهور العلماء.
قال الآمدي: -بعد أن بين أن العلماء اختلفوا في ثبوت الإجماع عن خبر الآحاد-: "فأجازه الحنابلة، وبعض الشافعية، وبعض الحنفية، وأنكره الباقون". انظر: الإحكام "1/ 281". =