الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا غير صحيح، فإن الحدود حكم شرعي، يثبت بالشهادة، فيقبل فيه خبر الواحد، كسائر الأحكام.
ولأن ما يقبل فيه القياس المستنبط من خبر الواحد: فهو بالثبوت بخبر الواحد أولى.
وما ذكروه يبطل الشهادة والقياس، فإنهما مظنونان ويقبلان في الحدود.
= مرفوعًا، كما في المقاصد الحسنة ص344، وابن عساكر في تاريخه.
كما روته عائشة رضي الله عنها مرفوعًا بلفظ: "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم؛ فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة" أخرجه الترمذي: كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحد، ورواه -أيضًا- موقوفًا وقال: الموقوف أصح، والدراقطني: في أوائل كتاب الحدود، والبيهقي، والحاكم في المستدرك: كتاب الحدود، باب، إن وجدتم لمسلم مخرجًا فخلوا سبيله وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
ومدار هذا الحديث على "يزيد بن زيادة" أحد رواة هذا الحديث، قال عنه البخاري:"منكر الحديث" وقال النسائي: "متروك الحديث" وضعفه الترمذي وغيره انظر: المغني في الضعفاء "2/ 749" وله روايات أخرى كثيرة مرفوعة وموقوفة انظر: تلخيص الحبير "4/ 56".
فصل: [في حكم الواحد إذا خالف القياس]
ويقبل خبر الواحد فيما يخالف القياس1.
وحكي عن مالك: أن القياس يقدم عليه2.
1 وهو قول الشافعية والحنابلة وكثير من الفقهاء، وهو الذي رجحه ابن قدامة.
2 المنقول عن الإمام مالك رأيان. والذي حكاه المصنف بقوله: "وحكي...." هو =
وقال أبو حنيفة: إذا خالف الأصول، أو معنى الأصول، لم يحتج به1.
وهو فاسد؛ فإن معاذًا2 قدم الكتاب والسنة على الاجتهاد، فصوبه
= المشهور من مذهبه. انظر: "شرح تنقيح الفصول ص387".
1 الفرق بين مخالفة الأصول، أو معنى الأصول: أن مخالفة القياس أخص من مخالفة الأصول؛ لأن القياس أصل من الأصول، فكل قياس أصل، وليس كل أصل قياسًا، فما خالف القياس خالف أصلًا خاصًّا، وما خالف الأصول يصدق بما خالف قياسًا أو نصًّا أو إجماعًا، أو استصحابًا أو غير ذلك.
فوجوب الوضوء بالنوم موافق للقياس؛ من حيث إنه تعليق حكم بمظنته كسائر الأحكام المعلقة بمظانها، مع أنه مخالف لبعض الأصول، وهو: استصحاب العدم الأصلي في خروج الحدث حتى يعلم أمر ناقل عن الاستصحاب.
فالمراد بمعنى الأصل: نفي الفارق بين الأصل والفرع.
هذا معنى ما ذكره المصنف في مذهب الحنفية، والذي في كتبهم غير هذا وخلاصة ما ورد في كتبهم:
1-
المتقدمون يرون تقديم خبر الآحاد على القياس مطلقًا، وهو رأي الإمام وصاحبيه.
2-
تقديم القياس إذا كان الراوي لخبر الواحد غير فقيه، ولا مجال للاجتهاد في الحديث.
3-
يقدم القياس على الصحابي الذي لم يعرف إلا بحديث أو حديثين،
واختلف الثقات في قبوله، أو لم يشتهر بين السلف.
4-
تقديم خبر الواحد إذا كان الراوي ضابطًا غير متساهل فيما يرويه.
5-
تقديم القياس إذا كان الراوي من غير الخلفاء الأربعة والعبادلة، وهو رأي البزدوي. انظر في ذلك:"أصول السرخسي 1/ 343، كشف الأسرار 2/ 379".
2 هو: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، صحابي جليل، كان =
النبي صلى الله عليه وسلم-1.
وقد عرفنا من الصحابة رضي الله عنهم في مجاري اجتهاداتهم أنهم كانوا يعدلون إلى القياس عند عدم النص.
ولذلك قدم عمر رضي الله عنه حديث حمل بن مالك في غرة الجنين2.
= أعلم الناس بالحلال والحرام، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاه الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء اليمن، كما في الحديث الذي معنا. توفي سنة 18هـ "أسد الغابة 4/ 376، حلية الأولياء 1/ 228".
1 يشير إلى حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له: "كيف تقضي إذا عرض لك القضاء؟ " قال: أقضى بكتاب الله. قال: "فإن لم تجد في كتاب الله؟ " قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ " قال: أجتهد رأيي ولا آلو. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه الله ورسوله".
أخرجه أبو داود: كتاب الأقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء، والترمذي في كتاب الأحكام، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، وقال:"لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل" وأخرجه الطيالسي في كتاب القضاء والدعاوي والبينات، باب آداب القضاء والقاضي كيف يقضي.
والحديث وإن كان في سنده مقال، إلا أن المحققين من العلماء حكموا بقبوله والعمل به. قال عنه إمام الحرمين، كما نقله ابن حجر في تلخيص الحبير "4/ 183""إنه حديث مدون في الصحاح متفق على صحته، لا يتطرق إليه التأويل".
وقال الغزالي: "تلقته الأمة بالقبول، ولم يظهر أحد فيه طعنًا، فلا يقدح فيه كونه مرسلًا" كما قواه ابن عبد البر، وابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن كثير.
انظر: المستصفى "2/ 254" والمعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر.
2 سبق تخريجه.
وكان يفاضل بين ديات الأصابع ويقسمها على قدر منافعها، فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"في كل إصبع عشر من الإبل" 1: رجع عنه إلى الخبر، وكان بمحضر من الصحابة2.
ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم كلام المعصوم وقوله، والقياس استنباط الراوي، وكلام المعصوم أبلغ في إثارة غلبة الظن.
ثم أصحاب أبي حنيفة قد أوجبوا الوضوء بالنبيذ في السفر دون الحضر. وأبطلوا الوضوء بالقهقهة داخل الصلاة، دون خارجها، وحكموا في القسامة بخلاف القياس، وهو مخالف للأصول3.
1 روى البيهقي في سننه الكبرى: كتاب الديات، باب الأصابع كلها سواء، عن سعيد بن المسيب قال: قضى عمر رضي الله عنه في الأصابع: في الإبهام بثلاث عشر، وفي التي تليها باثنتي عشر، وفي الوسطى بعشر، وفي التي تليها بتسع، وفي الخنصر بست، حتى وجد كتاب عند آل عمرو بن حزم يذكرون أنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما هنالك من الأصابع "عشر، عشر" قال سعيد: فصارت الأصابع إلى عشر، عشر.
وحديث عمرو بن حزم أخرجه النسائي: كتاب القسامة، باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول واختلاف الناقلين له.
وللحديث روايات أخرى عن أبي موسى الأشعري عند أبي داود، والنسائي وابن ماجه، والحاكم وصححه. وأخرجه أحمد بلفظ "الأصابع سواء، والأسنان سواء".
2 قال أبو يعلى في العدة "3/ 890": "وكان بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم فلم ينكر ذلك منكر، ولم يخالفه فيه مخالف، فدل على أنه إجماع عنهم".
3 تقدم أن أبا حنيفة يرى: أن خبر الواحد إذا خالف الأصول، أو معنى الأصول لا يحتج به، وأورد المصنف العديد من الأدلة التي تدل على رفض ما قاله أبو حنيفة. ثم أورد على مذهب الحنفية بعض الأمثلة التي أخذوا فيها بما يخالف =