الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يثير الفتنة1، كفعل الخوارج.
وهذا الجواب عن الحديث الآخر2، والله أعلم.
1 هذا جواب عن قول ابن جرير: "إن مخالفة الواحد شذوذ وهو منهي عنه".
وقد أجاب عنه المصنف: بأن المراد بالشذوذ: إما أن يكون ذلك بعد الاتفاق وانعقاد الإجماع، وإما أن يكون المراد به: الشذوذ الذي يشق به صاحبه عصا الطاعة، ويخرج عن حكم الإمام، ويثير الفتن والقلاقل، كما فعل الخوارج، وهم: كل من خرج على الإمام الحق، وكان أول ظهور هذه الفرقة في عهد علي بن أبي طالب، ومن معتقداتهم، التبري من عثمان وعلي، ويكفّرون أصحاب الكبائر، ويرون وجوب الخروج على الحاكم إذا خالف السنة وغير ذلك من معتقداتهم الفاسدة.
2 وهو قوله: صلى الله عليه وسلم "عليكم بالسواد الأعظم" و "الشيطان مع الواحد.." إلخ.
فصل: [في حكم إجماع أهل المدينة]
وإجماع أهل المدينة ليس بحجة1.
وقال مالك: هو حجة، لأنها معدن العلم، ومنزل الوحي، وبها أولاد الصحابة، فيستحيل اتفاقهم على غير الحق، وخروجه عنهم2.
1 وهو رأي جمهور العلماء، ولم يخالف في ذلك إلا مالك -رحمه الله تعالى-.
2 ينبغي توضيح المذهب، كما هو وارد عندهم، لأن اعتبار إجماع أهل المدينة حجة مشروط بشرطين:
أحدهما: أن يكون فيما لا مجال فيه للرأي والاجتهاد.
ثانيهما: أن يكون من الصحابة أو التابعين، دون من بعدهم، لأن قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه في حكم المرفوع، فألحق بهم مالك التابعين =
ولنا1:
= من أهل المدينة، لتعلّمهم ذلك عن الصحابة.
أما في مسائل الاجتهاد: فالصحيح عنه أنهم كغيرهم من الأمة، وإن كان قد نقل عنه الإطلاق.
قال صاحب مراقي السعود:
وأوجبنْ حجية للمدني
…
فيما على التوقيف أمره بُني
وقيل: مطلقًا..... انظر: نثر الورود على مراقي السعود "2/ 431".
ومن الأدلة التي تمسك بها الإمام مالك: الأحاديث التي وردت في فضل المدينة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب، وهي المدينة تنفي الناس، كما ينفي الكير خبث الحديد" أخرجه البخاري: كتاب فضائل المدينة، ومسلم: في كتاب الحج، باب: المدينة تنفي شرارها بلفظ "ألا إن المدينة كالكير، تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها، كما ينفي الكير خبث الحديد".
وقد أجاب المصنف على ذلك -فيما بعد- بأن ورود مثل ذلك لا يدل على أن اتفاق أهلها حجة، فالعصمة ليست للمكان، وإلا لكانت مكة أولى بذلك من المدينة، ومساوية لها، لأنها أفضل من المدينة عند الأكثرين، وإنما العصمة للأمة جميعها. كما أجاب الجمهور عن الاستدلال بالحديث المتقدم؛ بأن هذا الحديث ورد على سبب خاص، وهو: أن أعرابيًا دخل المدينة، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فخرج بغير إذنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن المدينة كالكير، تنفي خبثها، ويتضيع طيبها" أخرجه البخاري ومسلم أيضًا. ومعنى "يتضيع طيبها" أي: يفوح وينتشر.
كما أجيب عنه بوجه ثان: هو أن الخبث في عرف اللغة لا يفيد الخطأ مطابقة، ولا تضمنًا ولا التزامًا، فكيف يستدل بالحديث على نفي الخطأ؟
انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 105، 106".
1 هذا استدلال على أن إجماع أهل المدينة ليس حجة وهو من وجهين:
أحدهما: أن العصمة تثبت للأمة كلها إلخ. =
أن العصمة تثبت للأمة بكليتها، وليس أهل المدينة كل الأمة.
وقد خرج من المدينة من هو أعلم من الباقين بها: كعلي، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاذ، وأبي عبيدة، وأبي موسى، وغيرهم من
= الثاني: أنه قد خرج من المدينة عدد كثير من الصحابة، وهم أعلم ممن بقي بها، فكيف ينعقد إجماع بدونهم، وهم من أهل الاجتهاد، ثم ناقش أدلة المالكية، وهي واضحة.
إجماع أهل الحرمين والمصرين:
من المسائل التي يوردها الأصوليون، وأغفلها المصنف ما يسمى بإجماع أهل الحرمين: مكة والمدينة، والمصرين: البصرة والكوفة.
فقد زعم بعض أهل الأصول أن إجماع أهل الحرمين والمصرين حجة مع مخالفة غيرهم؛ لأن هذه المواطن كانت محلًا لإقامة الصحابة رضي الله عنهم.
قال الزراكشي: "وهذا صريح بأن القائلين بذلك لم يعمموا في كل عصر، بل في عصر الصحابة فقط".
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرزي: "قيل: إن المخالف أراد زمن الصحابة والتابعين، فإن هذا مراده فمسلم لو اجتمع العلماء في هذه البقاع، وغير المسلم أنهم اجتمعوا فيها" فإن الصحابة رضي الله عنهم انتشروا في مدن أخرى، كاليمن، والشام، ومصر، والعراق.
وقصر الإجماع على عصر الصحابة رضي الله عنهم يخالف الأدلة الكثيرة التي تدل على عدم انحصار الإجماع في عصر دون عصر.
وبذلك يظهر أن الراجح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء، من عدم حجية إجماع أهل الحرمين والمصرين، لأن العصمة إنما ثبتت مجتمعة، وهؤلاء بعض الأمة وليس كلها.
انظر في هذه المسألة: "الأحكام لابن حزم "4/ 566" شرح المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني "2/ 158" إرشاد الفحول جـ1 ص321 الطبعة المحققة.