الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: [في حكم الإجماع السكوتي]
إذا قال بعض الصحابة1 قولًا، فانتشر في بقية الصحابة، فسكتوا: فإن لم يكن قولا في تكليف فليس بإجماع2.
وإن كان: فعن أحمد رضي الله عنه ما يدل على أنه إجماع، وبه قال أكثر الشافعية.
وقال بعضهم: يكون حجة، ولا يكون إجماعًا3.
وقال جماعة آخرون: لا يكون حجة ولا إجماعًا4، ولا ينسب إلى ساكت قول، إلا أن تدل قرائن الأحوال على أنهم سكتوا مضمرين للرضا، وتجويز الأخذ به.
1 تخصيص المصنف مسألة الإجماع السكوتي في الصحابة فقط، مخالف لما عليه جمهور الأصوليين من تعميمهما في كل الأعصار، إلا إذا كان مذهبه تخصيص حجية الإجماع بعصر الصحابة، إلا أن هذا يناقض ما قاله قبل ذلك في مسألة "إجماع أهل كل عصر حجة، كإجماع الصحابة"؟!
2 يريد بذلك ذكر شروط الإجماع السكوتي وهي: أن ينتشر ويشتهر، بحيث يبلغ جميع المجتهدين، وأن يكون من المسائل التكليفية، وليس من مسائل الأصول والعقائد، وأن يكون السكوت قبل استقرار المذاهب، لأنه إن كان بعدها لم يدل على الموافقة، وأن تمضي مدة كافية للنظر والتأمل، وأن توجد قرائن تدل على الرضا، وأن يكون الشخص الذي صدرت منه المسألة مجتهدًا، وهي من المسائل المجتهد فيها، وأن تنتفي الموانع التي تمنع من اعتبار السكوت موافقة.
3 بمعنى: أن يكون حجة ظنية يجوز العمل بها، وليس بإجماع تمتنع مخالفته وهو اختيار أبي هاشم الجبائي والآمدي. انظر: الأحكام "1/ 252".
4 وهو منقول عن الإمام الشافعي، ولذلك قال:"لا ينسب لساكت قول". وفي المسألة آراء آخرى كثيرة ذكرها الشوكاني في كتابه "إرشاد الفحول" وأوصلها إلى =
وقد يسكت من غير إضمار الرضا لسبعة أسباب:
أحدها: أن يكون لمانع في باطنه لا يطلع عليه.
الثاني: أن يعتقد أن كل مجتهد مصيب.
الثالث: أن لا يرى الإنكار في المجتهدات، ويرى ذلك القول سائغًا لمن أداه اجتهاده إليه، وإن لم يكن هو موافقًا.
الرابع: أن لا يرى البدار1 في الإنكار مصلحة؛ لعارض من العوارض ينتظر زواله، فيموت قبل زواله، أو يشتغل عنه.
الخامس: أن يعلم أنه لو أنكر: لم يلتفت إليه، وناله ذل وهوان، كما قال ابن عباس حين سكت عن القول بالعول في زمن عمر رضي الله عنه:"كان رجلًا مهيبا فهبته"2.
السادس: أن يسكت؛ لأنه متوقف في المسألة؛ لكونه في مهلة النظر.
السابع: أن يسكت؛ لظنه أن غيره قد كفاه الإنكار، وأغناه عن الإظهار؛ لأنه فرض كفاية ويكون قد غلط فيه؛ وأخطأ في وهمه3.
= اثنى عشر قولًا. يراجعها من يريد معرفتها والوقوف على أدلة كل مذهب. انظر: إرشاد الفحول "1/ 326 وما بعدها".
1 أي: المبادرة بالإنكار، بل ينتظر مدة لسبب من الأسباب.
2 سبق تخريجه.
3 عبارة الغزالي: "أن يسكت لظنه أن غيره قد كفاه الإنكار، وأغناه عن الإظهار ثم يكون قد غلط فيه، وترك الإنكار عن توهم، إذ رأى الإنكار فرض كفاية، وظن أنه قد كُفي، وهو مخطئ في وهمه" وهي أوضح من عبارة المصنف في الدلالة على المراد.
ولنا:
أن حال الساكت لا يخلو من ستة أقسام1:
أحدها: أن يكون لم ينظر في المسألة.
الثاني: أن ينظر فيها فلا يتبين له الحكم.
وكلاهما خلاف الظاهر؛ لأن الدواعي متوفرة، والأدلة ظاهرة، وترك النظر خلاف عادة العلماء عند النازلة، ثم يفضي ذلك إلى خلو الأرض عن قائم لله بحجته.
الثالث: أن يسكت تقيَّة، فلا يُظهِر سَبَبها، ثم يظهر قوله عند ثقاته وخاصته، فلا يلبث القول أن ينتشر.
الرابع: أن يكون سكوته لعارض لم يظهر.
وهو خلاف الظاهر، ثم يفضي إلى خلو العصر عن قائم لله بحجته.
الخامس: أن يعتقد أن كل مجتهد مصيب.
فليس ذلك قولًا لأحد من الصحابة.
ولهذا: عاب بعضهم على بعض، وأنكر بعضهم على بعض مسائل انتحلوها.
ثم العادة: أن من ينتحل مذهبًا يناظر عليه، ويدعو إليه، كما نشاهد في زمننا.
1 في الأصل "سبعة" في الواقع ستة، إلا أن الطوفي أشار إلى وجه سابع فقال:"ووجه سابع: وهو أن ينكر الساكت، لكن لم ينقل إنكاره" شرح المختصر "3/ 82".
السادس: أن لا يرى الإنكار في المجتهدات.
وهو بعيد لما ذكرناه.
فثبت أن سكوته كان لموافقته.
ومن وجه آخر1: أن التابعين كانوا إذا أشكل عليهم مسألة، فنقل إليهم قول صحابي منتشر وسكوت الباقين: كانوا لا يجوزون العدول عنه، فهو إجماع
منهم على كونه حجة.
ومن وجه آخر: أنه لو لم يكن هذا إجماعًا: لتعذر وجود الإجماع؛ إذ لم ينقل إلينا في مسألة قول كل علماء العصر مصرحًا به.
وقول من قال: "هو حجة وليس بإجماع" غير صحيح؛ فإنا إن قدّرنا رضا الباقين كان إجماعًا، وإلا فيكون قول بعض أهل العصر، والله أعلم.
1 أضاف المصنف إلى الحالات السابقة وجهان آخران، لإثبات أن الإجماع السكوتي حجة.
إلا ان الطوفي استبدل الوجه الثاني هنا بدليل آخر قال فيه: "إن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ما سمعه أو يراه دليل على رضاه وتصويبه، فكذلك سكوت المجتهدين وإقرارهم؛ لأنهم شهداء الله في الأرض، بنص السنة الصحيحة" شرح المختصر "3/ 83".
ويقصد بالسنة الصحيحة: ما رواه البخاري في صحيحه حديث رقم "1367، 2642" ومسلم "949 والترمذي "1058" والنسائي "4/ 59، 60" وأحمد في المسند "3/ 186، 211، 245" من حديث أنس بن مالك: أنه مر بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "وجبت" ثم مر بأخرى فأثنوا عليها شرًا، فقال صلى الله عليه وسلم:"وجبت" فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟
قال: "هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض".