المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: [هل تثبت الأسماء بالقياس] - روضة الناظر وجنة المناظر - ت شعبان - جـ ١

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌مقدمة المجلد الأول

- ‌مدخل

- ‌مقدمة

- ‌فصل: "في أقسام الحد

- ‌فصل: [في أن تعذر البرهان على الحد لا يمنع صحته]

- ‌فصل: في البرهان

- ‌فصل: في كيفية دلالة الألفاظ على المعنى

- ‌فصل: في النظر في المعاني

- ‌فصل: في تأليف مفردات المعاني

- ‌فصل: [في مقدمتي البرهان وأضربه]

- ‌فصل: [في أسباب مخالفة البرهان أو القياس]

- ‌فصل: [في اليقين ومداركه]

- ‌فصل: في لزوم النتيجة من المقدمتين

- ‌فصل: [في تقسيم البرهان: إلى برهان علة وبرهان دلالة]

- ‌فصل: [في الاستدلال بالاستقراء]

- ‌الباب الأول: في حقيقة الحكم وأقسامه

- ‌معنى الحكم

- ‌فصل: [في تقسيم الواجب باعتبار ذاته]

- ‌فصل: [في تقسيم الواجب باعتبار وقت الأداء]

- ‌فصل: [في تضييق الواجب الموسع]

- ‌فصل: [في مقدمة الواجب وحكمها]

- ‌فصل: [في بعض الفروع المخرجة على مقدمة الواجب]

- ‌فصل: [في الواجب غير المحدد]

- ‌فصل: القسم الثاني: المندوب

- ‌فصل: [في حكم الأشياء قبل ورود الشرع]

- ‌فصل: [هل المباح مأمور به]

- ‌فصل: القسم الخامس: الحرام

- ‌فصل: [في أقسام النهي]

- ‌فصل: [الأمر بالشيء نهي عن ضده]

- ‌فصل: [في معنى التكليف وشروطه]

- ‌فصل: [في عدم تكليف الناسي والنائم والسكران]

- ‌فصل: [في حكم تكليف المكره]

- ‌فصل: [في حكم تكليف الكفار بفروع الإسلام]

- ‌فصل: [شروط الفعل المكلف به]

- ‌فصل: [في المقتضى بالتكليف]

- ‌فصل: الضرب الثاني - من الأحكام ما يتلقى من خطاب الوضع والإخبار

- ‌فصل: [في الشرط وأقسامه]

- ‌فصل: في القضاء والأداء والإعادة

- ‌فصل: في العزيمة والرخصة

- ‌الباب الثاني: في أدلة الأحكام

- ‌مدخل

- ‌فصل: [في تعريف الكتاب والقرآن وأنهما بمعنى واحد]

- ‌فصل: [في حكم الاحتجاج بالقراءة الشاذة]

- ‌فصل: [في اشتمال القرآن على الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [ليس في القرآن ألفاظ غير عربية]

- ‌فصل: [في المحكم والمتشابه]

- ‌الباب الثالث: النسخ

- ‌فصل: تعريف النسخ

- ‌فصل: [معنى النسخ عند المعتزلة]

- ‌فصل: [الفرق بين النسخ والتخصيص]

- ‌فصل: [ثبوت النسخ بالأدلة العقلية والنقلية]

- ‌فصل: [في وجوه النسخ في القرآن]

- ‌فصل: في نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال

- ‌فصل: [هل الزيادة على النص نسخ

- ‌فصل: [في نسخ جزء العبادة أو شرطها]

- ‌فصل: [في جواز نسخ العبادة إلى غير بدل]

- ‌فصل: [في النسخ بالأخف والأثقل]

- ‌فصل: [في حكم من لم يبلغه النسخ]

- ‌فصل: [في وجوه النسخ بين القرآن والسنّة]

- ‌فصل: [في حكم نسخ القرآن ومتواتر السنة بالآحاد]

- ‌فصل: [الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به]

- ‌فصل: [في نسخ القياس والنسخ به]

- ‌فصل: [في نسخ التنبيه والنسخ به]

- ‌فصل: فيما يعرف به النسخ

- ‌الباب الرابع: الأصل الثاني من الأدلة سنة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌فصل: في ألفاظ الرواية

- ‌فصل: [في حد الخبر وأقسامه]

- ‌فصل: [فيما يفيده الخبر المتواتر]

- ‌فصل: ي أن ما حصل العلم في واقعة أفاده في غيرها

- ‌فصل: [في شروط التواتر]

- ‌فصل: [مذاهب العلماء في عدد التواتر]

- ‌فصل: [لا يجوز على أهل التواتر كتمان ما يحتاج إليه]

- ‌فصل: [في حكم التعبد بخبر الواحد عقلًا]

- ‌فصل: [في التعبد بخبر الواحد سمعًا]

- ‌فصل: [في شروط الراوي]

- ‌فصل: [في حكم خبر مجهول الحال]

- ‌فصل: [فيما لا يشترط في الراوي]

- ‌فصل: تعارض الجرح والتعديل

- ‌فصل: [في عدالة الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم خبر المحدود في القذف]

- ‌فصل: في كيفية الرواية

- ‌فصل: [في حكم الشك في السماع]

- ‌فصل: [في حكم إنكار الشيخ للحديث]

- ‌فصل: [في حكم انفراد الثقة بزيادة في الحديث]

- ‌فصل: [في حكم رواية الحديث بالمعنى]

- ‌فصل: [في حكم مراسيل الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم مراسيل غير الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم خبر الواحد فيما تعم به البلوى]

- ‌فصل: [في حكم خبر الواحد في الحدود]

- ‌فصل: [في حكم الواحد إذا خالف القياس]

- ‌باب: الأصل الثالث: الإجماع

- ‌فصل: معنى الاجماع

- ‌فصل: [الأدلة على حجية الإجماع]

- ‌فصل: [في المعتبرين في الإجماع]

- ‌فصل: [فيمن يعتبر في الإجماع من أصحاب العلوم]

- ‌فصل: [في عدم الاعتداد بقول الكافر والفاسق في الإجماع]

- ‌فصل: في الاعتداد بقول التابعي المجتهد في إجماع الصحابة

- ‌فصل: [في حكم انعقاد الإجماع بقول الأكثر]

- ‌فصل: [في حكم إجماع أهل المدينة]

- ‌فصل: [في حكم إجماع الخلفاء الأربعة]

- ‌فصل: هل انقراض العصر شرط لصحة الإجماع

- ‌فصل: [هل اتفاق التابعين على أحد قولي الصحابة إجماع

- ‌فصل: [اختلاف الصحابة على قولين يمنع إحداث قول ثالث]

- ‌فصل: [في حكم الإجماع السكوتي]

- ‌فصل: في جواز انعقاد الإجماع عن اجتهاد وقياس

- ‌فصل: [الأخذ بأقل ما قيل ليس إجماعًا]

- ‌فصل: [هل النافي للحكم يلزمه الدليل]

- ‌باب: في تقاسيم الكلام والأسماء

- ‌فصل: اختلاف في مبدأ اللغات

- ‌فصل: [هل تثبت الأسماء بالقياس]

- ‌فصل: [في تعارض الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [في علامات الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [في تعريف الكلام وأقسامه]

- ‌فصل: [نفي الذوات لا يقتضي الإجمال]

- ‌فصل: [رفع الخطأ رفع للحكم]

- ‌فصل: في البيان

- ‌فصل: [الأمور التي يحصل بها البيان]

- ‌فصل: [لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة]

- ‌باب: الأمر

- ‌مدخل

- ‌فصل: [لا يشترط الإرادة في الأمر]

- ‌فصل: مسألة: الأمر المجرد يدل على الوجوب

- ‌فصل: [فيما تفيده صيغة الأمر بعد الحظر]

- ‌فصل: [الأمر المطلق هل يقتضي التكرار]

- ‌فصل: الأمر المطلق: هل يقتضي الفور

- ‌فصل: [الواجب المؤقت إذا فات وقته لا يحتاج إلى أمر جديد]

- ‌فصل: [مقتضى الأمر: حصول الإجزاء بفعل المأمور به]

- ‌فصل: الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا به

- ‌فصل: [أمر الجماعة أمر لكل واحد منهم]

- ‌فصل: [أمر الله تعالى للنبي أمر للأمة ما لم يوجد تخصيص]

- ‌فصل: [في تعلق الأمر بالمعدوم]

- ‌فصل: [في التكليف بغير الممكن]

- ‌فصل: [في النهي]

- ‌فهرس

- ‌موضوعات الجزء الأول:

الفصل: ‌فصل: [هل تثبت الأسماء بالقياس]

‌فصل: [هل تثبت الأسماء بالقياس]

قال القاضي يعقوب: يجوز أن تثبت الأسماء قياسًا، كتسمية النبيذ خمرًا، لعلمنا: أن مسكر العنب إنما سمي خمرًا؛ لأنه يخامر العقل -أي: يغطيه- وقد وجد هذا المعنى في النبيذ فيسمى به، حتى يدخل في عموم قوله عليه السلام:"حرمت الخمر لعينها"1. وبه قال بعض الشافعية2.

= بعد ذلك، فلا يكون التوقيف كليًّا، وبوجود هذه الاحتمالات لا يحصل المدعي.

وأجاب عنه المصنف: بأن هذه الاحتمالات التي عارضتهم بها الآية المذكورة تخصيص لظاهر عمومها، وتأويل لا دليل عليه. انظر: شرح المختصر "1/ 474-475".

كما يرد هذه الاحتمالات ما سبق نقله من شرح الكوكب المنير.

1 أخرجه النسائي: كتاب الأشربة، باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب المسكر، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ:"حرمت الخمر لعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب" انظر: جامع الأصول "6/ 736".

قال الصنعاني: "وتطلق -أي الخمر- على ما هو أعم من ذلك، وهو ما أسكر من العصير أو من النبيذ أو من غير ذلك..... قال صاحب القاموس: "العموم أصح؛ لأنها حرمت وما بالمدينة خمر عنب، ما كان إلا البسر والتمر".

سبل السلام "4/ 28" والبسر: الغض الطري من ثمر النخل.

2 حرر الطوفي -رحمه الله تعالى- محل الخلاف في هذه المسألة فقال: "وليس الخلاف في أسماء الأعلام، كزيد وعمرو، ولا في أسماء الصفات، كعالم وقادر؛ إذ هذا متفق على امتناع القياس فيه؛ لأن الأعلام ثابتة بوضع الواضع لها باختياره، فليس لها ضابط، وأسماء الصفات لأجل المعاني الصادرة منها، والقائمة بها، فليس لأحد أن يقول: زيد إنسان، فأنا أحكم على كل إنسان بأن =

ص: 489

وقال أبو الخطاب، وبعض الحنفية، وبعض الشافعية: ليس هذا بمرض؛ فإنا عرفنا أن أهل اللغة خصوا مسكر عصير العنب باسم "الخمر" فوضعه لغيره اختراع من عندنا، فلا يكون من لغتهم.

وإذا علمنا أنهم وضعوه لكل مسكر: فاسم "الخمر" ثابت للنبيذ توقيفًا من جهتهم، لا قياسًا.

وإن احتمل الأمرين، فَلِمع نتحكّم عليهم ونقول: لغتكم هذه؟

وقد رأيناهم يضعون الاسم لمعانٍ ويخصصونها بالمحل، كما يسمون الفرس: أدهم؛ لسواده، وكميتًا1؛ لحمرته، والقارورة من الزجاج، لأنه

= اسمه زيد، ولا أن يقول: عمرو عالم، وهو رجل فأنا أحكم بأن كل رجل عالم، وإنما النزاع في الأسماء الكلية، أعني: أسماء الأجناس والأنواع التي وضعت لمعان في مسمياتها تدور معها وجودًا وعدمًا، كالخمر الذي دار اسمه مع التخمير، هل يجوز إطلاقه على النبيذ، قياسًا بعلة التخمير والإسكار؟

قال الآمدي: أثبت ذلك القاضي أبو بكر وابن سريج وجماعة من الفقهاء وأهل العربية. ونفاه أكثر أصحاب الشافعي والحنفية وجماعة من أهل الأدب، وهذا النقل كالتفصيل لنقل الشيخ أبي محمد" شرح مختصر الروضة "1/ 476".

وتظهر ثمرة الخلاف في هذه المسألة في: أن من قال بالقياس اعتبر حكم المسميات الفرعية ثابتًا بالنص لا بالقياس، فيسمى "النباش" -وهو الذي يسرق أكفان الموتى- سارقًا، ويقام عليه الحد، كما يسمى "اللائط" زانيًا ويقام عليه الحد أيضًا. ويكون حكم النبيذ ثابتًا بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] .

ومن قال: إن القياس لا يجري في اللغات: أثبت حكم المسميات السابقة بالقياس لا بالنص. انظر: شرح العضد على المختصر "1/ 183" نهاية السول "3/ 41" الإحكام للآمدي "1/ 208".

1 جاء في المصباح المنير "2/ 540": "الكميت من الخيل بين الأسود والأحمر. =

ص: 490

يقر فيها المائعات، ولا يتجاوزون بهذه الأسماء محلها، وإن كان المعنى عامًّا في غيره.

فإذًا: ما ليس على قياس التصريف الذي عرف منهم لا سبيل إلى إثباته ووضعه1.

قلنا: متى تحققنا أنهم وضعوا الاسم لمعنى استدللنا على أنهم وضعوه بإزاء كل ما فيه المعنى، كما أنه إذا نُص على حكم في صورة لمعنى، علمنا: أنه قُصد إثبات الحكم في كل ما وجد فيه المعنى.

فالقياس: توسيع مجرى الحكم2.

وإذا جاز قياس التصريف، فسموا فاعل الضرب: ضاربًا، ومفعوله: مضروبًا: فَلَِم لا يجوز فيما نحن فيه؟

وفيما استشهدوا به من الأسماء: وضع الاسم لشيئين: الجنس والصفة، ومتى كانت العلة ذات وصفين: لم يثبت الحكم بدونهما3.

= قال أبو عبيد: ويفرق بين "الكميت" و"الأشقر" بالعرف والذنب، فإن كانا أحمرين فهو "أشقر" وإن كانا أسودين فهو "الكميت" وهو تصغير "أَكْمَت" على غير قياس، والاسم "الكمتة".

1 انظر: التمهيد "3/ 454 ما بعدها".

2 أي: أن القول بالقياس في اللغة يوسع دائرة الحكم، حيث إن المسميات التي تلحق بالأصل على رأي من يقول بعدم القياس، تدخل تحت النص مباشرة دون حاجة إلى دليل آخر، كما تقدم توضيح ذلك في أن "النباش" يقام عليه الحد لأنه سارق.

3 معنى ذلك: أن ما معنا شبيه بالاشتقاق، حيث يوجد في المشتق خصوص المحل مع المعنى المشتق منه، كما سمي الأسد "ضيغمًا" مشتقًا من "الضغم" وهو العض الشديد، ولم يسم الجمل "ضيغمًا" وإن كان العض الشديد موجودًا =

ص: 491

فصل: في تقاسيم الأسماء

وهي أربعة أقسام:

وضعية.

وعرفية.

وشرعية.

ومجاز مطلق1.

أما الوضعية: فهي الحقيقة.

وهو: اللفظ المستعمل في موضوعه الأصلي2.

= فيه، لأن خصوصية الأسدية مرادة في "الضغم" والبعير ليس بأسد، فكذلك خصوصية الفرسية موجودة في الأدهم مع السواد، فالعلة ذات وصفين، فلا يثبت الحكم بأحدهما دون الآخر.

انظر: شرح مختصر الروضة "1/ 480".

1 الوضعية: أي الثابتة بالوضع، وهو: تخصيص الواضع لفظًا باسم، بحيث إذا أطلق ذلك اللفظ فهم منه ذلك المسمى، كما إذا أطلق لفظ "الأسد" فهم منه حد الحيوان المفترس.

والعرفية: هي ما ثبتت بالعرف، وهو استطلاح المتخاطبين، سواء أكان ذلك عرفًا عامًّا أم خاصًّا.

والشرعية: وهي ما ثبتت بوضع الشرع للمعاني الشرعية.

والمجاز: هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له. وسيأتي الكلام عليه.

وتقسيم المصنف للاسم إلى حقيقة ومجاز، إنما كان بسبب كثرة ذلك في الأسماء، وإلا فهذا التقسيم يجري في الأفعال والحروف أيضًا، انظر: شرح المختصر "1/ 484".

2 الحقيقة -على وزن فعيلة- مأخوذة من الحق، وهو الثابت، لأن نقيضه الباطل، =

ص: 492

وأما العرفية:

فإن الاسم يصير عرفيًّا باعتبارين:

أحدهما: أن يخصص عرف الاستعمال من أهل اللغة الاسم ببعض مسمياته الوضعية1.

كتخصيص الدابة بذوات الأربع، مع أن الوضع لكل ما يدب.

الاعتبار الثاني: أن يصير الاسم شائعًا في غير ما وضع له أولًا، بل هو مجاز فيه، كالغائط، والعذرة، والراوية2.

وحقيقة الغائط: المطمئن من الأرض، والعذرة: فناء الدار، والراوية: الجمل الذي يستقى عليه.

فصار أصل الوضع منسيًّا، والمجاز معروفًا، سابقًا إلى الفهم، إلا أنه ثبت بعرف الاستعمال، لا بالوضع الأول3.

وأما الشرعية:

= وسمي اللفظ المستعمل في معناه الأصلي حقيقة؛ لأنه لم ينقل عنه إلى غيره.

وقول المصنف "هو اللفظ المستعمل في موضوعه الأصلي" ليخرج المجاز؛ لأنه مستعمل في غير ما وضع له أولًا.

1 فهذه تسمى حقيقة لغوية.

2 المراد بالراوية: الوعاء الذي يوضع فيه الماء.

3 وتسمى بالحقيقة العرفية العامة، وهناك حقيقة عرفية، وهي التي يطلق عليها: الاصطلاحية، وهي: ما خصته كل طائفة من الأسماء بشيء من مصطلحاتهم: كمبتدأ وخبر، وفاعل ومفعول، ونعت وتوكيد، في اصطلاح النحاة ونقض وكسر وقلب في اصطلاح الأصوليين وغير ذلك مما اصطلح عليه أرباب كل فن. انظر: شرح الكوكب المنير "1/ 150".

ص: 493

فهي الأسماء المنقولة من اللغة إلى الشرع، كالصلاة، والصيام والزكاة والحج1.

1 وضح الطوفي -رحمه الله تعالى- هذه المسألة، وحرر محل النزاع فقال:

"اعلم أن هذه المسألة تعرف بمسألة الحقيقة، أو الحقائق الشرعية. وتلخيص محل النزاع فيها يحتاج إلى كشف؛ فإن أكثر الفقهاء يتسلّمه تقليدًا، ولو سئل عن تحقيقه لم يفصح به.

فنقول: أما إمكان وضع الشارع ألفاظًا من ألفاظ اللغة أو غيرها على المعاني الشرعية تعرف بها، فلا خلاف فيه، أعني: الإمكان؛ إذا لا يلزم من تقدير وقوعه محل لذاته، وإنما النزاع في أن هذه الألفاظ التي استفيدت منها المعاني الشرعية: هل خرج بها الشارع عن وضع أهل اللغة باستعمالها في غير موضوعهم؟

مثاله: أن الصلاة في اللغة: الدعاء، والزكاة: الطهارة أو النماء، والحج: القصد. وفي الشرع: الصلاة والحج: أفعال مخصوصة ذات شروط وأركان.

والزكاة: إخراج جزء مقدّر من مقدار خاص ونوع خاص من المال، إلى قوم مخصوصين على وجه القربة.

فهل خرج الشارع باستعمال هذه الألفاظ في هذه المعاني عن وضع اللغة؟

بمعنى: أنه أعرض فيها عن الموضوع اللغوي، فلم يلاحظه أصلًا، بل خطف -مثلًا- لفظ الصلاة فوضعه على الافعال المعروفة شرعًا، وأعرض عن الموضوع اللغوي الذي هو الدعاء، وهذا معنى قولنا: ما نقله الشرع، أي: معرضًا عن موضوعه في اللغة. أم لم يخرج بذلك عن موضوعهم، بل لاحظ في كل لفظ موضوعه اللغوي، لكنه زاد فيه شروطًا شرعية؟

مثلًا: إن موضوع الصلاة لغة -وهو الدعاء- مراد للشرع، وملاحظ في نظره، لكنه ضم إليه اشتراط الوضوء، والوقت، والسترة، والاستقبال، والنية، والتحريمة، والركوع، والسجود، والطمأنية، والتشهد، والتسليم. وهذا معنى قولنا: وقيل: لا، شرعية، أي: مستقلة مع الإعراض عن اللغة، بل اللغوية باقية، وزيدت شروطًا. فهذا تلخيص محل النزاع في المسألة.

وعلى القول الأول: تكون الألفاظ الواردة، كالصلاة، والزكاة، والحج =

ص: 494

وقال قوم: لم ينقل شيء، بل الاسم باق على ما هو عليه في اللغة، لكن اشترط للصحة شروط، فالركوع أو السجود شرط للصلاة، لا من نفس الصلاة بدليل أمرين:

أحدهما: أن القرآن عربي، والنبي صلى الله عليه وسلم مبعوث بلسان قومه1.

= ونحوها، بالنسبة إلى الشرع واللغة: من باب المشترك، كالعين والقرء، لأن المدلول مختلف مطلقًا بأصل الوضع.

وعلى القول الثاني: يكون من باب المتواطئ، كالحيوان، إذ بين الصلاة لغة وشرعًا قدر مشترك، وهو الدعاء، كما أن بين أنواع جنس الحيوان، كالفرس، والبعير، والشاة، ونحوها قدرًا مشركًا، وهو الحيوانية.

وإذا عرفت ذلك، فالقول الأول -وهو إثبات الحقيقة الشرعية- هو مذهب الفقهاء، والخوارج، والمعتزلة، ثم قالت المعتزلة: هذه الأسماء الواردة في الشرع: إما جارية على الأفعال، كالصلاة، والزكاة، والصوم، ونحوها، فهي شرعية، أو جارية على الفاعلين، كالمؤمن، والفاسق، والكافر، فهي دينية، تفرقة بين القسمين، وإن استويا في أن الجميع عرف شرعي.

ويلزم عليه أن يسموا المصلي والصائم والمزكي أسماء دينية؛ لجريانها على الفاعل، والإيمان والفسق والكفر أسماء شرعية، لجريانها على الفاعل.

والصواب في ذلك أن يقال: إنها عملي، وهي الشرعية، أو اعتقادي، وهي الدينية.... وهذه القسمة وإن لم تخل عما يقال فيها، فهي أولى وأطرد من الأولى.

والقول الثاني: -وهو نفي الحقيقة الشرعية- هو قول القاضي أبي بكر الطيب" شرح مختصر الروضة "1/ 490-492".

1 هذا هو الدليل الأول للقائلين بأنها لغوية، خلاصته، أنها لو لم تكن عربية، بل ابتدأ الشارع وضعها لهذه المعاني لكانت غير عربية، فلا يكون القرآن عربيًّا، لكن القرآن عربي، وكذلك لو قال القائل:"أكرموا العلماء" وأراد بالعلماء الفقراء لم يكن هذا من لسان العرب، وإن كان المنقول إليه عربيًّا، لأن العرب لم تضع لفظ الفقير للعالم.

ص: 495

ولو قال: "أكرموا العلماء" وأراد الفقراء: لم يكن هذا بلسانهم، وإن كان اللفظ المنقول إليه عربيًّا.

والثاني: أنه لو فعل ذلك: للزمه تعريف الأمة ذلك بالتوقيف1.

وهذا ليس بصحيح2؛ فإن ما تصوره الشرع من العبادات ينبغي أن يكون لها أسام معروفة، لا يوجد ذلك في اللغة إلا بنوع تصرف، إما النقل، وإما التخصيص. وإنكار أن الركوع والسجود والقيام والقعود الذي هو ركن الصلاة منها: بعيد حدًّا3.

وتسليم أن الشرع يتصرف في ألفاظ اللغة بالنقل تارة، والتخصيص أخرى -على مثال تصرف أهل العرف- أسهل وأولى مما ذكروه؛ إذ للشرع عرف في الاستعمال كما للعرب.

وقد سمى الله -تعالى- الصلاة إيمانًا بقوله -تعالى-: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} 4.

وهذا لا يخرج هذه الأسامي عن أن تكون عربية -كما قلنا في

1 هذا هو الدليل الثاني لهم. خلاصته: أن الشارع لو وضع للمعاني الشرعية أسماء، لوجب أن تعرف الأمة ذلك بطريق التوقيف علي هذه المعاني، أما وأنه لم يعرّفهم ذلك فلا يكون الشرع قد وضع للمعاني الشرعية أسماء وضعًا مستقلًّا.

2 هذا رد على الدليلين السابقين.

3 ومع بعده، فإنه مخالف لما قاله العلماء في الفرق بين الشرط والركن. فالركن: ما يتوقف عليه وجود الشيء، وكان جزءًا من حقيقته، كالركوع والسجود، أما الشرط: فهو ما يتوقف عليه وجود الشيء وكان خارجًا عن حقيقته، كالوضوء فإنه شرط لصحة الصلاة، لكنه ليس داخلًا في حقيقتها، بل هو خارج عنها.

4 سورة البقرة من الآية: 143.

ص: 496

تصرف أهل اللغة- ولا تسلب الاسم العربي عن القرآن، كما لو اشتمل على مثلها من الكلمات الأعجمية على ما مضى1.

وقوله: "كان يجب التوقيف على تصرفه" فهذا إنما يجب إذا لم يعلم مقصوده بالقرائن، والتكرير مرة بعد أخرى، فإذا فهم حصل الغرض2.

[إذا أطلق اللفظ حمل على المعنى الشرعي]

وعند إطلاق هذه الألفاظ في لسان الشرع، وكلام الفقهاء، يجب حمله على الحقيقة الشرعية، دون اللغوية، ولا يكون مجملًا، لأن غالب عادة الشارع استعمال هذه الأسامي على عرف الشرع لسائر الأحكام الشرعية.

وحكي عن القاضي: أنه يكون مجملًا، وهو قول بعض الشافعية، والأولى: ما قلناه3.

1 في موضوع: هل في القرآن ألفاظ غير عربية.

2 ومعناه: أنه يلزم تعريف الأمة بهذه الألفاظ لو لم توجد وسائل أخرى، فهناك طرق أخرى للتعريف، كتكرير استعمال الشرع لتلك الألفاظ في تلك المعاني مرة بعد أخرى، وكذلك وجود القرائن الدالة على المعنى، وهو كاف.

3 خلاصة ذلك: أن الشارع إن صدرت عنه، أو عن الفقهاء من مؤلفاتهم ألفاظ من هذا القبيل، هل تحمل على المعنى الشرعي أو اللغوي؟

ولا بد من تحديد محل النزاع، وهو: أنه إن علم بنص أو قرينة أن المراد المعنى اللغوي، أو الشرعي، فلا خلاف في حمله على ما دل عليه النص أو القرينة.

أما إن كان مطلقًا، ولم يوجد ما يدل على معنى معين: فجمهور العلماء على حمله على المعنى الشرعي، لأن الشأن في الشارع أنه يريد بيان الأحكام الشرعية، فلا بد من حملها على هذه المعاني. =

ص: 497

....................................

= وحكي عن القاضي أبي يعلى، وبعض الشافعية أنها تكون مجملة، لترددها بين المعنى اللغوي والشرعي.

قال المصنف: "والأولى: ما قلناه" لأن الأصل في الخطاب الشرعي بيان الأحكام الشرعية.

ومن أمثلة ذلك: ما أخرجه مسلم "1431" وأبو داود "2461" والترمذي "780" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعي إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرًا فليطعم، وإن كان صائمًا فليصل".

حمل بعضهم الصلاة على الصلاة الشرعية، أي: يتشاغل بالصلاة، تنبيهًا لهم على أنه صائم، لئلا يحتاج إلى تعريفهم ذلك خطابًا، وفيه ما فيه من الرياء.

وحمله بعض العلماء على معناه اللغوي: وهو: أن يدعو لهم ولا يأكل.

وكذلك ما أخرجه مسلم "352" وأبو داود "194" والترمذي "79" والنسائي "1/ 105" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "توضئوا مما مست النار".

ومثله: ما أخرجه مسلم -أيضًا- "360" وأبو داود "184" والترمذي "81" وأحمد في المسند "4/ 288" أنه صلى الله عليه وسلم قال: "توضئوا من لحوم الجزور".

حمل بعض العلماء الوضوء في الحديثين على الوضوء الشرعي، وحمله بعضهم على المعنى اللغوي، وهو غسل اليدين.

انظر: المصباح المنير "2/ 663" شرح مختصر الروضة "1/ 502".

ص: 498

[المجاز وعلاقاته]

وأما المجاز: فهو اللفظ المستعمل في غير موضوعه على وجه يصح.

ثم إنه إنما يصح بأمور:

أحدها: اشتراكهما1 في المعنى المشهور في محل الحقيقة، كاستعارة لفظ "الأسد" في الرجل الشجاع؛ لاشتهار الشجاعة في الأسد الحقيقي.

ولا تصح استعارة "الأسد" في الرجل الأبخر، وإن كان البخر موجودًا في محل الحقيقة؛ لكونه غير مشهور به.

والثاني: بسبب المجاورة غالبًا، كتسمية المزادة2: راوية، باسم الجمل الحامل لها؛ لتجاورهما في الأعم الأغلب.

1 أي الحقيقة والمجاز. ومعنى ذلك: أنه يشترط وجود علاقة -بكسر العين- بين الحقيقة والمجاز، وهي: ما ينتقل الذهن بواسطتها عن محل المجاز إلى الحقيقة، كالشجاعة التي ينتقل الذهن بواسطتها عن الرجل الشجاع إلى السبع المفترس، إذ لولا هذه العلاقة لما صح التجوز.

وقد أورد المصنف أربعة أنواع من العلاقات أولها: المشابهة بن الحقيقة والمجاز، واشترط لهذا النوع أن تكون هذه الصفة مشهورة وظاهرة يسرع الفهم إليها عند الإطلاق، حرصًا على سرعة التفاهم، كما في استعارة "الأسد" للرجل الشجاع؛ لأن الشجاعة صفة ظاهر في هذا الحيوان، بخلاف ما إذا كانت خفية كالبخر، وهو: الريح المنتنة؛ فإنها وإن كانت موجودة في الأسد، إلا أنها خفية، لا يكاد يعلمها إلا القليل من الناس، ولذلك لا تطلق على الإنسان الأبخر، لعدم شهرة ذلك.

2 المزادة: وعاء الماء.

ص: 499

وتسمية المرأة "ظعينة"1 باسم الجمل الذي تظعن عليه؛ للزومها إياه.

وكذلك تسمية الفضلة المستقذرة: غائطًا وعذرة2.

الثالث: إطلاقهم اسم الشيء على ما يتصل به، كقولهم "الخمر محرمة" والمحرم: شربها، "والزوجة محلّلة" والمحلل: وطؤها.

وكإطلاقهم السبب على المسبب وبالعكس3.

الرابع: حذفهم المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، كقوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 4، {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} 5 أي: حب العجل.

1 الظعينة في الأصل: وصف للمرأة في هودجها، ثم سميت بذلك وإن كانت في بيتها بسبب كثرة مجاورتها أثناء السفر.

2 أصل كلمة "الغائط" المكان المنخفض من الأرض. والعذرة في الأصل: فناء الدار، فأطلق لفظ "الفضلة المستقذرة" عليه لأنهم كانوا يلقونها فيه، فهو مجاز بسبب المجاورة، كما يطلق عليه: تسمية الظروف باسم المظروف.

3 معناه: أن من العلاقات، أو من أقسام التجوّز: إطلاق اسم الشيء على ما يتصل به بأي نوع من أنواع الاتصال، وتحته ثلاثة أنواع:

النوع الأول: إطلاق اسم الشيء على ما أعد له، كما في قولهم:"الخمرة محرمة" و"الزوجة محللة" كما قال المصنف.

النوع الثاني: إطلاق السبب على المسبب، وتحته أربعة أقسام:

- سبب قابلي: مثل سال الوادي، والأصل: سال الماء في الوادي.

- سبب فاعلي: مثل: نزل السحاب، أي: المطر.

- سبب صوري: مثل: إطلاق اليد على القدرة.

- سبب غائي: مثل: تسمية العصير خمرًا.

النوع الثالث: إطلاق المسبب على السبب، مثل: إطلاق "الموت" على المرض الشديد.

4 سورة يوسف من الآية: 82. والتقدير: واسأل أهل القرية.

5 سورة البقرة من الآية: 93. =

ص: 500