الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع: الأصل الثاني من الأدلة سنة النبي صلى الله عليه وسلم
مدخل
…
الأصل الثاني من الأدلة سنة النبي صلى الله عليه وسلم-1
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة؛ لدلالة المعجز على صدقه، وأمر الله -سبحانه- بطاعته، وتحذيره من مخالفة أمره.
= رواه الإمام أحمد في مسنده "2/ 88" والشافعي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في نواقض الوضوء، والدارقطني: كتاب الطهارة، باب ما روي في لمس القبل والدبر والذكر، والبيهقي: كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر بلفظ "من مس ذكره فليتوضأ"، والحاكم في المستدرك: كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر وقال:"حديث صحيح".
وأخرجه ابن حبان في صحيحه وقال: "هذا حديث صحيح سنده، وعدول نقلته".
وذكر الزيلعي في نصب الراية "1/ 56" أن البيهقي أخرجه من طريق البخاري موقوفًا على أبي هريرة، كما نقل ذلك عن الذهبي في مختصره.
وللعلماء في ترجيح أحد الحديثين على الآخر، أو نسخ حديث أبي هريرة لحديث طلق خلاف طويل.
قال أبو يعلى في العدة "3/ 833": "وكان خبر أبي هريرة متأخرًا، لأن أبا هريرة أسلم بعد وفاة طلق بن علي، وقبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنين".
وقال الطوفي -تعقيبًا على حديث "هل هو إلا بضعة منك"- قال: "فإن في بعض ألفاظه: "جئت وهم يؤسسون المسجد" وكان ذلك أول الإسلام، وحديث أبي هريرة وبسرة وأم حبيبة في نقض الوضوء بمس الذكر بعد ذلك، لأن أبا هريرة متأخر الإسلام أسلم سنة سبع، وبناء المسجد كان في أول السنة الأولى من الهجرة". شرح المختصر "2/ 343، 344".
1 لم يذكر المصنف تعريف السنة في اللغة ولا في الاصطلاح، كعادة علماء الأصول، وسوف نذكر ذلك بإيجاز ونحيل القارئ إلى المصادر التي استوفت ذلك:
فالسنة في اللغة: الطريقة والسيرة المستمرة، سواء أكانت حسنة أم سيئة. قال =
................................................................
= الله تعالى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: 77] .
وروى مسلم في صحيحه: كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة -والترمذي وحسنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها بعده، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا".
وخصها بعض العلماء بالطريقة الحسنة دون غيرها. انظر: "لسان العرب جـ14 ص225، تهذيب اللغة جـ4 ص298".
وأما في الاصطلاح: فلها تعريف عام، وتعريفات خاصة، بحسب اصطلاح أهل كل فن أو علم من العلوم:
فهي في الاصطلاح العام: تطلق على كل ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة المقتدى بهم. وهو ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ".
أخرجه أبو داود حديث رقم "4607" والترمذي: باب الأخذ بالسنة، وابن ماجه "1/ 15-16".
وهي بهذا المعنى تقابل البدعة.
وأما تعريفها في الاصطلاحات الخاصة، فإنها تختلف باختلاف اصطلاح أهل كل فن:
فالسنة عند المحدثين: هي ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وتقريرات، وصفاته الخَلْقية والخُلُقية، سواء أكان ذلك قبل البعثة أم بعدها.
وعند الفقهاء: هي ما طلب الشارع فعله طلبًا غير جازم، أو ما في فعلها ثواب، وليس في تركها عقاب، باعتبار أن الفقهاء يبحثون عن حكم أفعال العباد، من الوجوب والندب، والإباحة والحرمة والكراهة إلى آخر صفات أفعال العباد.
أما علماء الأصول فقد عرفوا السنة بتعريف يتفق مع طبيعة منهجهم من =
وهو دليل قاطع على من سمعه منه شفاهًا، فأما من بلغه بالإخبار عنه: فينقسم في حقه قسمين: تواترًا وآحادًا1.
= البحث في الأدلة الشرعية واستنباط الأحكام منها -على وجه الإجمال- ولذلك قالوا في تعريفها: هي ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وزاد بعضهم جملة "مما ليس بقرآن" وقال بعضهم:"تطلق السنة على ما صدر من النبي صلى الله عليه وسلم من الأفعال والأقوال التي ليست للإعجاز".
وأدخلوا التقريرات في الأفعال، باعتبار أن التقرير عبارة عن الكف عن الإنكار، والكف فعل، فكان التقرير داخلًا في الأفعال.
انظر: في ذلك: الإبهاج للسبكي "2/ 170" نهاية السول "2/ 170" الإحكام للآمدي "1/ 169" شرح الكوكب المنير "2/ 160" شرح مختصر الروضة "2/ 623" وما بعدها إرشاد الفحول ص "1/ 155"، الحدود للباجي ص56.
1 خلاصة هذا الكلام: أن المصنف أراد أن يستدل على أن السنة حجة من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أن المعجز دل على صدقه عليه الصلاة والسلام وكل من دل المعجز على صدقه فهو صادق، فهو صلى الله عليه وسلم صادق، وكل صادق قوله حجة، فقوله عليه الصلاة والسلام حجة.
والوجه الثاني: أن الله -تعالى- أمر بتصديقه، وكل من أمر الله بتصديقه كان قوله حجة.
أما أن الله -تعالى- أمر بتصديقه عليه الصلاة والسلام فلقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
…
} [النساء: 136] أي: صدقوا؛ لأن الإيمان هو التصديق، ولا معنى للتصديق بالرسول صلى الله عليه وسلم إلا اعتقاد صدقه، وقبول ما جاء به.
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31] والمتابعة فرع على التصديق، وملزوم له، والأمر بالفرع والملزوم أمر بالأصل واللازم.
أما أن كان من أمر الله -تعالى- بتصديقه يكون له قوله حجة؛ فلأن تصديقه إياه يقتضي أن قوله حق وصدق، والحق والصدق حجة. =
............................................................
الوجه الثالث: أن الله -تعالى- حذر من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وكل من حذر الله سبحانه وتعالى من مخالفته وجبت موافقته ومتابعته؛ لأن المخالفة سبب لنزول العذاب، وسبب العذاب -وهو المخالفة- حرام، وترك الحرام واجب، فترك المخالفة واجب، وترك المخالفة يستلزم المتابعة والموافقة، فتكون واجبة، وهذا هو المطلوب. انظر: شرح مختصر الروضة جـ2 ص66، 67.
هذا معنى ما قاله ابن قدامة.
وهذه الوجوه الثلاثة ذكرها الغزالي في المستصفى، ما عدا الوجه الثالث فلم يذكره، ولكنه قال:"ولأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى" لكن بعض الوحي يتلى، فيسمى "كتابًا" وبعضه لا يتلى وهو "السنة" المستصفى جـ2 ص120 تحقيق الدكتور حمزة بن زهير حافظ.
والواقع أن ما ذكره الغزالي أورده بعض العلماء في الاستدلال على حجية السنة، وما ذكره "ابن قدامة" وارد أيضًا، وهناك آيات أخرى كثيرة في الدلالة على حجية السنة، من أوضحها قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] .
قال ابن كثير: "أطيعوا الله: أي اتبعوا كتابه، وأطيعوا الرسول: أي خذوا بسنته، وأولي الأمر منكم: أي فيما أمروكم به من طاعة الله، لا في معصية الله، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" تفسير القرآن العظيم "1/ 518".
وقال ميمون بن مهران: "الرد إلى الله: هو الرجوع إلى كتابه، والرد إلى الرسول: هو الرجوع إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته" جامع بيان العلم وفضله "2/ 190".
وكما دل القرآن الكريم على حجية السنة، فقد دلت السنة نفسها على أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم حجة يجب الالتزام بما جاءت به من أحكام، والأحاديث الواردة في هذا الشأن كثيرة، منها:
1-
عن مالك رضي الله عنه أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تركت فيكم =
.........................................................
= أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله تعالى وسنة رسوله".
2-
روى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه كتاب الاعتصام: باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قالوا: ومن يأب يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى".
3-
عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن المقدام بن معد يكرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع.." الحديث.
رواه أحمد في مسنده "4/ 130-131" وأبو داود في سننه حديث "4604" ورواه الترمذي بلفظ "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله" انظر: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطي ص11.
كذلك دل الإجماع على حجيّة السنة، منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، والأئمة المجتهدين، وإلى يومنا هذا، لم يشذ عن ذلك إلا من لا حظ له في الإسلام.
فقد كان الصحابة رضي الله عنهم إذا عرضت عليهم مسألة بحثوا عن حكمها في كتاب الله تعالى، فإذا لم يجدوا حكمها في القرآن بحثوا عنها في السنة، هكذا كانت سياسة الخليفة الأول: أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكذلك عمر بن الخطاب، ومن جاء بعدهما من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين.
روى الدارمي عن ميمون بن مهران قال: "كان "أبو بكر" ‘إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي به، قضي به بينهم، وإن لم يجد في كتاب الله، نظر: هل كانت من النبي صلى الله عليه وسلم فيه سنة؟ فإن علمها قضى بها، فإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين فقال: أتاني كذا وكذا
…
فنظرت في =
.........................................................................
= كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجد في ذلك شيئًا، فهل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء؟ فربما قام إليه الرهط فقالوا: نعم، قضى فيه بكذا وكذا، فيأخذ بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول -عند ذلك-: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا.
وإن أعياه ذلك دعا رءوس المسلمين وعلماءهم، فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به".
وكتب "عمر" رضي الله عنه إلى "شريح" لما ولاه قضاء الكوفة كتابًا قال له فيه:
"انظر ما تبين لك من كتاب الله فلا تسأل عنه أحدًا، وما لم يتبين لك فاتبع فيه سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما لم يتبين لك من السنة فاجتهد رأيك، واستشر أهل العلم والصلاح" انظر: إعلام الموقعين جـ1 ص84 وما بعدها.
وهكذا كان التابعين رضي الله عنهم والأئمة المجتهدون، يرجعون إلى السنة النبوية بعد القرآن الكريم، بل كانوا يرجعون إلى السنة لبيان ما جاء به القرآن مجملًا، باعتبارها الشارحة والمفسرة للقرآن الكريم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
".... وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين -عند الأمة قبولًا عامًّا- يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقًًا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد له من عذر في تركه" رفع الملام عن الأئمة الأعلام ص3-4.
والمراد بالمعجز: القرآن الكريم، حيث عجز العرب جميعًا عن أن يأتوا بمثله، أو بمثل أقل سورة منه، بل عجز الإنس والجن جميعًا عن الإتيان بمثله، كما جاء في قوله تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] .
وفي بعض النسخ المطبوعة "المعجزة" وهي أعم من أن تكون قرآنًا أو غيره، =