الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحابة، فلا ينعقد الإجماع بدونهم.
وقوله: "يستحيل خروج الحق عنهم" تحكم؛ إذ لا يستحيل أن يسمع رجل حديثا من النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، أو في المدينة، ثم يخرج منها قبل نقله.
وفضل المدينة لا يوجب انعقاد الإجماع بأهلها، فإن مكة أفضل منها، ولا أثر لها في الإجماع.
ولأن إجماعهم لو كان حجة، لوجب أن يكون حجة في جميع الأزمنة. ولا خلاف في أن قولهم لا يعتد به في زماننا فضلًا عن أن يكون إجماعًا.
1 خلاصة هذا الفصل: أنه لو اتفق الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم على أمر من الأمور بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفهم غيرهم، لا يعد ذلك إجماعًا، وهذا هو رأي الجمهور.
وحجتهم على ذلك: ما ذكره المصنف -قبل ذلك- من أن العصمة عن الخطأ =
فصل: [في حكم إجماع الخلفاء الأربعة]
واتفاق الأئمة الخلفاء الأربعة ليس بإجماع.
وقد نقل عن أحمد رحمه الله ما يدل على أنه لا يخرج من قولهم إلى قول غيرهم.
والصحيح: أن ذلك ليس بإجماع؛ لما ذكرناه.
وكلام أحمد -في إحدى الروايتين عنه- يدل على أن قولهم حجة، ولا يلزم من كل ما هو حجة ان يكون إجماعًا.
..............................................
= إنما تثبت للأمة كلها، والخلفاء الأربعة ليسوا كل الأمة، وهذا ما أشار إليه بقوله:"والصحيح أن ذلك ليس بإجماع لما ذكرناه".
والمنقول عن الإمام أحمد عدة روايات.
الأولى: كالجمهور، وهو أن اتفاقهم ليس إجماعًا.
الثانية: أنه حجة وليس إجماعًا، ومعنى هذا: أنه لا يلزم من كونه حجة وجوب اتباعه، وإلزام الغير به، غاية الأمر أنه يجوز للمجتهد أن يعمل به وحده ولا يلزم غيره به.
الرواية الثالثة: أنه حجة وإجماع، نقل ذلك الفتوحي وقال:"اختاره ابن البنا من أصحابنا وأبو خازم -بالمعجمتين- وكان قاضيًا حنفيًّا، وحكم بذلك زمن المعتضد "الخليفة العباسي ت289هـ" في توريث ذوي الأرحام، فأنفذ حكمه، وكتب به إلى الآفاق، ولم يعتبر خلاف زيد في ذلك، بناء على أن الخلفاء الأربعة يورثونهم
…
"شرح الكوكب المنير "2/ 239-241" وانظر: تاريخ الخلفاء ص368.
هذا، ولم يذكر المصنف هنا مسألتين توردهما كتب الأصول كلها وهما:
المسألة الأولى: أبو بكر وعمر رضي الله عنه هل هو: إجماع أو لا؟.
المسألة الثانية: هل ينعقد الإجماع بالعترة وهم: آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أو لا؟
أما بالنسبة لاتفاق الخليفتين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فجمهور العلماء على أن اتفاقهما ليس إجماعًا، لأن العصمة إنما تثبت للأمة مجتمعة، وهما ليسا كل الأمة، وإذا لم نعتبر اتفاق الخلفاء الأربعة حجة، فمن باب أولى عدم اعتبار قول الشيخين رضي الله عنهما.
وذهب بعض العلماء إلى أن اتفاقهما يعتبر إجماعًا، مستدلين بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر" وراه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث حذيفة بن اليمان. انظر: "تلخيص الحبير 4/ 190".
وأجاب الجمهور عن هذا الاستدلال: بأن المقصود من الحديث أنهم أهل للاقتداء بهم، لا على أن قولهم حجة على غيرهم، فإن المجتهد متعبد بالبحث =
.................................................
= عن الدليل حتى يظهر له ما يظنه حقًّا.
كما أن الحديث معارض بأحاديث أخرى تفيد حجية قول بعض الصحابة منفردًا، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد" وهو: عبد الله بن مسعود، رواه الطبراني ورجاله ثقات "مجمع الزوائد 9/ 260".
وقوله صلى الله عليه وسلم عن أبي عبيدة بن الجراح: "إنه أمين هذه الأمة" رواه البخاري ومسلم.
فلو كان الحديث الخاص بالشيخين دالًّا على أن قولهما يعتبر إجماعًا، لكان هذان الحديثان دالين على حجية قول ابن مسعود وحده، وقول أبي عبيدة وحده حجة، وهذا غير مسلم.
انظر: شرح العضد على مختصر ابن الحاجب "2/ 36" وشرح مختصر الروضة "3/ 102".
إجماع آل البيت:
أما مسألة إجماع العترة، وهم: آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن، والحسين رضي الله عنهم جميعًا-، وهم الذين نزل فيهم قول الله -تعالى-:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] .
فقد روي أنه لما نزلت هذه الآية أدار النبي صلى الله عليه وسلم الكساء وقال: "هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا" رواه الترمذي عن عمر بن أبي سلمة، ورواه أحمد والحاكم وصححه، وابن جرير الطبري عن أم سلمة، ورواه مسلم من حديث عائشة.
انظر: مسند الإمام أحمد "6/ 296" صحيح مسلم "4/ 1883" تحفة الأحوذي "9/ 66".
وجمهور العلماء على أن اتفاقهم ليس إجماعًا، لأنهم ليسوا كل الأمة، والعصمة إنما ثبتت للأمة مجتمعة، متمثلة في اتفاق مجتهديها.
وذهبت الشيعة إلى أن اتفاقهم يعتبر إجماعًا، واستدلوا على ذلك بالآية المتقدمة، وقالوا: إن الله -تعالى- أخبر عن نفي الرجس عن أهل البيت، =
...............................................................
= والخطأ رجس، فيكون منفيًّا عنهم، وإذا انتفى عنهم الخطأ كان إجماعهم حجة.
ورد عليهم: بأنه لم يقل أحد: إن الخطأ رجس، فالرجس -في اللغة- هو القذر أو العذاب، فلا دلالة في الآية على المدعي.
كما استدلوا بأحاديث تدل على فضلهم وشرفهم، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"إني تارك فيكم الثقلين، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي".
أخرجه أحمد في المسند "3/ 17" والحاكم "3/ 148" والطبراني في الكبير "5/ 190، 205، 210" وفي الصغير "1/ 131" ورواه الترمذي بلفظ "إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي: أهل بيتي".
وأجاب الجمهور على هذا:
أولًا: أن هذا خبر آحاد، وليس حجة عند الشيعة.
ثانيًا: ومع التسليم بأنه حجة، فلا نسلم أن المراد بالثقلين: القرآن والعترة وإنما المراد: القرآن والسنة، كما في الرواية الأخرى:"تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله" أخرجه مالك في الموطأ.
وإنما خص صلى الله عليه وسلم العترة بالذكر؛ لأنهم أخبر بحاله صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: على أن أقصى ما تدل عليه هذه الرواية: إنما هو بيان فضلهم وشرفهم، وهذا أمر لم ينازع فيه أحد، وفرق بين الفضيلة والحجية، على نحو ما سبق في إجماع الخلفاء الأربعة والشيخين.
قال الطوفي: "أقرب ما يسلك في الرد على الإمامية في هذه المسألة:.... أن يقال: إذا خالف أهل البيت باقي الأمة في حكم، فإما أن يعتبر القولان، أو يلغيا جميعًا، وهو باطل باتفاق، أو يقدم قول أهل البيت، وهو ضعيف لوجهين:
أحدهما: أنه مخالف لقوله عليه السلام: "اتبعوا السواد الأعظم، فإنه من شذ شذ في النار".
الثاني: أن إصابة آحاد يسيرة، وخطأ الجم الغفير بعيد جدًّا.
شرح مختصر الروضة "3/ 116".
وبذلك يترجح قول الجمهور، وهذا هو الذي عليه العمل والله أعلم.