الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: [أمر الله تعالى للنبي أمر للأمة ما لم يوجد تخصيص]
إذا أمر الله -تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم بلفظ ليس فيه تخصيص، كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْل} 1، أو أثبت في حقه حكمًا: فإن أمته يشاركونه في ذلك الحكم، ما لم يقم على اختصاصه به دليل.
وكذلك إذا توجه الحكم إلى واحد من الصحابة دخل فيه غيره، ويدخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم نحو قوله:"إن الله فرض عليكم صيامه"2.
=
2-
أن القائم بفرض الكفاية أفضل من غيره؛ لأنه حصل مصلحته دون غيره، وإن كانا سيان في الخروج عن العهدة.
3-
اختلف العلماء في المفاضلة بين فاعل فرض العين، وفاعل فرض الكفاية.
فقال البعض: فرض العين أفضل، ولذلك وجب على كل مكلف.
وقال البعض: إن فرض الكفاية أفضل؛ لأن نفعه أعم؛ إذ هو يسقط الفرض عن نفسه وعن غيره.
4-
هل يتعين فرض الكفاية، ويجب إتمامه على من تلبس به أم لا؟
قال الطوفي: "والأشبه: أنه يتعين، كالمجاهد يحضر الصف، وطالب العلم يشرع في الاشتغال به، ونحو ذلك في صوره.
ووجهه: أنه بالشروع تعلق به حق الغير، وهو انعقاد سبب براءة ذمته من التكليف بفرض الكفاية، وخروجه عن عهدته، فلا يجوز له إبطال ما تعلق به حق غيره، كما لو أقر بحق لم يجز له الرجوع عنه.
ووجه القول الآخر: أن ما لا يجب الشروع فيه، لا يجب إتمامه في غير الحج، كصوم التطوع، وصلاته، ولأنه لو تعين بالشروع، لما جاز للقاضي أن يعزل نفسه، لكنه جائز باتفاق".
1 سورة المزمل الآية 1، 2.
2 يشير إلى ما روي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: "خطبنا =
هذا قول القاضي، وبعض المالكية، وبعض الشافعية1.
وقال أبو الحسن التميمي، وأبو الخطاب، وبعض الشافعية: يختص الحكم بمن توجه إليه الأمر؛ لأن السيد من أهل اللغة لو أمر عبدا من عبيده بأمر: لاختص به دون بقية عبيده.
ولو أمر الله -تعالى- بعبادة، لم يتناول -بمطلقه- عبادة أخرى.
= رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان قال: "يا أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعًا
…
الحديث" رواه ابن خزيمة في صحيحه ثم قال: "إن صح الخبر" كما رواه ابن خزيمة والبيهقي -مختصرًا- عن أبي هريرة رضي الله عنه وفي إسناده كثير بن زيد. "الترغيب 2/ 67"
1 حاصل ذلك: أن ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم من الأحكام يتناول أمته كذلك، ومثله ما إذا توجه خطاب من رسول الله –صلى الله عليه عليه وسلم- إلى واحد من الصحابة –رضي الله عنهم فإنه يعم الجميع، حتى النبي صلى الله عليه وسلم. ما لم يدل دليل مخصص للنبي صلى الله عليه وسلم أو لبعض الصحابة: كوجوب السواك والضحى والوتر على النبي صلى الله عليه وسلم دون الأمة، فقد وجد دليل يدل على هذا الاختصاص، ومثل ذلك: ما خوطب به صلى الله عليه وسلم صراحة، كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50] . ومن أمثلة ما دل الدليل على اختصاصه ببعض الصحابة:
قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة "تجزئك ولا تجزئ أحدًا بعدك".
أخرجه البخاري "955" و"965"، "983"، "5545"، "5556"، "5757"، "5560"، "5563" كما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم.
فإذا لم يقل دليل على التخصيص، كان الحكم عامًا عند القاضي أبي يعلى، وبعض المالكية وبعض الشافعية.
انظر: العدة "1/ 318"، وشرح العضد "2/ 121"، وشرح الطوفي "2/ 411".
فقال: لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي"1.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم في القبلة للصائم مثل ذلك. رواه مسلم2.
فالحجة فيه من وجهين:
أحدهما: أنه أجابهم بفعله، ولو اختص به الحكم، لم يكن جوابًا لهم.
الثاني: أنه أنكر عليهم مراجعتهم له باختصاصه بالحكم، فدل على أن مثل هذا لا يجوز اعتقاده.
ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرجعون إلى أفعال
1 رواه مسلم: كتاب الصيام، باب: صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، وأبو دواد في الصيام حديث "2389"، والنسائي في السنن الكبرى، في الصيام والتفسير، ومالك في الموطأ "1/ 289" من حديث عائشة رضي الله عنها.
2 هو: مسلم بن الحجاج بن مسلم، النيسابوري، أحد أئمة حفاظ الحديث، صاحب الصحيح المشهور الذي جمع فيه ثلاثمائة ألف حديث. وله مصنفات أخرى كثيرة، منها:"المسند الكبير" على أسماء الرجال، "الجامع الكبير" على الأبواب، وكتاب "العلل" و"الكنى" و"أوهام المحدثين". توفي -رحمه الله تعالى- سنة "261هـ" انظر:"طبقات الحفاظ ص260، تذكرة الحفاظ 2/ 588".
وحديث القبلة للصائم: أخرجه مسلم، كتاب الصيام، من طريق عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك. فقال يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له". حديث رقم "1108".
النبي صلى الله عليه وسلم فيما يختلفون فيه من الأحكام: كرجوعهم إلى فعله في الغسل من التقاء الختانين من غير إنزال1، وإيجاب الوضوء من الملامسة2، وصحة الصوم ممن أصبح جنبًا3، وعدم ثبوت حكم الإحرام في حق من
1 أخرجه مسلم: كتاب الحيض، باب: نسخ الماء، ووجوب الغسل من التقاء الخنانين من حديث عائشة رضي الله عنها، والترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل، وأبو داود: كتاب الطهارة، باب في الإكسال، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
كما أخرجه عنها وعن غيرها ابن ماجه في كتاب الطهارة، باب ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختاتان، وهو أظهر من محل الشاهد، حيث جاء فيه لفظ الفعل صريحًا. فعن عائشة رضي الله عنها قالت:"إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا".
2 حديث الوضوء من مس المرأة: أخرجه الترمذي: كتاب التفسير، باب ومن سورة هود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعًا.
ولفظه "...... عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلًا لقى امرأة، وليس بينهما معرفة، فليس يأتي الرجل شيئًا إلى امرأته إلا وقد أتى هو إليها، إلا أنه لم يجامعها، قال: فأنزل الله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114] فأمره أن يتوضأ ويصلي. قال معاذ: يا رسول الله، أهي له خاصة أم للؤمنين عامة؟ قال: بل للمؤمنين عامة". قال الترمذي: "هذا حديث ليس إسناده بمتصل، عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ".
كذلك أخرجه عن معاذ -أيضًا- الدراقطني كتاب الطهارة، باب صفة ما ينقض الوضوء وما روي في الملامسة والقبلة. ثم قال:"حديث صحيح"، والحاكم في المستدرك، كتاب الطهارة، باب الدليل على أن اللمس ما دون الجماع والوضوء منه.
كما أخرجه مالك والشافعي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
بعث هديه وأقام في أهله1، حتى عدوا ذلك ناسخًا لما قبله، معارضًا لما خالفه من أمره ونهيه.
ولأن الله -تعالى- أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقيام الليل2، ودخل فيه أمته، حتى نسخه بقوله:{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} 3.
1 روى البخاري ومسلم وأبو دواد والترمذي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أنا فتلت تلك القلائد من عهن كان عندنا وأصبح فينا حلالًا، يأتي ما يأتي الحلال من أهله، أو ما يأتي الرجل من أهله.
وفي رواية: فتلت قلائد بُدنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشعرها وقلّدها، ثم بعث بها إلى البيت، فما حرم عليه شيء كان له حلالًا. انظر: جامع الأصول "4/ 165" والمنتقى من أخبار المصطفى ص423.
2 في قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 1-4] .
3 سورة المزمل من الآية: 20.
روى ابن جرير الطبري عن أبي عبد الرحمن قال: لما نزلت {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قاموا حولًا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَه} قال: فاستراح الناس.
وروي عن زرارة بن أبي أوفى عن سعيد بن هشام قال: فقلت -يعني لعائشة- أخبرينا عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألست تقرأ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قلت: بلى. قالت: فإنها كان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى انتفخت أقدامهم، وحبس آخرها في السماء ستة عشر شهرًا، ثم نزل.
وروى الطبري عن سعيد بن جرير قال: لما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قال: مكث النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه، فأنزل الله -تعالى- عليه بعد عشر سنين {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} الآية.
تفسير ابن كثير "4/ 437".
ولما عاتبه في تحريم ما أحل الله ما أحل الله له1، قال -عقيبه-:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} 2.
وابتدأ الخطاب بمناداته وحده، ثم تممه بلفظ الجمع بقوله:{ياَ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ..} 3. وهذا يدل على أن حكم خطابه لا يختص به.
1 في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} .
2 سورة التحريم من الآية: 2.
وقد اختلف العلماء في سبب نزول ذلك على أقوال كثيرة، أشهرها -كما قال الواحدي والقرطبي- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيت حفصة، فزارت أباها، فلما رجعت أبصرت مارية في بيتها مع النبي -صى الله عليه وسلم- فلم تدخل حتى خرجت مارية ثم دخلت، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في وجه حفصه الغيرة، والكآبة قال لها:"لا تخبري عائشة ولك عليّ أن لا أقربها أبدًا" فأخبرت حفصة عائشة -وكانتا متصافيتين- فغضبت عائشة، ولم تزل بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقرب مارية، فأنزل الله هذه السورة. "فتح القدير للشوكاني 5/ 287".
كما روى البخاري في كتاب التفسير، باب سورة التحريم، ومسلم في كتاب الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق، من حديث حفصة وعائشة أنهما قالتا للنبي صلى الله عليه وسلم: نشم منك رائحة مغافير "صمغ حلو له رائحة كريهة" قال: "لا، بل شربت عسلًا" -وكان قد شربه عند زينب بنت جحش- ولن أعود إليه" فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} .
قال الشوكاني في فتح القدير "5/ 290": "والجمع ممكن بوقوع القصتين:
العسل، وقصة مارية، وأن القرآن نزل فيهما جميعًا".
3 مفتتح سورة الطلاق.
قال الشوكاني: "نادى النبي صلى الله عليه وسلم أولًا تشريفًا له، ثم خاطبه مع أمته، أو الخطاب له خاصة، والجمع للتعظيم، وأمته أسوته في ذلك". المصدر السابق ص377.
وقد أشار إليه عليه السلام بقوله: "إِنّمَا أََسْهُو لأَسُنًّ"1.
فإذا ثبت أن امته يشاركونه في حكمه: فلزم مشاركته لهم في أحكامهم؛ لوجود التلازم ظاهرًا؛ فإن ما ثبت في أحد المتلازمين ثبت في الآخر؛ فإنه لو ثبت في حقهم حكم انفردوا به دونه: لثبت نقيض ذلك الحكم في حقه دونهم، وقد أقمنا الدليل على خلافه.
لذلك: قالت حفصة2 للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شأن الناس حلُّوا ولم تحلل من عمرتك؟ قال، "إِنَّي لَبدَتُّ رَأْسِي3، وَقَلَّدتُّ، هَدْبِي، فَلَا أُحِلَّ حَتىَّ أَنْحَرَ"4.
فلولا أنه داخل فيما ثبت لهم من الأحكام: ما استدعوا منه موافقتهم، ولا أقرهم على ذلك، وبين لهم عذره.
1 أخرجه مالك في الموطأ: كتاب الصلاة -باب العمل في السهو- قال: "بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأنسى، أو أنسًّى لأسنّ".
قال ابن عبد العزيز: "لا أعلم هذا الحديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندًا ولا مقطوعًا من غير هذا الوجه، وهو أحد هذه الأحاديث الأربعة التي في الموطأ، لا توجد في غيرن مسنده ولا مرسلة، ومعناه صحيح في الأصول".
شرح الزرقاني على موطأ مالك "1/ 205".
شرح الزرقاني على موطأ مالك "1/ 205".
2 هي: أم المؤمنين: حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم سنة "3هـ" على أرجح الأقوال: توفيت رضي الله عنها سنة "41هـ" وقيل سنة "45هـ". انظر: الاستيعاب "4/ 1811".
3 في المصباح فيقال: لبّدت الشيء تلبيدًا: ألزقت بعضه ببعض حتى صار كاللبّد، ولبّد الحاج شعره بخطمى ونحوه كذلك حتى لا يتشعث".
4 أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب التمتع ولإقران والإفراد بالحج من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن حفصة رضي الله عنها كما أخرجه =
والدلالة على أن الحكم إذا ثبت في حق واحد من الصحابة دخل فيه غيره: قوله عليه السلام: "خطابي للواحد خطاب للجماعة"1.
ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانت ترجع في أحكامهم إلى قضايا النبي صلى الله عليه وسلم في الأعيان2: كرجوعهم في حد الزاني إلى قصة
= عنها في باب فتل القلائد للبدن والبقر، وفي باب من لبّد رأسه عن الإحرام وحلق.
كما أخرجه عنها -أيضًا- أبو داود: كتاب الحج، باب في الإقران، والشافعي في كتاب الحج، باب ما جاء في فسخ الحج إلى العمرة. وفي بعض رواياته:"إني أهديت ولبّدت، فلا أحل حتى أنحر هديي".
1 هكذا يذكره الأصوليون في كتبهم، كما يروونه بلفظ "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" وهو بهذين اللفظين، لا أصل له، كما قال المزي، والذهبي، والعراقي، والسخاوي، لكن جاء في معناه ما وراه النسائي في سننه، كتاب البيعة، باب النساء، من طريق مالك، والترمذي، كتاب السير، باب ما جاء في بيعة النساء، من طريق سفيان عن محمد بن المنكدر، سمعت أميمة بنت رقيقة تقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة لنا: "فيما استطعتنّ وأطقتنّ" قلت: الله ورسوله أرحم منا بأنفسنا. فقلت: يا رسول الله بايعنا. قال سفيان: يعنى صافحنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة" قال الترمذي: حسن صحيح. ولفظ النسائي: "ما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة".
وأخرجه كذلك ابن حبان في صحيحه، والدرقطني في سننه.
انظر: موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان "ص34" المقاصد الحسنة "ص192" تحفة الطالب لابن كثير "ص286" الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج "ص110".
2 أي: الوقائع التي حكم فيها الرسول صلى الله عليه وسلم على أشخاص معينين.
ماعز1 وفي دية الجنين إلى حديث حمل بن مالك2، وفي "المفوضة" إلى قصة بروع بنت واشق، و"في السكنى والنفقة" إلى حديث فاطمة بنت قيس، وفريعة بنت مالك3، وإلى حديث صفية الأنصارية4 في:"سقوط طواف الوداع عن الحائض" وغير ذلك.
1 هو: ماعز بن مالك الأسلمي، أبو عبد الله، صحابي جليل، يعد من المدنيين، روى عنه ابنه عبد الله حديثًا واحدًا. له ترجمة في: الاستيعاب "3/ 1345" والإصابة "5/ 705".
وقصة رجم ماعز: أخرجها البخاري: كتاب الحدود، باب هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت عن ابن عباس رضي الله عنهما ومسلم: كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنا عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري: كما أخرجها أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم.
2 تقدمت ترجمته، وتخريج حديثه فصل "التعبد بخبر الواحد".
3 تقدمت هذه الأخبار في فصل "التعبد بخبر الواحد".
4 في أكثر النسخ المطبوعة "الأنصارية" بدون واو، حتى قال الطوفي في شرحه "2/ 415-416:"قال الشيخ أبو محمد: وإلى حديث صفية الأنصارية؛ في سقوط طواف الوداع عن الحائض. قلت: وإنما هي صفية بنت حيي، أم المؤمنين".
والصواب إثبات الواو؛ لأن القصة نقلت عن السيدة حفصة، وامرأة أنصارية تسمى "أم سليم". وقد تقدم في "فصل التعبد بخبر الواحد سمعًا": عن عكرمة قال: إن أهل المدينة سألوا ابن عباس رضي الله عنهما عن امرأة طافت، ثم حاضت؟ قال لهم: تنفر. قالوا: لا نأخذ بقولك وندع قول زيد "وكان زيد بن ثابت يفتي بخلاف ذلك" قال: -أي ابن عباس-: إذا قدمتم المدينة فسلوا. فقدموا المدينة فسألوا، فكان فيمن سألوا "أم سليم" فقالت: إن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أحابستنا هي؟ ". قالوا: إنها أفاضت. قال: "فلا إذن".
أخرجه البخاري: كتاب الحج -باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت، =
ولأنه لو اختص به لما احتيج إلى التخصيص بقوله -لأبي بردة1- في التضحية بالجذع من المعز: "تجزئك ولا تجزئ عن أحد بعدك"2.
دليل آخر: أن قول الراوي: "نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر، أو قضى" يعم، ولو اختص الحكم من شوفه به: لم يكن عامًا؛ لاحتمال أن يكون الراوي سمع نهي النبي صلى الله عليه وسلم أو أمره لواحد فلا يكون عامًا.
= ومسلم: كتاب الحج، باب وجوب طواف الوادع وسقوطه عن الحائض، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحج، باب ترك الحائض الوادع.
1 هو: الصحابي الجليل: هانئ بن نيار الأنصاري، خال البراء بن عازب، شهد أبو بردة بدرًا وما بعدها. توفي في أول خلافة معاوية بعد أن شهد مع علي رضي الله عنه حروبه كلها، وكان سنة "41هـ" وقيل "42هـ" وقيل "45هـ". انظر في ترجمته: الإصابة "4/ 18" تهذيب الأسماء واللغات "2/ 178".
2 الحديث رواه البراء بن عازب قال: ضحى خال لي يقال له: أبو بردة، قبل الصلاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"شاتك شاة لحم" فقال: يا رسول الله، إن عندي داجنًا جذعة من المعز؟ قال:"اذبحها ولا تصلح لغيرك".
وفي رواية أخرى عن البراء -أيضًا- قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل أن نصلي، فإنما هو لحم عجله لأهله، ليس من النسك في شيء" فقام خالي أبو بردة بن نيار فقال يا رسول الله، أنا ذبحت قبل أن أصلي، وعندي جذعة خير من مسنة، قال:"اذبحها، ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك" وفي رواية: إن عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم، فقال:"هي خير نسيكتك، ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك". والعناق: أنثى المعز قبل أن تستكمل حولًا.
أخرجه البخاري "955" ومسلم "1961" وأبو داود "2800" والترمذي "1508 وأحمد في المسند "4/ 281، 287، 297، 302" وغيرهم.