المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: [لا يجوز على أهل التواتر كتمان ما يحتاج إليه] - روضة الناظر وجنة المناظر - ت شعبان - جـ ١

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌مقدمة المجلد الأول

- ‌مدخل

- ‌مقدمة

- ‌فصل: "في أقسام الحد

- ‌فصل: [في أن تعذر البرهان على الحد لا يمنع صحته]

- ‌فصل: في البرهان

- ‌فصل: في كيفية دلالة الألفاظ على المعنى

- ‌فصل: في النظر في المعاني

- ‌فصل: في تأليف مفردات المعاني

- ‌فصل: [في مقدمتي البرهان وأضربه]

- ‌فصل: [في أسباب مخالفة البرهان أو القياس]

- ‌فصل: [في اليقين ومداركه]

- ‌فصل: في لزوم النتيجة من المقدمتين

- ‌فصل: [في تقسيم البرهان: إلى برهان علة وبرهان دلالة]

- ‌فصل: [في الاستدلال بالاستقراء]

- ‌الباب الأول: في حقيقة الحكم وأقسامه

- ‌معنى الحكم

- ‌فصل: [في تقسيم الواجب باعتبار ذاته]

- ‌فصل: [في تقسيم الواجب باعتبار وقت الأداء]

- ‌فصل: [في تضييق الواجب الموسع]

- ‌فصل: [في مقدمة الواجب وحكمها]

- ‌فصل: [في بعض الفروع المخرجة على مقدمة الواجب]

- ‌فصل: [في الواجب غير المحدد]

- ‌فصل: القسم الثاني: المندوب

- ‌فصل: [في حكم الأشياء قبل ورود الشرع]

- ‌فصل: [هل المباح مأمور به]

- ‌فصل: القسم الخامس: الحرام

- ‌فصل: [في أقسام النهي]

- ‌فصل: [الأمر بالشيء نهي عن ضده]

- ‌فصل: [في معنى التكليف وشروطه]

- ‌فصل: [في عدم تكليف الناسي والنائم والسكران]

- ‌فصل: [في حكم تكليف المكره]

- ‌فصل: [في حكم تكليف الكفار بفروع الإسلام]

- ‌فصل: [شروط الفعل المكلف به]

- ‌فصل: [في المقتضى بالتكليف]

- ‌فصل: الضرب الثاني - من الأحكام ما يتلقى من خطاب الوضع والإخبار

- ‌فصل: [في الشرط وأقسامه]

- ‌فصل: في القضاء والأداء والإعادة

- ‌فصل: في العزيمة والرخصة

- ‌الباب الثاني: في أدلة الأحكام

- ‌مدخل

- ‌فصل: [في تعريف الكتاب والقرآن وأنهما بمعنى واحد]

- ‌فصل: [في حكم الاحتجاج بالقراءة الشاذة]

- ‌فصل: [في اشتمال القرآن على الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [ليس في القرآن ألفاظ غير عربية]

- ‌فصل: [في المحكم والمتشابه]

- ‌الباب الثالث: النسخ

- ‌فصل: تعريف النسخ

- ‌فصل: [معنى النسخ عند المعتزلة]

- ‌فصل: [الفرق بين النسخ والتخصيص]

- ‌فصل: [ثبوت النسخ بالأدلة العقلية والنقلية]

- ‌فصل: [في وجوه النسخ في القرآن]

- ‌فصل: في نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال

- ‌فصل: [هل الزيادة على النص نسخ

- ‌فصل: [في نسخ جزء العبادة أو شرطها]

- ‌فصل: [في جواز نسخ العبادة إلى غير بدل]

- ‌فصل: [في النسخ بالأخف والأثقل]

- ‌فصل: [في حكم من لم يبلغه النسخ]

- ‌فصل: [في وجوه النسخ بين القرآن والسنّة]

- ‌فصل: [في حكم نسخ القرآن ومتواتر السنة بالآحاد]

- ‌فصل: [الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به]

- ‌فصل: [في نسخ القياس والنسخ به]

- ‌فصل: [في نسخ التنبيه والنسخ به]

- ‌فصل: فيما يعرف به النسخ

- ‌الباب الرابع: الأصل الثاني من الأدلة سنة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌فصل: في ألفاظ الرواية

- ‌فصل: [في حد الخبر وأقسامه]

- ‌فصل: [فيما يفيده الخبر المتواتر]

- ‌فصل: ي أن ما حصل العلم في واقعة أفاده في غيرها

- ‌فصل: [في شروط التواتر]

- ‌فصل: [مذاهب العلماء في عدد التواتر]

- ‌فصل: [لا يجوز على أهل التواتر كتمان ما يحتاج إليه]

- ‌فصل: [في حكم التعبد بخبر الواحد عقلًا]

- ‌فصل: [في التعبد بخبر الواحد سمعًا]

- ‌فصل: [في شروط الراوي]

- ‌فصل: [في حكم خبر مجهول الحال]

- ‌فصل: [فيما لا يشترط في الراوي]

- ‌فصل: تعارض الجرح والتعديل

- ‌فصل: [في عدالة الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم خبر المحدود في القذف]

- ‌فصل: في كيفية الرواية

- ‌فصل: [في حكم الشك في السماع]

- ‌فصل: [في حكم إنكار الشيخ للحديث]

- ‌فصل: [في حكم انفراد الثقة بزيادة في الحديث]

- ‌فصل: [في حكم رواية الحديث بالمعنى]

- ‌فصل: [في حكم مراسيل الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم مراسيل غير الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم خبر الواحد فيما تعم به البلوى]

- ‌فصل: [في حكم خبر الواحد في الحدود]

- ‌فصل: [في حكم الواحد إذا خالف القياس]

- ‌باب: الأصل الثالث: الإجماع

- ‌فصل: معنى الاجماع

- ‌فصل: [الأدلة على حجية الإجماع]

- ‌فصل: [في المعتبرين في الإجماع]

- ‌فصل: [فيمن يعتبر في الإجماع من أصحاب العلوم]

- ‌فصل: [في عدم الاعتداد بقول الكافر والفاسق في الإجماع]

- ‌فصل: في الاعتداد بقول التابعي المجتهد في إجماع الصحابة

- ‌فصل: [في حكم انعقاد الإجماع بقول الأكثر]

- ‌فصل: [في حكم إجماع أهل المدينة]

- ‌فصل: [في حكم إجماع الخلفاء الأربعة]

- ‌فصل: هل انقراض العصر شرط لصحة الإجماع

- ‌فصل: [هل اتفاق التابعين على أحد قولي الصحابة إجماع

- ‌فصل: [اختلاف الصحابة على قولين يمنع إحداث قول ثالث]

- ‌فصل: [في حكم الإجماع السكوتي]

- ‌فصل: في جواز انعقاد الإجماع عن اجتهاد وقياس

- ‌فصل: [الأخذ بأقل ما قيل ليس إجماعًا]

- ‌فصل: [هل النافي للحكم يلزمه الدليل]

- ‌باب: في تقاسيم الكلام والأسماء

- ‌فصل: اختلاف في مبدأ اللغات

- ‌فصل: [هل تثبت الأسماء بالقياس]

- ‌فصل: [في تعارض الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [في علامات الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [في تعريف الكلام وأقسامه]

- ‌فصل: [نفي الذوات لا يقتضي الإجمال]

- ‌فصل: [رفع الخطأ رفع للحكم]

- ‌فصل: في البيان

- ‌فصل: [الأمور التي يحصل بها البيان]

- ‌فصل: [لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة]

- ‌باب: الأمر

- ‌مدخل

- ‌فصل: [لا يشترط الإرادة في الأمر]

- ‌فصل: مسألة: الأمر المجرد يدل على الوجوب

- ‌فصل: [فيما تفيده صيغة الأمر بعد الحظر]

- ‌فصل: [الأمر المطلق هل يقتضي التكرار]

- ‌فصل: الأمر المطلق: هل يقتضي الفور

- ‌فصل: [الواجب المؤقت إذا فات وقته لا يحتاج إلى أمر جديد]

- ‌فصل: [مقتضى الأمر: حصول الإجزاء بفعل المأمور به]

- ‌فصل: الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا به

- ‌فصل: [أمر الجماعة أمر لكل واحد منهم]

- ‌فصل: [أمر الله تعالى للنبي أمر للأمة ما لم يوجد تخصيص]

- ‌فصل: [في تعلق الأمر بالمعدوم]

- ‌فصل: [في التكليف بغير الممكن]

- ‌فصل: [في النهي]

- ‌فهرس

- ‌موضوعات الجزء الأول:

الفصل: ‌فصل: [لا يجوز على أهل التواتر كتمان ما يحتاج إليه]

ولا يشترط -أيضًا- ألا يحصرهم عدد، ولا تحويهم بلد؛ فإن الحجيج إذا أخبروا بواقعة صدتهم عن الحج، وأهل الجمعة إذا أخبروا عن نائبة في الجمعة منعت من الصلاة، علم صدقهم مع دخولهم تحت الحصر وقد حواهم مسجد، فضلًا عن البلد1.

= بحيث لا يجوز عادة تواطؤهم على الكذب، لا العدالة والإسلام وسائر أوصاف الرواية؛ لأن ذلك إنما يشترط في الشهادات، وأخبار الآحاد، لأنها إنما تفيد الظن، أما التواتر: فهو يفيد للعلم الضروي أو النظري -كما سبق- فهو مستغن عن اعتبار أوصاف المخبرين المراد لتقوية الظن وغلبته. "شرح مختصر الروضة 2/ 94".

1 ومعناه: أن الناس المجتمعين في الحج، لو أخبروا بأنه عرض لهم مانع منعهم من أداء الحج في ذلك العام، كعدو صدهم عن دخول البيت، أو غور عيون الماء في الطريق، ونحو ذلك؛ لحصل لنا العلم بخبرهم، مع أنهم محصورون تحت عدد يمكن، معرفته، وكذلك أهل الجامع -يوم الجمعة- لو أخبروا بوجود مانع منعهم من صلاة الجمعة، كعدم وجود الإمام، أو هجوم عدو جعلهم يخرجون من المسجد، حصل لنا العلم بخبرهم، مع أنهم محصورون في عدد معين، وفي مسجد، فضلًا عن بلد.

وخالف في ذلك بعض العلماء، واشترطوا الإسلام والعدالة في المخبرين.

كما أورد الغزالي آراء آخرى في المسألة. انظر: التمهيد لأبي الخطاب "3/ 33" المستصفى "2/ 156 وما بعدها".

ص: 300

‌فصل: [لا يجوز على أهل التواتر كتمان ما يحتاج إليه]

ولا يجوز على أهل التواتر كتمان ما يحتاج إلى نقله ومعرفته، وأنكر ذلك الإمامية1.

1 الإمامية فرقة من الشيعة، تقول: "إن الإمامة لعلي رضي الله عنه ولأولاده من =

ص: 300

وليس بصحيح؛ لأن كتمان ذلك يجري -في القبح- مجرى الإخبار عنه بخلاف ما هو به، فلم يجز وقوع ذلك منهم وتواطؤهم عليه.

فإن قيل: قد ترك النصارى نقل كلام عيسى في المهد1؟

= بعده، فهي منصب إلهي، والتصديق به ركن من أركان الإيمان عندهم. وادعوا أن هناك نصوصًا تدل على إمامة علي كتمها الصحابة رضي الله عنهم مع كثرتهم، ووقوع ذلك منهم يدل على جواز كتمان الخبر المتواتر، واستندوا في ذلك إلى أحاديث بعضها صحيح، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في شأن "علي" رضي الله عنه:"أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي" وهو حديث صحيح: أخرجه البخاري حديث رقم "3706" و"4416" عن سعد بن أبي وقاص، ومسلم: حديث رقم "2404" والترمذي حديث رقم "3731" وأحمد في المسند"1/ 173" والحديث وإن كان صحيحًا إلا أنه ليس صريحًا.

وأجاب المصنف على ذلك بقوله: وليس بصحيح؛ فإن كتمان ما يحتاج إلى النقل، يجري مجرى الكذب، والكذب محال في حق الصحابة رضي الله عنهم حيث أثنى عليهم الخالق -جل وعلا- في العديد من الآيات، كما أثنى عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم فتواطؤهم على الكذب محال، وكذلك تواطؤهم على الكتمان.

قال الشيخ: "ابن بدران": "وللجمهور أن يعارضوا الإمامية بالمثل، بأن يقولوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على إمامة أبي بكر نصًّا جليًّا متواترًا..""نزهة الخاطر جـ1 ص259".

ومن هذه النصوص: قوله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر" وهو حديث صحيح وصريح، أخرجه أحمد في المسند "5/ 382، 385، 399، 402" كما أخرجه الترمذي حديث "3663"، وابن ماجه حديث "79" وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله "2/ 223" وصححه ابن حبان "2193" والحاكم "3/ 75".

1 هذه شبهة: أوردها الإمامية دعمًا لرأيهم -في جواز كتمان الخبر المتواتر-، خلاصتها: أن النصارى تركوا كلام عيسى عليه السلام في المهد، مع أنه =

ص: 301

قلنا: لأن كلامه في المهد كان قبل ظهوره واتباعهم له.

القسم الثاني، أخبار الآحاد

وهي: ما عدا المتواتر1

اختلفت الرواية عن إمامنا رحمه الله في حصول العلم بخبر الواحد:

= مما يحتاج إلى نقله، وتتوفر الدواعي عليه، فهذه صورة من صور الدعوى قد وقعت، وهي تدل على الجواز.

وأجاب المصنف على هذه الشبهة: بأن ذلك كان قبل نبوته، والدواعي تتوفر على نقل أعلام النبوة.

قال الطوفي:

"وهذا ضعيف؛ لأن كلامه في المهد كان من خوارق العادات قبل نبوته، والدواعي تتوفر على نقل مثله عادة، وإن لم يكن الناقلون أتباعا للمنقول عنه". ثم ذكر وجوهًا أخرى للرد عليهم فقال:

الوجه الثاني: أنه قد نقل أن حاضري كلام المسيح في المهد لم يكونوا كثيرين، بحيث يحصل العلم بخبرهم، بل إنما كانوا زكريا وأهل مريم ومن يختص بهم، فلذلك لم ينقل متواترًا، ولا يلزم من عدم تواتره عدم نقله مطلقًا، لجواز أنهم نقلوه ولم يتواتر.

الوجه الثالث: أنَّا لا نسلم أنهم لم ينقلوه، بل نقلوه وهو متواتر عندهم في "إنجيل الصَّبْوَة" يعني: الذي ذكر فيه أحوال عيسى عليه السلام في صبوته، منذ ولد إلى أن رفع، وإنما لم يتوافر نقلهم لذلك عندنا لعدم مشاركتنا لهم في سببه، أو لاستغنائنا عنه بتواتر القرآن". "شرح المختصر جـ2 ص101، 102".

1 قوله: وهي ما عدا المتواتر، أي: أن خبر الواحد ما فقدت فيه شروط المتواتر أو بعض منها، بأن كان إخبارًا عن غير محسوس، أو رواية ممن يجوز الكذب عليه عادة، أو جماعة لا يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة، أو كانوا ممن يستحيل =

ص: 302

فروى: أنه لا يحصل به. وهو قول الأكثرين والمتأخرين من أصحابنا؛ لأنَّا نعلم -ضرورة- أنا لا نصدق كل خبر نسمعه.

ولو كان مفيدًا للعلم: لما صح ورود خبرين متعارضين؛ لاستحالة اجتماع الضدين.

ولجاز نسخ القرآن والأخبار المتواترة به، لكونه بمنزلتهما في إفادة العلم، ولوجب الحكم بالشاهد الواحد، ولاستوى في ذلك العدل والفاسق كما في المتواتر1.

وروي عن أحمد أنه قال: -في أخبار الرؤية- يقطع على العلم بها.

وهذا يحتمل أن يكون في أخبار الرؤية وما أشبهها، مما كثرت

= منهم الكذب عادة، لكن في بعض طبقاته دون البعض.

1 نقل المصنف عن الإمام أحمد رضي الله عنه روايتين فيما يفيده خبر الآحاد:

الرواية الأولى: أنه لا يفيد العلم، واستدل على هذا الرأي بخمسة أوجه:

الوجه الأول: أنه لو أفاد العلم لصدقنا كل خبر نسمعه، لكنا لا نصدق كل خبر نسمعه، فدل ذلك على أنه لا يفيد العلم.

الوجه الثاني: لو أفاد خبر الواحد العلم لما تعارض خبران، لأن العلمين لا يتعارضان، لكن التعارض موجود كثيرًا في أخبار الآحاد، فدل ذلك على أنه لا يفيد العلم.

الوجه الثالث: أنه لو أفاد العلم لجاز نسخ القرآن والسنة المتواترة به، لكنه لا يجوز نسخ القرآن والسنة المتواترة بالآحاد، فدل على أنه لا يفيد العلم.

الوجه الرابع: أنه لو أفاد العلم لجاز الحكم بشاهد واحد، ولم يحتج إلى شاهد آخر ولا إلى اليمين عند عدمه، ولو كان مفيدًا للعلم لما احتاج لذلك.

الوجه الخامس: أنه لو أفاد العلم لاستوى خبر العدل والفاسق، كما في المتواتر، لكن الفاسد والعدل لا يستويان في خبر الواحد -بالإجماع- فدل ذلك على أنه لا يفيد العلم.

ص: 303

رواته، وتلقته الآمة بالقبول، ودلت القرائن على صدق ناقله، فيكون إذًا من المتواتر؛ إذ ليس للمتواتر عدد محصور.

ويحتمل أن يكون خبر الواحد عنده مفيدًا للعلم.

وهو قول جماعة من أصحاب الحديث وأهل الظاهر.

قال بعض العلماء: إنما يقول أحمد بحصول العلم بخبر الواحد فيما نقله الأئمة الذين حصل الاتفاق على عدالتهم وثقتهم وإتقانهم، ونقل من طرق متساوية، وتلقته الأمة بالقبول، ولم ينكره منهم منكر؛ فإن الصديق والفاروق رضي الله عنهما لو رويا شيئا سمعاه أو رأياه، لم يتطرق إلى سامعهما شك ولا ريب، مع ما تقرر في نفسه لهما، وثبت عنده من ثقتهما وأمانتهما.

ولذلك: اتفق السلف في نقل أخبار الصفات، وليس فيها عمل، وإنما فائدتها: وجوب تصديقها، واعتقاد ما فيها.

لأن اتفاق الأمة على قبولها إجماع منهم على صحتها، والإجماع حجة قاطعة1.

1 هذه هي الرواية الثانية المنقولة عن الإمام إحمد. وللعلماء في تخريجها عدة احتمالات:

الاحتمال الأول: أنها خاصة بأحاديث الرؤية وما أشبهها من الأمور العقدية.

الاحتمال الثاني: أن ذلك خاص بما وجدت معه قرائنه تقويه.

الاحتمال الثالث: أن هذا هو رأي الإمام أحمد في خبر الآحاد عمومًا، وهو رأي المحدثين وأهل الظاهر.

وهناك احتمال رابع -حكاه المصنف- عن بعض أهل العلم: أن ذلك خاص بما نقله الأئمة المتفق على عدالتهم وثقتهم وتلقي الأمة لما نقل عنهم بالقبول والرضا، مثل ما نقل عن الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

وقد لخص محمد الأمين الشنقيطي آراء العلماء في هذه المسألة فقال: =

ص: 304

............................................

"حاصل كلام أهل الأصول في هذه المسألة: أن فيها للعلماء ثلاثة مذاهب:

الأول: وهو مذهب جماهير الأصوليين: أن أخبار الآحاد إنما تفيد الظن فقط، ولا تفيد اليقين.

المذهب الثاني: أنه يفيد اليقين إن كان الرواة عدولًا ضابطين.

وهو رواية عن الإمام أحمد، وحكاه الباجي عن ابن خويز منداد من المالكية، وهو مذهب الظاهرية.

المذهب الثالث: هو التفصيل: بأنه إذا احتفت به قرائن دالة على صدقه أفاد اليقين، وإلا أفاد الظن.

ومن أمثلة ذلك: أحاديث الشيخين -البخاري ومسلم- لأن القرائن دالة على صدقهما، لجلالتهما في هذا الشأن وتقديمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق، كما قاله غير واحد.

واختار هذا القول: ابن الحاجب، وإمام الحرمين، والآمدي، والبيضاوي، وممن اختار هذا القول: أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله تعالى-.

وحمل بعضهم الرواية عن أحمد: على ما قامت القرائن على صدقه خاصة دون غيره. ا. هـ ملخصًا من مذكرة الشيخ الشنقيطي ص103.

[خبر الآحاد في العقيدة]

ثم تطرق -رحمه الله تعالى- إلى قضية أخرى مهمة، وهي: أن أخبار الآحاد متى صحت، يجب قبولها في الأصول، كما يجب في الفروع، فقال:

"اعلم أن التحقيق الذي لا يجوز العدول عنه: أن أخبار الآحاد الصحيحة كما تقبل في الفروع، تقبل في الأصول، فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحيحة من صفات الله يجب إثباته واعتقاده على الوجه اللائق بكمال الله وجلاله على نحو:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .

وبهذا تعلم أن ما أطبق عليه أهل الكلام ومن تبعهم من أن أخبار الآحاد لا تقبل في العقائد ولا ثبت بها شيء من صفات الله زاعمين أن أخبار الآحاد لا تفيد اليقين وأن العقائد لا بد فيها من اليقين باطل لا يعول عليه. ويكفي من ظهور بطلانه أنه يستلزم رد الروايات الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد تحكيم العقل.

ص: 305

..............................................

والعقول تتضاءل أمام عظمة صفات الله، وقد جرت عادة المتكلمين أنهم يزعمون أن ما يسمونه الدليل العقلي وهو القياس المنطقي الذي يركبونه من مقدمات اصطلحوا عليها أنه مقدم على الوحي. وهذا من أعظم الباطل لأن ما يسمونه الدليل العقلي ويزعمون أن إنتاجه للمطلوب قطعي، هو جهل وتخبط في الظلمات.

ومن أوضح الأدلة، وأصرحها في ذلك أن هذه الطائفة تقول مثلًا: إن العقل يمنع كذا من الصفات ويوجب كذا منها، وينفون نصوص الوحي بناء على ذلك فيأتي خصومهم من طائفة أخرى ويقولون: هذا الذي زعمتم أن العقل يمنعه كذبتم فيه بل العقل يوجبه. وما ذكرتم بأنه يجيزه كذبتم فيه بل هو يمنعه وهذا معروف في الكلام في مسائل كثيرة معروفة، كاختلافهم في أفعال العبد وجواز رؤية الله بالأبصار، وهل العرض يبقى زمانين إلى غير ذلك.

فيجب على المسلم أن يتقبل كل شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح، ويعلم أنه إن لم يحصل له الهدي والنجاة باتباع ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فإنه لا يحصل له ذلك بتحكيم عقله التائه في ظلمات الحيرة والجهل.

وعلى كل حال فإثبات صفات الله بأخبار الآحاد الصحيحة واعتقاد تلك الصفات كالعمل بما دلت عليه من أوامر الله ونواهيه، كما أنها تثبت بها أوامره ونواهيه وكذلك تثبت بها صفاته. "المصدر السابق ص104، 105".

والذي قاله الشيخ الشنقيطي هو ما نقل عن المحققين من العلماء، منهم الأئمة: مالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبو الحسين الكرابيسي، وابن خويز منداد، وابن كج، وابن حزم، وابن قيم الجوزية، وبدر الدين الزركشي، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني، فقد ألف رسالة في ذلك بعنوان:"وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين".

وهو ما توصلت إليه في بحث بعنوان: "حجية خبر الآحاد في العقيدة".

تحت الطبع.

ومن الأدلة التي استندت إليها في هذا البحث:

ص: 306

..............................................................................

= الدليل الأول:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا رضي الله عنه على اليمن قال: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإن عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم واتق كرائم أموال الناس".

أخرجه البخاري: 24- كتاب الزكاة: 41، باب وجوب الزكاة 3/ 261، وباب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة: 3/ 322، وباب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا: 3/ 357، وفي المظالم، باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم: 5/ 101، وفي المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن 8/ 64، وفي التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى: 13/ 347، ومسلم في الإيمان 1/ 50.

فقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغهم قبل كل شيء عقيدة التوحيد، وأن يعرفهم بالله عز وجل، وما يجب له وما ينزه عنه، فإذا عرفوه تعالى بلغهم ما فرض الله عليهم، وذلك ما فعله معاذ يقينًا، فهو دليل على أن العقيدة تثبت بخبر الواحد، وتقوم به الحجة على الناس، ولولا ذلك لما اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإرسار معاذ وحده.

ومن لم يسلم بما ذكرنا لزمه أحد أمرين لا ثالث لهما:

1-

القول بأن رسله عليهم السلام ما كانوا يعلمون الناس العقائد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بذلك، وإنما أمرهم بتبليغ الأحكام فقط، وهذا باطل لمخالفته لحديث معاذ المتقدم.

2-

أنهم كانوا مأمورين بتبليغها، وأنهم فعلوا ذلك، فبلغوا الناس كل العقائد الإسلامية ومنها هذا القول المزعوم:"لا تثبت العقيدة بخبر الآحاد" فإنه في نفسه عقيدة كما سبق، وعليه فقد كان هؤلاء الرسل رضوان الله عليهم يقولون للناس: آمنوا بما نبلغكم إياه من العقائد، ولكن لا يجب عليكم أن تؤمنوا بها لأنها خبر آحاد، وهذا باطل أيضًا كالذي قبله، وما لزم منه باطل فهو باطل، =

ص: 307

........................................................

فثبت بطلان هذا القول، وثبت وجوب الأخذ بخبر الآحاد في العقائد. وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة للشيخ الألباني ص11، 12.

الدليل الثاني:

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] وقال تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ} [المائدة: 99]، وقال صلى الله عليه وسلم:"بلغوا عني" متفقعليه.

وقال لأصحابه في الجمع الأعظم يوم عرفة: "أنتم تسألون عني فما أنتم قائلون"، قالوا:"نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت" رواه مسلم في الحج "147": وأبو داود "1905" وابن ماجه "311".

ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ، ويحصل به العلم، فلو كان خبر الواحد، لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد، فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه، فتقوم الحجة على من بلغه، وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته، ولو لم يفد العلم لم تقم علينا بذلك حجة، ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر. وهذا من أبطل الباطل. فيلزم من قال: إن أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم أحد أمرين:

1-

إما أن يقول: إن الرسول لم يبلغ غير القرآن، وما رواه عنه عدد التواتر، وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ.

2-

وإما أن يقول إن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب علمًا ولا يقتضي عملًا.

وإذا بطل هذان الأمران بطل بأن أخباره صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات العدول الحفاظ وتلقتها الأمة بالقبول لا تفيد علمًا. وهذا ظاهر لا خفاء به.

مختصر الصواعق المرسلة "2/ 396".

ص: 308

فأما التعارض -فيما هذا سبيله- فلا يسوغ إلا كما يسوغ في الأخبار المتواترة وآي الكتاب1.

وقولهم: "إنا لا نصدق كل خبر نسمعه" فلأننا إنما جعلناه مفيدًا للعلم؛ لما اقترن به من قرائن زيادة الثقة، وتلقي الأمة له بالقبول2.

ولذلك اختلف خبر العدل والفاسق3.

وأما الحكم بشاهد واحد: فغير لازم؛ فإن الحاكم لا يحكم بعلمه، وإنما يحكم بالبينة التي هي مظنة الصدق4. والله أعلم.

1 المصنف بعد أن أورد الرأي الثاني المنقول عن الإمام أحمد وما فيه من احتمالات بدأ يرد على الوجوه التي استدل بها على أن خبر الآحاد يفيد الظن، وتقدم أنها خمسة، لكنه هنا لم يلتزم الترتيب، كما لم يرد على الوجه الثالث منها.

وقوله: "فأما التعارض

إلخ" هذا هو الرد على الوجه الثاني الذي خلاصته: أن خبر الآحاد لو أفاد العلم لما وقع تعارض بين الأدلة المتعارضة القطعية من السنة المتواترة وآي القرآن الكريم، وذلك بالجمع بين الدليلين إن أمكن، أو يعتبر المتأخر ناسخًا للمتقدم، أو حمل المطلق على المقيد، إلى آخر وجوه الجمع بين المتعارضات.

2 هذا هو الرد على الوجه الأول: وهو أن التفرقة بين خبر وخبر، إنما جاءت من القرائن، كزيادة الثقة في الراوي، أو تلقي الأمة له بالقبول.

3 هذا رد على الوجه الخامس: وهو أنه لو أفاد العلم لاستوى خبر العدل والفاسق، كالمتواتر، فإنه لا يشترط فيه أن يكون المخبرون عدولًا. فرد على ذلك: بأن التفرقة جاءت من القرينة.

4 هذا رد على الوجه الرابع: وهو أنه لو أفاد العلم لجاز الحكم بشاهد واحد، ولم يحتج إلى شاهد آخر، أو اليمين عند عدمه. فأجاب عن ذلك: بأن هذا ليس =

ص: 309