الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: [نفي الذوات لا يقتضي الإجمال]
وقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا صلاة إلا بطهور" 1 ليس بمجمل2.
وقال الحنفية: هو مجمل3؛ لأن المراد به: نفي حكمه؛ إذ لا يمكن حمل اللفظ على نفي صورة الفعل، فيكون خلفا4، وليس حكم أولى من حكم5.
1 أخرجه مسلم: كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، كما أخرجه عند الترمذي: كتاب الطهارة، باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور، وابن ماجه: كتاب الطهارة، باب لا يقبل الله صلاة بغير طهور، والطيالسي في مسنده: كتاب الطهارة، باب ما جاء في فضل الوضوء، وأن الصلاة لا تقبل بدونه.
وللحديث طرق أخرى كثيرة يراجع: فيض القدير "6/ 415".
ومثل هذا الحديث كل ما جاء فيه نفي ذوات واقعة تتوقف الصحة فيها على إضمار شيء. مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" و "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب".
2 وهو مذهب جمهور العلماء.
3 وهو رأي أبي بكر الباقلاني وأبي عبد الله البصري "شرح المختصر 2/ 663".
4 خلفا -بضم الخاء وسكون اللام-: أي باطلًا، كما في القاموس، ولم يرتضه الزبيدي في شرحه، وقال: إنه بفتح الخاء، وهو الرديء من القول، وشبهه العلماء بمن ينطق من خلفه، وفي المثل: سكت ألفا ونطق خلفًا، أي: سكت عن ألف كلمة، ثم تكلم بخطأ.
قال الزبيدي: "ولعلهما لغتان، وإلا فالقياس في اللغة لا يصح والأشهر الفتح" انظر: تاج العروس "6/ 96" مادة "خلف".
5 خلاصة دليل الحنفية ومن معهم: أن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلا بطهور" ونحوه، =
قلنا: إذا حملناه على نفي الصلاة الشرعية: لم يحتج إلى إضمار الحكم، وإنما يصار إلى الإضمار: إذا لم يمكن حمل اللفظ على ما أضيف إليه اللفظ1.
فإن قيل فالفاسدة تسمى صلاة.
قلنا: ذلك مجاز؛ لكونها على صورة الصلاة، والكلام يحمل على حقيقته.
والصحيح: أن يحمل ذلك على نفي الصحة.
= أما أن يحمل نفي صورة الصلاة أو نفي حكمها، والأول باطل؛ لأن صورة الصلاة يمكن وجودها بغير طهارة، فتعين أن يكون المراد: نفي حكم الصلاة ولكن الأحكام متعددة ومتساوية، فيحتمل: نفي الصحة والكمال والأجزاء فيبقى الكلام مترددًا بين هذه المعاني، ومن هنا جاء الإجمال.
1 أجاب المصنف على استدلال الحنفية ومن معهم: بأن دعواكم الإجمال مبني على جعل اللفظ مترددًا بين معناه اللغوي ومعناه الشرعي، والمصطلحات الشرعية غلبت في كلام الشارع على المعاني اللغوية، فأصبحت المعاني اللغوية مجازًا بالنسبة للمعاني الشرعية، وعلى ذلك يحمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة إلا بطهور" على المعنى الشرعي، أي: لا صلاة معتدًا بها شرعًا إلا بطهور، فلا نحتاج إلى إضمار حكم من الأحكام التي ترددتم فيها؛ لأن ذلك الإضمار إنما يحتاج إليه إذا لم يمكن حمل اللفظ على المعنى الحقيقي، وهو هنا: الصلاة المعهودة شرعًا من القيام والركوع والسجود وغير ذلك، وعلى ذلك يمكن حمل اللفظ على المعنى الشرعي، وإن حصلت صورته الظاهرة، إلا أنه منفي لفوات شرط من شروط صحة الصلاة، وهو الطهور.
وهذا المعنى هو الذي أشار إليه المصنف -بعد ذلك- في رده على قولهم: "فإن قيل: فالفاسدة تسمى صلاة" فأجاب: قلنا ذلك مجاز، لكونها على صورة الصلاة، والكلام يحمل على حقيقته. انظر توضيح ذلك في شرح مختصر الروضة "2/ 664-665".
وجهه1: أنه قد اشتهر في العرف نفي الشيء لنفي فائدته كقولهم: "لاعلم إلا ما نفع" و "لا عمل إلا بنية" و "لا بلدة إلا بسلطان" يراد به: نفي الفائدة والجدوى.
ولو قضينا بالصحة لم تنتف الفائدة، فيكون على خلاف العرف.
ولا يصح حمله على نفي الصلاة الشرعية؛ فإنه: إن أريد بالصلاة الشرعية: الصورة: لم يكن حمل اللفظ عليه لكونه خلفًا.
وإن فسرت بالفعل مع الحكم: لم يصح؛ لأن الصلاة يؤمر بها وينهى عنها، والأمر والنهي إنما يتعلق بالفعل الذي يمكن الإتيان به وتركه.
فصل
وقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا عمل إلا بنية" 2 يدل على نفي الأجزاء
1 هذا جواب آخر على كلام الحنفية خلاصته: أنه اشتهر في العرف نفي الشيء لانتفاء فائدته، فيحمل الكلام في قوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة إلا بطهور" على نفي الصحة، لانتفاء الفائدة؛ لأن الصلاة بغير طهور، والصيام بغير تبييت نية لا يفيدان، فانتفت صحتها لانتفاء فائدتهما، إذ إن الصحة عبارة عن ترتيب الفوائد، والآثار المقصودة من الفعل. انظر: شرح مختصر الروضة "2/ 665".
2 جاء في كشف الخفاء "1/ 166" عن هذا الحديث: وورد بألفاظ مختلفة، بيناها في أوائل "الفيض الجاري" منها: العمل بالنية، ومنها:"لا عمل إلا بالنية".
والرواية المشهورة التي رواها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".
أخرجه البخاري في باب كيف كان بدء الوحي، وفي كتاب الأيمان، باب النية في الأيمان، وفي كتاب العتق، باب الخطأ والنسيان في العتاق والطلاق ونحوه، كما اخرجه مسلم: كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنية" =