الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخروج الوقت ليس بواحد منهما.
ويصير هذا كما لو اشتغل الحيز بجوهر، لا يزول الشغل إلا بمزيل.
والفرق بين الزمان والمكان1: أن الزمن الثاني تابع للأول، فما ثبت فيه انسحب على جميع الأزمنة التي بعده، بخلاف الأمكنة والأشخاص.
= بالامتثال، وهو الأداء أو إبراء من المستحق للواجب، بأن القول الشرعي: نسخت عنك هذه العبادة، أو الآدمي: أبرأتك من هذا الدين، وإذا كانت الذمة مشغولة بالواجب، ما لم يوجد أداء له، أو إبراء من مستحقه، فقد أجمعنا على أن الذمة مشغولة بالواجب المؤقت في وقته، والأصل بقاء ما كان فيه على ما كان.
والمكلف لم يوجد منه أداء، ولا من الشرع إبراء، فوجب القول ببقاء الواجب في الذمة، فتكون براءتها منه موقوفة على الأداء أو الإبراء، والإبراء بعد انقضاء زمن الوحي صار ممتنعًا، فتعين الأداء لبراءة الذمة، وهذا يقتضي أن يكون بالأمر الأول.
وإذا كانت الذمة لا تبرأ بواحد من الأمرين السابقين، فإن خروج الوقت ليس واحدًا منهما، فلا يمنع القضاء بالأمر الأول.
انظر: شرح مختصر الروضة "2/ 396".
1 هذا إبطال لقياس أصحاب الرأي الثاني: تعلق الفعل بالزمان على تعلقه بالمكان. خلاصته: أن الزمن حقيقة سيّالة غير مستقرة، فالمتأخر تابع للمتقدم، بخلاف الأمكنة والأشخاص، فإنها حقائق ثابتة، وليس بعضها تابعًا لبعض. المصدر السابق.
فصل: [مقتضى الأمر: حصول الإجزاء بفعل المأمور به]
1
ذهب بعض الفقهاء إلى أن الأمر يقتضي الإجزاء بفعل المأمور به.
1 الخلاف في هذه المسألة مفرع على تفسير "الإجزاء": فمن فسره بحصول =
إذا امتثل المأمور بكمال وصفه وشرطه.
وقال بعض المتكلمين: لا يقتضي الإجزاء، ولا يمتنع وجوب القضاء مع حصول الامتثال: بدليل المضي في الحج الفاسد، ويجب القضاء.
ومن ظن أنه متطهر فإنه مأمور بالصلاة، إذا صلى فهو ممتثل مطيع، ويجب القضاء.
ولأن القضاء إنما يجب بأمر جديد، والأمر بالشيء لا يمنع إيجاب مثله1.
يدل عليه: أن الأمر إنما يدل على اقتضاء المأمور وطلبه لا غير، والإجزاء أمر زائد لا يدل عليه الأمر ولا يقتضيه.
= الامتثال قال: إن الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي تحقق الأجزاء.
ومن فسره بسقوط القضاء قال: لا يقتضي الإجزاء.
1 هذا هو دليل المذهب الثاني: وهو مكون من وجهين:
الأول: أن الحج الفاسد مأمور بإتمامه، ولا يقع مجزئًا، وكذلك المحدث الذي يظن أنه متطهر، فإذا صلى لا تجزئه هذه الصلاة.
الثاني: أن الإجزاء مفسر بسقوط القضاء، لكن القضاء بأمر جديد، وإذا كان كذلك، فالأمر بالشيء لا يمنع إيجاب مثله بعد وقته، فالأمر -مثلًا- بصلاة ركعتين بعد طلوع الفجر، لا يمنع الأمر بصلاة ركعتين بعد طلوع الشمس. انظر: شرح الطوفي "2/ 402".
ويرد على ذلك: أن عدم الإجزاء فيما ذكر من الحج والصلاة لفوات مصححات هذه العبادات، فاختل ما قاله المصنف:"إذا امتثل المأمور بكمال وصفه وشروطه" ولذلك قال الغزالي: "الأمر يدل على إجزاء المأمور، إذا أُدًّيَ بكمال وصفه وشرطه، من غير خلل.
وإن تطرق إليه خلل، كما في الحج الفاسد، والصلاة على غير طهارة، فلا =
ولنا: ما روي أن امرأة1 سنان بن مسلمة الجهني2 أمرت أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمها ماتت ولم تحج، أفيجزئ عنها أن تحج عنها؟
قال: "نعم لو كان على أمها دين فقضته ألم يكن يجزئ عنها؟ فلتحج عنها"3.
وهذا يدل على أن الإجزاء بالقضاء: كان مقررًا عندهم.
ولأن الأصل براءة الذمة، وإنما اشتغلت بالمأمور به، وطريق
= يدل الأمر على إجزائه، بمعنى: منع إيجاب القضاء" وقال قبل ذلك: "إنما يسمى قضاء إذا كان فيه تدارك لفائت من أصل العبادة أو وصفها، وإن لم يكن فيه فوات وخلل، استحال تسميته قضاء" المستصفى "3/ 179".
على أن قولهم: "إن القضاء بأمر جديد" غير مسلم، فهي قضية خلافية فلا يصح الاحتجاج بها.
1 جاء في الإصابة "8/ 44": أن اسمها غائثة، وقيل: غاثية.
2 هو: سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي، يكنى أبا عبد الرحمن، وقيل: أبو حبتر، وقيل: أبو بسر. روي عنه أنه قال: ولدت يوم حرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فسماني رسول الله –صلى الله عليه وسلم سنانًا
وقال أبو أحمد العسكري: ولد سنان يوم الفتح، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سنانا، وكان شجاعًا بطلًا. توفي آخر أيام الحجاج.
انظر: الإصابة "3/ 344"، أسد الغابة "2/ 357-358" ط. المكتبة الإسلامية.
3 حديث صحيح: أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب الحج والنذور عن الميت، ومسلم: كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت.
والنسائي: في كتاب مناسك الحج، من حديث ابن عباس، رضي الله عنهما. ولفظه:"يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها نذر حج، أفأحج عنها؟ قال: "أرأيت إن كان على أمك دين أكنت قضيته؟ " قالت: نعم، قال: فحجي عن أمك، فالله أحق بالقضاء" ولفظ البخاري: "أحق بالوفاء". انظر: جامع الأصول "4/ 198".
الخروج عن عهدته: الإتيان به فإذا أتى به يجب أن تعود ذمته بريئة كما كانت كديون الآدميين.
وفي المحققات: إذا اشتغل الحيز بجوهر، فبرفعه يزول الشغل.
ولأنه لو لم يخرج عن العهدة: للزمه الامتثال أبدًا، فإذا قال له:"صم يومًا" فصامه، فالأمر يتوجه إليه بصوم يوم كما كان، قبل منه ذلك أبدًا، وهو خلاف الإجماع1.
قولهم: "إن القضاء يجب بأمر جديد": ممنوع2.
وإن سلم: فإن القضاء إنما سمي قضاء إذا كان فيه تدارك لفائت من أصل العبادة أو وصفها.
وإن لم يكن كذلك: استحال تسميته قضاء.
والحج الفاسد، والصلاة بلا طهارة، أمر بها مع الخلل، ضرورة حاله ونسيانه، فعقل الأمر بتدارك الخلل.
1 خلاصة ذلك في وجهين:
أحدهما: أن الذمة كانت بريئة من المأمور به قبل التكليف، فلما شغلت به وجب الخروج منه، ولا طريق لذلك إلا الفعل، قياسًا على حق الآدمي، إذ لا تبرأ الذمة منه إلا بالأداء.
الوجه الثاني: قياس ذلك على الأمور العقلية المحققة الثابتة، فإن الجوهر إذا شغل حيزًا، فإنه لا يزال شاغلًا له في جميع الأزمان، ولا يرتفع إلا برافع يزيل شغله، والمأمور به شبيه بالجوهر، فإذا لم تفرغ الذمة مما شغلها كان امتثال المكلف بفعل المأمور به مطالبًا به في جميع الأزمان، ولزوم الامتثال أبدًا خلاف الإجماع، فبراءة الذمة بمضي زمن المأمور به خلاف الإجماع.
انظر: نزهة الخاطر العاطر "2/ 95".
2 إذ هو: استدلال بما هو مختلف فيه فلا يصح.