الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: [في الشرط وأقسامه]
ومما يعتبر للحكم: الشرط1.
وهو: ما يلزم من انتفائه انتفاء الحكم، كالإحصان مع الرجم، والحول في الزكاة.
فالشرط: ما لا يوجد المشروط مع عدمه، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده2.
1 أي: مما يعتبر لإظهار الحكم الوضعي: الشرط.
2 هذا هو تعريف الشرط في اصطلاح الأصوليين، وهو الذي ذكره الغزالي في المستصفى، وله تعريفات أخرى أدق من هذا التعريف، منها ما ذكراه السرخسي في أصوله "2/ 303" والآمدي في الإحكام "1/ 130" من أنه:"ما يلزم من عدمه عدم الحكم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته" وقالوا في علة زيادة لفظ "لذاته" إنه احتراز من مقارنة الشرط للسبب، فيلزم الوجود لوجود السبب، أو مقارنة الشرط للمانع، فإنه يلزم العدم لا لذاته، بل لوجود المانع.
أما معناه: لغة: فهو العلامة. قال الله -تعالى-: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُم} [سورة محمد: 18] أي: علاماتها.
قال الجوهري في الصحاح "مادة شرط": الشرط معروف -يعنى بالسكون- =
والعلة: يلزم من وجودها وجود المعلول، ويلزم من عدمها عدمه في الشرعيات1.
والشرط: عقلي، ولغوي، وشرعي2.
فالعقلي: كالحياة للعلم، والعلم للإرادة3.
واللغوي: كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق4.
والشرعي كالطهارة للصلاة والإحصان للرجم.
= والشرط -بالتحريك-: العلامة. وأشراط الساعة: علاماتها.
وقال الطوفي: "قلت: ومع اتفاق المادة لا أثر لاختلاف الحركات، والكل ثابت عن أهل اللغة". "شرح مختصر الروضة جـ1 ص430".
1 هذا غير مسلم، فقد قرر العلماء: أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وسيأتي ذلك مفصلًا في القياس، إن شاء الله تعالى.
2 وهناك قسم رابع: وهو الشرط العادي: كالغذاء للحيوان، والغالب فيه: أنه يلزم من انتفاء الغذاء انتفاء الحياة، ومن وجوده وجودها إذ لا يتغذى إلا حي، فعلى هذا يكون الشرط العادي كاللغوي، في أنه مطرد منعكس، ويكونان من قبيل الأسباب لا من قبيل الشروط. ولهذا قال بعض الفضلاء: الشروط اللغوية أسباب؛ لأنه يلزم من وجودها الوجود، ومن عدمها العدم، بخلاف الشروط العقلية. "شرح مختصر الروضة جـ1 ص432".
3 إذ لا يعقل عالم إلا وهو حي، فالحياة يلزم من انتفائها انتفاء العلم؛ إذ الجسم بدونها جماد، وقيام العلم بالجماد محال.
وسمي عقليًا؛ لأن العقل هو الذي أدرك لزومه لمشروطه، وعدم تصور انفكاكه عنه، كما أدرك لزوم الحياة للعلم، ولزوم للإرادة. "نزهة الخاطر العاطر جـ1 ص163".
4 وجه كونه لغويًّا: أن دخول الدار شرط لوقوع الطلاق ولازم له من حيث اللغة، بحيث إذا لم تدخل لم يحصل طلاق.
وسمي شرطًا؛ لأنه علامة على المشروط، يقال: أشرط نفسه للأمر: إذا جعله علامة عليه، ومنه قوله -تعالى-:{فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا..} 1. أي علاماتها.
وعكس الشرط: المانع:
وهو: ما يلزم من وجوده عدم الحكم2.
ونصب الشيء شرطا للحكم، أو مانعا له: حكم شرعي، على ما قررناه في المقتضي للحكم. والله أعلم.
القسم الثاني: الصحة والفساد
فالصحة: هو4 اعتبار الشرع الشيء في حق حكمه3.
1 سورة محمد من الآية: 18.
2 ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته. كالحيض بالنسبة للصلاة والصوم، فإذا وجد امتنع الحكم، فإذا ارتفع الحيض، لا يلزم من ارتفاعه وجود الصلاة والصوم، فإن المرأة الطاهر قد تصلي وتصوم، وقد لا تفعل ذلك.
3 الصحة والفساد أو البطلان: أوصاف ترد على الأحكام الشرعية بصفة عامة، فتوصف الصلاة بالصحة: إذا استوفت أركانها، وشروطها وانتفت الموانع، وتوصف بالفساد أو البطلان: إذا فقدت ما تقدم، كما توصف العقود بأنها صحيحة وتترتب عليها آثارها إذا استوفت أركانها وشروطها وانتفت عنها الموانع، كما تكون فاسدة أو باطلة إذا فقدت ما تقدم.
وقد جعلها المصنف قسمًا مستقلًّا -بعد أن تكلم على الأمور التي بها يظهر الحكم الوضعي: من العلة والسبب والشرط والمانع- وإن كانت من الحكم الوضعي، إلا أن الأمور السابقة تعتبر كالكليات، وهذه تعتبر كاللواحق الجزئية له، فجعلها قسمًا ثانيًا.
4 هكذا في جميع النسخ، والصواب "هي".
5 معناه: أن الشارع إذا اعتبر شيئًا وأقره وأعطاه حكمًا من الأحكام الشرعية: فهذه هي الصحة.
ويطلق1 على العبادات مرة وعلى العقود أخرى.
فالصحيح من العبادات: ما أجزأ وأسقط القضاء2.
والمتكلمون يطلقونه بإزاء ما وافق الأمر، وإن وجب القضاء، كصلاة من ظن أنه متطهر3.
وهذا يبطل بالحج الفاسد، فإنه يؤمر بإتمامه وهو فاسد4.
1 هكذا في الأصل والصواب "وتطلق" لأنها عائدة على الصحة.
2 هذا عند الحنفية: فالصحة عندهم في العبادات: هي الإجزاء وإسقاط القضاء. فالصلاة الواقعة بشروطها وأركانها مع انتفاء موانعها: مجزئة، ومسقطة للقضاء.
والصحة في المعاملات: هي ترتب الأثر المقصود من العقد على العقد: فكل نكاح أباح ما يترتب على عقد النكاح من آثار فهو صحيح، وكل بيع أباح التصرف في المبيع فهو بيع صحيح وهكذا.
أما المتكلمون: فلهم اصطلاح آخر سيذكره المصنف حالا.
3 أي أن ضابط الصحة عند المتكلمين عبارة عن موافقة أمر الشارع، بمعنى: أن كل فعل -سواء أكان عبادة أم معاملة- لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون موافقًا للوجه الشرعي: أي على الصفة التي أمر بها الشارع، وإما أن يكون مخالفًا له. فإن وقع الفعل موافقًا لأمر الشارع فهو الصحيح، وإن وقع مخالفًا فهو الفاسد أو الباطل، لأن كلًّا منهما بمعنى واحد، كما سيأتي.
والموافقة قد تكون بحسب الواقع ونفس الأمر، وقد تكون بحسب ظن المكلف. فهل يشترط أن تكون الموافقة بحسب الواقع، أو يكفي أن تكون بحسب ظنه؟ اختار المصنف الثاني، وهو أن تكون بحسب ظن المكلف، ولذلك مثل لها بصلاة من ظن أنه متطهر، مع أنه على خلاف ذلك.
وهناك من اشترط أن تكون الموافقة بحسب الواقع، ولا يكفي الظن.
4 هذا اعتراض على ما قاله المصنف خلاصته: أن قول المتكلمين: "إن الصحة موافقة أمر الشارع" يعارضه أن إتمام الحج الفاسد مأمور به، مع أنه غير صحيح. فأجاب المصنف: بأن الحج إنما فسد لأنه وقع مخالفًا لأمر الشارع =
وأما العقود: فكل ما كان سببًا لحكم إذا أفاد حكمه المقصود منه فهو صحيح، وإلا فهو باطل.
فالباطل: هو الذي لم يثمر، والصحيح: الذي أثمر1.
والفاسد مرادف الباطل، فهما اسمان لمسمى واحد2.
وأبو حنيفة أثبت قسما بين الباطل والصحيح، جعل الفاسد3 عبارة عما كان مشروعًا بأصله، غير مشروع بوصفه4.
= بارتكاب ما يفسده أولًا، فلا يرد الاعتراض. انظر:"مذكرة أصول الفقه للشيخ الشنقيطي ص45".
1 معناه: أن العقد إذا أفاد المقصود منه، بحيث يترتب حكمه عليه، فهو صحيح، وإن لم يفد ما قصد منه فهو الباطل أو الفاسد، وهذا معنى قوله:"أثمر" أو "لم يثمر".
2 الفاسد والباطل عند الجمهور سواء، إلا في بعض المسائل الفرعية: كالحج، والنكاح، والوكالة، والخلع، والإجارة.
انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص111، التمهيد للإسنوي ص8.
3 بعدها في جميع النسخ جملة "عبارة عنه وزعم أنه" وأرى أنها من زيادات النساخ، لأن المعنى غير مترابط.
4 معنى كلام المصنف: أن الحنفية فرقوا بين الفاسد والباطل، فقالوا: إن الفاسد: ما كان مشروعًا بأصله دون وصفه، ومن أمثلة ذلك في العبادات: صوم يوم الفطر أو النحر، فلو نذر صوم يوم العيد صح نذره، ويؤمر بالفطر والقضاء، لأن المعصية في فعله دون نذره، لأن النذر مشروع، ولو صامه خرج عن عهدة النذر، وإن كان يأثم لمخالفة النهي، والإعراض عن ضيافة الله تعالى في ذلك اليوم.
ومثاله في المعاملات: بيع الدرهم بالدرهمين، فإنه بيع فاسد، لاشتماله على الزيادة، فيأثم به، ويفيد بالقبض: الملك الخبيث، فلو حذفت الزيادة صح البيع، لانتفاء الوصف المتقدم.