الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: [في اشتمال القرآن على الحقيقة والمجاز]
والقرآن يشتمل على الحقيقة والمجاز:
وهو: اللفظ المستعمل في غير موضوعه الأصلي على وجه يصح.
كقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} 1 {وَاسْأَلِ الْقَرْيَة} 2، {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضّ} 3، {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ
…
} 4، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 5 {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} 6 {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّه} أي: أولياء الله.
وذلك كله مجاز، لأنه استعمال اللفظ في غير موضوعه.
= الصحابي وافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم حيث ينقل عنه ويقول ما لم يقل، وذلك لا يليق نسبته إلى الصحابة، مع تحريهم في الصدق عليه، فمن باب أولى لا يكذبون على الله تعالى، في جعل مذاهبهم قرآنًا.
انظر: شرح مختصر الروضة "2/ 26".
1 سورة الإسراء من الآية: 24. قال الطوفي: والجناح: حقيقة للطائر من الأجسام، والمعاني والجمادات لا توصف به. "شرح المختصر 2/ 28".
2 سورة يوسف من الآية: 82. أي: أهلها؛ لأن الجمادات لا تفهم ولا تجيب.
3 سورة الكهف من الآية: 77. قال الطوفي: "والجدار لا إرداة له، إذ الإرادة حقيقة من خصائص الحيوان أو الإنسان، وإنما هو كناية عن مقاربته الانقضاض لأن من أراد شيئًا قاربه، فكانت المقارنة من لوازم الإرادة فتجوّز بها عنها".
4 سورة النساء الآية: 43، والمائدة:6. وهو في الأصل: المكان المنخفض، فتجوّز به عن قضاء الحاجة.
5 سورة الشورى الآية: 40، والمراد بالسيئة الثانية: المجازاة.
6 سورة البقرة من الآية: 194.
7 سورة الأحزاب من الآية: 57.
ومن منع ذلك فقد كابر.
ومن سلم وقال: لا أسميه مجازًا: فهو نزاع في عبارة لا فائدة في المشاحة فيه1. والله أعلم.
1 خلاصة ما يريد أن يقوله المصنف: أن القرآن يوجد فيه كثير من الآيات المشتملة على المجاز، وأتى بأمثله لذلك، وأن من منع ذلك فقد كابر وعاند؛ لأنه ينكر شيئًا موجودًا ومحسًّا، ثم أشار إلى أن هناك من لا يسميه مجازًا، وإنما يطلق عليه إطلاقات أخرى، قال المصنف، فالخلاف مع هذا خلاف لفظي، قائم على الاصطلاح، ولا مشاحة فيه. هذا معنى كلامه.
وقد نقل الطوفي عدة أوجه للمحتجين بأنه ليس في القرآن مجاز، نلخص منها:
أولًا: أنه يلزم عليه أن يكون الله -تعالى- متجوزًا، أي: مستعيرًا؛ لأن مستعمل المجاز يسمى في اللغة متجوزًا، والتجوز: استعارة اللفظ لغير موضوعه، فيلزم: أن يسمى الله -تعالى- كذلك، لكنه لا يسمى بذلك، فلا يكون المجاز واقعًا في القرآن.
ثانيا: أن المجاز لا ينبئ بنفسه عن معناه، فوقوعه في القرآن يوقع في اللبس والإشكال وعدم البيان، ومقصود القرآن البيان.
ثالثًا: أن العدول إلى المجاز يقتضي العجز عن الحقيقة، أو يدل عليه، والعجز على الله -تعالى- محال.
ثم أجاب -رحمه الله تعالى- عن هذه الأدلة -بما ملخصه.
أما عن الدليل الأول، فأجيب عنه بجوابين:
أحدهما: صحة تسميته -سبحانه- متجوزًا بمعنى: أنه مستعمل للمجاز وليس فيه نقص ولا محذور، كما يسمى متكلمًا باستعماله للكلام.
ثانيهما: عدم التسليم بأنه سبحانه وتعالى لو تكلم بالمجاز، لزم أن يسمى متجوزًا للفرق بينه -سبحانه- وبين خلقه؛ فإن أسماءه -سبحانه- وصفاته توقيفية، بخلاف غيره. =
....................................................
= ثم أجاب عن الدليل الثاني فقال: "إن البيان يحصل بالقرينة فلا إلباس".
وقال ردًّا على الدليل الثالث: "وجوابه: بمنع ذلك، بل المجاز له فوائد سبق ذكره بعضها".
ومنها: أن كلام الله -تعالى- حق، بمعنى أنه صدق، ليس بكذب ولا باطل، لا بمعنى أن جميع ألفاظه مستعملة في موضوعها الأصلي، وكونه له حقيقة معناه: أنه موجود له في نفسه بناء وتأويل، وأنه ليس بخيال لا وجود له في الخارج كالمنام.
وأيضًا: فإنه كلام عربي، فهو مشتمل على المجاز، وقابل لوقوع المجاز، فالقرآن كذلك، وإلا لم يكن عربيًّا".
راجع: شرح مختصر الروضة "2/ 30، 31".
هذا: وقد نقل الشيخ "ابن بدران" -رحمه الله تعالى- مذاهب العلماء في المسألة، وحاول أن يجعل الخلاف فيها خلافًا لفظيًّا، فقال:
"قوله: ومن منع فقد كابر": أي أن قومًا منعوا جواز وقوع المجاز في القرآن ونسب الطوفي المنع إلى الظاهرية.
وحكى برهان الدين: إبراهيم بن مفلح في طبقاته: أن أبا الحسن الجزري البغدادي الحنبلي له اختيارات منها: أنه لا مجاز في القرآن، وأنه يجوز تخصيص الكتاب والسنة بالقياس.
وحكى شيخ الإسلام "ابن تيمية" في كتاب "الإيمان" أن أبا الحسن هذا، وأبا عبد الله بن حامد، وأبا الفضل التميمي بن أبي الحسن التميمي منعوا أن يكون في القرآن مجاز.
ومنع ذلك -أيضًا- محمد بن خويز منداد وغيره من المالكية.
ومنع منه داود بن علي، وابنه: أبو بكر، ومنذر بن سعيد اللوطي، وصنف فيه مصنفًا.
ولما كان هؤلاء من العلم بمكان معروف، تردد المصنف في الأمر، فجعل ذلك إما مكابرة، وإما نزاعًا في عبارة. وأقول: لا مكابرة، وإنما الصواب الثاني. =
.................................
وبيانه: أن تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز، هو اصطلاح حادث، بعد انقضاء القرون الثلاثة، وأول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز: أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه: "مجاز القرآن".
وقد بين هذا ابن السبكي في "عروس الأفراح" ولكن لم يعنِ بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة، وإنما عنى بمجاز الآية: ما يعين به عن الآية.
والمانعون قالوا: إنكم تقولون: المجاز: الكلمة المستعلمة في غير ما وضعت له، وهذا يقتضي العلم: بأن هذه الكلمة وضعت أولًا لكذا، ثم استعملت في غيرها، أو فيها، فيكون لها وضع متقدم على الاستعمال، وهذا إنما يصح على قول من يجعل اللغات اصطلاحية، فيدعي أن قومًا من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا، وهذا بكذا، وبجعل هذا عامًا في جميع اللغات.
قال الإمام "ابن تيمية": وهذا القول لا نعرف أحدًا من المسلمين قاله قبل أبي هاشم الجبائي، فإنه تنازع هو أبو الحسن الأشعري في مبدأ اللغات، فقال أبو هاشم: هي اصطلاحية وقال الأشعري: هي توقيفية، ثم خاض الناس بعدهما في هذه المسألة.
قال الإمام: والمقصود هنا: أنه لا يمكن أحدًا أن ينقل عن العرب، بل ولا عن أمة من الأمم: أنه اجتمع جماعة فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة في اللغة، ثم استعملوها بعد الوضع، وإنما المعروف المنقول بالتواتر: استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه بها، فإن ادعى مدع أنه يعلم وضعًا يتقدم ذلك فهو مبطل، فإن هذا لم ينقل عن أحد من الناس.
وقد أطال الإمام النفس في هذه المسألة في كتابه: "الإيمان".
وحاصل الأمر: تعذر معرفة تقدم وضع على وضع، فلا مجاز بالمعنى الذي قالوه، بل الكل موضوع، فرجع إلى أنه نزاع في العبارة" نزهة الخاطر "1/ 182-184" طبعة مكتبة المعارف بالرياض.