المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: [الأمر بالشيء نهي عن ضده] - روضة الناظر وجنة المناظر - ت شعبان - جـ ١

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌مقدمة المجلد الأول

- ‌مدخل

- ‌مقدمة

- ‌فصل: "في أقسام الحد

- ‌فصل: [في أن تعذر البرهان على الحد لا يمنع صحته]

- ‌فصل: في البرهان

- ‌فصل: في كيفية دلالة الألفاظ على المعنى

- ‌فصل: في النظر في المعاني

- ‌فصل: في تأليف مفردات المعاني

- ‌فصل: [في مقدمتي البرهان وأضربه]

- ‌فصل: [في أسباب مخالفة البرهان أو القياس]

- ‌فصل: [في اليقين ومداركه]

- ‌فصل: في لزوم النتيجة من المقدمتين

- ‌فصل: [في تقسيم البرهان: إلى برهان علة وبرهان دلالة]

- ‌فصل: [في الاستدلال بالاستقراء]

- ‌الباب الأول: في حقيقة الحكم وأقسامه

- ‌معنى الحكم

- ‌فصل: [في تقسيم الواجب باعتبار ذاته]

- ‌فصل: [في تقسيم الواجب باعتبار وقت الأداء]

- ‌فصل: [في تضييق الواجب الموسع]

- ‌فصل: [في مقدمة الواجب وحكمها]

- ‌فصل: [في بعض الفروع المخرجة على مقدمة الواجب]

- ‌فصل: [في الواجب غير المحدد]

- ‌فصل: القسم الثاني: المندوب

- ‌فصل: [في حكم الأشياء قبل ورود الشرع]

- ‌فصل: [هل المباح مأمور به]

- ‌فصل: القسم الخامس: الحرام

- ‌فصل: [في أقسام النهي]

- ‌فصل: [الأمر بالشيء نهي عن ضده]

- ‌فصل: [في معنى التكليف وشروطه]

- ‌فصل: [في عدم تكليف الناسي والنائم والسكران]

- ‌فصل: [في حكم تكليف المكره]

- ‌فصل: [في حكم تكليف الكفار بفروع الإسلام]

- ‌فصل: [شروط الفعل المكلف به]

- ‌فصل: [في المقتضى بالتكليف]

- ‌فصل: الضرب الثاني - من الأحكام ما يتلقى من خطاب الوضع والإخبار

- ‌فصل: [في الشرط وأقسامه]

- ‌فصل: في القضاء والأداء والإعادة

- ‌فصل: في العزيمة والرخصة

- ‌الباب الثاني: في أدلة الأحكام

- ‌مدخل

- ‌فصل: [في تعريف الكتاب والقرآن وأنهما بمعنى واحد]

- ‌فصل: [في حكم الاحتجاج بالقراءة الشاذة]

- ‌فصل: [في اشتمال القرآن على الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [ليس في القرآن ألفاظ غير عربية]

- ‌فصل: [في المحكم والمتشابه]

- ‌الباب الثالث: النسخ

- ‌فصل: تعريف النسخ

- ‌فصل: [معنى النسخ عند المعتزلة]

- ‌فصل: [الفرق بين النسخ والتخصيص]

- ‌فصل: [ثبوت النسخ بالأدلة العقلية والنقلية]

- ‌فصل: [في وجوه النسخ في القرآن]

- ‌فصل: في نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال

- ‌فصل: [هل الزيادة على النص نسخ

- ‌فصل: [في نسخ جزء العبادة أو شرطها]

- ‌فصل: [في جواز نسخ العبادة إلى غير بدل]

- ‌فصل: [في النسخ بالأخف والأثقل]

- ‌فصل: [في حكم من لم يبلغه النسخ]

- ‌فصل: [في وجوه النسخ بين القرآن والسنّة]

- ‌فصل: [في حكم نسخ القرآن ومتواتر السنة بالآحاد]

- ‌فصل: [الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به]

- ‌فصل: [في نسخ القياس والنسخ به]

- ‌فصل: [في نسخ التنبيه والنسخ به]

- ‌فصل: فيما يعرف به النسخ

- ‌الباب الرابع: الأصل الثاني من الأدلة سنة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌فصل: في ألفاظ الرواية

- ‌فصل: [في حد الخبر وأقسامه]

- ‌فصل: [فيما يفيده الخبر المتواتر]

- ‌فصل: ي أن ما حصل العلم في واقعة أفاده في غيرها

- ‌فصل: [في شروط التواتر]

- ‌فصل: [مذاهب العلماء في عدد التواتر]

- ‌فصل: [لا يجوز على أهل التواتر كتمان ما يحتاج إليه]

- ‌فصل: [في حكم التعبد بخبر الواحد عقلًا]

- ‌فصل: [في التعبد بخبر الواحد سمعًا]

- ‌فصل: [في شروط الراوي]

- ‌فصل: [في حكم خبر مجهول الحال]

- ‌فصل: [فيما لا يشترط في الراوي]

- ‌فصل: تعارض الجرح والتعديل

- ‌فصل: [في عدالة الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم خبر المحدود في القذف]

- ‌فصل: في كيفية الرواية

- ‌فصل: [في حكم الشك في السماع]

- ‌فصل: [في حكم إنكار الشيخ للحديث]

- ‌فصل: [في حكم انفراد الثقة بزيادة في الحديث]

- ‌فصل: [في حكم رواية الحديث بالمعنى]

- ‌فصل: [في حكم مراسيل الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم مراسيل غير الصحابة]

- ‌فصل: [في حكم خبر الواحد فيما تعم به البلوى]

- ‌فصل: [في حكم خبر الواحد في الحدود]

- ‌فصل: [في حكم الواحد إذا خالف القياس]

- ‌باب: الأصل الثالث: الإجماع

- ‌فصل: معنى الاجماع

- ‌فصل: [الأدلة على حجية الإجماع]

- ‌فصل: [في المعتبرين في الإجماع]

- ‌فصل: [فيمن يعتبر في الإجماع من أصحاب العلوم]

- ‌فصل: [في عدم الاعتداد بقول الكافر والفاسق في الإجماع]

- ‌فصل: في الاعتداد بقول التابعي المجتهد في إجماع الصحابة

- ‌فصل: [في حكم انعقاد الإجماع بقول الأكثر]

- ‌فصل: [في حكم إجماع أهل المدينة]

- ‌فصل: [في حكم إجماع الخلفاء الأربعة]

- ‌فصل: هل انقراض العصر شرط لصحة الإجماع

- ‌فصل: [هل اتفاق التابعين على أحد قولي الصحابة إجماع

- ‌فصل: [اختلاف الصحابة على قولين يمنع إحداث قول ثالث]

- ‌فصل: [في حكم الإجماع السكوتي]

- ‌فصل: في جواز انعقاد الإجماع عن اجتهاد وقياس

- ‌فصل: [الأخذ بأقل ما قيل ليس إجماعًا]

- ‌فصل: [هل النافي للحكم يلزمه الدليل]

- ‌باب: في تقاسيم الكلام والأسماء

- ‌فصل: اختلاف في مبدأ اللغات

- ‌فصل: [هل تثبت الأسماء بالقياس]

- ‌فصل: [في تعارض الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [في علامات الحقيقة والمجاز]

- ‌فصل: [في تعريف الكلام وأقسامه]

- ‌فصل: [نفي الذوات لا يقتضي الإجمال]

- ‌فصل: [رفع الخطأ رفع للحكم]

- ‌فصل: في البيان

- ‌فصل: [الأمور التي يحصل بها البيان]

- ‌فصل: [لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة]

- ‌باب: الأمر

- ‌مدخل

- ‌فصل: [لا يشترط الإرادة في الأمر]

- ‌فصل: مسألة: الأمر المجرد يدل على الوجوب

- ‌فصل: [فيما تفيده صيغة الأمر بعد الحظر]

- ‌فصل: [الأمر المطلق هل يقتضي التكرار]

- ‌فصل: الأمر المطلق: هل يقتضي الفور

- ‌فصل: [الواجب المؤقت إذا فات وقته لا يحتاج إلى أمر جديد]

- ‌فصل: [مقتضى الأمر: حصول الإجزاء بفعل المأمور به]

- ‌فصل: الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا به

- ‌فصل: [أمر الجماعة أمر لكل واحد منهم]

- ‌فصل: [أمر الله تعالى للنبي أمر للأمة ما لم يوجد تخصيص]

- ‌فصل: [في تعلق الأمر بالمعدوم]

- ‌فصل: [في التكليف بغير الممكن]

- ‌فصل: [في النهي]

- ‌فهرس

- ‌موضوعات الجزء الأول:

الفصل: ‌فصل: [الأمر بالشيء نهي عن ضده]

‌فصل: [الأمر بالشيء نهي عن ضده]

الأمر بالشيء نهي عن ضده من حيث المعنى، فأما الصيغة فلا؛ فإن قوله "قم" غير قوله لا "تقعد".

= مأمور بها من جهة الصلاة، إلا أن الجهة هنا غير منفكة، لأن نفس الحركة في أركان الصلاة عين شغل الفراغ المملوك لغيره تعديًا، وذلك عين الغصب، فأفعال الصلاة لا تنفك عن كونها غصبًا، والصلاة يشترط فيها نية التقرب، وتلك الأفعال التي هي شغل الفراغ المملوك لغيره غصب لا يمكن فيها نية التقرب، إذ لا يمكن أن يكون متقربًا بما هو عاص به.

أما إذا انفكت الجهة فالفعل صحيح، كالصلاة بالحرير، فإن الجهة منفكة، لأن لبس الحرير منهي عنه مطلقًا، في الصلاة وغيرها، فالمصلي بالحرير صلاته صحيحة وعليه إثم لبسه الحرير.

فيقول المالكي والشافعي -مثلًا-: لا فرق -ألبتة- بين الصلاة في المكان المغصوب وبين الصلاة بالحرير، فالغصب -أيضًا- حرام في الصلاة وفي غيرها، فصلاته صحيحة وعليه إثم غصبه.

ويقول المالكي -مثلًا- مثال الجهة غير المنفكة: صوم العيد أو الفطر؛ لأن الصائم فيهما معرض عن ضيافة الله؛ لأن الصوم إمساك، وهذا الإمساك هو بعينه الإعراض عن ضيافة الله، لأن الإعراض عنهما هو: الامتناع عن الأكل والشرب، فلا يمكن انفكاك الجهة.

فيقول الحنفي: الجهة منفكة أيضًا، لأن الصوم -من حيث إنه صوم- قربة، ومن حيث كونه في العيد منهي عنه، فالجهة منفكة ولذا: لو نذر أحد أن يصوم يوم العيد فنذره عنده صحيح منعقد، ويلزمه صيام يوم آخر غير يوم العيد بناء على انفكاك الجهة عنده.

وقول المؤلف رحمه الله في هذا المبحث: "قسموا النهي إلى ثلاثة أقسام" إيضاح معناه: أن المنهي عنه: إما أن يكون المنهي عنه لذاته، أو لوصفه القائم به، أو لخارج عنه، زاد بعض المحققين قسمًا رابعًا: وهو أن المنهي عنه لخارج =

ص: 147

وإنما النظر في المعنى وهو: أن طلب القيام هل هو بعينه طلب ترك القعود1؟

= عنه قد تكون فيه جهة النهي غير منفكة عن جهة الأمر، وقد تكون منفكة عنها، فتكون الأقسام أربعة:

مثال المنهي عنه لذاته: الشرك بالله والزنا.

ومثال المنهي عنه لوصفه القائم به: الخمر بالنسبة إلى الإسكار.

ومثل له المؤلف بالصلاة في حالة السكر، لأنها منهي عنها لوصف السكر القائم بالمصلي.

ومثال المنهي عنه لخارج غير لازم: الصلاة بالحرير.

ومثال المنهي عنه لخارج لازم: -عند المؤلف- الصلاة في المكان المغصوب، والنهي يقتضي البطلان في ثلاثة منها وهي: ما نهي عنه لذاته، أو لوصفه القائم به، أو الخارج عنه له لزومًا غير منفك.

أما الرابع: فلا يقتضي البطلان، وهو ما كان النهي عنه لخارج غير لازم راجع: مذكرة أصول الفقه ص24-25.

1 وضح الشيخ الشنقيطي كلام المصنف في هذا الفصل فقال: "اعلم أن كون الأمر بالشيء نهيًا عن ضده فيه ثلاثة مذاهب:

الأول: أن الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده وهذا قول جمهور المتكلمين، قالوا: أسكن مثلًا، السكون المأمور به فيه، هو عين ترك الحركة، فهو إذًا عين النهي عن الحركة أيضًا، فالأمر بالسكون هو النهي عن الحركة، قالوا وشغل الجسم فراغًا هو عين تفريغه للفراغ الذي انتقل عنه، والبعد من المغرب هو عين القرب من المشرق، وهو بالإضافة إلى المشرق قرب إلى المغرب بعد، قالوا ومثل ذلك طلب السكون فهو بالنسبة إليه أمر، وإلى الحركة نهي، والذين قالوا بهذا القول اشترطوا في الأمر كون المأمور به معينًا وكونه وقته مضيقًا ولم يذكر ذلك المؤلف، أما إذا كان غير معين كالأمر بواحد من خصال الكفارة فلا يكون نهيًا عن ضده، فلا يكون في آية الكفارة نهي عن ضد الإعتاق، مثلًا لجواز ترك الإعتاق من أصله والتلبس بضده والتكفير بالإطعام مثلًا، =

ص: 148

......................................................................................................

= وذلك بالنظر إلى ما صدقه، أي فرده المعين كما مثلنا لا بالنظر إلى مفهومه وهو الأحد الدائر بين تلك الأشياء.

فإن الأمر حينئذ نهي عن ضد الأحد الدائر، وضده هو ما عدا تلك الأشياء المخير بينها، وكذلك الوقت الموسع فلا يكون الأمر بالصلاة في أول الوقت نهيًا على التلبس بضدها في ذلك الوقت، بل يجوز التلبس بضدها في أول الوقت وتأخيرها إلى وسطه أو آخره بحكم توسيع الوقت.

ثم قال:

الذي يظهر -والله أعلم- أن قول المتكلمين ومن وافقهم من الأصوليين أن الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده، مبني على زعمهم الفاسد أن الأمر قسمان: نفسي ولفظي. وأن الأمر النفسي، هو المعنى القائم بالذات المجرد عن الصيغة، وبقطعهم النظر عن الصيغة، واعتبارهم الكلام النفسي، زعموا أن الأمر هو عين النهي عن الضد، مع أن متعلق الأمر طلب، ومتعلق النهي ترك، والطلب استدعاء أمر موجود، والنهي استدعاء ترك، فليس استدعاء شيء موجود، وبهذا يظهر أن الأمر ليس عين النهي عن الضد، وأنه لا يمكن القول بذلك إلا على زعم أن الأمر هو الخطاب النفسي القائم بالذات المجرد عن الصيغة، ويوضح ذلك اشتراطهم في كون الأمر نهيًا عن الضد أن يكون الأمر نفسيًا يعنون الخطاب النفسي المجرد عن الصيغة، وجزم ببناء هذه المسألة على الكلام النفسي صاحب الضياء اللامع وغيره، وقد أشار المؤلف إلى هذا بقوله من حيث المعنى، وأما الصيغة فلا، ولم ينتبه، لأن هذا من المسائل التي فيها النار تحت الرماد، لأن أصل هذا الكلام مبني على زعم باطل وهو أن كلام الله مجرد المعنى القائم بالذات المجرد عن الحروف والألفاظ، لأن هذا القول الباطل يقتضي أن ألفاظ كلمات القرآن بحروفها لم يتكلم بها رب السموات والأرض، وبطلان ذلك واضح وسيأتي له إن شاء الله زيادة إيضاح في مباحث القرآن ومباحث الأمر.

المذهب الثاني: أن الأمر بالشيء ليس عين النهي عن ضده، ولكنه يستلزمه، وهذا هو أظهر الأقوال: لأن قولك أسكن مثلًا يستلزم نهيك عن الحركة لأن المأمور به لا يمكن وجوده مع التلبس بضده لاستحالة اجتماع الضدين وما لا يتم =

ص: 149

فقالت المعتزلة: ليس بنهي عن ضده، لا بمعنى أنه عينه ولا يتضمنه ولا يلازمه؛ إذ يتصور أن يأمر بالشيء من هو ذاهل عن ضده، فكيف يكون طالبا لما هو ذاهل عنه، فإن لم يكن ذاهلا عنه فلا يكون طالبًا له إلا من حيث يعلم أنه لا يمكن فعل المأمور به إلا بترك ضده، فيكون تركه ذريعة بحكم الضرورة، لا بحكم ارتباط الطلب به، حتى لو تصور -مثلًا- الجمع بين الضدين ففعل، كان ممتثلًا، فيكون من قبيل: ما لا يتم الواجب إلا به واجب، غير مأمور به.

وقال قوم: فعل الضد: هو عين ترك ضده الآخر، فالسكون عين ترك الحركة، وشغل الجوهر حيزا عين تفريغه للحيز المنتقل عنه، والبعد من المغرب هو: عين القرب من المشرق وهو بالإضافة إلى المشرق قرب، وإلى المغرب بعد.

فإذًا: طلب السكون بالإضافة إليه أمر، وإلى الحركة نهي.

وفي الجملة: إنا لا نعتبر في الأمر الإرادة1، بل المأمور: ما اقتضى الأمر امتثاله.

= الواجب إلا به واجب كما تقدم، وعلى هذا القول أكثر أصحاب مالك، وإليه رجع الباقلاني في آخر مصفاته وكان يقول بالأول.

المذهب الثالث: أنه ليس عينه ولا يتضمنه، وهو قول المعتزلة والأبياري من المالكية، وإمام الحرمين والغزالي من الشافعية، واستدل من قال بهذا بأن الآمر يجوز أن يكون وقت الأمر ذاهلًا عن ضده، وإذا كان ذاهلًا عنه فليس ناهيًا عنه إذ لا يتصور النهي عن الشيء مع عدم خطوره بالبال أصلًا، ويجاب عن هذا بأن الكف عن الضد لازم لأمره لزومًا لا ينفك، إذ لا يصح امتثال الأمر بحال إلا مع الكف عن ضده، فالأمر مستلزم ضرورة للنهي عن ضده لاستحالة اجتماع الضدين قالوا ولا تشترط إرادة الآمر كما أشار إليه المؤلف رحمه الله. "مذكرة أصول الفقه ص26-27".

1 علق الشيخ "الشنقيطي" على هذا بقوله: "قولهم هنا: "ولا تشترط إرادة الآمر". =

ص: 150

والأمر يقتضي ترك الضد؛ ضرورة أنه لا يتحقق الامتثال إلا به، فيكون مأمورا به، والله أعلم.

فهذه أقسام أحكام التكليف1.

ولنبين -الآن- التكليف، ما هو شروطه.

= غلط؛ لأن المراد بعدم اشترط الإرادة في الأمر: إرادة الآمر وقوع المأمور به، أما إرادته لنفس اقتضاء الطلب المعبر عنه الأمر، فلا بد منها على كل حال، وهي محل النزاع هنا.

ومن المسائل التي تنبني على الاختلاف في هذه المسألة: قول الرجل لامرأته: إن خالفت نهيي فأنت طالق، ثم قال لها: قومي فقعدت، فعلى أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، فقوله "قومي" هو عين النهي عن القعود، فيكون قعودها مخالفة لنهيه المعبر عنه بصيغة الأمر، فتطلق، وعلى أنه مستلزم له فيتفرع على الخلاف المشهور في لازم القول، هل هو أو لا، وعلى أنه ليس عين النهي عن الضد ولا مستلزمًا له، فإنها لا تطلق" مذكرة أصول الفقه ص28.

1 ذكره بعض العلماء قسمًا سادسًا سموه:

مرتبة العفو

ومعناها: أن الله -تعالى- لا يعذب عليها؛ لأنه قد عفا عن فاعلها، ولا يحاسبه عما فعل، ولا يمكن أن يطلق على هذه المرتبة اسم "المباح".

والأصل في هذه المرتبة: ما رواه الحاكم وابن جرير والدراقطني من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله فرض فرائض فلا يضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها" حديث حسن كما قال النووي في أربعينه. =

ص: 151

..........................................................

= ويشمل ذلك:

1-

ما كان عليه أهل الجاهلية، حيث كانوا يستبيحون ما لم يبحه الإسلام -بعد ذلك- كالتزوج بأزواج الآباء، وجمعهم بين الأختين، وقد جاءت آيات القرآن الكريم بتحريم ذلك، والإشارة إلى أن الله تعالى قد عفا عما سلف.

يقول الله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [سورة النساء الآية: 22] .

ويقول -جل شأنه-: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَف} [سورة النساء الآية: 23] .

2-

ومنه -أيضًا- ما تركه الإسلام في أول ظهوره من غير نص قاطع بالتحريم، ثم نزل النص القاطع بتحريمه، كما جاء في "الخمر والميسر".

ولذلك ختمت الآيات الواردة في سورة المائدة بالتحريم النهائي في شأنهما، ختمت بها يفيد أن الله تعالى قد عفا عما مضى، فقال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ، لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [سورة المائدة الآيات 90-93] .

ومن هذا القبيل: ما جاء في موضوع تحريم الربا قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] .

3-

ومن هذا القبيل: عدم المؤاخذة على الخطأ والنسيان والإكراه، فإن هذه الأمور لا تندرج تحت "المباح" بحيث يستوي فيها الفعل والترك، بل هي من مرتبة العفو التي تفضل المولى -سبحانه- بعدم المؤاخذة عليها.

وهذا ما جاء واضحًا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وراه ابن ماجه في كتاب الطلاق، باب: المكره 1/ 659، والدارقطني في السنن 4/ 170، والبيهقي في سننه، كتاب الخلع، =

ص: 152