الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: في أدلة الأحكام
مدخل
…
باب: في أدلة الأحكام
الأصول1 أربعة:
كتاب الله تعالى.
وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم.
والإجماع.
ودليل العقل المبقي على النفي الأصلي.
1 كلمة "الأصول" إما أن تعرب مبتدأ، خبره "أربعة" واللام في "الأصول" للعهد الذكري الذي تقدم في أول الكتاب عند الكلام على تعريف "أصول الفقه".
وإما أن تعرب "أربعة": خبر لمبتدأ محذوف، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر للمبتدأ الأول، وهو "الأصول" والتقدير: الأصول التي وعدنا بالكلام عليها: هي أربعة.
والمؤلف تبع في تقسيمه للأدلة من حيث الاتفاق والاختلاف منهج الإمام الغزالي في المستصفى، وهو مسلك مخالف لما عليه جمهور العلماء من أن الأدلة المتفق عليه أربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس.
جاء في مختصر ابن الحاجب: "الأدلة الشرعية: الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستدلال".
قال الأصفهاني في بيان المختصر "1/ 454-455": "وإنما انحصر الدليل الشرعي في الخمسة المذكورة؛ لأن الدليل الشرعي إما أن يكون واردًا من جهة الرسول عليه السلام أو لا.
.....................................................
والأول: إما أن يكون معجزًا، وهو الكتاب، أو لا، وهو السنة، ويندرج فيها قول الرسول وفعله وتقريره.
والثاني: وهو الذي لا يكون واردًا من جهة الرسول عليه السلام إما أن يكون صادرًا ممن لا يجوز عليه الخطأ، وهو الإجماع، أو لا. وحينئذ إما أن يكون حمل فرع على أصل لعلة مشتركة بينهما، وهو القياس، أو لا، وهو الاستدلال".
وقد ذكر ذلك الآمدي، ونقله عنه "الطوفي" في شرح مختصر الروضة "2/ 6" حيث قال: "إن الدليل الشرعي، إما أن يرد من جهة الرسول أو لا من جهته، فإن ورد من جهة الرسول، فهو إما من قبيل ما يتلى: وهو الكتاب، أو لا: وهو السنة، وإن ورد لا من جهة الرسول، فإما أن نشترط فيه عصمة من صدر عنه أو لا، والأول: الإجماع، والثاني: إن كان حمل معلوم على معلوم بجامع مشترك، فهو القياس، وإلا فهو الاستدلال.
فالثلاثة الأول -وهي الكتاب، السنة، والإجماع- نقلية، والآخران معنويان، والنقلي أصل للمعنوي، والكتاب أصل للكل.
فالأدلة إذًا: خمسة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والاستدلال.
وعرفه الآمدي بأنه: دليل ليس بنص ولا إجماع ولا قياس" ا. هـ.
وفي شرح الكوكب المنير "2/ 5 وما بعدها": "أدلة الفقه، المتفق عليها أربعة: الأول: الكتاب وهو القرآن وهو الأصل، والثاني: السنة، والثالث: الإجماع، والرابع: القياس على الصحيح، وعليه جماهير العلماء، وقال أبو المعالي، وجمع: ليس القياس من الأصول، وتعلقوا بأنه لا يفيد إلا الظن.
قال في شرح التحرير: والحق هو الأول، والثاني ضعيف جدًّا؛ فإن القياس قد يفيد القطع -كما سيأتي- وإن قلنا: لا يفيد إلا الظن فخبر الواحد ونحوه لا يفيد إلا الظن، وهو: أي القياس مستنبط من الثلاثة التي هي الكتاب والسنة والإجماع" ا. هـ.
وقول المصنف: "ودليل العقل المبقي على النفي الأصلي" أراد به: أن العقل يدل على براءة الذمة وعدم شغلها بأي واجب من الواجبات قبل مجيء دليل من =
.....................................
= الشرع يدل على التكليف، وعبارة الغزالي واضحة في ذلك حيث قال:"اعلم أن الأحكام السمعية لا تدرك بالعقل، لكن دلّ على براءة الذمة عن الواجبات، وسقوط الحرج عن الخلق في الحركات والسكنات، قبل بعثة الرسل عليهم السلام وتأييدهم بالمعجزات. وانتفاء الأحكام معلوم بدليل العقل قبل ورود السمع، ونحن على استصحاب ذلك إلى أن يرد السمع، فإذا ورد نبي وأوجب خمس صلوات، فتبقى الصلاة السادسة غير واجبة، لا بتصريح النبي بنفيها، لكن كان وجوبها منتفيًا، إذ لا مثبت للوجوب، فبقي على النفي الأصلي؛ لأن نطقه بالإيجاب قاصر على الخمسة، فبقي على النفي في حق السادسة، وكأن السمع لم يرد، وكذلك إذا أوجب صوم رمضان، بقي صوم شوال على النفي الأصلي، وإذا أوجب عبادة في وقت بقيت الذمة بعد انقضاء الوقت على البراءة الأصلية، وإذا أوجب على القادر بقي العاجز على ما كان عليه فإذًا: النظر في الأحكام إما أن يكون في إثباتها أو في نفيها، أما إثباتها فالعقل قاصر عن الدلالة عليه، وأما النفي: فالعقل قد دل عليه إلى أن يرد الدليل السمعي بالمعنى الناقل من النفي الأصلي، فانتهض دليلًا على أحد الشطرين وهو النفي".
انظر: المستصفى ص159 طبعة دار الكتب العلمية، بيروت.
ولما كانت دلالة العقل على الأحكام قاصرة على جانبي النفي فقط قال الغزالي في موضع آخر: "فتسمية العقل أصلًا من أصول الأدلة تجوّز
…
" انظر: المصدر السابق ص80.
والخلاصة: أن الأدلة الشرعية نوعان: أدلة نقلية وأدلة عقلية، فالنقلية هي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعرف، وشرع من قبلنا، وقول الصحابي.
والعقلية هي: القياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، والاستصحاب، والذرائع.
وكل من الأدلة النقلية والعقلية محتاج إلى الآخر، فالأدلة النقلية لا بد فيها من التعقل والتدبر والنظر الصحيح.
كما أن الأدلة العقلية والتي أساسها الاجتهاد، لا تقبل إلا إذا كان لها مستند =
واختلف في قول الصحابي، وشرع من قبلنا1. وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
وأصل الأحكام كلها من الله سبحانه2؛ إذ قول الرسول صلى الله عليه وسلم إخبار عن الله بكذا.
والإجماع يدل على السنة3.
فإذا نظرنا إلى ظهور الحكم عندنا فلا يظهر إلا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم فإننا لا نسمع الكلام من الله -تعالى- ولا من جبريل عليه السلام وإنما ظهر لنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم والإجماع يدل على أنهم استندوا إلى قوله.
لكن إذا لم نحرر النظر وجمعنا المدارك صارت الأصول التي يجب فيها النظر منقسمة إلى ما ذكرنا.
= من النقل، لأن العقل المجرد لا يستقل بتشريع الأحكام، فالمشرع في الحقيقة هو الله تعالى، كما أشار إلى ذلك المصنف في قوله الآتي: "وأصل الأحكام كلها من الله سبحانه
…
".
1 ترك المصنف -تبعًا لأصله "المستصفى"- بعض الأدلة المختلف فيها
2 إذ إن الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والدين ما شرعه، فالحكم له وحده -جل شأنه- قال تعالى: {
…
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57] وقال تعالى: {
…
فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12] وقال جل شأنه {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59] .
3 جاء في المستصفى ص80: "والإجماع يدل على السنة، والسنة على حكم الله تعالى" ومعناه: أن الإجماع لا بد له من مستند، فإذا انعقد إجماع دل ذلك على أن له دليلًا وإن لم نعرفه. وعبارة "الطوفي":"والإجماع دال على النص" وهي أولى، لأن مستند الإجماع قد يكون نصًّا من القرآن الكريم، وقد يكون سنة، وقد يكون قياسًا على النص. انظر:"شرح مختصر الروضة جـ2 ص7".