الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال النظام1: ليس بحجة2.
وقال: "الإجماع: كل قول قامت حجته" ليدفع عن نفسه شناعة قوله، وهذا خلاف اللغة والعرف3.
= المذهب الأول: أنه حجة قطعية تحرم مخالفته، وهو رأي الجمهور كما قال المصنف.
المذهب الثاني: أنه حجة ظنية، وهو رأي بعض العلماء، كالإمام الرازي، والآمدي وغيرهما.
المذهب الثالث: أنه حجة قطعية إذا اتفق عليه المعتبرون، أما إذا لم يتفقوا، بأن كان إجماعًا سكوتيًّا، أو يندر مخالفه كان حجة ظنية. انظر:"فواتح الرحموت 2/ 213، التقرير والتحبير 3/ 83، الإحكام للآمدي 1/ 144".
1 هو: إبراهيم بن يسار بن هانئ، أبو إسحاق البصري، المعتزلي، كان أديبًا متكلمًا، وهو أستاذ الجاحظ، تنسب إليه اقوال غريبة، كما كان شديد الحفظ، حفظ القرآن والتوراة والإنجيل، وطالع كتب الفلاسفة، وخلط كلامهم بكلام المعتزلة، من مؤلفاته "النكت" في عدم حجية الإجماع. توفي سنة 231هـ.
انظر: فرق وطبقات المعتزلة ص59، تأريخ بغداد "6/ 97".
2 وهو رأي بعض الشيعة وبعض المعتزلة.
وقالت الإمامية: إن كان فيه قول الإمام المعصوم فهو حجة، وإلا فلا. وهذا في الواقع خارج عن الإجماع، لأن الحجة عندهم في قول الإمام، باعتبار أنه معصوم حسب عقيدتهم. انظر: المعتمد "2/ 458".
3 يعنى: أن النظام لما أحس بشناعة رأيه عرف الإجماع بما ذكره المصنف، وهو تعريف غير صحيح من ناحية اللغة والعرف الشرعي.
فصل: [الأدلة على حجية الإجماع]
ولنا دليلان1:
1 أي طريقان أو مسلكان، أحدهما من القرآن، والثاني من السنة.
أحدهما: قول الله -تعالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} 1 وهذا يوجب اتباع سبيل المؤمنين، ويُحرِّم مخالفتهم.
1 سورة النساء الآية: 115. والمصنف لم يكمل الآية، وقد أكملتها تبعًا للغزالي حتى يظهر وجه الشاهد من الآية وهو: الوعيد على مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم أي مخالفته، واتباع غير سبيل المؤمنين.
قال الشوكاني: "ووجه الدلالة من الآية: أن الله -تعالى- جمع بين مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحًا، لما جمع بينه وبين المحظور، فثبت أن متابعة غير سبيل المؤمنين عبارة عن: متابعة قول أو فتوى يخالف قولهم أو فتواهم، وإذا كانت تلك محظورة وجب أن تكون متابعة قولهم وفتواهم واجبة""إرشاد الفحول جـ1 ص293، 294".
والغزالي -كغيره من العلماء- أورد العديد من الآيات الدالة على حجية الإجماع هي:
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ
…
} [البقرة: 143] .
وقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
…
} [آل عمران: 110] .
وقوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181] .
وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا
…
} [آل عمران: 103] .
وقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّه
…
} [الشورى: 10] .
وقوله تعالى: {
…
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] .
ثم قوله: فهذه كلها ظواهر لا تنص على الغرض، بل لا تدل -أيضًا- دلالة الظواهر. وأقواها قوله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ.....} الآية. انظر: "المستصفى جـ2 ص298، 299".
فإن قيل1: إنما توعّد على مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم وترك اتباع سبيل المؤمنين معًا، أو على ترك أحدهما بشرط ترك الآخر، فالتارك لأحدهما بمفرده لا يلحق به الوعيد.
ومن وجه آخر: وهو أنه إنما ألحق الوعيد لتارك سبيلهم إذا بان له الحق فيه؛ لقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} والحق -في هذه المسألة- من جملة "الهدى" فيدخل فيها.
ويحتمل: أنه توعد على ترك سبيلهم فيما صاروا فيه مؤمنين.
ويحتمل: أنه أراد بالمؤمنين: جميع الأمة إلى قيام الساعة، فلا يحصل الإجماع بقول أهل عصر.
ولأن المخالف من جملة المؤمنين، فلا يكون تاركًا لاتباع سبيلهم بأسرهم.
ولو قدر أنه لم يرد شيء من ذلك، غير أنه لا ينقطع الاحتمال، والإجماع أصل لا يثبت بالظن2.
قلنا3: التوعد على الشيئين يقتضي أن يكون الوعيد على كل واحد منهما منفردًا، أو بهما معًا.
ولا يجوز أن يكون لاحقًا بأحدهما معينًا، والآخر لا يلحق به
1 بدأ المصنف يورد الاعتراضات التي قالها المخالفون على الاستدلال بالآية الكريمة.
2 خلاصة هذا الاعتراض: أن النص ليس بقاطع، لأن قوله تعالى:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِين} يحتمل وجوهًا كثيرة، منها ما ذكره، إذا وجد الاحتمال لم يكن النص قطعيًّا، وإنما كان ظنيًّا، والإجماع أصل من الأصول العامة فلا يثبت بطريق الظن.
3 بدأ المصنف يرد على الاعتراضات السابقة.
وعيد، كقول القائل:"من زنا أو شرب ماء عوقب".
وهذا لا يدخل في القسم الثاني1 لأن مشاقة الرسول بمفردها تثبت العقوبة، فثبت أنه من القسم الأول2.
وأما الثاني3: فلا يصح؛ فإنه توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين مطلقًا من غير شرط.
وإنما ذكر تبين الهدي عقيب قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} وليس بشرط لإلحاق الوعيد على مشاقة الرسول اتفاقًا، فلأن لا يكون شرطًا لترك اتباع سبيل المؤمنين -مع أنه لم يذكر معه- أولى.
وأما الثالث4: فنوع تأويل، وحمل اللفظ على صورة واحدة.
"وأما الرابع5: فإن مطلق الاحتمال لا يؤثر في نفس كونه من الأدلة
1 وهو: أن يكون على كل منهما معًا.
2 وهو: أن يكون الوعيد على كل منهما منفردًا.
3 أي الرد على الاعتراض الثاني وهو قوله: "أنه إنما ألحق الوعيد لتارك سبيلهم إذا بان له الحق" وخلاصة الرد بوجهين:
أحدهما: لا نسلم أن كل ما كان شرطًا في المعطوف عليه أن يكون شرطًا في المعطوف، لأن العطف لا يقتضى سوى التشريك في مقتضى العامل إعرابًا ومدلولًا.
ثانيهما: لو سلمنا أن الشرط في المعطوف عليه شرط في المعطوف، فإن ذلك لا يضرنا، فإنه لا نزاع في أن "الهدى" المشروط في تحريم المشاقة إنما هو دليل التوحيد والنبوة، لا أدلة الأحكام الفرعية، فيكون "الهدى" شرطًا في اتباع غير سبيل المؤمنين ونحن نسلم به.
4 أي الاعتراض الثالث: وهو: "ويحتمل أنه توعد على ترك سبيلهم فيما صاروا به مؤمنين".
5 أي الاعتراض الرابع وهو قوله "ولو قدر أنه لم يرد شيء من ذلك".
الأصلية؛ إذ ما من دليل إلا ويتطرق إليه الاحتمال، فإن النص يحتمل أن يكون منسوخًا، والعام يجوز أن يكون مخصوصًا، وهذا وشبهه لم يمنع كونه من الأصول، كذا ههنا"1.
الدليل الثاني: من السنة2:
قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تجتمع أمتي على ضلالة"3. وروي: "لا تجتمع على خطأ". وفي لفظ "لم يكن الله ليجمع هذه الأمة على خطأ".
1 ما بين القوسين من النسخة التي حققها الدكتور عبد الكريم النملة -يحفظه الله-.
2 المسلك الثاني على حجية الإجماع: أن الإجماع صادر عن مجموع الأمة، والأمة معصومة، والمعصوم لا يصدر عنه إلا الصواب.
أما أن الأجماع صادر عن مجموع الأمة، فلما سبق في تعريفه، من أنه اتفاق مجتهدي الأمة إلخ. والمجتهدون قائمون مقام الأمةإ إذ إليهم إبرام أمورهم ونقضها، ولذلك جاء في بعض التعريفات أنه:"اتفاق أهل الحل والعقد".
وأما أن الأمة معصومة عن الخطأ، أو الضلال: فلأن الأخبار النبوية في عصمتها بلغت حد التواتر المعنوي، لاختلاف ألفاظها، واشتراكها في الدلالة على أمر واحد، وهو: نفي الخطأ عنها.
انظر: شرح المختصر "3/ 18، 19".
3 هذا الحديث روي بألفاظ مختلفة مرفوعًا من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخرجه عنه الترمذي: كتاب الفتن، باب لزوم الجماعة بلفظ:"إن الله لا يجمع أمتي، أو قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار" ثم قال: هذا الحديث غريب من هذا الوجه.
كما رواه الحاكم في المستدرك: كتاب العلم "1/ 115، 116".
وأخرجه أبو داود: كتاب الفتن، باب ذكر الفتن ودلائلها عن أبي مالك الأشعري. وابن ماجه في كتاب الفتن، باب السواد الأعظم، من حديث أنس بن مالك. =
وقال: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحًا فهو عند الله قبيح"1.
وقال: "من فارق الجماعة شبرًا فقد خلع ربقة2 الإسلام من عنقه"3
= كما روي بأسانيد أخرى كثيرة بعضها مرفوع وبعضها موقوف، وبعضها ضعيف.
يراجع في ذلك: مجمع الزوائد "1/ 177" و"5/ 217" ونصب الراية "4/ 133".
1 هذا جزء من حديث موقوف على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخرجه الإمام أحمد في مسنده "1/ 379" ولفظه: "إن الله نظر في قلوب العباد فوجد في قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد، بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسنًا فهوعند الله حسن، وما رأوه سيئًا فهو عند الله سيّء" وأخرجه عنه الحاكم -موقوفًا- في كتاب معرفة الصحابة، باب فضائل أبي بكر رضي الله عنه. ثم قال:"حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأخرجه البزار بسنده في باب الإجماع من كتاب كشف الأستار عن زوائد البزار للهيثمي "1/ 88".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد "1/ 177، 178": "رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثقون".
والحديث وإن كانت له روايات متعددة، إلا أن الصحيح أنه موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه.
انظر: المقاصد الحسنة ص367".
2 قال ابن الأثير في النهاية "2/ 62": "الربقة في الأصل: عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها، فاستعارها للإسلام، يعني: ما يشد به المسلم نفسه من عرى الإسلام: أي: حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه".
3 هذا الحديث رواه أبو ذر رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه عنه أبو داود: كتاب =
و "من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية"1.
وقال: "عليكم بالسواد الأعظم".
وقال: "ثلاث لا يغل3 عليهن قلب المسلم: إخلاص العمل لله، والمناصحة لولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين"4.
= السنة، باب قتل الخوارج، وأحمد في المسند "5/ 180" كما أخرجه عن الحارث الأشعري رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ قريب منه، وأخرجه الحاكم في المستدرك: كتاب الصوم، عن الحارث- أيضًا- وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
1 حديث صحيح، أخرجه البخاري: كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"سترون بعدي أمورًا تنكرونها" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "ولفظه: "من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه، فإن من فارق الجماعة شبرًا فمات، إلا مات ميتة جاهلية" كما أخرجه في كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام، ما لم يكن معصية.
كما أخرجه مسلم: كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين.
وهو مخرج -أيضًا- عند أحمد والدارمي والنسائي وغيرهم.
2 المراد بالسواد الأعظم: جملة الناس ومعظمهم الذين يجتمعون على طاعة السلطان، وسلوك النهج السليم "النهاية لابن الأثير 2/ 191" والحديث تقدم تخريجه ضمن روايات حديث "لا تجتمع أمتي على ضلالة".
3 يغل: بضم الياء وكسر الغين، من الإغلال وهو الخيانة، وروي "يغل" بفتح الياء، من الغل وهو الحقد. كما روي "يغل" بفتح الياء وكسر الغين وتخفيف اللام من الوغول، وهو الدخول في الشيء. "النهاية 3/ 168".
4 هذا جزء من حديث أخرجه الترمذي: كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نضر الله عبدًا سمع مقالتي فحفظها ووعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن
…
" ورواه أحمد في المسند "4/ 80" والحاكم في =
ونهى عن الشذوذ1 وقال: "مَن شَذًٌ شَذٌ فلي النٌار"2.
وقال: "لا تزال طائفة من أمتى على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله"3.
وقال: "من أراد بحبوحة4 الجنة فليلزم الجماعة؛ فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد"5.
= المستدرك وابن ماجه: كتاب المناسك، باب الخطبة يوم النحر:"3056" عن جبير بن مطعم، كما رواه أبو داود وابن ماجه عن زيد بن ثابت. انظر: مشكاة المصابيح "1/ 78" ومجمع الزوائد "1/ 139".
1 الشذوذ: الانفراد والمقارنة، والمقصود: مفارقة جماعة المسلمين.
2 تقدم تخريجه.
3 حديث صحيح، أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تزل طائفة من أمتى ظاهرين على الحق" عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ولفظه: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون".
كما أخرجه مسلم: كتاب الإمارة، باب لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين.
وأخرجه أبو داود في أول كتاب الفتن عن ثوبان رضي الله عنه، وكذلك الترمذي وأحمد في المسند "5/ 278".
4 بحبوحة الجنة: أي وسطها. يقال: بحبوحة الدار: وسطها، ويقال: تبحبح الرجل، وبحبح: إذا تمكن من الحلول والمقام وتوسط المنزل.
5 حديث صحيح أخرجه الشافعي في الرسالة ص474، وأحمد في المسند "14/ 18، 26" والترمذي حديث "2166" وابن ماجه "2363" وابن حبان "2282" والحاكم "1/ 18، 4/ 1" من حديث عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وأبي الدرداء مرفوعًا بألفاظ مختلفة. انظر: شرح البغوي "3/ 347".
وهذه الأخبار لم تزل ظاهرة مشهورة في الصحابة والتابعين، لم يدفعها أحد من السلف والخلف.
وهي وإن لم تتواتر آحادها، حصل لنا بمجموعها العلم الضروري: أن النبي صلى الله عليه وسلم عظم شأن هذه الأمة، وبين عصمتها عن الخطأ1.
وبمثل ذلك نجد أنفسنا مضطرين إلى تصديق شجاعة "علي" وسخاء "حاتم" 2 وعلم "عائشة"، وإن لم يكن آحاد الأخبار فيها متواترًا، بل يجوز على كل واحد منها الكذب لو جرّدنا النظر إليه، ولا يجوز على المجموع.
ويشبه ذلك: ما يحصل فيه العلم بمجموع قرائن آحادها لا ينفك عن الاحتمال، ويحصل بمجموعها العلم الضروري.
ومن وجه آخر3.
خلاصة ما يريده المصنف من ذلك: أن هذه الأخبار الكثيرة التي أوردها على حجية الإجماع ظاهرة ومشهورة عند الصحابة والتابعين، وهي وإن كانت لم تبلغ حد التواتر اللفظي، إلا أنها إذا انضم بعضها إلى بعض وصلت إلى التواتر المعنوي، كتواتر شجاعة "علي" رضي الله عنه وجود "حاتم الطائي" وعلم السيدة "عائشة" أم المؤمنين رضي الله عنها فهذه الأخبار لو كانت منفردة لجاز عليها الكذب، بخلاف ما لو كانت مجتمعة فإنها تفيد العلم الضروري.
2 هو: حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج، المشهور بحاتم الطائي، نسبة إلى قبيلة "طيئ" كان جوادًا مشهورًا بالكرم، شاعرًا جيد الشعر، مات سنة 45 قبل الهجرة.
انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة "1/ 241" تهذيب ابن عساكر "3/ 320 وما بعدها".
3 خلاصة ذلك: أن المصنف يريد أن يقول: إن دلالة الأحاديث المتقدمة على حجية الإجماع من ثلاثة وجوه:
أن هذه الأحاديث لم تزل مشهورة بين الصحابة والتابعين يتمسكون بها في إثبات الإجماع، ولا يظهر فيه أحد خلافًا إلى زمن النظام.
ويستحيل في مطرد العادة ومستقرها توافق الأمم في أعصار مطردة على التسليم لما لم تقم الحجة بصحته، مع اختلاف الطباع، وتباين المذاهب في الرد والقبول.
ولذلك: لم ينفك حكم ثبت بأخبار الآحاد عن خلاف مخالف، وإبداء تردد فيه.
ومن وجه آخر:
أن المحتجين بهذه الأخبار أثبتوا بها أصلًا مقطوعًا به وهو: الإجماع الذي يحكم على كتاب الله وسنة رسوله.
ويستحيل في العادة التسليم بخبر يرفعون به، الكتاب المقطوع به إلا إذا استند إلى سند مقطوع به.
أما رفع المقطوع بما ليس بمقطوع فليس معلومًا، حتى لا يتعجب
= الوجه الأول: ما تقدم من أن هذه الأحاديث ظاهرة الدلالة على حجية الإجماع منذ عصور الصحابة والتابعين، وهي وإن لم تتواتر لفظيًّا إلا أنها تفيد التواتر المعنوي كما تقدم.
الوجه الثاني: أن هذه اأحاديث تمسك بها الصحابة والتابعون، ولم يظهر أحد فيها خلافًا إلى زمن النظام، فهو الذي بدأ في إنكار حجية الإجماع، ويستحيل اطراد مثل ذلك إلا إذا كان حجة.
الوجه الثالث: أن المحتجين بهذه الأحاديث أثبتوا بها أصلًا مقطوعًا به يحكم به على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا بد وأن يكون مستندًا، إلى دليل قطعي. هذا معنى كلامه، وفيه نظر يطول شرحه.
متعجب، ولا يقول قائل: كيف ترفعون الكتاب القاطع بإجماع مستنده إلى خبر غير معلوم الصحة؟!
وكيف يذهل عنه جميع الأمة إلى زمن النظام فيختص بالتنبيه له؟ هذا وجه الاستدلال1.
فصل: ولا يشترط في أهل الإجماع أن يبلغوا عدد التواتر؛
لأن الحجة في قولهم، لصيانة الأمة عن الخطأ بالأدلة المذكورة، فإذا لم يكن على الأرض مسلم سواهم، فهم على الحق يقينًا، صيانة لهم عن الاتفاق على الخطأ2.
1 أي وجه الاستدلال بالأحاديث المتقدمة على حجية الإجماع، وهي من ثلاثة أوجه -كما تقدم-.
2 خلاصة ذلك: أنه لا يشترط لصحة الإجماع أن يبلغ المجمعون عدد التواتر كما لا يشترط ذلك في الدليل السمعي، لأن المقصود اتفاق مجتهدي العصر، وقد حصل، ولا دخل للعدد فيه.
ونقل عن بعض العلماء أنه يشترط التواتر، ومنهم: أبو بكر الباقلاني، وإمام الحرمين، وابن السبكي.
هكذا ورد في بعض الكتب مثل: شرح تنقيح الفصول ص341، شرح الكوكب المنير "2/ 252".
إلا أن الغزالي وغيره من العلماء يفرقون بين من أخذ حجية الإجماع من دليل العقل، وبين من أخذ من الدليل السمعي.
فإذا كان من دليل العقل فيلزم اشتراط التواتر، وإذا كان من السمع ففيه مذهبان:
أحدهما: اشتراط ذلك.
وثانيهما: عدم الاشتراط. =