الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه1، لم تحصل الثقة بقوله.
الرابع: العدالة2:
فلا يقبل خبر الفاسق؛ لأن الله -تعالى- قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} 3. وهذا زجر عن الاعتماد على قبول [قول] الفاسق.
ولأن من لا يخاف الله -سبحانه- خوفًا يزعه4 عن الكذب لا تحصل الثقة بقوله.
1 عبارة المستصفى: "على وجهه" أي: لم يغير اللفظ ولا المعنى.
2 قال الغزالي: "والعدالة: عبارة عن استقامة السيرة والدين.
ويرجع حاصلها إلى: هيئة راسخة في النفس، تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعًا، حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه، فلا ثقة بقول من لا يخاف الله -تعالى- خوفًا وازعًا عن الكذب.
ثم لا خلاف في أنه لا يشترط العصمة من جميع المعاصي، ولا يكفي -أيضًا- اجتناب الكبائر، بل من الصغائر ما يرد به، كسرقة بصلة، وتطفيف حبة قصدًا.
وبالجملة: كل ما يدل على ركاكة دينه، إلى حد يستجرئ على الكذب بالأغراض الدنيوية". "المستصفى جـ2 ص231".
3 سورة الحجرات من الآية: 6.
4 يزعه: أي يكفه ويمنعه.
فصل: [في حكم خبر مجهول الحال]
ولا يقبل خبر مجهول الحال في هذه الشروط، في إحدى الروايتين1.
1 عن الإمان أحمد رضي الله عنه.
وهو مذهب الشافعي1.
والأخرى يقبل مجهول الحال في العدالة خاصة، دون بقية الشروط. وهو مذهب أبي حنيفة2.
ووجهه: أربعة أدلة3:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل شهادة الأعرابي برؤية الهلال، ولم يعرف منه إلا الإسلام4.
1 بل مذهب أكثر الشافعية والمالكية والحنابلة، وبعض الحنفية.
انظر: "المستصفى جـ2 ص233 وما بعدها، المسودة ص253، كشف الأسرار على أصول البزدوي جـ2 ص400".
2 اتفق العلماء على عدم قبول رواية مجهول الحال في: الإسلام، والتكليف، والضبط. واختلفوا في قبول خبر مجهول العدالة على مذهبين -كما قال المصنف-.
وتحرير الخلاف في هذه المسألة متفرع على: هل شرط قبول الرواية العلم بعدالة الراوي، أو عدم العلم بالفسق؟
فإن قلنا: شرط القبول العلم بعدالته، لم تقبل رواية المجهول، لأننا لم نعلم بتحققها فيه.
وإن قلنا: الشرط هو عدم العلم بالفسق، قبلت رواية المجهول؛ لعدم العلم بفسقه. انظر:"شرح مختصر الروضة جـ2 ص147".
وقد فرق السرخسي في أصوله "1/ 352" بين مجهول الحال في القرون الثلاثة التي شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيرية، وبين غيره من القرون الأخرى فقال: "المجهول من القرون الثلاثة عدل بتعديل صاحب الشرع إياه، ما لم يتبين منه ما ينزل عدالته، فيكون خبره حجة
…
" وهو تفصيل حسن.
3 أي أن صاحب المذهب الثاني، وهم القائلون بقبول رواية المجهول استدلوا بأربعة أدلة كما سيأتي.
4 حديث قبول شهادة الأعرابي: أخرجه الترمذي: كتاب الصوم، باب ما جاء في =
الثاني: أن الصحابة كانوا يقبلون رواية الأعراب، والعبيد، والنساء؛ لأنهم لم يعرفوهم بفسق.
الثالث: أنه لو أسلم، ثم روى أو شهد: فإن قلتم: لا تقبل فبعيد. وإن قلتم: تقبل فلا مستند لذلك إلا إسلامه، مع عدم ظهور الفسق منه، فإذا مضى لذلك زمان، فلا يجوز أن يجعل ذلك مستندًا لرد روايته.
الرابع: أنه لو أخبر بطهارة الماء، أو نجاسته، أو أنه على طهارة: قبل ذلك حتى يصلح للائتمام به.
ولو أخبر بأن هذه الجارية المبيعة ملكه، أو أنها خالية عن زوج، قبل قولهم حتى ينبني على ذلك حل الوطء.
ووجه الرواية الأولى1 خمسة أمور:
= الصوم بالشهادة، عن ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه:"جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إني رأيت الهلال. قال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟ أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ " قال: نعم. قال: "يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدًا".
قال الترمذي: "حديث ابن عباس فيه اختلاف، وروى سفيان الثوري وغيره عن سماك عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وأكثر أصحاب سماك رووا عن سماك عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا".
كما أخرجه أبو داود: كتاب الصيام، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان.
عن ابن عباس مسندًا، وعن عكرمة مرسلًا، بلفظ قريب من لفظ الترمذي.
كذلك أخرجه النسائي: كتاب الصيام، باب في قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان بنحو ما أخرجه أبو داود، ومثله ابن ماجه عن ابن عباس مسندًا.
1 وهي: أن رواية المجهول لا تقبل.
أحدها: أن مستند قبول خبر الواحد الإجماع، والمجمع عليه: قبول رواية العدل، ورد خبر الفاسق.
والمجهول الحال ليس بعدل، ولا هو في معنى العدل في حصول الثقة بقوله.
الثاني: أن الفسق مانع كالصبا والكفر، فالشك فيه كالشك في الصبا والكفر من غير فرق.
الثالث: أن شهادته لا تقبل، فكذلك روايته.
وإن منعوا في المال1: سلموا في العقوبات.
وطريق الثقة في الرواية والشهادة واحدة، وإن اختلفا في بقية الشروط.
الرابع: أن المقلد إذا شك في بلوغ المفتي درجة الاجتهاد: لم يجز تقليده، بل قد سلموا أنه لو شك في عدالته وفسقه: لم يجز تقليده.
وأي فرق بين حكايته عن نفسه اجتهاده، وبين حكايته خبرًا عن غيره؟
الخامس: أنه لا تقبل شهادة2 الفرع ما لم يعين شاهد الأصل فَلِمَ يجب تعيينه إن كان قول المجهول مقبولًا؟
فإن قالوا: يجب تعيينه، لعل الحاكم يعرفه بفسق فيرد شهادته3.
1 معناه: إن قالوا: لا نسلم عدم قبول شهادته في المال، فقد سلموا بعدم القبول في العقوبات.
2 في الأصل "رواية" وما نقلناه من المستصفى.
3 معنى هذا: أنه في حال الشهادة، لا تقبل الشهادة الثانية، والتي =
قلنا: إذا كانت العدالة هي: الإسلام من غير ظهور فسق، فقد عرف ذلك، فلم يجب التتبع1؟
وأما قبول النبي صلى الله عليه وسلم قول الأعرابي، فإن كونه أعرابيًّا لا يمنع كونه معلوم العدالة عنده إما بخبر عنده، أو تزكيته ممن عرف حاله، وإما بوحي، فمن سلم لكم أنه كان مجهولًا؟
وأما الصحابة: فإنما قبلوا قول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وقول من عرفوا حاله ممن هو مشهود العدالة عندهم، وحيث جهلوا ردُّوا.
جواب ثان:
أن الصحابة رضي الله عنهم لا تعتبر معرفة ذلك فيهم؛ لأنه مجمع على عدالتهم بتزكية النص لهم، بخلاف غيرهم2.
وأما الحديث العهد بالإسلام: فلا يسلم قبول قوله؛ لأنه قد يسلم الكاذب ويبقى على طبعه.
وإن سلمنا قبول روايته فذلك لطراوة إسلامه، وقرب عهده بالإسلام.
= تسمى فرعًا، على الشهادة حتي يعين الأصل الذي شهد على شهادته، فلو كان قول المجهول مقبولًا لم يحتج للتعيين.
1 هذا مبني على الخلاف في العدالة والفسق: هل هما بحسب نفس الأمر وباطنه فيما بين المكلف وبين ربه، أو بحسب ما يظهر من أفعاله وحركاته الدالة -عادة- على باطنه، أو بحسب علمنا بحاله: عدالة أو فسقًا.
فأهل العراق -من الحنفية- يقولون: العدالة عبارة عن إظهار الإسلام، مع سلامته عن فسق ظاهر، فكل مسلم مجهول الحال عندهم عدل.
أما الجمهور فيقولون: لا تعرف عدالته إلا بخبرة باطنة، والبحث عن سيرته وسريرته. انظر:"المستصفى جـ2 ص233".
2 معناه: أن المجهول منهم عدل، بتزكية الشارع وتعديلهم جميعًا.
وشتان بين من هو في طراوة البداية وبين من نشأ عليه بطول الألفة.
فإن قيل: إذا كانت العدالة لأمر باطن، وأصله الخوف، ولا يشاهد، بل يستدل عليه بما يغلب على الظن: فأصل ذلك الخوف: الإيمان، فإنه يدل على الخوف دلالة ظاهرة، فلنكتف به؟
قلنا: المشاهدة والتجربة دلت على أن فسّاق المسلمين أكثر من عدولهم فلا نشكك أنفسنا فيما عرفناه يقينًا.
ثم هلّا اكتفى به في شهادة العقوبات، وشهادة1 الأصل، وحال المفتي، وسائر ما سلّموه.
وأما قول العاقد: فهو مقبول رخصة مع ظهور فسقه، لمسيس الحاجة إلى المعاملات.
وأما الخبر عن نجاسة الماء وقلته، فلا نسلمه2.
1 في الأصل "شاهد" وما نقلناه عن المستصفى.
2 معناه: أن إخباره بنجاسة الماء وطهارته، وسائر الأمثلة التي ذكروها -غير مسلم، وإن سلّمنا بذلك، فلا تقاس عليه الرواية، لأن نجاسة الماء وطهارته، أحكام جزئية، ولا تعظم في قبولها منه، بخلاف الرواية، فإنها تثبت حكمًا شرعيًّا عامًّا، تعظم المفسدة بتقدير الكذب فيه.
ففرق بين من يقول: أنا متطهر، فصلوا خلفي، فلو فرض كذبه لترتب على ذلك فساد هذه الصلاة فقط، في واقع الأمر، مع أنها صحيحة في ظاهر الحكم.
أما من روي: أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، فعلى تقدير كذبه يبطل صلاة كثير من الناس.
انظر في بيان ذلك: "شرح مختصر الروضة جـ2 ص155، 156".