الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحيطان، وانخفاض السقف إلى قرب من الأرض، وتارة لشعث1 اللبنات، أو رخاوة الجذوع، وتارة لهما جميعًا.
فمن يريد نظم البرهان يبتدئ أولًا بالنظر في الأجزاء المفردة، ثم في المقدمات التي فيها النظم والترتيب.
وأقل ما يحصّل منه المقدمة: مفردان.
وأقل ما يحصّل منه البرهان: مقدمتان، ثم يجمع المقدمتين فيصوغ منهما برهانًا، وينظر كيفية الصياغة2.
1 المراد بالشعث هنا: تفرق اللبنات وعدم تماسكها. انظر: القاموس المحيط فصل الشين، باب: الثاء.
2 خلاصة ما يريده المصنف من إيراد المثال المحسوس الذي أورده في صورة بيت: أن ينظر الإنسان في المعاني المفردة وأقسامها، وفي الألفاظ المفردة ووجوه دلالتها، ثم إذا فهمنا اللفظ مفردًا، والمعنى مفردًا، استطعنا أن نؤلف معنيين ونجعلهما مقدمة، وننظر في حكم المقدمة وشرطها، ثم نجمع مقدمتين فنصوغ منهما قياسًا، وننظر في كيفية الصياغة الصحيحة.
فإذا أردنا أن نبرهن على أن العالم حادث، ونرد على القائلين بقدمه، قلنا: العالم متغير، وهذه هي المقدمة الأولى، وتسمى "الصغرى" ثم نقول: وكل متغير حادث، وهذه هي المقدمة الثانية، وتسمى "الكبرى". ولهاتين المقدمتين نتيجة هي المقصودة للمستدل، وهي:"العالم حادث".
فصل: في كيفية دلالة الألفاظ على المعنى
…
فصل: [في كيفية دلالة الألفاظ على المعاني]
واعلم أن دلالة الألفاظ على المعنى تنحصر في: المطابقة، والتضمن، واللزوم.
فالمطابقة: كدلالة لفظ "البيت" على معنى البيت.
والتضمن: كدلالته على السقف، ودلالة لفظ "الإنسان" على الجسم.
واللزوم: كدلالة لفظ "السقف" على الحائط؛ إذ ليس جزءًا من السقف، لكنه لا ينفك عنه، فهو كالرفيق الملازم، ولا يستعمل في نظر العقل ما يدل بطريق اللزوم؛ لأن ذلك لا ينحصر في حد؛ إذ السقف يلزم الحائط، والحائط: الأس1، والأس الأرض، فلا ينحصر، بل اقتصرْ على الأولين: المطابقة والتضمن2.
[تقسيم اللفظ، من حيث التعيين وعدمه] 3
ثم اللفظ ينقسم إلى ما يدل على معين كزيد وهذا الرجل.
1 الأس في اللغة: الأصل، فالأس والأساس: أصل البناء. انظر: القاموس المحيط فصل الهمزة، باب السين.
2 خلاصة ما يريده المصنف في هذه الجزئية: أن دلالة الألفاظ على المعاني ثلاثة أنواع، دلالة مطابقة، وهي دلالة اللفظ على كامل معناه، كدلالة "البيت" على البيت كاملًا بجميع مشتملاته.
ودلالة تضمن، وهي: دلالة اللفظ على جزء المعنى، كدلالة "السقف" لأنه جزء من البيت.
ودلالة التزام: وهي دلالة اللفظ على أمر خارج عن معناه، لكنه لازم له لا يفارقه، كدلالة السقف على الحائط، فالسقف ليس جزءًا من الحائط، لكنه لا يعقل أن يوجد سقف بدون حائط تحته، ومن هنا سميت دلالة التزامية.
ولما كانت الدلالات الالتزامية كثيرة لا حصر لها، حيث المصنف على الإقلال منها، والاقتصار على المطابقة والتضمن.
3 هذا التقسيم للألفاظ من حيث العموم والخصوص. =
وحدّه: اللفظ الذي لا يمكن أن يكون مفهومه إلا ذلك الواحد.
وإلى ما يدل على واحد من أشياء كثيرة، تتفق في معنى واحد، يسمى "مطلقًا" كقولنا: فرس، ورجل.
فإن دخلت عليه الألف واللام صار عامًا1 يتناول جميع ما يقع عليه ذلك.
فإن قيل: فالسماء، والأرض، والإله، والشمس، والقمر، مدلولها مفرد مع الألف واللام؟
قلنا: امتناع الشركة لم يكن لوضع اللفظ، بل لاستحالة وجود المشارك؛ إذ الشمس في الوجود واحدة، ولو فرضنا عوالم في كل واحد شمس، كان قولنا: الشمس شاملًا للكل.
[تقسيم الألفاظ المتعددة المعاني باعتبار مسمياتها]
ثم تنقسم الألفاظ إلى: مترادفة، ومتباينة، ومتواطئة، ومشتركة.
فالمترادفة: أسماء مختلفة لمسمّى واحد، كالليث والأسد، والعقار والخمر.
= فالأول: يسمى معينًا كما عرفه المصنف.
والثاني: يسمى مطلقًا، وهو الذي لا يمنع مفهومه من وقوع الشركة فيه.
1 قوله: "فإن دخلت عليه الألف واللام صار عامًّا" أي: أن الاسم المفرد إذا دخلت عليه الألف واللام، سمي عامًّا، يستغرق جميع أفراد الجنس، مثل: الكتاب، والميزان. بشرط أن يكون له في الخارج أفراد كثيرون، ولهذا أورد الاعتراض بالشمس والقمر وغيرهما، ورد على هذا الاعتراض بأنه لا وجود إلا لفرد واحد، ولو فرض وجود أكثر من شمس لصدق عليه أنه عام.
فإن كان أحدهما يدل على المسمى مع زيادة لم يكن من المترادفة، كالسيف، والمهنّد، والصارم؛ فإن المهنّد يدل على السيف مع زيادة نسبته إلى الهند، والصارم يدل عليه مع صفة الحدَّة، فخالف إذا مفهومه مفهوم السيف1.
والمتباينة: الأسماء المختلفة للمعاني المختلفة، كالسماء والأرض، وهي الأكثر.
وأما المتواطئة: فهي الأسماء المنطلقة على أشياء متغايرة بالعدد، متفقة في المعنى الذي وضع الاسم عليها، كالرجل: ينطلق على زيد، وعمرو، والجسم: ينطلق عليهما وعلى السماء والأرض، لاتفاقهما في معنى الجسمية.
وأما المشتركة: فهي الأسماء المنطلقة على مسميات مختلفة بالحقيقة، كالعين للعضو الناظر، والذهب2.
وقد يقع على المتضادين: كالجليل، للكبير والصغير، والجون: للأسود والأبيض، والقرء: للحيض والطهر، والشفق: للبياض والحمرة.
وقد يقرب المشترك من المتواطئ، كالحي، يقع على الحيوان والنبات، فيظن أنه من المتواطئ، وهو من المتشرك؛ إذ المراد من حياة
يستفاد من ذلك: أن شرط الترادف: أن يكون في أحد اللفظين زيادة معنى لم يدل على اللفظ الآخر، وإلا خرج من باب الترادف.
2 لفظ "العين" يطلق على معان كثيرة منها: العين المبصرة، والذهب، وعين الشمس، وما ينبع من الماء، والجاسوس، ورئيس الجيش، وكبير القوم وشريفهم، وذات الشيء ونفسه، وعلى الحاضر من كل شيء، وعلى النفس من كل شيء.... انظر "الصاحبي لابن فارس ص171، المزهر للسيوطي 1/ 369".