الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى مَقْتَلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه
-
(م)، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ قَالَ: جِئْتُ يَوْمَ الْجَرَعَةِ (1) فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ ، فَقُلْتُ: لَيُهْرَاقَنَّ الْيَوْمَ هَاهُنَا دِمَاءٌ ، فَقَالَ ذَاكَ الرَّجُلُ: كَلَّا وَاللهِ ، فَقُلْتُ: بَلَى وَاللهِ ، فَقَالَ: كَلَّا وَاللهِ ، فَقُلْتُ: بَلَى وَاللهِ ، فَقَالَ: كَلَّا وَاللهِ ، إِنَّهُ لَحَدِيثٌ حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ لَهُ: بِئْسَ الْجَلِيسُ لِي أَنْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ ، تَسْمَعُنِي أُخَالِفُكَ وَقَدْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فلَا تَنْهَانِي؟ ، ثُمَّ قُلْتُ: مَالِي وَلِلْغَضَبِ؟ ، فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ أَسْأَلُهُ فَإِذَا الرَّجُلُ حُذَيْفَةُ. (2)
الشرح (3)
(1)(الْجَرَعَة): مَوْضِع بِقُرْبِ الْكُوفَة عَلَى طَرِيق الْحِيرَة. النووي (9/ 272)
(2)
(م) 2893 ، (حم) 23436
(3)
قال ابن كثير في (البداية والنهاية) ط إحياء التراث (7/ 185 - 190)(مُخْتَصَرًا):
سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ ، وَفِيهَا سَيَّرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان جَمَاعَةً مِنْ " قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ " إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ قَبِيحٍ فِي مَجْلِسِ سَعِيدِ بْنِ العاص (أمير الكوفة من جهة عثمان) فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ فِي أَمْرِهِمْ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ أَنْ يُجْلِيَهُمْ عَنْ بَلَدِهِ إِلَى الشَّامِ ، وَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَمِيرِ الشَّامِ أَنَّهُ قد خَرَج إِلَيْكَ قُرَّاءٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَأَنْزِلْهُمْ وَأَكْرِمْهُمْ وَتَألَفْهُمْ.
فلمَّا قَدِمُوا أَنْزَلَهُمْ مُعَاوِيَةُ وَأَكْرَمَهُمْ ، وَاجْتَمَعَ بِهِمْ ، وَوَعَظَهُمْ وَنَصَحَهُمْ فِيمَا يَعْتَمِدُونَهُ مِنِ اتِّبَاعِ الجماعة وترك الانفراد والابتعاد ، فأجاب مُتَكَلِّمُهُمْ وَالْمُتَرْجِمُ عَنْهُمْ بِكَلَامٍ فِيهِ بَشَاعَةٌ وَشَنَاعَةٌ ، فَاحْتَمَلَهُمْ مُعَاوِيَةُ لِحِلْمِهِ ، وَأَخَذَ فِي مَدْحِ قُرَيْشٍ - وَكَانُوا قَدْ نَالُوا مِنْهُمْ - وَأَخَذَ فِي الْمَدْحِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، وَالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ ، فَإِذَا هُمْ يَتَمَادَوْنَ فِي غَيِّهِمْ ، وَيَسْتَمِرُّونَ عَلَى جَهَالَتِهِمْ وَحَمَاقَتِهِمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ بَلَدِهِ ، وَنَفَاهُمْ عَنِ الشَّامِ لِئَلَّا يُشَوِّشُوا عُقُولَ الطَّغَامِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَمِلُ مَطَاوِي كَلَامِهِمْ عَلَى الْقَدْحِ فِي قُرَيْشٍ ، كَوْنَهُمْ فَرَّطُوا وَضَيَّعُوا مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقِيَامِ فِيهِ مِنْ نُصْرَةِ الدِّينِ وَقَمْعِ الْمُفْسِدِينَ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهَذَا التَّنْقِيصَ وَالْعَيْبَ وَرَجْمَ الْغَيْبِ. وَكَانُوا يَشْتُمُونَ عُثْمَانَ ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ ، وَكَانُوا تِسْعَةً: كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ، وَالْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ - وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ يَزِيدَ - وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ، وَثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ النَّخْعِيُّ، وَجُنْدُبُ بْنُ زُهَيْرٍ الْعَامِرِيُّ، وَجُنْدُبُ بْنُ كَعْبٍ الْأَزْدِيُّ ، وَعُرْوَةُ بْنُ الْجَعْدِ ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيُّ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ عُثْمَانُ بَعْضَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْهَا إِلَى الشَّامِ وَإِلَى مِصْرَ بِأَسْبَابٍ مُسَوِّغَةٍ لِمَا فَعَلَهُ رضي الله عنه فَكَانَ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يُؤَلِّبُ عَلَيْهِ ، وَيُمَالِئُ الْأَعْدَاءَ فِي الْحَطِّ وَالْكَلَامِ فِيهِ ، وَهُمُ الظَّالِمُونَ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ الْبَارُّ الرَّاشِدُ رضي الله عنه.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تَكاتَبَ المنحرفون عن طاعة عثمان ، " وَكَانَ جُمْهُورُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ " ، وَثَارُوا عَلَى سعيدِ بن العاص أَمِيرِ الْكُوفَةِ ، وَتَأَلَّبُوا عَلَيْهِ ، وَنَالُوا مِنْهُ وَمِنْ عُثْمَانَ ، وَبَعَثُوا إِلَى عُثْمَانَ مَنْ يُنَاظِرُهُ فِيمَا فَعَلَ ، وَفِيمَا اعْتَمَدَ مَنْ عَزْلِ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَتَوْلِيَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ ، وَأَغْلَظُوا لَهُ فِي الْقَوْلِ ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أن يعزِل عُمَّالَه ، ويستبدل أئمةً غَيْرَهُمْ مِنَ السَّابِقَيْنَ وَمِنَ الصَّحَابَةِ ، حتَّى شقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ جِدًّا ، وَبَعَثَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فَأَحْضَرَهُمْ عِنْدَهُ لِيَسْتَشِيرَهُمْ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَمِيرُ الشَّامِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَمِيرُ مِصْرَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أبي سرح أمير المغرب، وسعيد بن الْعَاصِ أَمِيرُ الْكُوفَةِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ ، فَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا حَدَثَ مِنَ الْأَمْرِ وَافْتِرَاقِ الْكَلِمَةِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ قَرَّرَ عُثْمَانُ عُمَّالَهُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ ، وَتَأَلَّفَ قُلُوبَ أُولَئِكَ بِالْمَالِ ، وَأَمَرَ بأن يُبعثوا إلى الْغَزْوِ إِلَى الثُّغُورِ. وَلَمَّا رَجَعَتِ الْعُمَّالُ إِلَى أَقَالِيمِهَا امْتَنَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ ، وَلَبِسُوا السِّلَاحَ ، وَحَلَفُوا أَنْ لَا يُمَكِّنُوهُ من الدخول فيها حَتَّى يَعْزِلَهُ عُثْمَانُ ، وَيُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ ، وَكَانَ اجْتِمَاعُهُمْ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: الْجَرَعَةُ ، وَقَدْ قَالَ يومئذٍ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ: وَاللهِ لَا يُدْخِلُهَا عَلَيْنَا مَا حَمَلْنَا سُيُوفَنَا ، " وَتَوَاقَفَ النَّاسُ بِالْجَرَعَةِ " ، وَأَحْجَمَ سَعِيدٌ عَنْ قِتَالِهِمْ ، وَصَمَّمُوا عَلَى مَنْعِهِ ، فَكَرَّ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَكَسَرَ الْفِتْنَةَ ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ أَهْلَ الْكُوفَةِ ، وَكَتَبُوا إِلَى عُثْمَانَ أن يولِّي عليهم أبا موسى الأشعري بذلك ، فَأَجَابَهُمْ عُثْمَانُ إِلَى مَا سَأَلُوا إِزَاحَةً لِعُذْرِهِمْ ، وَإِزَالَةً لِشُبَهِهِمْ ، وَقَطْعًا لِعِلَلِهِمْ. أ. هـ
(حم)، وَعَنْ زَائِدَةَ بْنِ حَوَالَةَ رضي الله عنه قَالَ:(كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ مِنْ أَسْفَارِهِ ، فَنَزَلَ النَّاسُ مَنْزِلًا ، " وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ظِلِّ دَوْحَةٍ (1) فَرَآنِي وَأَنَا مُقْبِلٌ مِنْ حَاجَةٍ لِي وَلَيْسَ غَيْرُهُ وَغَيْرُ كَاتِبِهِ ، فَقَالَ: أَنَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ " ، فَقُلْتُ: عَلَامَ يَا رَسُولَ اللهِ؟) (2) (" فَأَعْرَضَ عَنِّي ، وَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ ") (3) (ثُمَّ دَنَوْتُ دُونَ ذَلِكَ ، فَقَالَ: " أَنَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ " ، فَقُلْتُ: عَلَامَ يَا رَسُولَ اللهِ؟) (4) (" فَأَعْرَضَ عَنِّي ، وَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ ") (5) (ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمَا ، فَإِذَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمَا لَنْ يُكْتَبَا إِلَّا فِي خَيْرٍ ، فَقَالَ: " أَنَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللهِ ، فَقَالَ: " يَا ابْنَ حَوَالَةَ ، كَيْفَ تَصْنَعُ فِي فِتْنَةٍ تَثُورُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ كَأَنَّهَا صَيَاصِي (6) بَقَرٍ؟ " ، فَقُلْتُ: أَصْنَعُ مَاذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ ، قَالَ: " عَلَيْكَ بِالشَّامِ " ، ثُمَّ قَالَ: " كَيْفَ تَصْنَعُ فِي فِتْنَةٍ كَأَنَّ الْأُولَى فِيهَا نَفْجَةُ أَرْنَبٍ (7)؟ ") (8) (قُلْتُ: لَا أَدْرِي ، مَا خَارَ اللهُ لِي وَرَسُولُهُ ، قَالَ: " اتَّبِعُوا هَذَا " - قَالَ: وَرَجُلٌ مُقَفٍّ (9) حِينَئِذٍ - فَانْطَلَقْتُ فَسَعَيْتُ وَأَخَذْتُ بِمَنْكِبَيْهِ (10) فَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه فَقُلْتُ: هَذَا؟ ، قَالَ: " نَعَمْ (11) ") (12)
(1) الدَّوْحةُ: الشجرة العظيمة المتسعة من أَيِّ الشجرِ كانت. لسان العرب (2/ 436)
(2)
(حم) 20369 ، وقال الشيخ شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح.
(3)
(حم) 17045 ، وقال الشيخ شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح.
(4)
(حم) 20369
(5)
(حم) 17045
(6)
الصياصي: القرون.
(7)
يُقَال: نَفَجَ الْأَرْنَب ، إِذَا ثَارَ وَعَدَا، وَانْتَفَجَ كَذَلِكَ، وَأَنْفَجْتُهُ: إِذَا أَثَرْته مِنْ مَوْضِعه. (فتح) - (ج 15 / ص 487)
(8)
(حم) 20369
(9)
أَيْ: مُوَلٍّ ، قَدْ أَعْطَانَا قَفَاهُ.
(10)
المَنْكِب: مُجْتَمَع رأس الكتف والعضد.
(11)
لمعرفة الأسباب والكيفية التي تمَّ فيها قتل عثمان رضي الله عنه انظر (البداية والنهاية) لابن كثير ، ط إحياء التراث (7/ 186)
(12)
(حم) 17045 ، انظر الصَّحِيحَة تحت حديث 3118
(جة حم)، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:(" قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ: وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِي بَعْضَ أَصْحَابِي " ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَلَا نَدْعُو لَكَ أَبَا بَكْرٍ؟ ، " فَسَكَتَ "، فَقُلْنَا: أَلَا نَدْعُو لَكَ عُمَرَ؟ ، " فَسَكَتَ "، فَقُلْنَا: أَلَا نَدْعُو لَكَ عُثْمَانَ؟ ، قَالَ: " نَعَمْ " ، فَجَاءَ عُثْمَانُ رضي الله عنه فَخَلَا بِهِ، " فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكَلِّمُهُ " ، وَوَجْهُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّر)(1)(" فَكَانَ مِنْ آخِرِ كَلَامٍ كَلَّمَهُ أَنْ ضَرَبَ مَنْكِبَهُ وَقَالَ: يَا عُثْمَانُ)(2)(إِنْ وَلَّاكَ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ يَوْمًا (3) فَأَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصَكَ (4) الَّذِي قَمَّصَكَ اللهُ (5) فلَا تَخْلَعْهُ (6)) (7)(حَتَّى تَلْقَانِي)(8)(يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ")(9)(قَالَ أَبُو سَهْلَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ (10) وَحُصِرَ فِيهَا ، قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَلَا تُقَاتِلُ؟، قَالَ: لَا، " إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا "، وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ) (11) (قَالَ قَيْسٌ (12): فَكَانُوا يُرَوْنَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ) (13)(قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رضي الله عنه: فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَأَيْنَ كَانَ هَذَا عَنْكِ؟)(14)(مَا مَنَعَكِ أَنْ تُعْلِمِي النَّاسَ بِهَذَا؟)(15)(قَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ أُنْسِيتُهُ)(16)(فَمَا ذَكَرْتُهُ ، قَالَ النُّعْمَانُ: فَأَخْبَرْتُهُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه فَلَمْ يَرْضَ بِالَّذِي أَخْبَرْتُهُ حَتَّى كَتَبَ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ بِهِ، فَكَتَبَتْ إِلَيْهِ بِهِ كِتَابًا)(17).
(1)(جة) 113
(2)
(حم) 24610، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(3)
أَيْ: يَجْعَلُك وَالِيًا لِهَذَا الْأَمْر. حاشية السندي على ابن ماجه (ج 1 / ص 99)
(4)
الْمُرَاد بِالْقَمِيصِ: الْخِلَافَة. حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 99)
(5)
أَيْ: أَلْبَسَكَ اللهُ إِيَّاهُ. حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 99)
(6)
أَيْ: إِنْ قَصَدُوا عَزْلَكَ عَنْ الْخِلَافَةِ ، فَلَا تَعْزِلْ نَفْسَك عَنْهَا لِأَجْلِهِمْ ، لِكَوْنِكَ عَلَى الْحَقِّ ، وَكَوْنِهِمْ عَلَى الْبَاطِلِ. تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 117)
(7)
(جة) 112 ، (ت) 3705
(8)
(حم) 24610
(9)
(جة) 112
(10)
أي: أيام الحصار التي جلس فيها عثمان رضي الله عنه في داره لأجل أهل الفتنة.
(11)
(حم) 24298 ، (جة) 113 ، وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح
(12)
هو: ابن أبي حازم ، راوي الحديث عن عائشة.
(13)
(جة) 113
(14)
(حم) 24610
(15)
(جة) 112
(16)
(حم) 25203 ، (جة) 112 قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حديث حسن
(17)
(حم) 24610 ، انظر المشكاة: 6070، صحيح موارد الظمآن: 1842
(ت)، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:" ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِتْنَةً "، فَمَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ:" يُقْتَلُ فِيهَا هَذَا يَوْمَئِذٍ مَظْلُومًا "، قَالَ: فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه. (1)
(1)(ت) 3708 ، (حم) 5953
(جة حم)، وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:(" ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِتْنَةً فَقَرَّبَهَا (1) وَعَظَّمَهَا ") (2) (فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنِّعٌ (3) رَأسَهُ) (4) (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " هَذَا يَوْمَئِذٍ (5) وَمَنْ اتَّبَعَهُ عَلَى الْهُدَى") (6) (فَانْطَلَقْتُ مُسْرِعًا فَأَخَذْتُ بِضَبْعَيْهِ (7)) (8) (فَحَوَّلْتُ وَجْهَهُ إِلَيْهِ ، وَكَشَفْتُ عَنْ رَأسِهِ ، وَقُلْتُ: هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ ، قَالَ: " نَعَمْ " ، فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه) (9).
(1) أَيْ: عَدَّهَا قَرِيبَةَ الْوُقُوعِ، وقَالَ الْأَشْرَفُ: مَعْنَاهُ وَصَفَهَا لِلصَّحَابَةِ وَصْفًا بَلِيغًا فَإِنَّ مَنْ وَصَفَ عِنْدَ أَحَدٍ وَصْفًا بَلِيغًا ، فَكَأَنَّهُ قَرَّبَ ذَلِكَ الشَّيْءَ إِلَيْهِ. تحفة (5/ 469)
(2)
(حم) 18143 ، (ت) 3704 ، وقال الشيخ شعيب الأرناءوط: صحيح.
(3)
التَّقْنِيع: سَتْر الرَّأس بِالرِّدَاءِ.
(4)
(جة) 111
(5)
أَيْ: يَوْمَ وُقُوعِ تِلْكَ الْفِتَنِ. تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 469)
(6)
(حم) 18092 ، وقال الشيخ شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح.
(7)
الضَّبْع: الْعَضُد. حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 98)
(8)
(حم) 18143
(9)
(حم) 18154 ، (ت) 3704 ، وقال شعيب الأرناءوط: صحيح لغيره.
(حم)، وَعَن أَبِي حَبِيبَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ قَالَ: دَخَلْتُ الدَّارَ وَعُثْمَانُ رضي الله عنه مَحْصُورٌ فِيهَا، فَسَمِعَتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَسْتَأذِنُ عُثْمَانَ فِي الْكَلَامِ ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ بَعْدِي اخْتِلَافًا وَفِتْنَةً "، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنْ النَّاسِ: فَمَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ ، قَالَ:" عَلَيْكُمْ بِالْأَمِينِ وَأَصْحَابِهِ - وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ - "(1)
(1)(حم) 8522 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
(حم)، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ نَجَا مِنْ ثَلَاثٍ فَقَدْ نَجَا ، مَنْ نَجَا مِنْ ثَلَاثٍ فَقَدْ نَجَا ، مَنْ نَجَا مِنْ ثَلَاثٍ فَقَدْ نَجَا "، فَقَالُوا: مَاذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ ، قَالَ:" مَوْتِي ، وَمِنْ قَتْلِ خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ (1) بِالْحَقِّ مُعْطِيهِ ، وَالدَّجَّالِ "(2)
الشرح (3)
(1) المصطبر: الصابر على الحق ، المتمسك به.
(2)
(حم) 17014 ، وصححه الألباني في ظلال الجنة: 1177
(3)
قال ابن كثير في (البداية والنهاية) ط إحياء التراث (7/ 190 - 211)(مُخْتَصَرًا):
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ، وفيها مقتل عثمان ، وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ العاص حين عزله عثمان عن مصر ، ولَّى عَلَيْهَا عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَوَارِجَ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ كَانُوا مَحْصُورِينَ مِنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، مَقْهُورِينَ مَعَهُ ، لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِسُوءٍ في خليفة ولا أمير ، فما زالوا حتَّى شَكَوْهُ إِلَى عُثْمَانَ لِيَنْزِعَهُ عَنْهُمْ ، وَيُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ مَنْ هُوَ أَلْيَنُ مِنْهُ. فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأبُهُمْ حَتَّى عَزَلَ عَمْرًا عَنِ الْحَرْبِ ، وَتَرَكَهُ عَلَى الصَّلَاةِ ، وَوَلَّى عَلَى الْحَرْبِ وَالْخَرَاجِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ثُمَّ سَعَوْا فِيمَا بَيْنَهُمَا بِالنَّمِيمَةِ فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا ، حَتَّى كَانَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ قَبِيحٌ ، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ فَجَمَعَ لِابْنِ أَبِي سَرْحٍ جَمِيعَ عِمَالَةِ مِصْرَ، خَرَاجَهَا وَحَرْبَهَا وَصَلَاتَهَا، وَبَعَثَ إِلَى عَمْرٍو يَقُولُ لَهُ: لَا خَيْرَ لَكَ فِي الْمَقَامِ عِنْدَ مَنْ يَكْرَهُكَ، فَاقْدُمْ إِلَيَّ ، فَانْتَقَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَكَانَ بِمِصْرَ جَمَاعَةٌ يُبْغِضُونَ عُثْمَانَ ، وَيَتَكَلَّمُونَ فِيهِ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ، وَيَنْقِمُونَ عَلَيْهِ فِي عَزْلِهِ جَمَاعَةً مِنْ عِلْيَةِ الصَّحَابَةِ وَتَوْلِيَتِهِ مَنْ دُونِهِمْ ، أَوْ مَنْ لَا يَصْلُحُ عِنْدَهُمْ لِلْوِلَايَةِ ، وَكَرِهَ أَهْلُ مِصْرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ بَعْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَاشْتَغَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدٍ عَنْهُمْ بِقِتَالِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ ، وَفَتْحِهِ بِلَادَ الْبَرْبَرِ وَالْأَنْدَلُسِ وَإِفْرِيقِيَّةَ. وَنَشَأَ بِمِصْرَ طَائِفَةٌ مِنْ أَبْنَاءِ الصَّحَابَةِ ، يُؤَلِّبُونَ النَّاسَ عَلَى حَرْبِهِ وَالْإِنْكَارِ عَلَيْهِ ، وَكَانَ عُظْمُ ذَلِكَ مُسْنَدًا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ ، حَتَّى اسْتَنْفَرَا نَحْوًا مِنْ سِتِّمِائَةِ رَاكِبٍ يَذْهَبُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي صِفَةِ مُعْتَمِرِينَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ ، لِيُنْكِرُوا عَلَى عُثْمَانَ ، فَسَارُوا إِلَيْهَا تحت أربع رِفاق ، وأمْرُ الجميع إلى عَمْرِو بْنِ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيِّ ، وَعَبْدِ الرحمن بن عديس البلوي ، وكنانة بن بشر التُّجِيبِيِّ ، وَسَوْدَانَ بْنِ حُمْرَانَ السَّكُونِيِّ. وَأَقْبَلَ مَعَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، وَأَقَامَ بِمِصْرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ يُؤَلِّبُ النَّاسَ وَيُدَافِعُ عَنْ هَؤُلَاءِ. وَكَتَبَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ إِلَى عُثْمَانَ يُعْلِمُهُ بِقُدُومِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ إِلَى الْمَدِينَةِ مُنْكِرِينَ عَلَيْهِ فِي صِفَةِ مُعْتَمِرِينَ.
ذِكْرُ مجيء الْأَحْزَابِ إِلَى عُثْمَانَ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مِصْرَ:
وذلك أَنَّ أَهْلَ الْأَمْصَارِ لَمَّا بَلَغَهُمْ خَبَرُ مَرْوَانَ بن الحكم أنه زَوَّر كِتَابًا عَلَى لِسَانِ عثمان يأمر فيه وُلاةَ الأمصار بقتل المؤلبين عليه ، وَغَضَبُ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ بِسَبَبِهِ ، وَوَجَدُوا الْأَمْرَ على ما كان عليه لم يتغير، ولم يسلك عثمان سيرة صاحبَيْه تكاتبَ " أَهْلُ مِصْرَ ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ " ، وَتَرَاسَلُوا ، وَزُوِّرَتْ كُتُبٌ عَلَى لِسَانِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ بِالْمَدِينَةِ ، وَعَلَى لِسَانِ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ ، يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى قِتَالِ عُثْمَانَ وَنَصْرِ الدِّينِ ، وَأَنَّهُ أَكْبَرُ الجهادِ اليوم. فلَمَّا كَانَ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وثلاثين ، خرج أهل مصر في أربع رفاق عَلَى أَرْبَعَةِ أُمَرَاءَ ، الْمُقَلِّلُ لَهُمْ يَقُولُ سِتُّمِائَةٍ ، وَالْمُكَثِّرُ يَقُولُ: أَلْفٌ. عَلَى الرِّفَاقِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عديس البلوي ، وكنانة بن بشر اللِّيثِيُّ ، وَسَوْدَانُ بْنُ حُمْرَانَ السُّكُونِيُّ ، وَقُتَيْرَةُ السُّكُونِيُّ ، وَعَلَى الْقَوْمِ جَمِيعًا الْغَافِقِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْعَكِّيُّ وَخَرَجُوا فِيمَا يُظْهِرُونَ لِلنَّاسِ حُجَّاجًا ، وَمَعَهُمُ ابْنُ السَّوْدَاءِ - وَكَانَ أَصْلُهُ ذِمِّيًّا فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ ، وَأَحْدَثَ بِدَعًا قَوْلِيَّةً وَفِعْلِيَّةً ، قَبَّحَهُ اللهُ - وَخَرَجَ أَهْلُ الكوفة في عِدَّتهم في أربع رفاق أيضا ، وَأُمَرَاؤُهُمْ: زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ ، وَالْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ ، وَزِيَادُ بْنُ النَّضْرِ الْحَارِثِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْأَصَمِّ، وَعَلَى الْجَمِيعِ عَمْرُو بْنُ الْأَصَمِّ. وَخَرَجَ أَهْلُ البصرة في عِدَّتهم أَيْضًا فِي أَرْبَعِ رَايَاتٍ مَعَ حُكيم بْنِ جَبَلَةَ الْعَبْدِيِّ ، وَبِشْرِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ ضُبَيْعَةَ القيسي ، وذريح بن عباد العبدي ، وَعَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ السَّعْدِيُّ. فَسَارَ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ بَلَدِهِمْ حَتَّى تَوَافَوْا حَوْلَ الْمَدِينَةِ ، فَبَعَثُوا قُصَّادًا وعيوناً بين أيديهم ليخبروا الناس أنهم إنما جاؤوا لِلْحَجِّ لَا لِغَيْرِهِ ، وَلِيَسْتَعْفُوا هَذَا الْوَالِي مِنْ بَعْضِ عُمَّالِهِ ، مَا جِئْنَا إِلَّا لِذَلِكَ ، وَاسْتَأذَنُوا للدخول ، فَكُلُّ النَّاسِ أَبَى دُخُولَهُمْ وَنَهَى عَنْهُ ، فَتَجَاسَرُوا وَاقْتَرَبُوا مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَرَجَعَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ ، وَأَظْهَرُوا لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ رَاجِعُونَ إِلَى بُلْدَانِهِمْ ، وَسَارُوا أَيَّامًا رَاجِعِينَ ، ثُمَّ كَرُّوا عَائِدِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَمَا كَانَ غَيْرَ قَلِيلٍ حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ التَّكْبِيرَ ، وَإِذَا الْقَوْمُ قَدْ زَحَفُوا عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَحَاطُوا بِهَا ، وَجُمْهُورُهُمْ عِنْدَ دَارِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَقَالُوا لِلنَّاسِ: مَنْ كَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ ، فَكَفَّ النَّاسُ وَلَزِمُوا بُيُوتَهُمْ ، وَأَقَامَ النَّاس عَلَى ذَلِكَ أَيَّامًا. هَذَا كُلُّهُ وَلَا يَدْرِي النَّاسُ مَا الْقَوْمُ صَانِعُونَ ، وَلَا عَلَى مَا هُمْ عَازِمُونَ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ، فَيُصَلِّي وَرَاءَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ، وَأُولَئِكَ الْآخَرُونَ. وَذَهَبَ الصَّحَابَةُ إِلَى هَؤُلَاءِ يُؤَنِّبُونَهُمْ وَيَعْذِلُونَهُمْ عَلَى رُجُوعِهِمْ ، حَتَّى قَالَ عَلِيٌّ لِأَهْلِ مِصْرَ: مَا رَدُّكُمْ بَعْدَ ذَهَابِكُمْ وَرُجُوعِكُمْ عَنْ رَأيِكُمْ؟ ، فَقَالُوا: وَجَدْنَا مَعَ بَرِيدٍ كِتَابًا بِقَتْلِنَا ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَصْرِيُّونَ لِطَلْحَةَ ، وَالْكُوفِيُّونَ لِلزُّبَيْرِ. وَقَالَ أَهْلُ كُلِّ مِصْرَ: إِنَّمَا جِئْنَا لِنَنْصُرَ أَصْحَابَنَا. فَقَالَ لَهُمُ الصَّحَابَةُ: كَيْفَ عَلِمْتُمْ بِذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِكُمْ ، وَقَدِ افْتَرَقْتُمْ وَصَارَ بَيْنَكُمْ مَرَاحِلُ؟ ، إِنَّمَا هَذَا أَمْرٌ اتَّفَقْتُمْ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: ضَعُوهُ عَلَى مَا أَرَدْتُمْ ، لَا حَاجَةَ لَنَا فِي هَذَا الرَّجُلِ ، لِيَعْتَزِلْنَا وَنَحْنُ نَعْتَزِلُهُ- يَعْنُونَ أَنَّهُ إِنْ نَزَلَ عَنِ الْخِلَافَةِ تَرَكُوهُ آمِنًا- وَكَانَ الْمِصْرِيُّونَ فِيمَا ذُكِرَ ، لَمَّا رَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ وَجَدُوا فِي الطَّرِيقِ بَرِيدًا يَسِيرُ فَأَخَذُوهُ فَفَتَّشُوهُ ، فَإِذَا مَعَهُ فِي إداوة كتاباً عَلَى لِسَانِ عُثْمَانَ ، فِيهِ الْأَمْرُ بِقَتْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ، وَبِصَلْبِ آخَرِينَ ، وَبِقَطْعِ أَيْدِي آخَرِينَ مِنْهُمْ وَأَرْجُلِهِمْ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ كَذَلِكَ ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ لمروان أَنْ يَفْتَاتَ عَلَى عُثْمَانَ وَيَكْتُبَ عَلَى لِسَانِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَيُزَوِّرَ عَلَى خَطِّهِ وَخَاتَمِهِ ، وَيَبْعَثَ غُلَامَهُ عَلَى بَعِيرِهِ ، بَعْدَمَا وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَ عُثْمَانَ وَبَيْنَ الْمِصْرِيِّينَ ، عَلَى تَأمِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مِصْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَانَ عَلَى الْكِتَابِ طَابَعٌ بِخَاتَمِ عُثْمَانَ ، والبريدُ أحدُ غِلْمان عثمان ، وعلى جَمَلِه، وَلِهَذَا لَمَّا وَجَدُوا هَذَا الْكِتَابَ عَلَى خِلَافِ مَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ ، وَظَنُّوا أَنَّهُ مِنْ عُثْمَانَ ، أَعْظَمُوا ذَلِكَ ، مَعَ مَا هُمْ مُشْتَمَلُونَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ فَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَطَافُوا بِهِ على رؤوس الصَّحَابَةِ ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَوْمٌ آخَرُونَ ، حَتَّى ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّ هَذَا عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ ، فَلَمَّا قِيلَ لِعُثْمَانَ فِي أَمْرِ هَذَا الْكِتَابِ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ ، وَجُمْهُورِ الْمِصْرِيِّينَ ، حَلَفَ بِاللهِ الْعَظِيمِ ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ الرَّاشِدُ ، أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ هَذَا الْكِتَابَ ، وَلَا أَمَلَاهُ عَلَى مَنْ كَتَبَهُ ، وَلَا عِلْمَ بِهِ ، فَقَالُوا لَهُ: فَإِنَّ عَلَيْهِ خَاتَمَكَ ، فَقَالَ: إنَّ الرَّجل قَدْ يُزَوَّرُ عَلَى خَطِّهِ وَخَاتَمِهِ ، قَالُوا: فَإِنَّهُ مَعَ غُلَامِكَ وَعَلَى جَمَلِكَ ، فَقَالَ: وَاللهِ لَمْ أشعر بشيء مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالُوا لَهُ - بَعْدَ كُلِّ مَقَالِهِ - -إِنْ كُنْتَ قَدْ كَتَبْتَهُ فَقَدْ خُنْتَ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ كَتَبْتَهُ ، بَلْ كُتِبَ عَلَى لِسَانِكَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ ، فَقَدْ عَجَزْتَ ، وَمِثْلُكَ لَا يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ ، إِمَّا لِخِيَانَتِكَ ، وَإِمَّا لِعَجْزِكَ.
وَذَكَرَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ عُثْمَانَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَهُمْ أَيْضًا فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: يَا هؤلاء الغرباء! اللهَ اللهَ ، فَوَاللهِ أنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَيَعْلَمُونِ أَنَّكُمْ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَامْحُوَا الْخَطَأَ بِالصَّوَابِ ، فَإِنَّ اللهَ لا يمحو السئ إِلَّا بِالْحَسَنِ، فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: أَنَا أَشْهَدُ بِذَلِكَ ، فَأَخَذَهُ حُكَيم بْنُ جَبَلَةَ فَأَقْعَدَهُ، فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّهُ فِي الْكِتَابِ ، فَثَارَ إِلَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى محمد بن أبي مريرة فأقعده وقال: يا نِطْع.
وَثَارَ الْقَوْمُ بِأَجْمَعِهِمْ فَحَصَبُوا النَّاسَ حَتَّى أَخْرَجُوهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ ، وَحَصَبُوا عُثْمَانَ حَتَّى صُرِعَ مِنَ الْمِنْبَرِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ، فَاحْتُمِلَ وَأُدْخِلَ دَارَهُ، وَكَانَ الْمِصْرِيُّونَ لَا يَطْمَعُونَ فِي أَحَدٍ مِنَ النَّاس أَنْ يُسَاعِدَهُمْ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ، وَمُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ ، وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ. وَأَقْبَلَ عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ إِلَى عُثْمَانَ فِي أُنَاسٍ يَعُودُونَهُ وَيَشْكُونَ إِلَيْهِ بَثَّهُمْ وَمَا حَلَّ بِالنَّاسِ ، ثم رجعوا إلى منازلهم. واستقبلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْمُحَارَبَةِ عَنْ عُثْمَانَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عُثْمَاُ يُقْسِمُ عَلَيْهِمْ لَمَا كَفُّوا أَيْدِيَهُمْ وَسَكَنُوا حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ مَا يَشَاءُ.
ذكر حَصْرِ أمير المؤمنين عثمان بن عفان
لَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَشُجَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ ، وَهُوَ فِي رَأسِ الْمِنْبَرِ ، وسقط مغشياً عليه ، واحتمل إلى داره وتفاقم الْأَمْرُ ، وَطَمِعَ فِيهِ أُولَئِكَ الْأَجْلَافُ الْأَخْلَاطُ مِنَ الناس ، وألجأوه إِلَى دَارِهِ وَضَيَّقُوا عَلَيْهِ ، وَأَحَاطُوا بِهَا مُحَاصِرِينَ لَهُ لَزِمَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بُيُوتَهُمْ، وَسَارَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَبْنَاءِ الصَّحَابَةِ عَنْ أَمْرِ آبَائِهِمْ مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ -وَكَانَ أَمِيرَ الدَّارِ- وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عمرو وصاروا يُحَاجُّون عَنْهُ ، وَيُنَاضِلُونَ دُونَهُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ. وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ عُثْمَانَ لمَّا رأى ما فعل هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ ، مِنْ مُحَاصَرَتِهِ فِي دَارِهِ ، وَمَنْعِهِ الْخُرُوجَ إِلَى الْمَسْجِدِ ، كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ ، وَإِلَى ابْنِ عَامِرٍ بِالْبَصْرَةِ وإلى أهل الكوفة ، يستنجدهم في بعض جَيْشٍ يَطْرُدُونَ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ حَبيب بن مَسْلمة ، وانتدب يزيد بن أسد القشيري فِي جَيْشٍ، وَبَعَثَ أَهْلُ الْكُوفَةِ جَيْشًا ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ جَيْشًا، فَلَمَّا سَمِعَ أُولَئِكَ بِخُرُوجِ الْجُيُوشِ إِلَيْهِمْ ، صَمَّمُوا عَلَى أَمْرِهِمْ وَبَالَغُوا فِيهِ ، وَانْتَهَزُوا الْفُرْصَةَ بِقِلَّةِ النَّاسِ وَغَيْبَتِهِمْ فِي الْحَجِّ ، وَأَحَاطُوا بِالدَّارِ ، وَجَدُّوا فِي الْحِصَارِ. وَقُتِلَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ، وَآخَرُونَ مِنْ أُولَئِكَ الْفُجَّارِ ، وَجُرِحَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةً ، وَكَذَلِكَ جُرِحَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ. فَلَمَّا كَانَ يَوْم السابع عشر من ذي الحجة ، قَالَ عُثْمَانُ لِلَّذِينِ عِنْدَهُ فِي الدَّارِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ سَبْعِمِائَةٍ ، فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَالْحَسَنُ ، وَالْحُسَيْنُ ، وَمَرْوَانُ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَخَلْقٌ مِنْ مَوَالِيهِ ، وَلَوْ تَرَكَهُمْ لَمَنَعُوهُ ، فَقَالَ لَهُمْ: أُقْسِمَ عَلَى مَنْ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ أَنْ يَكُفَّ يَدَهُ ، وَأَنْ يَنْطَلِقَ إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَعِنْدَهُ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ وَأَبْنَائِهِمْ جَمٌّ غَفِيرٌ ، وَقَالَ لِرَقِيقِهِ: مَنْ أَغْمَدَ سَيْفَهُ فَهُوَ حُرٌّ ، فَبَرُدَ القتالُ مِنْ دَاخِلٍ ، وَحَمِيَ مِنْ خَارِجٍ ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى فِي الْمَنَامِ رُؤْيَا دَلَّتْ عَلَى اقْتِرَابِ أَجَلِهِ، فَاسْتَسْلَمَ لِأَمْرِ اللهِ رجاء موعوده ، وشوقا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وليكون خيراً ابنَيْ آدَمَ حَيْثُ قَالَ حِينَ أَرَادَ أَخُوهُ قَتْلَهُ:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ، وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 29].وَجَاءَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ ، فَعَالَّ بِهَا حَتَّى سُمِعَ وَقْعُ أَضْرَاسِهِ ، فَقَالَ: مَا أَغْنَى عَنْكَ مُعَاوِيَةُ ، وَمَا أَغْنَى عَنْكَ ابْنُ عَامِرٍ ، وَمَا أَغْنَتْ عَنْكَ كُتُبُكَ ، قَالَ: أَرْسِلْ لحيتي يا ابن أَخِي ، قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ اسْتَعْدَى رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ بِعَيْنِهِ - يَعْنِي أَشَارَ إِلَيْهِ - فَقَامَ إِلَيْهِ بمشقص فوجأ بِهِ رَأسَهُ. ثُمَّ تعاوَرُوا عَلَيْهِ حتى قَتَلُوه. وَوَثَبَتْ نَائِلَةُ بِنْتُ الْفَرَافِصَةِ الْكَلْبِيَّةُ (زوجة عثمان) فَصَاحَتْ وَأَلْقَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ ، وَقَالَتْ: يَا بِنْتَ شَيْبَةَ ، أَيُقْتَلُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ ، وَأَخَذَتِ السَّيْفَ ، فَقَطَعَ الرَّجُلُ يَدَهَا ، وَانْتَهَبُوا مَتَاعَ الدَّارِ. وَثَبَتَ من غير وجه أَنَّ أَوَّلَ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ سَقَطَتْ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137] وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَصَلَ إِلَيْهَا فِي التِّلَاوَةِ أَيْضًا حِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ وَضَعَ الْمُصْحَفَ يَقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنَ.
قال سَيْفُ بْنُ عُمَرَ: وَاللهِ مَا تَرَكُوا فِي دَارِهِ شَيْئًا حَتَّى الأقداح إلا ذهبوا به. ثُمَّ تَنَادَى الْقَوْمُ: أَنْ أَدْرِكُوا بَيْتَ الْمَالِ ، لَا تُسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ، فَسَمِعَهُمْ حَفَظَةُ بَيْتِ الْمَالِ ، فَقَالُوا: يَا قَوْمُ ، النجا النجا ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَمْ يَصْدُقُوا فِيمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ قَصْدَهُمْ قِيَامُ الْحَقِّ ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، والنَّهي عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ادَّعَوْا أَنَّهُمْ إِنَّمَا قَامُوا لِأَجْلِهِ ، وَكَذَبُوا ، إِنَّمَا قَصْدُهُمُ الدُّنْيَا ، فَجَاءَ الْخَوَارِجُ فَأَخَذُوا مَالَ بَيْتِ المال ، وكان فيه شيء كثير جدا. أ. هـ
(حم)، وَعَنْ مطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ (1) قَالَ: قُلْنَا لِلزُّبَيْرِ رضي الله عنه: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ ، مَا جَاءَ بِكُمْ؟ ، ضَيَّعْتُمْ الْخَلِيفَةَ حَتَّى قُتِلَ ، ثُمَّ جِئْتُمْ تَطْلُبُونَ بِدَمِهِ؟ ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (2) فَقَرَأنَاهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ، فَجَعَلْنَا نَقُولُ: مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ؟ ، وَمَا نَشْعُرُ أَنَّا أَهْلُهَا ، حَتَّى وَقَعَتْ مِنَّا حَيْثُ وَقَعَتْ. (3)
(1) هو الامام، القدوة، الحجة، أبو عبد الله الحرشي العامري البصري، وكان ثقة له فضل وورع وعقل وأدب ، وقال العجلي: كان ثقة لم ينج بالبصرة من فتنة ابن الاشعث إِلَّا هو وابن سيرين ، ولم ينج منها بالكوفة إِلَّا خيثمة بن عبد الرحمن، وإبراهيم النخعي ، قال مهدي بن ميمون: حدثنا غيلان بن جرير أن مطرفا كان بينه وبين رجل كلام، فكذب عليه فقال: اللهم إن كان كاذبا فأمِته ، فخر ميتا مكانه ، قال: فرُفع ذلك إلى زياد بن أبيه فقال له: قتلت الرجل؟ ، فقال مطرف: لا، ولكنها دعوة وافقت أجلا ، وتوفي مطرف سنة خمس وتسعين. سير أعلام النبلاء (ج4 ص 187)
(2)
[الأنفال/25]
(3)
(حم) 1414 ، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح ، وقال الأرنؤوط: إسناده جيد.