الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى مَقْتَلُ عَمَّارَ بْنِ يَاسَرَ رضي الله عنه
-
(خ م ت حم)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ (1) عَظِيمَتَانِ ، فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ) (2)(دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ ")(3)
الشرح (4)
(1) الْمُرَادُ بِهِمَا مَنْ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ لَمَّا تَحَارَبَا بِصِفِّينَ. فتح (10/ 410)
(2)
(خ) 6704 ، (م) 157
(3)
(خ) 6537 ، (م) 157
(4)
أَيْ: أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ الْمُحِقّ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ إِذْ ذَاكَ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَفْضَلَهُمْ يَوْمَئِذٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّة ، وَلِأَنَّ أَهْلَ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ بَايَعُوهُ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَان، وَتَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْل الشَّام، ثُمَّ خَرَجَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَمَعَهُمَا عَائِشَةُ إِلَى الْعِرَاق ، فَدَعَوْا النَّاسَ إِلَى طَلَبِ قَتَلَةِ عُثْمَان ، لِأَنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُمْ اِنْضَمُّوا إِلَى عَسْكَرِ عَلِيّ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ إِلَيْهِمْ ، فَرَاسَلُوهُ فِي ذَلِكَ ، فَأَبَى أَنْ يَدْفَعَهُمْ إِلَيْهِمْ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ دَعْوَى مِنْ وَلِيِّ الدَّم ، وَثُبُوتِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ، وَرَحَلَ عَلِيٌّ بِالْعَسْكَرِ طَالِبًا الشَّام، دَاعِيًا لَهُمْ إِلَى الدُّخُولِ فِي طَاعَتِه، مُجِيبًا لَهُمْ عَنْ شُبَهِهِمْ فِي قَتَلَةِ عُثْمَانَ بِمَا تَقَدَّمَ ، فَرَحَلَ مُعَاوِيَةُ بِأَهْلِ الشَّام ، فَالْتَقَوْا بِصِفِّينَ بَيْن الشَّامِ وَالْعِرَاق ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم
وَآلَ الْأَمْرُ بِمُعَاوِيَةَ وَمَنْ مَعَهُ عِنْدَ ظُهُورِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمْ إِلَى طَلَبِ التَّحْكِيم، ثُمَّ رَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى الْعِرَاق، فَخَرَجَتْ عَلَيْهِ الْحَرُورِيَّة ، فَقَتَلَهُمْ بِالنَّهْرَوَان ، وَمَاتَ بَعْد ذَلِكَ، وَخَرَجَ اِبْنُهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَهُ بِالْعَسَاكِرِ لِقِتَالِ أَهْلِ الشَّام ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ ، فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ الصُّلْحُ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث أَبِي بَكْرَة. فتح الباري (10/ 410)
(خ م حم)، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:(" أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ " ، فَجَعَلْنَا نَنْقُلُ لَبِنَةً لَبِنَةً (1)) (2)(وَكَانَ عَمَّارٌ رضي الله عنه يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ)(3)(فَتَتَرَّبُ رَأسُهُ (4)) (5)(" فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم)(6)(فَجَعَلَ يَنْفُضُ)(7)(عَنْ رَأسِهِ الْغُبَارَ وَيَقُولُ: وَيْحَ عَمَّارٍ ، تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ (8) عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ (9) ") (10) (فَقَالَ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الْفِتَنِ) (11).
(1) اللَّبِنَةُ: مَا يُصْنَع مِنْ الطِّين وَغَيْره لِلْبِنَاءِ قَبْل أَنْ يُحْرَق.
(2)
(حم) 11024، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(3)
(خ) 2657
(4)
أَيْ: امتلأ غُبارا وأتربة.
(5)
(حم) 11024
(6)
(خ) 436
(7)
(حم) 11024
(8)
قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ مُحِقًّا مُصِيبًا، وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى بُغَاةٌ ، لَكِنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ. النووي (9/ 300)
والْمُرَادُ " بِالْفِئَةِ ": أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ ، وَالْفِئَةُ: الْجَمَاعَةُ ، وَ" الْبَاغِيَةُ " هُمْ الَّذِينَ خَالَفُوا الْإِمَامَ ، وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَتِهِ بِتَأوِيلٍ بَاطِلٍ، وَأَصْلُ الْبَغْيِ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ. تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 222)
(9)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ قِيلَ: كَانَ قَتْلُهُ بِصِفِّينَ وَهُوَ مَعَ عَلِيٍّ ، وَالَّذِينَ قَتَلُوهُ مَعَ مُعَاوِيَةَ ، وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الدُّعَاءُ إِلَى النَّارِ ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ كَانُوا ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَهُمْ مُجْتَهِدُونَ لَا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِي اِتِّبَاعِ ظُنُونِهِمْ ، فَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ: الدُّعَاءُ إِلَى سَبَبِهَا ، وَهُوَ طَاعَةُ الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ كَانَ عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْوَاجِبُ الطَّاعَةِ إِذْ ذَاكَ ، وَكَانُوا هُمْ يَدْعُونَ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ ، لَكِنَّهُمْ مَعْذُورُونَ ، لِلتَّأوِيلِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُمْ ، اِنْتَهَى. تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 222)
(10)
(خ) 2657 ، (م) 2915
(11)
(خ) 436
(ك) ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ بِصِفِّينَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ وَهو يُنَادِي: أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ، وَزُوِّجَتِ الْحُورُ الْعَيْنُ، الْيَوْمَ نَلْقَى حَبِيبَنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم " عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّ آخِرَ زَادَكَ مِنَ الدُّنْيَا ضَيْحٌ (1) مِنْ لَبَنٍ "(2)
الشرح (3)
(1) الضَّيْح: هو اللبن الخاثر ، يُمزج بالماء حتى يصبح رقيقاً.
(2)
(ك) 5668، (طس) 6471، انظر الصَّحِيحَة: 3217
(3)
قال ابن كثير في (البداية والنهاية) ط هجر (10/ 491 - 535)(مُخْتَصَرًا): لَمَّا فَرَغَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَدَخَلَ الْبَصْرَةَ ، بَعَثَ إِلَى جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - وَكَانَ عَلَى هَمَذَانَ مِنْ زَمَانِ عُثْمَانَ - وَإِلَى الْأَشْعَثِ بْنِ قيس - وهو على نيابة أذربيجان من زمان عثمان - أن يأخذا البيعة على من هنالك من الرعايا ثُمَّ يُقْبِلَا إِلَيْهِ ، فَفَعَلَا ذَلِكَ.
فَلَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَدْعُوهُ إِلَى بَيْعَتِهِ ، قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أنَّا أَذْهَبُ إِلَيْهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وُدَّاً ، فآخذ لك منه البيعة ، فَقَالَ الْأَشْتَرُ: لَا تَبْعَثْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَوَاهُ مَعَهُ ، فَقَالَ علي: دعه ، وبعثه ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا إِلَى مُعَاوِيَةَ يُعْلِمُهُ بِاجْتِمَاعِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَلَى بَيْعَتِهِ ، وَيُخْبِرُهُ بِمَا كَانَ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ
وَيَدْعُوهُ إِلَى الدُّخُولِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ جَرِيرُ بن عبد الله أعطاه الكتاب ، فطلب معاويةُ عمرَو بن العاص ورؤوسَ أَهْلِ الشَّامِ فَاسْتَشَارَهُمْ ، فَأَبَوْا أَنْ يُبَايِعُوا حَتَّى يَقْتُلَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ ، أَوْ أَنْ يُسلم إِلَيْهِمْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ، قَاتَلُوهُ وَلَمْ يبايعوه حَتَّى يَقْتُلَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ ، فَرَجَعَ جَرِيرٌ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالُوا. وخرج أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ الْكُوفَةِ عَازِمًا عَلَى الدُّخُولِ إِلَى الشَّامِ ، فَعَسْكَرَ بِالنُّخَيْلَةِ ، وَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عَلِيًّا قَدْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ ، فَاسْتَشَارَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، فَقَالَ لَهُ: اخرج أنت أيضاً بِنَفْسِكَ ، وَكَتَبَ إِلَى أَجْنَادِ الشَّامِ فَحَضَرُوا وَعُقِدَتِ الْأَلْوِيَةُ وَالرَّايَاتُ لِلْأُمَرَاءِ ، وَتَهَيَّأَ أَهْلُ الشَّامِ وَتَأَهَّبُوا ، وَخَرَجُوا أَيْضًا إِلَى نَحْوِ الْفُرَاتِ مِنْ نَاحِيَةِ صِفِّين ، وَسَارَ عَلِيٌّ بِمَنْ مَعَهُ من الجنود مِنَ النُّخَيْلَةِ قَاصِدًا أَرْضَ الشَّامِ ، فتواجه الفريقان ، وتقابل الطائفتان ، فَبِالله الْمُسْتَعَانُ.
قَالَ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ أبي جعفر الباقر وزيد بن أنس وغيرهما قالوا: سار علي فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ أَلْفًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ فِي نَحْوٍ مِنْهُمْ مَنْ أهلَّ الشَّام.
فَتَوَاقَفُوا طَوِيلًا وَذَلِكَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: صِفِّينَ وَذَلِكَ فِي أَوَائِلِ ذِي الْحِجَّةِ. وَأَقَامَ عَلِيٌّ يَوْمَيْنِ لَا يُكَاتِبُ مُعَاوِيَةَ ، وَلَا يُكَاتِبُهُ مُعَاوِيَةُ ، ثُمَّ دَعَا عَلِيٌّ بَشِيرَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ ، وسعيد بن قيس الهمداني ، وشبيث بن ربعي السهمي ، فقال: ائتوا هَذَا الرَّجُلَ فَادْعُوهُ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَاسْمَعُوا مَا يَقُولُ لَكُمْ ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ عَمْرٍو: يَا مُعَاوِيَةُ! ، إِنَّ الدُّنْيَا عَنْكَ زَائِلَةٌ ، وَإِنَّكَ رَاجِعٌ إِلَى الْآخِرَةِ ، وَاللهُ مُحَاسِبُكُ بِعَمَلِكَ ، وَمُجَازِيكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ، وَإِنِّي أَنْشُدُكَ اللهَ أَنْ لا تَفَرِّقَ جَمَاعَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَأَنْ تَسْفِكَ دِمَاءَهَا بَيْنَهَا. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: هَلَّا أَوْصَيْتَ بِذَلِكَ صَاحِبَكُمْ؟ ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ صَاحِبِي أَحَقُّ هَذِهِ الْبَرِيَّةِ بِالْأَمْرِ فِي فَضْلِهِ وَدِينِهِ وَسَابِقَتِهِ وَقَرَابَتِهِ ، وَإِنَّهُ يَدْعُوكَ إِلَى مُبَايَعَتِهِ فَإِنَّهُ أَسْلَمُ لَكَ فِي دُنْيَاكَ ، وخير لك في آخرتك ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَيُطَلُّ (يهدر) دَمُ عُثْمَانَ؟ ، لَا وَاللهِ لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ أَبَدًا ، ثُمَّ أَرَادَ سَعِيدُ بن قيس الهمداني أن يتكلم ، فبدره شبيث بْنُ رِبْعِيٍّ فَتَكَلَّمَ قَبْلَهُ بِكَلَامٍ فِيهِ غِلْظَةٌ وَجَفَاءٌ فِي حَقِّ مُعَاوِيَةَ ، فَزَجَرَهُ مُعَاوِيَةُ وَزَبَرَهُ في افتياته على من هو أشرف منه ، وكلامه بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَأُخْرِجُوا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، وَصَمَّمَ عَلَى الْقِيَامِ بِطَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ الَّذِي قُتِلَ مَظْلُومًا ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَشِبَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ ، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَمْرِ عَلِيٍّ لَهُ بِذَلِكَ ، فَلَمَّا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ وَدَخَلَ الْمُحَرَّمُ ، تَدَاعَى النَّاسُ لِلْمُتَارَكَةِ ، لعلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ عَلَى أَمْرٍ يَكُونُ فِيهِ حَقْنُ دِمَائِهِمْ.
وروى ابن ديزيل من طريق عمرو بْنِ سَعْدٍ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ قُرَّاءَ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، وَقُرَّاءَ أَهْلِ الشَّامِ عَسْكَرُوا نَاحِيَةً ، وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ، وَأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ مِنْهُمْ عَبِيدَةُ السُّلْمَانِيُّ ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ ، وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عتبة بن مسعود ، وغيرهم جاؤوا مُعَاوِيَةَ فَقَالُوا لَهُ: مَا تَطْلُبُ؟ ، قَالَ: أَطْلُبُ بدم عثمان ، قالوا: فمن تطلب به؟ ، قال: علياً ، قالوا: أهو قَتَلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ! وَأَوَى قَتَلَتَهُ ، فَانْصَرَفُوا إِلَى عَلِيٍّ فَذَكَرُوا لَهُ مَا قَالَ ، فَقَالَ: كَذَبَ! ، لَمْ أَقْتُلْهُ ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي لَمْ أَقْتُلْهُ ، فرجعوا إلى معاوية ، فَقَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ قَتَلَهُ بِيَدِهِ ، فَقَدْ أَمَرَ رجالاً ، فرجعوا إلى علي ، فَقَالَ: وَاللهِ لَا قَتَلْتُ ، وَلَا أَمَرْتُ وَلَا مَالَأتُ فرجعوا ، فقال معاوية: فإن كَانَ صَادِقًا فَلْيُقِدْنَا مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ ، فَإِنَّهُمْ في عسكره وجنده ، فرجعوا ، فَقَالَ عَلِيٌّ: تَأَوَّلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فِي فِتْنَةٍ وَوَقَعَتِ الْفُرْقَةُ لِأَجْلِهَا ، وَقَتَلُوهُ فِي سُلْطَانِهِ ، وَلَيْسَ لِي عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ ، فَرَجَعُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرُوهُ ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يقول ، فماله أنفذ الْأَمْرَ دُونَنَا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَّا ، وَلَا ممن هاهنا؟ فرجعوا إلى علي ، فقال علي: إنما الناس مع الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، فَهُمْ شُهُودُ النَّاسِ عَلَى وِلَايَتِهِمْ وأمر دينهم ، ورَضُوا وَبَايَعُونِي ، وَلَسْتُ أَسْتَحِلُّ أَنْ أَدَعَ مِثْلَ مُعَاوِيَةَ يَحْكُمُ عَلَى الْأُمَّةِ وَيَشُقُّ عَصَاهَا ، فَرَجَعُوا إِلَى معاوية ، فقال: ما بال من ها هنا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَمْ يَدْخُلُوا فِي هَذَا الأمر؟ ، فرجعوا ، فقال علي: إِنَّمَا هَذَا لِلْبَدْرِيِّينَ دُونَ غَيْرِهِمْ ، وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَدْرِيٌّ إِلَّا وَهُوَ مَعِي ، وَقَدْ بايعني وقد رضي ، فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ دِينِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ. فَأَقَامُوا إِلَى شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، ثم شرعوا في المقاتلة ، فَاقْتَتَلُوا شَهْرَ ذِي الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ. ثُمَّ تَقَدَّمَ عَلِيٌّ وَهُوَ فِي الْقَلْبِ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى مَيْمَنَتِهِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ بُدَيْلٍ وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، وَعَلَى الْقُرَّاءِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ ، وَالنَّاسُ عَلَى رَايَاتِهِمْ ، فَزَحَفَ بِهِمْ إِلَى الْقَوْمِ ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ - وَقَدْ بَايَعَهُ أَهْلُ الشَّام عَلَى الْمَوْتِ - فَتَوَاقَفَ النَّاسُ فِي مَوْطِنٍ مَهُولٍ ، وَأَمْرٍ عَظِيمٍ.
وَهَذَا مَقْتَلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب ، قتَلَهُ أهلُ الشام ، وبان وظهر بذلك سِرُّ ما أخبَرَهُ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّهُ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ، وَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا محقٌ ، وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ باغٍ ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ،
روى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْد اللهِ بْن سَلَمَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ عَمَّارًا يَوْمَ صِفِّينَ شَيْخًا كَبِيرًا ، آدَمَ طُوَالًا ، آخِذٌ الْحَرْبَةَ بِيَدِهِ ، وَيَدُهُ تَرْعَدُ ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ قَاتَلْتُ بِهَذِهِ الرَّايَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هَجَرَ لَعَرَفْتُ أَنَّ مُصْلِحِينَا عَلَى الْحَقِّ ، وَأَنَّهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ. وَقَدْ كَانَ ذُو الْكَلَاعِ سَمِعَ قول عمرو بن العاص يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ " تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ، وَآخَرُ شَرْبَةٍ تَشْرَبُهَا صَاعُ لَبَنٍ "، فَكَانَ ذُو الْكَلَاعِ يَقُولُ لِعَمْرٍو: وَيْحَكَ! مَا هَذَا يَا عَمْرُو؟ ،! فَيَقُولُ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّهُ سَيَرْجِعُ إِلَيْنَا. وعَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: " مَا خُير عَمَّارٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَرْشَدَهُمَا "
وعَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: قال أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: رَأَيْتُ عَمَّارًا لَا يَأخُذُ وَادِيًا مِنْ أَوْدِيَةِ صِفِّينَ إِلَّا اتَّبَعَهُ مَنْ كَانَ هُنَاكَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ورأيتُه جاء إلى هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ ، وَهُوَ صَاحِبُ رَايَةِ عَلِيٍّ ، فَقَالَ: يَا هَاشِمُ تَقَدَّمَ! الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السيوف ، وَالْمَوْتُ فِي أَطْرَافِ الْأَسَلِ ، وقد فُتِحَت أبواب الجنَّة وَتَزَيَّنَتِ الْحَوَرُ الْعَيْنُ: الْيَوْمَ أَلْقَى الْأَحِبَّةْ * مَحُمَّدًا وَحِزْبَهْ ، ثُمَّ حَمَلَا هُوَ وَهَاشِمٌ ، فَقُتِلَا رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى.
قَالَ: وَحَمَلَ حِينَئِذٍ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ كَأَنَّهُمَا كانا - يَعْنِي عَمَّارًا وَهَاشِمًا - عَلَمًا لَهُمْ.
(حم)، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رضي الله عنهما دَخَلَ عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه فَقَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ "، فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَزِعًا يُرَجِّعُ (1) حَتَّى دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا شَأنُكَ؟ ، قَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ قُتِلَ عَمَّارٌ فَمَاذَا؟ فَقَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ "، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: لَا تَزَالُ تَأتِينَا بِهَنَةٍ (2) أَوَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ ، إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ ، جَاءُوا بِهِ حَتَّى أَلْقَوْهُ بَيْنَ رِمَاحِنَا. (3)
الشرح (4)
(1) أي: يقول: إنا للهِ وإنا إليه راجعون.
(2)
الْهَنَة: الشُّرُورُ وَالفَسَاد، يُقَال: فِي فُلَانٍ هَنَات: أَيْ: خِصَالُ شَرٍّ ، وَلَا يُقَالُ فِي الْخَيْر. النهاية (ج 5 / ص 651)
(3)
(حم) 6499 ، 17813 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(4)
قال أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: فَلَمَّا كانَ الليلُ قلتُ: لَأَدْخُلَنَّ اللَّيْلَةَ إِلَى عَسْكَرِ الشَّامِيِّينَ حَتَّى أَعْلَمَ هَلْ بَلَغَ مِنْهُمْ قَتْلُ عَمَّارٍ مَا بَلَغَ مِنَّا؟ - وَكُنَّا إِذَا تَوَادَعْنَا مِنَ الْقِتَالِ تَحَدَّثُوا إِلَيْنَا وَتَحَدَّثْنَا إِلَيْهِمْ - فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَقَدْ هَدَأَتِ الرِّجْلُ ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَسْكَرَهُمْ ، فَإِذَا أَنَا بِأَرْبَعَةٍ يَتَسَامَرُونَ ، مُعَاوِيَةُ ، وَأَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بن عمرو ، وهو خير الأربعة ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لعمرو: إِنَّكَ شَيْخٌ أَخْرَقُ ، وَلَا تَزَالُ تُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ وَأَنْتَ تَدْحَضُ فِي بَوْلِكَ ، أوَنحن قَتَلْنَا عَمَّارًا؟ ، إِنَّمَا قَتَلَ عَمَّارًا مَنْ جَاءَ بِهِ؟ ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّاسُ مِنْ عِنْدِ فَسَاطِيطِهِمْ وَأَخْبِيَتِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّمَا قَتَلَ عَمَّارًا مَنْ جَاءَ بِهِ ، قال أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَلَا أَدْرِي مَنْ كَانَ أَعْجَبُ ، هُوَ أَوْ هُمْ. البداية والنهاية (10/ 536)
(حم)، وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْعَنْزِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه إِذْ جَاءَهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأسِ عَمَّارٍ رضي الله عنه يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عمرو رضي الله عنهما: لِيَطِبْ بِهِ أَحَدُكُمَا نَفْسًا لِصَاحِبِهِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ "، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: فَمَا بَالُكَ مَعَنَا؟ ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي شَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: " أَطِعْ أَبَاكَ مَا دَامَ حَيًّا ، وَلَا تَعْصِهِ " ، فَأَنَا مَعَكُمْ ، وَلَسْتُ أُقَاتِلُ. (1)
(1)(حم) 6538 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
(حم)، وَعَنْ أَبِي الْغَادِيَةَ رضي الله عنه (1) قَالَ: قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رضي الله عنه فَأُخْبِرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ قَاتِلَهُ وَسَالِبَهُ فِي النَّارِ "، فَقِيلَ لِعَمْرٍو: فَإِنَّكَ هُوَ ذَا تُقَاتِلُهُ ، قَالَ: إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " قَاتِلَهُ وَسَالِبَهُ "(2)
(1) أبو الغادية صحابي من مزينة ، وقيل: من جهينة ، من وجوه العرب وفرسان أهل الشام ، يقال: شهد الحديبية ، روى له الامام أحمد في " المسند "، وقال البخاري وغيره: له صحبة. سير أعلام النبلاء
(2)
(حم) 17811 ، (طس) 9252 ، صَحِيح الْجَامِع: 4294 ، الصَّحِيحَة: 2008