الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع كراهة قراءة القرآن في الركوع والسجود
المدخل إلى المسألة:
• ورد النهي عن القراءة في الركوع والسجود في حديثين لابن عباس وعليٍّ رضي الله عنهما.
• الأصل في النهي التحريم، وهو قول الأكثر، إلا أنه ينبغي ألا يتشدد في الصوارف.
• تعامل الفقهاء مع الصوارف يختلف من مسألة إلى أخرى.
• قد يتساهل الفقهاء في الصارف فيصرفون النهي لقرينة لفظية، أو معنوية أو لعمل كثير من الصحابة، أو لكون النهي يتعلق بالآداب، أو لكونه يتعلق بالصحة.
• يتساهل بعض الفقهاء في الصارف إذا كانت أحاديث النهي قد تكلم فيها.
• حديث ابن عباس تكلم في إسناده الإمام أحمد، وحديث علي ضعفه البخاري.
• قد تكون علة النهي صارفة للنهي عن التحريم إلى الكراهة.
• الراجح في علة النهي عن القراءة في الركوع والسجود كون الركوع والسجود موضع ذلة وخضوع للعبد ينزه عنه كلام الرب.
• إذا كان الراكع والساجد يذكر الله بأسمائه وصفاته، ولا ينزه أسماء الرب ولا صفاته في الركوع والسجود، فكلامه صفة من صفاته، وإن وجد فرق بينهما فهو ما يجعل النهي للكراهة، لا للتحريم، وهو قول الأئمة الأربعة.
• الركوع والسجود موضع للذكر، ومحل لتعظيم الرب، والقرآن أعظم الذكر، ولولا النهي لقيل: إن قراءة كتاب الله من تعظيم الله.
• القراءة مشروعة في القيام بالإجماع، فإذا ذكر المصلي ما كان مشروعًا في القيام في محل الركوع والسجود أو في أي موضع في الصلاة لم يَأْتِ بما ينافي صلاته، فلا يكون مبطلًا، وإذا لم يكن مبطلًا كان مكروهًا.
[م-632] اختلف العلماء في هذه المسألة على خمسة أقوال:
فقيل: تكره قراءة القرآن في الركوع والسجود والتشهد، وهو قول جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنابلة
(1)
.
(1)
. قال في تحفة الفقهاء (1/ 246): «ويكره أن يقرأ في غير حالة القيام؛ لأن الركوع والسجود محل الثناء والتسبيح دون القراءة» .
قوله: (في غير حالة القيام) يشمل الركوع والسجود، والجلوس.
وقد نص الحنفية على كراهة قراءة القرآن في حالين:
إحداهما: أن يقرأ قائمًا، ثم يتمها راكعًا، فهذه قد صرحوا أن الكراهة فيها تنزيهية.
الثانية: القراءة في غير حالة القيام كما لو قرأ في حالة الركوع والسجود، والجلوس، فهذه قد نص الحنفية في كتبهم على أن حكمها الكراهة، والسؤال: أتحمل الكراهة على التحريمية بناء على أصول الحنفية، واصطلاحهم في ذلك: بأن المنهي عنه بدليل قطعي يعبر عنه بالتحريم، وهو في مقابل ترك الفرض.
والمنهي عنه بدليل ظني يعبر عنه بالكراهة، وهي كراهة تحريمية إلا لصارف، وهو في مقابل ترك الواجب، ولا يقصدون بالكراهة الكراهة التنزيهية، إلا أن يكون هناك قرينة تفيد أن النهي لا يمنع من الفعل فيحمل على التنزيهية.
لم أجد في كتب الحنفية نصًّا صريحًا يبين لي نوع الكراهة، في هذه المسألة، وهي أشد من مسألة أن يقرأ القرآن قائمًا فيركع قبل إتمامها فيتمها راكعًا، لأن ذلك يصدق على قراءة كلمة أوكلمتين من الآية بخلاف قصد القراءة في حال الركوع والسجود.
فيحتمل أن الكراهة للتحريم حيث أوجب الحنفية في أحد القولين السهو على من قرأ القرآن في ركوعه أو في سجوده، والسبب الموجب للسهو عند الحنفية هوترك الواجب انظر: تبيين الحقائق مع حاشية الشلبي (1/ 193)، تبيين الحقائق (1/ 173).
وهو ما يفهم من كلام ابن نجيم في البحر الرائق حيث أوجب تكبيرة الإحرام بلفظ (الله أكبر)؛ لثبوته بالسنة، ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه، قال: كما قلنا: في قراءة القرآن مع الفاتحة، وفي قراءة القرآن في الركوع والسجود. انظر البحر الرائق (1/ 323).
ويحتمل أن الكراهة على ظاهرها، كراهة تنزيهية على القول بأنه لا يجب على من قرأ القرآن في ركوعه أو في سجوده سجود السهو؛ وهو أحد القولين في مذهب الحنفية، وقد علل الزيلعي سقوط السهو: بأنه ثناء، وهذه الأركان موضع للثناء. انظر بدائع الصنائع (1/ 167).
انظر مصطلح الحنفية في الكراهة: في البحر الرائق (1/ 262)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 343).
وانظر قول الحنفية في مسألة البحث في: فتح القدير (1/ 332)، درر الحكام شرح غرر =
جاء في تحفة المحتاج: «وتكره القراءة في غير القيام للنهي عنها»
(1)
.
وقال القرطبي في المفهم: مذهب الجمهور كراهة القراءة والدعاء في الركوع
(2)
.
وقال ابن رجب: أكثر العلماء على كراهة القرآن في الركوع والسجود، ومنهم من حكاه إجماعًا
(3)
.
إلا أن يأتي بالقرآن بقصد الدعاء والثناء فلا يكره
(4)
.
وقيل: تجوز القراءة في الركوع والسجود، وروي عن أبي الدرداء أنه كان يقرأ البقرة في سجوده
(5)
، واختاره جماعة من التابعين، ونسبه ابن رشد للإمام البخاري
(6)
.
= الأحكام (1/ 110)، بدائع الصنائع (1/ 218)، حاشية ابن عابدين (1/ 654، 473، 523)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 282، 351)، مراقي الفلاح (ص: 106، 128)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (1/ 115)، البحر الرائق (1/ 323).
ونص المالكية على كراهة قراءة القرآن في الركوع والسجود والتشهد، انظر: مختصر خليل (ص: 33)، التاج والإكليل (2/ 258)، مواهب الجليل (1/ 548)، الخرشي (1/ 291)، حاشية الدسوقي (1/ 253)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (1/ 339)، منح الجليل (1/ 269)، شرح الزرقاني على خليل (1/ 386)، تحبير المختصر (1/ 314)، جواهر الدرر (2/ 156).
وكره الشافعية قراءة القرآن في الركوع والسجود وفي سائر أفعال الصلاة غير القيام، انظر: أسنى المطالب (1/ 157)، تحفة المحتاج (2/ 61)، المجموع (3/ 414)، نهاية المحتاج (1/ 500)، مغني المحتاج (1/ 366)، فتح العزيز (3/ 399)، روضة الطالبين (1/ 251)،
…
وانظر في مذهب الحنابلة: المغني (1/ 362)، الإقناع (1/ 120)، كشاف القناع (1/ 348)، التعليقة الكبرى
للقاضي أبي يعلى (1/ 503).
(1)
. تحفة المحتاج (2/ 61).
(2)
. المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (2/ 85).
(3)
. فتح الباري لابن رجب (7/ 188).
(4)
. الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 141)، أسنى المطالب (1/ 157)، حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (2/ 61)، حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج (1/ 500)، غمز عيون البصائر (1/ 92، 93) و (2/ 45)، المحلى بالآثار (3/ 64).
قال المالكية: تكره القراءة في الركوع والسجود إلا إن قصد بها الدعاء في السجود، وإنما خصوا الدعاء في السجود لأن الإمام مالكًا لا يرى الدعاء في الركوع. ومقتضاه أنه لو نوى في القرآن الثناء جاز ذلك في الركوع.
(5)
. فتح الباري لابن رجب (7/ 188).
(6)
. روى ابن أبي شيبة في المصنف (8064) حدثنا وكيع، عن محمد بن قيس، عن علي بن =
وقيل بتحريم القراءة على خلاف بين القائلين بالتحريم:
فقيل: تحرم قراءة القرآن مطلقًا في الركوع والسجود، وهو قول للشافعية، ورواية عن أحمد، واختاره ابن حزم، ورجحه الشوكاني
(1)
.
وقيل: تحرم قراءة الفاتحة خاصة وتكره قراءة غيرها.
وهو قول لبعض المالكية، وقول عند الشافعية، حكاه الخراسانيون وجهًا في مذهب الشافعية، وصاحب الحاوي
(2)
.
وقيل: تحرم القراءة في الركوع، وتجوز في السجود، حكاه ابن رشد عن الإمام مالك
(3)
.
قال ابن رشد في البيان: «ولا اختلاف في أنه لا تجوز قراءة القرآن في الركوع،
= مدرك، عن إبراهيم، عن الربيع بن خثيم، قال: أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن، وهو راكع، أو ساجد، {قل هو الله أحد الله الصمد} .
وسنده صحيح إلى الربيع بن خثيم.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف (8066) حدثنا عبيدة بن حميد، عن عبد الملك، عن عطاء، قال: كان عبيد بن عمير يقرأ في الركوع، والسجود. وسنده حسن.
وقال ابن رشد في بداية المجتهد: (1/ 136): «اتفق الجمهور على منع قراءة القرآن في الركوع والسجود
…
وبه أخذ فقهاء الأمصار، وصار قوم من التابعين إلى جواز ذلك، وهو مذهب البخاري؛ لأنه لم يصح الحديث عنده، والله أعلم».
ولعل ابن رشد فهم هذا من ترجمة البخاري في صحيحه، قال في الصحيح، باب القراءة في الركوع والسجود، قال ابن بطال في شرح البخاري (2/ 415): «ولم يدخل فيه حديثًا بجواز ذلك، ولا بمنعه
…
».
وقال ابن رجب في شرح البخاري (7/ 186): بوب البخاري على هذا، ولم يخرج فيه شيئًا». اهـ
فربما لما رأى ابن رشد أن الترجمة مطلقة ولم يجزم بها بشيء رأى أن ظاهر الترجمة الجواز، ومال إليه الزين بن المنير كما نقل ذلك الحافظ في الفتح (2/ 282).
وظاهر الترجمة أعم من الجواز أو المنع، فربما وضع الترجمة ليضع فيها حديثًا يدل على الجواز أو المنع، ثم عرض له مانع فبقيت الترجمة بلا حديث يطابقها، أو لم يجد في الباب حديثًا على شرطه. انظر: فتح الباري (2/ 282)، المتواري على أبواب البخاري (ص: 106).
(1)
. شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 197)، نيل الأوطار (2/ 288).
(2)
. المجموع (3/ 414، 434)،.
(3)
. البيان والتحصيل (18/ 63، 64).
واختلف في قراءته في السجود، فروي عن مالك إجازة ذلك»
(1)
.
ولو عبر بالمنع لكان أدق؛ لأن حكاية الاتفاق في أن القراءة في الركوع لا تجوز مخالف للمعتمد من المذهب، ولقول الجمهور بأنه مكروه.
ورخص بعضهم في قراءة النفل في الركوع دون الفرض، ولا أعلم وجهًا للتفريق بين الفرض والنفل
(2)
.
• واختلفوا في علة النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود:
فقيل: إن الركوع والسجود علامة على غاية الذل والخضوع، فناسبهما الدعاء والتسبيح، وهما وإن كانا سببًا في عزة العبدورفعته؛ إلا أنه ينزه عنه كلام الرب.
وقيل: بأنه موطن دعاء، ورد هذا بأن الوقوف في عرفات وعند المشعر الحرام موطن للدعاء، ولا تكره القراءة فيه، ثم القول بأنه موطن دعاء يصدق على السجود دون الركوع
(3)
.
فهذه ستة أقوال هي المأثورة عن فقهائنا، من القول بالكراهة مطلقًا، إلى القول بالتحريم مطلقًا، إلى القول بالجواز مطلقًا، إلى تحريم قراءة الفاتحة وكراهة غيرها، إلى تحريم القراءة في الركوع دون السجود، إلى التفريق بين الفرض والنفل. والله أعلم.
• دليل من قال: بالتحريم:
الدليل الأول:
(ح-1717) ما رواه مسلم من طريق سفيان بن عيينة، أخبرني سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد، عن أبيه،
عن ابن عباس، قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: أيها الناس، إنه لم يَبْقَ من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم، أو تُرَى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن
(1)
. البيان والتحصيل (18/ 63).
(2)
. فتح الباري لابن رجب (7/ 189).
(3)
. انظر التعليقة الكبرى للقاضي أبي يعلى (1/ 503).
أن يستجاب لكم
(1)
.
[أعله الإمام أحمد فيما نقله الحافظ ابن رجب]
(2)
.
(1)
. صحيح مسلم (207 - 479).
(2)
. الحديث رواه سفيان بن عيينة عن سليمان بن سحيم كما في صحيح مسلم (207 - 479)، وأكتفي به عن غيره، وقد رواه عن سفيان كبار أصحابه، أحمد بن حنبل، والحميدي، والشافعي، وابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وجمع كثير غيرهم.
ولم يتفرد به سفيان وإن كان لا يضره لو تفرد به، فقد تابعه على ذلك:
إسماعيل بن جعفر، كما في صحيح مسلم (208 - 479)، وهو في أحاديث إسماعيل بن جعفر من رواية علي بن حجر (446)، وأكتفي بصحيح مسلم.
والدراوردي كما في مستخرج أبي عوانة (1824)، ومشكل الآثار (5761)، كلاهما عن سليمان بن سحيم به.
ولم يتفرد به سليمان بن سحيم،
تابعه ابن جريج كما في صحيح ابن خزيمة (602)، ومسند السراج (294)، وفي حديثه أيضًا (26، 27، 1067، 1068)، وقد صرح ابن جريج بالتحديث.
فالحديث تفرد به إبراهيم بن عبد الله بن معبد، عن أبيه، عن ابن عباس.
قال أحمد: إسناده ليس بذاك، نقل ذلك الحافظ ابن رجب في شرحه للبخاري (7/ 188).
قال ابن رجب: إبراهيم هذا وأبوه لم يخرج لهما البخاري شيئًا. المرجع السابق.
وإبراهيم بن عبد الله بن معبد ذكره البخاري في التاريخ الكبير (958)، ولم يذكر فيه شيئًا.
وكذلك فعل ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/ 108).
وذكره ابن حبان في ثقاته في أتباع التابعين، وأخرج له مسلم في صحيحه، وقال ابن حجر: صدوق اعتمادًا على تخريج مسلم حديثه، وتصحيح ابن خزيمة وابن حبان له، وقد روى له مسلم حديثين:
أحدهما هذا الحديث.
والثاني: حديثه عن ابن عباس أن امرأة اشتكت شكوى فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس، فبرأت، ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تًسَلِّمُ عليها، فأخبرتها ذلك، فقالت: اجلسي، فكلي ما صنعت، وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة.
قال البخاري كما في التاريخ الكبير (1/ 303): ولا يصح فيه ابن عباس.
وهذا الحديث قد تكلم فيه الحفاظ، وصوابه عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد، عن ميمونة، ولم يسمع منها، جزم بنفي السماع ابن حبان. =
الدليل الثاني:
(ح-1718) ما رواه مسلم من طريق يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني إبراهيم ابن عبد الله بن حنين، أن أباه، حدثه،
أنه سمع علي بن أبي طالب، قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا
(1)
.
[اختلف في إسناده على إبراهيم بن عبد الله بن حنين]
(2)
.
= وقد فهم الحافظ من كلام البخاري هذا أن رواية إبراهيم بن معبد عن ميمونة متصلة، فقال: فهذا مشعر بصحة روايته - أي: إبراهيم - عن ميمونة عند البخاري، وقد علم مذهبه في التشديد في هذه المواطن. اهـ
قال ابن حبان في ترجمة إبراهيم بن عبد الله بن معبد: وقد قيل: إنه سمع من ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك بصحيح عندنا، فلذلك أدخلناه في أتباع التابعين. اهـ
فأحاديثه قليلة عن أبيه، كما أن أباه عبد الله بن معبد مقل الرواية عن ابن عباس، فله عنه خارج مسلم ستة أحاديث مع هذين الحديثين، فرغم قرابته من ابن عباس إلا أنه مقل عنه، فقد يكون الإمام أحمد لحظ تفرد إبراهيم عن أبيه، وتفرد أبيه عن ابن عباس، فلم يحتمل تفردهما مع قلة مروياتهما، فأين أصحاب ابن عباس لو كان هذا الحديث من حديثه.
(1)
. صحيح مسلم (209 - 480).
(2)
. هذا الحديث اختلف فيه اختلافًا كثيرًا،
فقيل فيه: عن عبد الله بن حنين، عن ابن عباس، ليس فيه عليٌّ.
وقيل فيه: عن عبد الله بن حنين، عن ابن عباس، عن عليٍّ.
وقيل فيه: عن عبد الله بن حنين، عن عليٍّ.
وقيل فيه: عن حنين، عن عليٍّ.
وقيل فيه: عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن عليٍّ.
هذه أصول الاختلاف في طرق الحديث في الجملة، وإليك تفصيلها، ثم بيان ما هو الراجح منها، وموقف العلماء من هذه الاختلافات.
الطريق الأول: عن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب.
رواه ابن عجلان كما في صحيح مسلم (213 - 480)، ومسند أحمد (1/ 81)، والمجتبى من سنن النسائي (1041، 5267) وفي السنن الكبرى له (633، 9414)، ومسند أبي يعلى (304، 537)، وشرح معاني الآثار (4/ 260)، ومسند البزار (457)، ومستخرج أبي عوانة (1828)، ومسند أبي العباس السراج (297)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (30)، ومستخرج أبي نعيم (2/ 96)، عن يحيى بن سعيد القطان، عنه.
ورواه أبو يعلى (420) حدثنا القواريري، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، حدثني =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن علي به، فجعله من مسند علي بن أبي طالب.
والضحاك بن عثمان كما في صحيح مسلم (213 - 480)، والمجتبى من سنن النسائي (1042، 5173)، وفي السنن الكبرى له (634، 9413)، ومسند البزار (458)، ومسند السراج (298)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (31)، ومستخرج أبي عوانة (1835)، ومستخرج أبي نعيم (1066)، والسنن الكبرى للبيهقي (5/ 96)، كلاهما ابن عجلان، والضحاك روياه عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن عبد الله بن عباس، عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، رواه ابن عجلان في النهي عن القراءة راكعًا وساجدًا.
ورواه الضحاك بن عثمان في ذكر النهي عن القراءة في الركوع، ولم يذكر السجود.
ورواه داود بن قيس واختلف عليه:
فرواه أبو عامر العقدي كما في صحيح مسلم (212 - 480)، ومسند أبي يعلى (603، 604)، ومسند البزار (459)، ومستخرج أبي عوانة (1826)، ومستخرج أبي نعيم (1063).
وأبو علي الحنفي كما في المجتبى من سنن النسائي (1118، 5172)، وفي السنن الكبرى له (709، 9412)،
وعثمان بن عمر كما في المجتبى من سنن النسائي (5172، 1118)، وفي السنن الكبرى له (709، 9412)،
وجعفر بن هشام العسكري والقعنبي كما في مسند أبي العباس السراج (299)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (33)،
ويحيى القطان ووكيع وابن وهب، كما ذكر ذلك الدارقطني في العلل (3/ 79)، ثمانيتهم رووه عن داود بن قيس، عن إبراهيم بن حنين، عن أبيه، عن ابن عباس، عن علي بذكر ابن عباس، وفي النهي عن القراءة راكعًا وساجدًا.
وفي رواية داود بن قيس عند أبي يعلى (603): (عن ابن حنين) ولم يسمِّه.
وقال الدارقطني في العلل (3/ 79): واختلف على داود بن قيس
…
فقال القعنبي: عنه، عن إبراهيم، عن ابن عباس، عن علي، ولم يذكر أباه. اهـ
والذي وقفت عليه من رواية القعنبي عند أبي العباس السراج بذكر أبيه في إسناده، فتأمل.
وخالف كل هؤلاء عبد الله بن نافع، كما في شرح معاني الآثار مختصرًا (4/ 260)، ومستخرج أبي عوانة بتمامه (8542)، فرواه عن داود بن قيس، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن علي.
الطريق الثاني: عن عبد الله بن حنين، عن ابن عباسٍ، ليس فيه عليٌّ.
ورواه شعبة، واختلف عليه فيه:
فرواه محمد بن جعفر كما في صحيح مسلم (214 - 481)، وسنن النسائي (5266)، وفي الكبرى له (9411)، وفي الإغراب للنسائي (176)، ومستخرج أبي نعيم (1072). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وحجاج بن أرطأة كما في حديث أبي سعيد الأشج (79)، وهو في مصنف ابن أبي شيبة بالإسناد نفسه مختصرًا (24732).
ووهب بن جرير كما في مستخرج أبي عوانة (1/ 493)،
والنضر بن شميل رواه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 300)، وذكر ذلك الدارقطني في العلل (1/ 127)(3/ 85) أربعتهم عن شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن عبد الله بن حنين، عن ابن عباس، ولم يذكروا عليًّا.
وخالفهم أبو قطن، فرواه عن شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن عبد الله بن حنين، عن علي، ولم يذكر ابن عباس. العلل (3/ 85).
وأبو بكر: هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص، ثقة.
الطريق الثالث: عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن علي. ليس فيه ابن عباس.
رواه معمر كما في صحيح مسلم (31 - 2078)، ومصنف عبد الرزاق (2832، 19476، 19964)، ومسند أحمد (1/ 114)، وسنن أبي داود (4045)، وسنن الترمذي (1737)، والنسائي مختصرًا في الكبرى (9574)، ومسند أبي يعلى (415)، ومستخرج أبي عوانة (8539)، والسراج في حديثه (29)، وفي مسنده (296)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 594).
وصالح بن أبي الأخضر كما في مسند البزار (919)،
ويونس بن يزيد، كما في صحيح مسلم (209 - 480) و (30 - 2078)، والمجتبى من سنن النسائي (1119، 5174)، والسنن الكبرى له (710، 9415)، وابن حبان (1895)، ومستخرج أبي نعيم (1060)، ثلاثتهم عن الزهري، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه في النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود.
وقد تابع الزهري كل من:
يزيد بن أبي حبيب كما في صحيح مسلم (213 - 480)، والبخاري في التاريخ الكبير (5/ 69)، وفي خلق أفعال العباد (ص: 109)، والمجتبى من سنن النسائي (1043، 5268، 5318)، وفي الكبرى له (635، 9416، 9495)، ومستخرج أبي عوانة (1/ 493)، ومستخرج أبي عوانة ت الجامعة الإسلامية (1875)، ومستخرج أبي نعيم (1065)، والسنن الكبرى للبيهقي معلقًا (2/ 125).
ومحمد بن عمرو كما في صحيح مسلم (213 - 480)، ومصنف ابن أبي شيبة (8060)، وسنن أبي داود (4046)، والمجتبى من سنن النسائي (5175)، والسنن الكبرى له (9417)، ومسند أبي يعلى (276، 414)، ومستخرج أبي عوانة (1836).
ومحمد بن إسحاق كما في صحيح مسلم (213 - 480)، ومسند أحمد (1/ 92)، ومسند أبي يعلى (329)، ومستخرج أبي عوانة (1837)، ومستخرج أبي نعيم على صحيح مسلم (1070).
وزيد بن أسلم كما في صحيح مسلم (211 - 480)، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والوليد بن كثير، كما في صحيح مسلم (210 - 480)، ومستخرج أبي عوانة (1827)[وسقط منه (ذكر أبيه) والتصحيح من ط الجامعة الإسلامية (5/ 161)]، ومستخرج أبي نعيم (1061)، والسنن الكبرى للبيهقي معلقًا (2/ 125، 594).
والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، كما في خلق أفعال العباد للبخاري (ص: 110)،
وإسحاق بن أبي بكر، كما في السنن الكبرى للنسائي (9571)،
كلهم (يزيد بن أبي حبيب، ومحمد بن عمرو، وابن إسحاق، والوليد بن كثير، والحارث، وإسحاق بن أبي بكر) رووه عن إبراهيم، عن أبيه عن علي رضي الله عنه، وكلهم ذكروا النهي عن القراءة راكعًا إلا الزهري فإنه قال: راكعًا وساجدًا.
ورواه أسامة بن زيد، واختلف عليه في إسناده: المسند المعلل (21/ 135).
فرواه ابن وهب كما في صحيح مسلم (213 - 480)، ومسند أحمد (1/ 132)، ومسند السراج (302)، وفي حديثه (36)، ومستخرج أبي عوانة (1834)، عن أسامة بن زيد، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه.
ورواه وكيع كما في مصنف ابن أبي شيبة (24731)، ومسند أحمد (1/ 132)، والتاريخ الكبير (1/ 299)، وابن ماجه (3602)، ومسند السراج (300)، وفي حديثه أيضًا بانتقاء الشحامي (34).
وعثمان بن عمر كما في مسند أحمد (1/ 132)،
وأبو أسامة (حماد بن أسامة) كما في مسند أبي العباس السراج (300)، وحديثه بانتقاء الشحامي (34)، كلهم رووه عن أسامة بن زيد، عن عبد الله بن حنين، بإسقاط إبراهيم.
جاء في مستخرج أبي عوانة (1/ 493) بعد أن ساق الحديث من رواية أسامة عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، قال أسامة: فدخلت على عبد الله بن حنين، وهو في بيته يومئذٍ شيخ كبير، وعليه ملحفة معصفرة كثيرة العصفر، فسألته عن هذا الحديث، فقال عبد الله: سمعت عليًّا يقول: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول نهاكم، عن تختم الذهب، ولباس المعصفر، وذكر الحديث، ولم يذكر السجود.
فكان أسامة قد سمع الحديث من إبراهيم، عن أبيه، ثم سمعه من أبيه.
وتابع إبراهيم بن عبد الله بن حنين: شريك بن أبي نمر.
رواه سليمان بن بلال كما في التاريخ الكبير (5/ 69).
وإسماعيل بن جعفر كما في أحاديثه من رواية علي بن حجر (413)، والسنن الكبرى للنسائي (9576)، كلاهما (سليمان، وإسماعيل) روياه عن شريك بن أبي نمر، عن عبد الله بن حنين، عن علي، ليس فيه إبراهيم بن عبد الله بن حنين.
خالفهما زهير، كما في السنن الكبرى للنسائي (9575)،
والدراوردي كما في فوائد الكوفيين لأبي الغنائم النرسي (7)، وذكر ذلك الدارقطني في العلل (3/ 81)،=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والبخاري في التاريخ الكبير معلقًا (1/ 299) ثلاثتهم عن شريك بن أبي نمر، عن إبراهيم، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه.
فصار شريك تارة يرويه عن إبراهيم بن عبد الله، عن أبيه، وتارة يرويه عن أبيه مباشرة،
وقد ذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/ 40): في ترجمة عبد الله بن حنين، روى عن علي ابن أبي طالب، روى عنه ابنه إبراهيم، وشريك بن أبي نمر من رواية أنس بن عياض عن شريك.
وكذا نص الدارقطني في المؤتلف والمختلف (1/ 372)، على رواية شريك عن عبد الله بن حنين.
وقد أشار الدارقطني في العلل إلى الاختلاف على شريك بن أبي نمر، قال في العلل (3/ 81): واختلف على شريك بن أبي نمر: فرواه الدراوردي، عن شريك، عن إبراهيم بن عبد الله، عن أبيه، عن علي.
وخالفه إسماعيل بن جعفر، فرواه عن شريك، عن عبد الله بن حنين، عن علي». اهـ
كما تابع إبراهيم بن عبد الله بن حنين محمد بن المنكدر، رواه حاتم بن إسماعيل، عن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين، عن محمد بن المنكدر، واختلف على حاتم بن إسماعيل.
فرواه قتيبة بن سعيد، كما في صحيح مسلم (480)، وحديث أبي العباس السراج بانتقاء الشحامي (38)، ومسند السراج (303)، ومستخرج أبي نعيم (1071)،
وعبد الرحمن بن يونس، كما في التاريخ الكبير للبخاري (5/ 69)، وخلق أفعال العباد له كذلك (ص: 110).
وعثمان بن أبي شيبة، كما في مستخرج أبي نعيم (1071)،
والنفيلي (عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل الحراني) كما في مستخرج أبي عوانة (1/ 493)، كلهم رووه عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن عبد الله بن حنين، عن علي رضي الله عنه. فهذه متابعة تامة لإبراهيم بن عبد الله بن حنين.
وخالفهم إبراهيم بن هارون البلخي (صدوق) كما في السنن الكبرى للنسائي (9572) فرواه عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد بن علي، عن محمد بن المنكدر، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن علي. ورواية الجماعة أولى أن تكون هي المحفوظة.
ورواه نافع مولى ابن عمر، رواه عنه مالك، وأيوب، وزيد بن واقد، والليث بن سعد، وعبيد الله بن عمر، وقد اختلف فيه على نافع:
فقيل: عنه، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، وهذه رواية الأكثر عن مالك، ولعلها هي المحفوظة عن مالك.
وقيل: عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن علي، بإسقاط عبد الله بن حنين، وإبراهيم لم يسمع من علي رضي الله عنه.
وقيل: عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن بعض موالي العباس عن علي.
وقيل: عن نافع، عن جده حنين، عن علي رضي الله عنه، بإسقاط إبراهيم وأبيه، وجعل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الرواية عن جد إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن علي.
وقيل: عن نافع، عن علي رضي الله عنه. وإليك تفصيل رواية نافع.
أما رواية مالك عن نافع، فقد اختلف فيه على مالك:
فرواه يحيى بن يحيى الليثي كما في صحيح مسلم (213 - 480) و (29 - 2078)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 125)، وهو في موطأ مالك رواية يحيى بن يحيى الليثي (1/ 80).
والشافعي كما في السنن المأثورة (170)، ومعجم ابن الأعرابي (1347).
والقعنبي (عبد الله بن سلمة) كما في سنن أبي داود (4044)،
ومعن بن عيسى كما في سنن الترمذي (264)،
وقتيبة بن سعيد كما في سنن الترمذي (264)، والسنن الكبرى للنسائي (636)، وفي المجتبى (1044)،
وإسماعيل بن أبي أويس، كما في خلق أفعال العباد للبخاري (ص: 109)،
وعبد الرحمن بن القاسم كما في السنن الكبرى للنسائي (9418)، وفي المجتبى (5269)، وعبد الله بن وهب كما في شرح معاني الآثار (4/ 260)، ومستخرج أبي عوانة (8538)،
وإسحاق بن عيسى، كما في مسند أحمد (1/ 126)، ومستخرج أبي عوانة (1840، 8538)،
وعبد الله بن يوسف كما في مستخرج أبي نعيم (1064)،
وأحمد بن أبي بكر كما في صحيح ابن حبان (5440)، كلهم أحد عشر راويًا رووه عن مالك، عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن علي، بالنهي عن القراءة في الركوع، ولم يذكر السجود.
قال الدارقطني في العلل (3/ 82): رواه مالك عن نافع، وضبط إسناده، فقال: عن نافع، عن إبراهيم، عن أبيه، عن علي.
ورواه روح بن عبادة، كما في مسند البزار (918)، أخبرنا مالك، عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، أحسبه عن أبيه، عن علي به. ولم يجزم بذكر أبيه.
…
ورواه عبد الرحمن بن مهدي كما في مسند أحمد (1/ 126) عن مالك، عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن علي بن أبي طالب، بإسقاط أبيه، وهذا منقطع، إبراهيم بن عبد الله لم يسمع من الإمام علي رضي الله عنه. ورواية ابن مهدي عن مالك رواية شاذة.
وأما رواية أيوب، عن نافع، فقد اختلف فيه على أيوب:
فرواه وهيب كما في مستخرج أبي عوانة (1840)، وعلل الدارقطني (3/ 87).
…
والحارث بن نبهان، ذكر ذلك الدارقطني في العلل (1/ 126)، و (3/ 88)، كلاهما (وهيب والحارث) روياه عن أيوب، عن نافع، عن إبراهيم، عن أبيه، عن علي، وهذه متابعة لمالك كما في رواية الجماعة عنه.
ورواه حماد بن زيد كما في مسند أبي يعلى (413)، عن أيوب، عن نافع، عن إبراهيم بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حنين، عن علي،
قال الدارقطني في العلل (1/ 126): وكذلك قاله الحسن بن أبي جعفر عن أيوب. اهـ فأسقطا (عبد الله بن حنين والد إبراهيم)، وهذا إسناد منقطع، إبراهيم لم يسمع من علي رضي الله عنه.
تابعه زيد بن واقد كما في المجتبى للنسائي (5176) وفي السنن الكبرى (9419)، وفي موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب (1/ 377).
وبرد بن سنان كما ذكر ذلك الدارقطني في العلل (3/ 84)، فروياه عن نافع، عن إبراهيم مولى علي، عن علي. وإبراهيم لم يسمع من علي رضي الله عنه.
ورواه سعيد بن أبي عروبة كما في المجتبى للنسائي (5179)، وفي الكبرى (9422) فرواه عن أيوب، عن نافع، عن مولى للعباس، أن عليًّا قال:
…
وذكر الحديث، فأبهم (مولى العباس).
وخالفهم إسماعيل بن علية،
فرواه عبد الله بن أحمد في زوائده في المسند (1/ 126) وأبو يعلى (601) عن أبي خيثمة،
ورواه أحمد (1/ 126) كلاهما (أحمد وأبو خيثمة زهير بن حرب) عن إسماعيل بن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، عن إبراهيم بن فلان بن حنين، عن جده حنين، عن علي بن أبي طالب، بإسقاط والد إبراهيم (عبد الله بن حنين).
قال أبوخيثمة: إن إسماعيل رجع عن قوله: (عن جده حنين)، زاد أبو يعلى: فقال بعد: عن إبراهيم بن فلان بن حنين، عن أبيه.
وقد رواه البزار في مسنده (917) حدثنا مؤمل بن هشام (ثقة)، قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن علي.
فوافق رواية إسماعيل رواية وهيب، كما أنها موافقة لرواية مالك، عن نافع، من رواية الأكثر عنه، والله أعلم.
ورواه عبد الوارث، عن أيوب، عن نافع، عن علي. ذكر ذلك الدارقطني في العلل (3/ 83).
ورواه الليث بن سعد كما في السنن الكبرى للنسائي (9573)، عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن بعض موالي العباس عن علي.
ورواه عبيد الله بن عمر، واختلف على عبيد الله:
فرواه حماد بن سلمة، كما في المجتبى للنسائي (5177)، وفي الكبرى (9420)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 262)، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع مولى ابن عمر، عن حنين مولى ابن عباس، عن علي بإسقاط إبراهيم بن عبد الله بن حنين وأبيه.
ورواه بشر بن المفضل كما في المجتبى للنسائي (5178)، وفي الكبرى (9421).
وعبد الله بن نمير كما في سنن ابن ماجه (3642)،
والمعتمر بن سليمان وعبد الوهاب الثقفي ذكر ذلك الدارقطني في العلل (1/ 126)، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أربعتهم رووه عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن حنين مولى علي، عن علي رضي الله عنه.
قال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 112): «كذا قال عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن حنين مولى علي عن علي لم يقل عن أبيه والصواب فيه عن أبيه» .
فحمل ابن عبد البر قول نافع (عن ابن حنين) على إبراهيم بن عبد الله بن حنين، والذي يظهر لي أن ابن حنين أراد به (عبد الله بن حنين) فهو ابن حنين، ولا ينسب الرجل إلى جده إلا بقرينة، فقوله: ولم يقل عن أبيه خطأ من ابن عبد البر رحمه الله، وكون نافع رواه عن إبراهيم، في رواية مالك، لا تمنع من روايته عن عبد الله بن حنين، كما وقع ذلك في سائر الاختلافات في طريق الحديث، ونافع اختلف عليه اختلافًا كثيرًا، فروايته عن عبد الله بن حنين أحد أوجه الاختلافات عن نافع.
ورواه زائدة وإسماعيل بن عياش، وعبدة بن سليمان، عن عبيد الله، عن نافع، عن إبراهيم، عن علي رضي الله عنه، ذكر ذلك الدارقطني في العلل (3/ 83)، وإبراهيم لم يسمع من علي.
ورواه يحيى بن أبي كثير، واختلف عليه:
فرواه حرب بن شداد كما في المجتبى من سنن النسائي (5180) وفي الكبرى (9423) عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني عمرو بن سعيد الفدكي، أن نافعًا أخبره، قال: حدثني ابن حنين، أن عليًّا حدثه به، بالنهي عن القراءة راكعًا.
ورواه أبو إسماعيل (إبراهيم بن عبد الملك) كما في المجتبى من سنن النسائي (5271)، وفي الكبرى (9425) عن يحيى بن أبي كثير، أن محمد بن إبراهيم حدثه، عن ابن حنين، عن علي بالنهي عن القراءة راكعًا.
ورواه الوليد بن مسلم كما في المجتبى من سنن النسائي (5182)، قال: حدثنا أبو عمرو الأوزاعي، عن يحيى، عن علي به.
ويحيى بن أبي كثير لم يدرك عليًّا، ولا من أدرك عليًّا
ورواه شيبان، عن يحيى، واختلف على شيبان:
فرواه الحسن بن موسى، كما في المجتبى من سنن النسائي (5272)، وفي الكبرى (9426)، عن شيبان، عن يحيى، عن خالد بن معدان، أن ابن حنين أخبره، أن عليًّا قال:
…
وذكره.
خالفه أبو نعيم كما في السنن الكبرى للنسائي (9427)، والتاريخ الكبير (1/ 299)، فرواه عن شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن حنين أن عليًّا ....
هذه طرق حديث عبد الله بن حنين، وقد طوى تخريج الحديث من هذا الطريق تخريجه من طريقين آخرين، وهما:
الطريق الرابع: عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن عليٍّ.
الطريق الخامس: عن إبراهيم، عن عليٍّ.
فهذه الطرق الخمسة منها طريقان ضعفهما ظاهر، لا يحتاج إلى نظر كبير. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الأول: رواية الحديث من طريق حنين عن علي رضي الله عنه.
وقد جاء عنه من طريقين:
الطريق الأول: رواه عبد الله بن أحمد في زوائده في المسند (1/ 126) وأبو يعلى (601) عن أبي خيثمة،
ورواه أحمد (1/ 126) كلاهما (أحمد وأبو خيثمة زهير بن حرب) عن إسماعيل بن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، عن إبراهيم بن فلان بن حنين، عن جده حنين، عن علي بن أبي طالب، بإسقاط والد إبراهيم (عبد الله بن حنين).
قال أبوخيثمة: إن إسماعيل رجع عن قوله: (عن جده حنين)، زاد أبو يعلى: فقال بعد: عن إبراهيم بن فلان بن حنين، عن أبيه.
خالفه وهيب، والحارث بن نبهان، فروياه عن أيوب، عن نافع، عن إبراهيم، عن أبيه، عن علي، وهو المحفوظ، لموافقته رواية الزهري ويزيد بن حبيب، ومحمد بن عمرو، وابن إسحاق، وزيد بن أسلم، وأسامة بن زيد والوليد بن كثير، وغيرهم، حيث رووه عن إبراهيم، عن أبيه، عن علي.
ولموافقته أيضًا ورواية مالك من رواية أكثر أصحابه، عن نافع، عن إبراهيم، عن أبيه، عن علي.
وقد سبق تخريج الاختلاف على أيوب، كما سبق ذكر الاختلاف على نافع، فارجع إليه إن شئت.
الطريق الثاني: ما رواه النسائي في المجتبى (5177)، وفي الكبرى (9420)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 262)، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع مولى ابن عمر، عن حنين مولى ابن عباس، عن علي بإسقاط إبراهيم بن عبد الله بن حنين وأبيه.
قال ابن أبي حاتم في علل الحديث (1443): «سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن حنين مولى ابن عباس، عن علي .... وذكر الحديث.
قال أبي: هذا خطأ، إنما هو عبيد الله، عن نافع، عن ابن حنين، وهم فيه حماد». اهـ
ومن الطرق الظاهرة الضعف: رواية الحديث من طريق إبراهيم بن نافع عن علي رضي الله عنه، فإبراهيم لم يدرك عليًّا رضي الله عنه.
قال المزي في تهذيب الكمال (2/ 124): «روى عن علي بن أبي طالب، ولم يسمع منه» .
فإذا استبعدنا من الاختلافات كل من رواه عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن علي للانقطاع، واستبعدنا منها من رواه عن حنين عن علي.
فيبقى النظر في ثلاثة طرق:
أحدها: طريق عبد الله بن حنين، عن ابن عباس رضي الله عنه،
فهذا الطريق تفرد به أبو بكر عبد الله بن حفص بن عمر، بن سعد بن وقاص الزهري، ثقة، روى له الجماعة، ولم يتابع عليه، فإن كان محفوظًا فيكون ابن عباس قد أرسله، وإلا فقد خالفه جماعة، منهم إبراهيم بن عبد الله بن حنين، وهو من آل بيت عبد الله بن حنين، وآل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الرجل أعلم بحديثه من الغريب، فهو مقدم على أبي بكر.
كما أن إبراهيم قد توبع، ولم يُتَابَعْ أبو بكر، فقد تابع إبراهيم كل من:
محمد بن المنكدر، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر، وأسامة بن زيد ونافع من رواية عبيد الله ابن عمر عنه، على اختلاف عليهم قد كشف عنه تخريج الحديث.
وإن كنت أميل إلى أن طريق أبي بكر ليس محفوظًا؛ لتفرده به، ومخالفته لمن هم أكثر منه عددًا، ورواية مسلم له ليست تصحيحًا لأن مسلمًا ساق الاختلافات في طرق الحديث، وليس ذلك ذهابًا منه إلى تصحيحها كلها.
الثاني: طريق عبد الله بن حنين، عن ابن عباس، عن علي رضي الله عنهما.
والثالث: طريق عبد الله بن حنين، عن علي رضي الله عنه.
وعبد الله بن حنين يروي عن ابن عباس، وروايته في الصحيحين، وهو مكثر في الرواية عن علي، وقد اختلف العلماء في الموقوف من الطريقين:
الاجتهاد الأول: هناك من العلماء من يرى أن الطريقين كليهما محفوظ، فيرى أن عبد الله بن حنين سمعه من ابن عباس، عن علي، ثم سمعه من علي.
جاء في التمهيد لابن عبد البر (16/ 114): «يجوز أن يسمعه من ابن عباس، عن علي، ثم يسمعه من علي.
ويجوز أن يسمعهما منهما معًا، وقد ذكر علي بن المديني عن يحيى بن سعيد، أنه كان يذهب إلى أن عبد الله بن حنين سمعه من ابن عباس، ومن علي، ويقول: كان مجلسهما واحدًا وتحفظاه جميعًا».
الاجتهاد الثاني: من العلماء من رجح طريق عبد الله بن حنين، عن علي بن أبي طالب، على طريق، عبد الله بن حنين، عن ابن عباس، عن علي.
قال البخاري في التاريخ الكبير (5/ 70): « .... وقال ابن عجلان، وداود بن قيس، والضحاك بن عثمان: عن عبد الله بن حنين، عن ابن عباس، عن على رضى الله عنهم، ولا يصح فيه ابن عباس» .
مفهومه: أنه يصح من الطريق الذي ليس فيه ابن عباس.
كما يفهم من كلام الدارقطني ترجيح طريق عبد الله بن حنين، عن علي، وسبب الترجيح لديه الكثرة، وقوة الحفظ، وهما من طرق الترجيح المتفق عليهما.
يقول الدارقطني في العلل (3/ 78، 80):
…
رواه محمد بن عجلان، وداود بن قيس، والضحاك بن عثمان وعبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة، فاتفق هؤلاء الأربعة، عن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب ..... وخالفهم جماعة أكثر منهم عددًا، فرووه عن إبراهيم بن عبد الله، عن أبيه، عن علي، ولم يذكروا فيه ابن عباس، رواه الزهري، عن إبراهيم، عن أبيه، عن علي.
وتابعه الوليد بن كثير، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وإسحاق بن أبي بكر، ومحمد بن إسحاق، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ويزيد بن أبي حبيب، والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، وزيد بن أسلم، فرووه عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، أنه سمعه من علي، لم يذكروا فيه ابن عباس».
فقول الدارقطني: خالفهم جماعة أكثر منهم عددًا إشارة إلى ترجيح الكثرة.
وقد اجتمع في الكثرة مرجحان: الحفظ، فابن عجلان والضحاك وداود بن قيس لا يعدلون بالزهري وحده، فما بالك بمن تابعه، وقد رواها هكذا نافع، عن إبراهيم، عن أبيه، عن علي.
من رواية مالك، رواها أكثر أصحابه هكذا عنه، فهذان الإمامان الجبلان لا يعدلهما أحد من طبقتهما.
قال الدارقطني في العلل موصولًا بالكلام السابق (3/ 82): «
…
ورواه نافع، مولى ابن عمر، عن إبراهيم، واختلف على نافع، فرواه مالك بن أنس، عن نافع، وضبط إسناده، فقال: عن نافع، عن إبراهيم، عن علي .... ».
وقال البخاري في التاريخ الكبير (1/ 300): «ولم يصح فيه ابن عباس، وما روى مالك عن نافع أصح» .
فوافق مالك الزهري ومن معه بذكر الحديث من رواية إبراهيم، عن أبيه، عن علي، ليس فيه ابن عباس.
وقال الدارقطني في الإلزامات والتتبع (137): «وأخرج مسلم حديث إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن ابن عباس عن علي: نهاني رسول الله أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا من رواية ابن عجلان وداود بن قيس والضحاك بن عثمان عنه.
وقد خالفهم جماعة أحفظ منهم وأعلى إسنادًا وأكثر عددًا، منهم: نافع، والزهري، وزيد بن أسلم، ويزيد بن أبي حبيب، وأسامة بن زيد، والوليد بن كثير، ومحمد بن عمرو، وابن إسحاق وشريك بن أبي نمر، واختلف عنه، وعن نافع، وعن أسامة بن زيد.
وتابعهم محمد بن المنكدر عن عبد الله بن حنين عن علي .... ».
…
والاجتهاد الثالث في الحديث: من أهل العلم من ضعفه جملة، ورأى أن هذه الاختلافات تعود بالضعف على الحديث، فلا يرى شيئًا منها محفوظًا.
…
فقد يكون البخاري رأى أن كثرة الاختلاف على إبراهيم بن عبد الله بن حنين، في روايته للحديث عن أبيه جعلته ضعيفًا، إذ يبعد أن يكون محفوظًا ثم يختلف عليه هذا الاختلاف الذي مر معك ما وقفت عليه عنه.
والاجتهاد الرابع: منهم من أطلق الصحة على الحديث، كالترمذي، قال أبو عيسى الترمذي: حديث علي حديث حسن صحيح. والله أعلم.
وإن كنت أميل إلى تصويب طريقة الدارقطني رحمه الله تعالى، وأن الحديث من رواية عبد الله بن حنين، عن علي، ليس في إسناده ابن عباس، والله أعلم.
• دليل من قال: تكره قراءة القرآن في الركوع والسجود:
استدلوا بأدلة القائلين بالتحريم وهما حديثان:
حديث ابن عباس، وحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وسبق ذكرهما.
بقي البحث في الصارف للنهي من التحريم إلى الكراهة.
وهذا مبحث أصولي يرجع فيه إلى الاختلاف في دلالة النهي المجرد، هل الأصل فيه التحريم، أم الكراهة، أم هو مشترك بينهما، كاختلافهم في الأمر، هل الأصل فيه الوجوب، أو الاستحباب، أو أنه مشترك بينهما والقرينة هي التي تحدد دلالة الأمر،
وإذا رجحنا أن الأصل في النهي التحريم، وهو قول الأكثر، فإنه لا ينبغي أن يتشدد في الصارف، ومن ذلك، فقد يكون الصارف قرينة لفظية، أو عمل الصحابة، أو قرينة معنوية كأن يكون الأمر والنهي من الآداب، أو يتعلق في الصحة، وقد تكون علة الأمر والنهي صارفة لهما من الوجوب والكراهة، وقد ناقشت هذا عند الكلام على حكم تحية المسجد، فارجع إليه.
إذا عرفت ذلك فما هو الصارف للنهي في مسألتنا؟
فالراجح في العلة أن الركوع والسجود هو موضع خضوع وذل للعبد ينزه عنه كلام الرب.
هذه العلة المستنبطة لا تجعل النهي للتحريم، لأن تذلل العبد لربه قربة وعزة له.
قال الشاعر:
وإذا تذللتْ الرقابُ تواضعًا
…
منا إليك فعزها في ذلها.
وتذلل العبد في عمل القلب وفي خضوع البدن، وكلاهما لا يلحق القرآن، وإلا كان ذكر الله في الركوع والسجود لا يليق، فإذا كان الراكع والساجد يذكر الله بأسمائه وصفاته، ولا ينزه أسماء الرب ولا صفاته في الركوع والسجود، فكلامه صفة من صفاته، وإن وجد فرق بينهما فهو ما يجعل النهي للكراهة، لا للتحريم، فالركوع والسجود موضع للذكر، ومحل لتعظيم الرب، والقرآن أعظم الذكر، ولولا النهي لقيل: إن قراءة كتاب الله من تعظيم الله، وهو مشروع في القيام بالإجماع، فإذا ذكر المصلي ما كان مشروعًا في القيام في محل الركوع والسجود أو في أي موضع في الصلاة لم يَأْتِ بما ينافي صلاته،
فلا يكون مبطلًا، وإذا لم يكن مبطلًا كان مكروهًا.
وربما أيضًا يُلْحَظ أن الأحاديث الواردة في الباب قد تكلم فيها بعض العلماء، فلا يتشدد في موجبها.
فحديث ابن عباس: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا وساجدًا، أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء
…
) قد تكلم في إسناده الإمام أحمد، فقال: إسناده ليس بذاك، ولعله لتفرد إبراهيم بن عبد الله بن معبد، عن أبيه، عن ابن عباس، وتكلمت على هذا حين تخريج الحديث.
وحديث علي بن أبي طالب قد تكلم فيه الإمام البخاري، ولم يخرجه في صحيحه، وفي أسانيده اختلاف كثير، وكان بعض الصحابة وبعض التابعين يقرؤون القرآن في السجود، وإن كان هذا ليس بحجة، حيث لا يعارض المرفوع بالموقوف لكن إذا أضيف ذلك مع قلة من قال بالتحريم كان ذلك مراعًى في الترجيح، فربما لهذا ولما سبق ذهب الأئمة الأربعة إلى القول بكراهة قراءة القرآن في الركوع والسجود.
• دليل من قال: تحرم قراءة الفاتحة وتكره قراءة غيرها:
أما كراهة غير الفاتحة:
فقد استدلوا بما استدل به الجمهور، وسبق ذكر دليلهم، وتوجيهه.
وأما وجه التفريق بين قراءة الفاتحة وغيرها:
فذكروا أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة، وقراءتها في الركوع والسجود نقل لهذا الركن إلى غير موضعه، وهذا محرم تبطل به الصلاة، كما لو ركع أو سجد في غير موضعيهما.
• ويناقش:
بأن الأحاديث لم تفرق بين الفاتحة وغيرها، فالنص لا يخصصه إلا نص مثله، أو إجماع، والفاتحة إنما تكون ركنًا في الصلاة في موضعها، وأما إذا قرئت في غير موضعها فهي سورة من القرآن لا غير، ولذلك لو كرر الفاتحة في القيام لم تبطل صلاته على الصحيح؛ لأن قراءتها في المرة الثانية ليست ركنًا، لأنه قد أدى الركن في القراءة الأولى، والله أعلم.
• دليل من قال: تحرم القراءة في الركوع دون السجود:
(ح-1719) ما رواه مسلم من طريق مالك، عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه،
عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي، والمعصفر، وعن تختم الذهب، وعن قراءة القرآن في الركوع
(1)
.
ورواه مسلم من طريق يونس، عن ابن شهاب، حدثني إبراهيم بن عبد الله بن حنين،
أن أباه، حدثه، أنه سمع علي بن أبي طالب، يقول: نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن القراءة، وأنا راكع، وعن لبس الذهب والمعصفر
(2)
.
ورواه مسلم من طريق جعفر بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن عبد الله بن حنين، عن علي ولم يذكر في السجود
(3)
.
(ح-1720) وروى مسلم من طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن عبد الله بن حنين،
عن ابن عباس أنه قال: نهيت أن أقرأ وأنا راكع
(4)
.
• ونوقش:
بأن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، قد اختلف عليه في ذكر السجود، ومن زاد السجود عددًا لا بأس به، وعلى رأسهم الإمام الزهري، فهي زيادة من ثقة، ولو فرض أن ذكر السجود غير محفوظ من حديث علي بن أبي طالب، فهو محفوظ من حديث إبراهيم بن عبد الله بن معبد، عن أبيه عن ابن عباس، رواه مسلم، وسبق تخريجه
(5)
.
(1)
. صحيح مسلم (29 - 2078).
(2)
. صحيح مسلم (30 - 2078).
(3)
. صحيح مسلم (480).
(4)
. صحيح مسلم (214 - 481).
(5)
. اختلف على إبراهيم بن عبد الله بن حنين، في ذكر السجود:
فرواه يونس كما في صحيح مسلم (209 - 480)،
ومعمر كما في صحيح مسلم (31 - 2078)، كلاهما عن الزهري.
والوليد بن مسلم كما في صحيح مسلم (210 - 480).
وزيد بن أسلم كما في صحيح مسلم (211 - 480).
وداود بن قيس كما في صحيح مسلم (212 - 480) خمستهم، رووه عن إبراهيم بن عبد الله =
• دليل من قال: تجوز القراءة في الركوع والسجود:
الدليل الأول:
لعل أصحاب هذا القول رأوا أنه لم يصح في الباب حديث يمنع من القراءة في الركوع والسجود، فحديث ابن عباس تكلم في إسناده الإمام أحمد،.
وأما حديث علي رضي الله عنه فربما نظروا إلى كثرة الاختلاف في إسناده ولفظه،
فقيل: عن عبد الله بن حنين، عن ابن عباس.
وقيل: عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن ابن عباس، عن علي.
= ابن حنين، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه بذكر السجود.
وخالفهم كل من:
نافع مولى ابن عمر، من رواية مالك عنه، كما في صحيح مسلم (213 - 480)، وهو في موطأ مالك (1/ 80).
ويزيد بن حبيب، كما في صحيح مسلم (213 - 480).
وأسامة بن زيد، كما في صحيح مسلم (213 - 480)
ومحمد بن عمرو، كما في صحيح مسلم (213 - 480)،
ومحمد بن إسحاق، كما في صحيح مسلم (213 - 480) خمستهم رووه عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن علي، ولم يذكروا فيه النهي عن القراءة في السجود.
كما رواه الضحاك بن عثمان كما في صحيح مسلم (213 - 480)
وابن عجلان، كما في صحيح مسلم، (213 - 480)، كلاهما روياه عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن ابن عباس، عن علي، وليس فيه النهي عن القراءة في السجود.
فهؤلاء سبعة من الرواة رووه عن إبراهيم، وليس فيه ذكر النهي عن القراءة في السجود.
كما رواه محمد بن المنكدر، عن عبد الله بن حنين في صحيح مسلم (480)، وليس فيه النهي عن القراءة في السجود. وهذه متابعة تامة لإبراهيم بن عبد الله بن حنين.
كما رواه أبو بكر بن حفص في صحيح مسلم (214 - 481)، عن عبد الله بن حنين، عن ابن عباس، وليس فيه النهي عن القراءة في السجود.
وكنت قد توسعت في تخريج هذه الطرق في أدلة القائلين بالتحريم، لهذا اكتفيت في هذا المقام على صحيح مسلم، للتنبيه على الاختلاف على إبراهيم بن عبد الله بن حنين.
وهذا الاختلاف على إبراهيم بن عبدالله بن حنين في ذكر السجود يضاف إلى الاختلاف الكثير عليه في إسناده.
وهذه الأسباب هي ما دفعت الإمام البخاري إلى عدم تخريج الحديث في صحيحه، وإن كان بعض طرقه على شرطه، كما جعلته يقول بجواز القراءة في الركوع والسجود بحسب ما فهم بعض العلماء من ترك الترجمة مطلقة، ولم يخرج تحتها أي حديث يدل على الجواز والمنع، والله أعلم.
وقيل: عن إبراهيم، عن أبيه، عن علي.
وقيل: عن إبراهيم، عن علي.
وقيل: عن حنين، عن علي.
وأحيانًا يذكر النهي عن القراءة في الركوع والسجود، وأحيانًا يذكر النهي عن القراءة في الركوع فقط.
فنظر إلى أن هذا الاختلاف نوع من الاضطراب يوجب رد الحديث.
وإذا لم يصح في الباب شيء، فالأصل أن قراءة القرآن جائزة؛ لأن الركوع والسجود محل للذكر، والقرآن أفضل الذكر، والفرق بين القرآن وسائر الأذكار كالفرق بين الخالق والمخلوق، وما ذكر العبد ربه بشيء أفضل من التقرب إليه بكلامه.
• الراجح من الخلاف:
أرى أن القول بالكراهة وسط بين القائلين بالتحريم على قلتهم، وبين القائلين بالجواز على قلتهم، والقلة والكثرة ليست من وسائل الترجيح مع قوة الأدلة، وأما إذا كانت علة النهي لا تبلغ التحريم، وأحاديث الباب قد تُكُلِّم فيها، كان القول بالكراهة لم يهمل النهي في هذه الأحاديث، ولم يبلغ بالنهي أعلاه، وهو التحريم، ويكفي أن القول بالكراهة هو قول الأئمة الأربعة في المعتمد من مذاهبهم، والله أعلم.
* * *