الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني إذا تعذر السجود بالجبهة وقدر على الباقي
المدخل إلى المسألة:
• إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
• الميسور لا يسقط بالمعذور.
• السجود على الأنف إيماء وزيادة.
• الإيماء رخصة للضرورة، فلو أراد تحمل الضرورة، وسجد على جبهته وأنفه لأجزأه كجنب أبيح له التيمم لبرد وغيره فتركه، واغتسل، فكذلك إذا سجد على أنفه.
[م-677] إذا تعذر السجود بالجبهة، وقدر على الأنف وبقية الأعضاء:
فقيل: يلزمه السجود على الأنف، وهو مذهب الحنفية، واختاره ابن حبيب من المالكية، ورجحه اللخمي، وهو رواية عن أحمد
(1)
.
قال في تحفة الفقهاء: «وأجمعوا -يعني أئمة الحنفية- أنه لو وضع الأنف في حال العذر جاز»
(2)
.
قال اللخمي في التبصرة: «إذا كانت بجبهته جراح، فقال في المدونة: يومئ بجبهته، وعلى قول ابن حبيب: يومئ بالجبهة، ويسجد على الأنف، وهو الصواب»
(3)
.
• واستدل أصحاب هذا القول:
الدليل الأول:
(ح-1882) بما رواه البخاري من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
(1)
. المبسوط (1/ 35)، تحفة الفقهاء (1/ 135)، الإنصاف (2/ 67)، الفروع (2/ 200).
(2)
. تحفة الفقهاء (1/ 135).
(3)
. التبصرة للخمي (1/ 287).
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
…
إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. ورواه مسلم
(1)
.
الدليل الثاني:
ولأن الميسور لا يسقط بالمعسور.
الدليل الثالث:
ولأن حديث ابن عباس اعتبر الجبهة والأنف كالعضو الواحد؛ لأنه سجود بالوجه، ولهذا عد النبي صلى الله عليه وسلم أعضاء السجود سبعة، ولو كان في معنى العضوين لكانت ثمانية، وإذا كانا كذلك كان السجود على الأنف كالسجود على بعض الجبهة فيجزئ.
وقيل: إذا عجز عن السجود بالجبهة كان فرضه الإيماء، وهو مذهب المالكية، والحنابلة
(2)
.
قال اللبدي في حاشيته على نيل المآرب: قوله: «(ومن عجز بالجبهة لم يلزمه غيرها): ظاهره أنه لا يلزمه السجود بالأنف»
(3)
.
• دليل من قال: من عجز بالجبهة سقط عنه السجود على الأنف:
(ح-1883) روى البخاري من طريق سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس،
عن ابن عباس، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكف شعرًا ولا ثوبًا: الجبهة، واليدين، والركبتين، والرجلين
(4)
.
ورواه مسلم من طريق حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس،
(1)
. صحيح البخاري (7288)، وصحيح مسلم (412 - 1337).
(2)
. المدونة (1/ 167)، المدونة (1/ 167)، حاشية الدسوقي (1/ 259)، الذخيرة للقرافي (2/ 195)، شرح التلقين (2/ 868)، التوضيح لخليل (1/ 352)، شرح زروق على الرسالة (1/ 229)، لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (2/ 188)، شرح منتهى الإرادات (1/ 198)، الإنصاف (2/ 67)، كشاف القناع (1/ 351)، مطالب أولي النهى (2/ 452)، الإقناع (1/ 121).
(3)
. حاشية اللبدي على نيل المآرب (1/ 58).
(4)
. صحيح البخاري (809).
عن ابن عباس، قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعظم، ونهي أن يكف شعره وثيابه، الكفين والركبتين والقدمين والجبهة
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن المحفوظ في حديث ابن عباس ذكر الجبهة دون الأنف، فإذا عجز بالسجود على الجبهة سقط فرض الوجه، وأما الأنف فالسجود عليه على وجه التبع للجبهة، لأن حديث ابن عباس ذكر الجبهة بالعبارة، وأشار على الأنف، والإشارة من فعل طاوس، كما بينت ذلك عند الكلام على تخريج الحديث، وهذا الدليل يتوافق مع مذهب المالكية دون مذهب الحنابلة.
وعلى فرض أن يكون السجود على الأنف مأمورًا به، فإن الأنف ذكر على وجه التبع للجبهة، وإلا لكان السجود على ثمانية أعضاء، والتابع لا يستقل بنفسه، فحيث سقط فرضها سقط تابعها.
وإذا قلنا: لا يجب السجود على الأنف وحده، فلو سجد على أنفه هل يجزئه؟ فيه قولان في مذهب المالكية.
سأل سحنون ابن القاسم كما في المدونة: «أرأيت من كانت في جبهته جراحات وقروح، لا يستطيع أن يضعها على الأرض، وهو يقدر على أن يضع أنفه، أيسجد على أنفه في قول مالك، أم يومئ؟ قال: بل يومئ إيماءً .... قلت لابن القاسم: أتحفظ عنه إن هو سجد على الأنف دون الجبهة شيئًا قال: لا أحفظ عنه في هذا شيئًا. قلت: فإن فعل أترى أنت عليه الإعادة؟ قال: نعم في الوقت وغيره»
(2)
.
فإن خالف فرضه، وسجد على أنفه:
فقيل: يجزئه، لأنه إيماء وزيادة، وهذا اختيار أشهب من المالكية، بل قال أشهب: هو أبلغ من الإيماء. اهـ
وقياسًا على الرجل يغسل رأسه في الوضوء بدلًا من مسحه، فإنه يجزئ عنه.
واختلف المتأخرون في مقتضى قول ابن القاسم:
فاختار ابن يونس وشيخه عتيق: أنه موافق لقول أشهب؛ لأن الإيماء ليس له
(1)
. صحيح مسلم (227 - 490).
(2)
. المدونة (1/ 167).
حد ينتهي إليه، فهو لو أومأ حتى قارب الأرض بأنفه لأجزأه باتفاق، فليس زيادته بالسجود على أنفه بالذي يبطل إيماءه.
ولأن الإيماء رخصة للضرورة، فلو أراد تحمل الضرورة، وسجد على جبهته وأنفه لأجزأه كجنب أبيح له التيمم لبرد وغيره فتركه، واغتسل، فكذلك لو سجد على أنفه.
واختار ابن القصار: أن قول ابن القاسم مخالف لقول أشهب؛ وإليه ذهب شيوخ ابن يونس؛ لأنه لم يَأْتِ بالأصل، وهو السجود على الجبهة، ولا ببدله، وهو الإيماء
(1)
.
• وسبب الخلاف:
الاختلاف في الحركة بين الأركان، أهي فرض مقصودة في نفسها، أم هي وسيلة، والمقصود هو الركوع والسجود.
فإن قيل: هي مقصودة في نفسها حسن القول بأن المأمور به في الإيماء نهاية ما يقدر عليه من الإيماء، لا سيما إذا قلنا: إن الإيماء ليس ببدل، وإنما السجود والحركة إليه كفرضٍ واحدٍ، عجز عن بعضه، وقدر على بعض، فيجب ألا يُتْرَك شيء من المقدور عليه لأجل المعجوز عنه، فيجب عليه أن يأتي من الإيماء ما يطيقه، فلو قصر عن طاقته فسدت صلاته، فيكون السجود على الأنف هو فرضه، باعتبار أنه قادر أن يبلغ بالإيماء إلى هذا الحد، فوجب عليه، ولأنه أقرب للأصل.
وإن قيل: الحركة بين الأركان وسيلة، وليست مقصودة في نفسها، حسن القول بأنه لا يؤمر أن يبلغ بالإيماء إلى نهاية ما يقدر عليه، فيكفي ما يسمى إيماء مع القدرة على أكثر منه، خاصة إذا اعتبرنا أن الإيماء بدل عن السجود، فإذا سجد على أنفه فقد خالف فرضه، وصار كمن سجد بدلًا عن الركوع، فإنه لا يعتد بذلك، وإن كان زاد على مقدار الركوع
(2)
.
* * *
(1)
. قال ابن جزي في القوانين (ص: 46): «ومن كان بجبهته قروح تؤلمه إن سجد أومأ عند ابن القاسم، وسجد على الأنف عند أشهب» . وانظر: حاشية الدسوقي (1/ 259)، الذخيرة للقرافي (2/ 195)، شرح التلقين (2/ 868)، التوضيح لخليل (1/ 352)، التاج والإكليل (2/ 269)، شرح ابن ناجي على الرسالة (1/ 145).
(2)
. انظر شرح الخرشي (1/ 297)، شرح التلقين (2/ 868).