الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس حكم التسميع والتحميد للمنفرد
المدخل إلى المسألة:
• كل حديث صح في حق الإمام أنه يجمع بين التسميع والتحميد فهو صالح للاحتجاج به في حق المنفرد.
• الإمام منفرد في حق نفسه.
• أحكام الإمام وأحكام المنفرد واحدة، ونية الإمامة ليست شرطًا في صحة إمامته.
• قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافًا أن المنفرد يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد.
[م-642] اختلفوا في المنفرد:
فقيل: المنفرد يجمع بين التسميع والتحميد، وهو قول الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة، ورواية الحسن عن أبي حنيفة، وبه قال صاحباه: أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وهو الأصح في المذهب
(1)
.
(1)
. المبسوط (1/ 21)، تحفة الفقهاء (1/ 134)، فتح القدير (1/ 299)، الهداية شرح البداية (1/ 51)، مراقي الفلاح (ص: 106)، المدونة (1/ 167)، شرح التلقين (2/ 588)، الكافي لابن عبد البر (1/ 207)، بداية المجتهد (1/ 160)، شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 295)، المعونة (ص: 221)، التلقين (1/ 46)، الذخيرة للقرافي (1/ 218)، الخرشي (1/ 275)، الشرح الكبير (1/ 248)، الأم (1/ 132)، الوسيط (2/ 129)، فتح العزيز (3/ 399)، المجموع (3/ 417)، روضة الطالبين (1/ 252)، تحفة المحتاج (2/ 63)، مغني المحتاج (1/ 367)، نهاية المحتاج (1/ 501)، الحاوي الكبير (2/ 124)، المبسوط (2/ 129)، نهاية المطلب (2/ 160، 161)، نيل المآرب (1/ 140)، الهداية (ص: 83)، الكافي لابن قدامة (1/ 251)، المغني (1/ 366)، المبدع (1/ 396)، الإنصاف (2/ 64)، الإقناع (1/ 120)، شرح منتهى الإرادات (1/ 195).
قال ابن عابدين: المعتمد «أن المنفرد يجمع بين التسميع والتحميد
…
».
وقيل: المنفرد يكتفي بالتحميد فقط، وهو رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة، ورجحه السرخسي وغيره من المشايخ، وهو رواية عن أحمد
(1)
.
وقيل: المنفرد يأتي بالتسميع فقط، وهو رواية المعلى، عن أبي يوسف، عن أبي حنفية، ورواية عن أحمد
(2)
.
دليل من قال: يجمع بين التسميع والتحميد:
الدليل الأول:
كل حديث صح في الإمام أنه يجمع بين التسميع والتحميد فهو صالح للاحتجاج به في حق المنفرد؛ لأن الإمام منفرد في حق نفسه، وأحكام الإمام وأحكام المنفرد واحدة، ونية الإمامة ليست شرطًا في صحة إمامته، والمنفرد يجب عليه أن يتأسى بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
(ح-1743) فقد روى البخاري ومسلم من طريق عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث،
أنه سمع أبا هريرة، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا لك الحمد ....
(3)
.
وفي الباب حديث ابن عمر في البخاري
(4)
.
وحديث عائشة، في البخاري
(5)
.
(1)
. شرح مختصر الطحاوي (1/ 614)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 51)، العناية شرح الهداية (1/ 299، 300)، بدائع الصنائع (1/ 209، 210)، ملتقى الأبحر (ص: 146)، مجمع الأنهر (1/ 97)، الإنصاف (2/ 64).
(2)
. بدائع الصنائع (1/ 209)، الإنصاف (2/ 64)، الفروع (2/ 198).
(3)
. صحيح البخاري (789)، وصحيح مسلم (29 - 392).
(4)
. صحيح البخاري (735).
(5)
. صحيح البخاري (1065).
وحديث ابن أبي أوفى في مسلم
(1)
.
وحديث حذيفة في مسلم
(2)
.
وحديث علي بن أبي طالب في مسلم
(3)
.
وحديث أبي سعيد الخدري في مسلم
(4)
.
والظاهر من إطلاق هذه الأحاديث عموم أحوال صلاة النبي صلى الله عليه وسلم جماعة ومنفردًا، ولوكان هذا خاصًّا بالإمامة لجاء التنبيه عليه من الرواة.
وقد احتج الطحاوي على مشروعية التحميد للإمام بقياسه على المنفرد.
قال الطحاوي: «لما ثبت باتفاقهم أن المصلي وحده يقول بعد قوله سمع الله لمن حمده: ربنا ولك الحمد ثبت أن الإمام يقولها»
(5)
.
الدليل الثاني:
حكى بعض العلماء الإجماع على أن المنفرد يجمع بينهما.
قال ابن عبد البر: «لا أعلم خلافًا أن المنفرد يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، أو ولك الحمد»
(6)
.
وقال الطحاوي: «قد أجمعوا فيمن يصلي وحده على أنه يقول ذلك»
(7)
. يعني الجمع بين التسميع والتحميد.
وقال العيني في شرح سنن أبي داود: «وأما المنفرد فيجمع بينهما بلا خلاف»
(8)
.
(1)
. رواه مسلم (202 - 476).
(2)
. رواه مسلم (203 - 772).
(3)
. رواه مسلم (202 - 771).
(4)
. رواه مسلم (205 - 477) من طريق سعيد بن عبد العزيز، عن عطية بن قيس، عن قزعة، عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
(5)
. شرح معاني الآثار (1/ 240).
(6)
. التمهيد (6/ 148)، الاستذكار (2/ 178).
(7)
. شرح معاني الآثار (1/ 240).
(8)
. شرح سنن أبي داود للعيني (4/ 33).
ولا يثبت الإجماع لوجود الخلاف فيه كما هو واضح من عرض الأقوال، ولذلك عبارة العيني في شرح البخاري وفي البناية شرح الهداية أشار إلى الخلاف بقوله: والمنفرد يجمع بينهما في الأصح
(1)
.
وهي أدق من عبارته في شرح سنن أبي داود السابقة
وقال مثله القسطلاني في إرشاد الساري
(2)
.
ومحمد الأمين بن عبد الله الأُرَمي في شرح مسلم
(3)
.
• دليل من قال: المنفرد يكتفي بالتحميد:
أن قوله: (سمع الله لمن حمده) يراد منها حث المصلين على التحميد، والمنفرد ليس معه غيره ليحثهم عليه، فكانت حاجته إلى التحميد فقط.
• ويجاب:
بأن جملة (سمع الله لمن حمده) مختلف في تأويلها على قولين: أيراد منها الدعاء أم الخبر؟
وعلى الأول لا يمنع المنفرد من أن يتقدم التحميد الدعاء له بالقبول والإجابة.
وعلى التأويل الثاني وأن المراد منه الخبر والحث على التحميد، فلا يمتنع أن يحث المصلي نفسه على ذلك، ولا يستبعد أن تكون ألفاظ العبادة يغلب عليها التوقيف على مراعاة المعنى، ولذلك يقول المصلي في التشهد: السلام عليك أيها النبي
…
بكاف المخاطب، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس شاهدًا لصلاته، ولا سامعًا لسلامه، ويسلم المنفرد، وليس خلفه من يسلم عليهم، ويشرع الرمل في طواف القدوم وليس ثمت مشركون في مكة، ويؤذن المنفرد ويقيم ولولا ينتظر أحدًا يصلي معه، والله أعلم.
• دليل من قال: يكتفي بالتسميع:
(ح-1744) ما رواه البخاري ومسلم من طريق الزناد، عن الأعرج،
(1)
. عمدة القارئ (6/ 62)، البناية شرح الهداية (2/ 230).
(2)
. إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (2/ 104).
(3)
. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (7/ 63).
عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون
(1)
.
وجه الاستدلال:
إذا كان الإمام يقتصر على قول سمع الله لمن حمده، والمأموم على قول: ربنا لك الحمد، فالمنفرد إمام نفسه؛ ويشرع له ما يشرع للإمام، لأن أحكام صلاتهما واحدة، فلا يشرع له التحميد، والله أعلم.
• ويناقش:
سبق الخلاف في المشروع للإمام، ورجحت أنه يجمع بين التسميع والتحميد، وناقشت دلالة هذا الحديث، فانظر في الخلاف في تحميد الإمام، والله أعلم.
• الراجح:
أن المنفرد يشرع في حقه التسميع والتحميد، والله أعلم.
* * *
(1)
. صحيح البخاري (734)، وصحيح مسلم (86 - 414).