الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة في استحباب المجافاة في السجود
المطلب الأول في استحباب مجافاة العضدين عن الجنبين
المدخل إلى المسألة:
• المجافاة في السجود صفة في العبادة، وصفات العبادة توقيفية.
• سنة المجافاة متفق على استحبابها، قال ابن عمر: اسجد كيف تيسر عليك.
• تطبيق السنن مقيد بشرط ألا يؤذي من بجانبه، فإن آذى حرمت المجافاة.
[م-671] يستحب للمصلي إذا سجد أن يجافي -أي يباعد- عضديه عن جنبيه، وهذه السنة متفق عليها بين الأئمة الأربعة
(1)
.
قال الحنفية والحنابلة: الاستحباب مقيد بشرط ألا يؤذي من بجانبيه، فإن آذى بسببها من بجانبيه لم تستحب؛ لأنه لا يرتكب سنة بفعل محرم،
(1)
. الأصل للشيباني (1/ 6)، المبسوط (1/ 22)، الهداية (1/ 51)، تحفة الفقهاء (1/ 135)، بدائع الصنائع (1/ 31، 210)، البحر الرائق (1/ 338)، مجمع الأنهر (1/ 97)، حاشية ابن عابدين (1/ 503)، شرح مختصر الطحاوي للجصاص (1/ 620)، تبيين الحقائق (1/ 118)، التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة (1/ 157)، الثمر الداني (ص: 112)، الذخيرة للقرافي (2/ 188)، القوانين الفقهية (ص: 45)، الأم (1/ 137)، مختصر المزني (ص: 107)، الحاوي الكبير (2/ 129)، المهذب في فقه الإمام الشافعي (1/ 145)، نهاية المطلب (2/ 168)، فتح العزيز (3/ 473)، المجموع شرح المهذب (3/ 429)، تحفة المحتاج (2/ 76)، نهاية المحتاج (1/ 516)، مغني المحتاج (1/ 375)، التعليقة للقاضي حسين (2/ 751)، المغني (1/ 331)، الفروع (2/ 203)، الإنصاف (2/ 69)، المبدع (1/ 404)، الإقناع (1/ 121)، شرح منتهى الإرادات (1/ 198).
وأذية المؤمنين محرمة
(1)
.
• والأدلة على استحباب هذه الصفة كثيرة، نذكر منها:
الدليل الأول:
(ح-1861) ما رواه البخاري ومسلم من طريق جعفر بن ربيعة، عن ابن هرمز،
عن عبد الله بن مالكٍ ابن بحينة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه
(2)
.
الدليل الثاني:
(ح-1862) ما رواه مسلم من طريق جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم،
عن ميمونة بنت الحارث، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى من خلفه وضح إبطيه
(3)
.
ورواه مسلم من طريق سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، عن عمه يزيد بن الأصم،
عن ميمونة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه لمرت
(4)
.
ورواه مسلم من طريق مروان بن معاوية الفزاري، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم به، بلفظ:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد خَوَّى بيديه -يعني جنح- حتى يرى وضح إِبْطَيْهِ من ورائه .... الحديث
(5)
.
الدليل الثالث:
(ح-1863) ما رواه أحمد، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عاصم
(1)
. البحر الرائق (1/ 338)، حاشية ابن عابدين (1/ 503)، كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (2/ 325)، الإنصاف (2/ 69)، المبدع (1/ 404).
(2)
. البخاري (390)، وصحيح مسلم (235 - 495).
(3)
. صحيح مسلم (239 - 497).
(4)
. صحيح مسلم (237 - 496).
(5)
. صحيح مسلم (238 - 497).
ابن كليب، عن أبيه،
عن وائل الحضرمي قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر حين دخل، ورفع يده، وحين أراد أن يركع، رفع يديه، وحين رفع رأسه من الركوع، رفع يديه، ووضع كفيه، وجافى، وفرش فخذه اليسرى من اليمنى، وأشار بإصبعه
(1)
.
ورواه أحمد، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا شعبة به، وفيه: (
…
وخوَّى في ركوعه، وخوَّى في سجوده
…
). الحديث
(2)
.
ورواه ابن خزيمة من طريق وهب بن جرير، عن شعبة به، وفيه:( .... وقال حين سجد: هكذا، وجافى يديه عن إبطيه .... ). الحديث
(3)
.
[حسن]
(4)
.
وجه الاستدلال:
قوله: (ووضع كفيه، وجافى) يعني عن إبطيه في سجوده كما في رواية وهب بن جرير.
وقوله: (وخوَّى في سجوده)، قال ابن الأثير في النهاية: «أي جافى بطنه عن
(1)
. المسند (4/ 316).
(2)
. المسند (4/ 316).
(3)
. صحيح ابن خزيمة (698).
(4)
. رواه شعبة، فذكر رفع الأيدي للتكبير، ولم يذكر صفة الرفع وبيان منتهاه:
فقد رواه أحمد (4/ 316) ومن طريقه الخطيب في الفصل للوصل (1/ 430)، عن هاشم بن القاسم،
ورواه أحمد (4/ 316) و ابن خزيمة في صحيحه (697) عن محمد بن جعفر،
ورواه أحمد مختصرًا (4/ 319) حدثنا أسود بن عامر،
والبخاري في رفع اليدين (26)، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 35) ح 83، وفي الدعاء (637)، عن مسلم بن إبراهيم،
والطبراني في المعجم الكبير (22/ 35) ح 83، من طريق أبي الوليد الطيالسي،
وابن خزيمة (698) من طريق وهب بن جرير،
والخطيب في الفصل للوصل (1/ 431) من طريق النضر (يعني ابن شميل) سبعتهم، رووه عن شعبة، به.
وحديث عاصم قد رواه ما يقارب من عشرين نفسًا عن عاصم، وقد سبق تخريجها، انظر (ح 1247).
الأرض ورفعها، وجافى عضديه عن جنبيه، حتى يخوى ما بين ذلك»
(1)
.
الدليل الرابع:
(ح-1864) ما رواه النسائي من طريق يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثني محمد بن عطاء،
عن أبي حميد الساعدي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهوى إلى الأرض ساجدًا جافى عضديه عن إبطيه، وفتخ أصابع رجليه
(2)
.
ورواه أحمد مطولًا حدثنا يحيى بن سعيد به، وفيه: (
…
ثم هوى ساجدًا وقال: الله أكبر، ثم جافى وفتح عضديه عن بطنه، وفتح أصابع رجليه .... )
(3)
.
[إسناده حسن، وهو حديث صحيح]
(4)
.
الدليل الخامس:
(ح-1865) ما رواه أحمد، قال: حدثنا وكيع، حدثنا عباد بن راشد، عن الحسن،
حدثنا أحمر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن كنا لنأوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما يجافي بيديه عن جنبيه إذا سجد
(5)
.
[حسن]
(6)
.
(1)
. النهاية في غريب الحديث (2/ 90).
(2)
. النسائي (1101).
(3)
. المسند (5/ 424).
(4)
. سبق تخريجه، انظر (ح 1261).
(5)
. المسند (5/ 30).
(6)
. الحديث مداره على عباد بن راشد، عن الحسن، عن أحمر بن جزء، ورواه عن عباد جماعة منهم:
وكيع كما في مسند أحمد (5/ 30)، وابن أبي شيبة في المصنف (2641)، وفي المسند (604)، وابن ماجه (886)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1655)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 166).
وعبد الرحمن بن مهدي كما في مسند أحمد (4/ 342)، وأبو يعلى (1552)، والمفاريد لأبي يعلى (64).
وعفان بن مسلم كما في مسند أحمد (5/ 31)، وشرح معاني الآثار (1/ 232)، ومعرفة =
وفي الباب أحاديث كثيرة، وما ذكرته كافٍ في الاحتجاج لهذه السنة.
(1)
.
وهذه الأحاديث التي ذكرتها لا تدل على الوجوب، لأنها حفظت عن النبي من السنة الفعلية، والفعل لا يدل بنفسه على الوجوب، ولو حفظ من النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالمجافاة لم يكن ذلك وحده ليقتضي الوجوب حتى يكون ذلك هو ما فهمه الصحابة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظ ذلك، ولو عن واحد منهم، فإذا لم يفهم الصحابة من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم الوجوب، ولم يفهم ذلك التابعون، ولا تابعوهم وكان القول بالوجوب عاريًا من أقوال القرون المفضلة، ثم ذهب الأئمة الأربعة إلى استحباب المجافاة لم يكن القول بالوجوب له حظ من النظر، وإن نزع إلى ذلك أحيانًا أهل الظاهر كما هي طريقتهم في فهم النصوص، واعتمادهم على اللغة فقط في فهم دلالة النصوص، واللغة إحدى الأدوات وليست الأداة الوحيدة،
فإذا أضيف إلى مسألتنا ما نقله بعض أهل العلم من الإجماع على استحباب المجافاة، كما سيأتي نقله في دليل خاص، فقد أغلق باب احتمال حكاية الوجوب، والله أعلم.
وانظر إلى حديث أم عطية في الصحيحين: نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا
(2)
.
فقول أم عطية: (ولم يعزم علينا) هذا الفهم الذي تتحدث عنه أم عطية رضي
= الصحابة لأبي نعيم (1034).
ومسلم بن إبراهيم كما في سنن أبي داود (900)، ومعجم ابن الأعرابي (1109)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (1034).
وأبو نعيم الفضل بن دكين كما في شرح معاني الآثار (1/ 232)، والمعجم الكبير للطبراني (1/ 279) ح 813، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (1034).
(1)
. فتح الباري (2/ 292).
(2)
. صحيح البخاري (1278)، وصحيح مسلم (938).
الله عنها خارج دلالة النهي اللغوية، ولا يحيط به إلا من شاهد التنزيل، وسمع الخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم، لن يعطاه من تعامل مع دلالة النصوص اللغوية بمعزل عن فهم الصحابة رضوان الله عليهم، وعن فهم من أَخَذَ عنهم واتبعهم بإحسان، وهم التابعون رحمهم الله.
وقل مثل ذلك لو أن طالب علم جاء إلى لفظ (السفر) في اللغة وأراد أن يطبق أحكام القصر والفطر على دلالة النص اللغوية، فرخص في الفطر والقصر بمجرد الظهور عن البلد؛ باعتبار أن حقيقة السفر هو السفور والظهور، فلما كان مضطرًا في فهم حقيقة السفر إلى الرجوع إلى عمل الصحابة وفهم السلف كان ذلك واجبًا في التعامل مع بقية النصوص الشرعية، والله أعلم.
وحين قال عطاء في قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]. قال: ما أراه إلا واجبًا. أخذ ذلك فقط من دلالة الأمر، والأصل فيه الوجوب، ولم يأخذ ذلك من فهم الصحابة رضوان الله عليهم.
قال له تلميذه ابن جريج: أتأثره عن أحد؟ قال: لا
(1)
.
فأراد ابن جريج أن ينبه شيخه إلى أن القول بالوجوب يحتاج إلى أن يكون مأثورًا عن أحد من الصحابة، لأن ابن جريج لم يرد بسؤاله أن يكون مأثورًا عن أحد من التابعين لأن قول عطاء وهو إمام من التابعين كافٍ.
فإذا كان ذلك في حق عطاء، وقد أدرك مائتين من الصحابة، فما ظنك بغيره من المتأخرين.
ومما يدل على نفي الوجوب، ما حفظ عن ابن عمر رضي الله عنهما،
(ث-450) فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف، حدثنا أبو عاصم (هو النبيل)
(2)
، عن ابن جريج، عن نافع، قال: كان ابن عمر يضم يديه إلى جنبيه إذا سجد
(3)
.
(1)
. مصنف عبد الرزاق (15576) بسند صحيح.
(2)
. في المطبوع (حدثنا عاصم)، وهو خطأ، وفي المخطوط (حدثنا أبو عاصم) على الصواب.
(3)
. مصنف ابن أبي شيبة (2660).
[صحيح].
(ث-451) وروى ابن أبي شيبة في المصنف، حدثنا ابن نمير، قال: حدثنا الأعمش، عن حبيب، قال:
سأل رجل ابن عمر، أضع مرفقي على فخذي إذا سجدت؟ فقال: اسجد كيف تيسر عليك
(1)
.
[صحيح].
الدليل السادس:
حكى الطحاوي إجماع المسلمين على الاستحباب
(2)
.
وقال النووي في شرح مسلم: وهذا أدب متفق على استحبابه
(3)
.
وقد ذكر العلماء من الحكمة في المجافاة أنه أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة من الأرض، وأبعد من هيئات الكسالى، وليأخذ كل عضو من البدن بحظه من العبودية والخضوع، فيجافي بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وعضديه عن جنبيه، ليستقل كل عضو منه بالعبودية، ويبقى الحكمة الأولى هي الاتباع، ولا أبلغ منها حكمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في الأميين يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، فكل تعاليمه صلى الله عليه وسلم حكمة وتزكية
(4)
.
* * *
(1)
. مصنف ابن أبي شيبة (2661).
(2)
. انظر: شرح معاني الآثار (1/ 230).
(3)
. شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 209).
(4)
. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (2/ 354).