المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني في استحباب مجافاة الفخذين عن البطن - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٤

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث السادس أقل الكمال في التسبيح

- ‌المبحث السابع كراهة قراءة القرآن في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثامن حكم الدعاء في الركوع والسجود

- ‌الباب الثامن في أحكام الرفع من الركوع

- ‌الفصل الأول حكم الرفع من الركوع والسجود

- ‌الفصل الثاني في مشروعية التسميع والتحميد

- ‌المبحث الأول في وقت ابتداء التسميع والتحميد

- ‌المبحث الثاني في مشروعية التسميع للإمام

- ‌المبحث الثالث حكم التحميد للإمام

- ‌المبحث الرابع حكم التسميع والتحميد للمأموم

- ‌المبحث الخامس حكم التسميع والتحميد للمنفرد

- ‌الفصل الثالث في رفع اليدين للرفع من الركوع

- ‌المبحث الأول في مشروعية الرفع

- ‌المبحث الثاني في صفة رفع اليدين

- ‌المبحث الثالث في منتهى رفع اليدين

- ‌الباب التاسع أحكام الاعتدال في الصلاة

- ‌الفصل الأول في حكم الاعتدال من الركوع والسجود

- ‌الفصل الثاني في حكم الزياده على التسميع والتحميد

- ‌الفصل الثالث في قبض اليسرى باليمنى بعد الرفع من الركوع

- ‌الفصل الرابع في صيغ التحميد المشروعه

- ‌الفصل الخامس في تطويل مقدار الاعتدال من الركوع

- ‌الباب العشر في أحكام السجود

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول في تعريف السجود

- ‌المبحث الثاني في مقام السجود من العبادة

- ‌الفرع الأول في فضل السجود

- ‌الفرع الثاني في تفضيل كثرة السجود على طول القيام

- ‌الفصل الأول في حكم السجود

- ‌الفصل الثاني في صفة السجود

- ‌المبحث الأول في صفة التجزئة

- ‌الفرع الأول في وجوب الطمأنينة في السجود

- ‌الفرع الثاني في الأعضاء التي يجب السجود عليها

- ‌المسألة الأولى في حكم السجود على الجبهة

- ‌المسألة الثانية حكم السجود على الأنف

- ‌المسألة الثالثة حكم السجود على الكفين والركبتين والقدمين

- ‌المسألة الرابعة في حكم رفع الذراعين عن الأرض في السجود

- ‌المبحث الثاني في صفة السجود الكاملة

- ‌الفرع الأول في السنن القولية

- ‌المسألة الأولى في مشروعية التكبير للسجود

- ‌المسألة الثانية في صفة التكبير للسجود

- ‌المسألة الثالثة في حكم التسبيح في السجود

- ‌مطلبفي بعض أذكار السجود الواردة في الصلاة

- ‌الفرع الثاني في سنن السجود الفعلية

- ‌المسألة الأولى في صفة الهوي للسجود

- ‌المسألة الثانية في رفع الأيدي إذا كبر للسجود أو رفع منه

- ‌المسألة الثالثة السنة في موضع الكفين حال السجود

- ‌المسألة الرابعة في استحباب ضم أصابع يديه في السجود وتوجهها إلى القبلة

- ‌المسألة الخامسة في الهيئة المستحبة في سجود القدمين

- ‌المسألة السادسة في استحباب المجافاة في السجود

- ‌المطلب الأول في استحباب مجافاة العضدين عن الجنبين

- ‌المطلب الثاني في استحباب مجافاة الفخذين عن البطن

- ‌المطلب الثالث في مجافاة المرأة

- ‌المطلب الرابع في المجافاة بين الفخذين وكذا الركبتين

- ‌المطلب الخامس في المجافاة بين القدمين

- ‌الفصل الثالث في تعذر السجود على أحد الأعضاء السبعة

- ‌المبحث الأول إذا قدر على السجود بالوجه وعجز عن الباقي

- ‌المبحث الثاني إذا تعذر السجود بالجبهة وقدر على الباقي

- ‌المبحث الثالث إذا تعذر السجود بالجبهة والأنف وقدر على الباقي

- ‌الفصل الرابع في السجود على الحائل

- ‌المبحث الأول في السجود على حائل منفصل عن المصلى

- ‌المبحث الثاني في السجود على حائل متصل بالمصلي

- ‌الفرع الأول في السجود على عضو من أعضاء المصلي

- ‌الفرع الثاني في السجود على حائل متصل ليس من أعضاء المصلي

- ‌المسألة الأولى في مباشرة الأرض بالقدمين والركبتين في السجود

- ‌المسألة الثانية في مباشرة الأرض باليدين حال السجود

- ‌المسألة الثالثة في مباشرة الأرض بالجبهة حال السجود

- ‌الباب الحادي عشر في الرفع من السجود

- ‌الفصل الأول في مشروعية التكبير للرفع من السجود

- ‌الفصل الثاني في وقت ابتداء التكبير للرفع من السجود

- ‌الفصل الثالث في رفع اليدين مع الرفع من السجود

- ‌الفصل الرابع في حكم الرفع من السجود

- ‌الباب الثاني عشر في الاعتدال من السجود

- ‌الفصل الأول في ركنية الجلوس بين السجدتين

- ‌الفصل الثاني في صفة الجلوس في الصلاة

- ‌الفصل الثالث في النهي عن الإقعاء في الصلاة

- ‌الفصل الرابع في مشروعية الذكر بين السجدتين وفي حكمه وصيغته

- ‌الفصل الخامس صفة وضع اليدين إذا جلس بين السجدتين

- ‌الفصل السادس في وجوب السجده الثانية في الصلاة

- ‌الباب الثالث عشر في النهوض للركعة الثانية

- ‌الفصل الأول في مشروعية جلسة الاستراحة قبل القيام

- ‌الفصل الثاني في صفة النهوض إلى الركعة الثانية

- ‌الباب الرابع عشر في الفروق بين الركعة الأولى وسائر الركعات

- ‌الفصل الأول في تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الثاني لا يشرع الاستفتاح في الركعة الثانية

- ‌الفصل الثالث لا يستعيذ في الركعة الثانية إذا استعاذ في الركعة الأولى

- ‌الفصل الرابع لا يجدد النية للركعة الثانية

- ‌الفصل الخامس في أطالة الركعة الأولى على سائر الركعات

- ‌الباب الخامس عشر في الأحكام الخاصة بالتشهد

- ‌الفصل الأول في حكم التشهد الأول والجلوس له

- ‌الفصل الثاني حكم التشهد الأخير

- ‌الفصل الثالث في ألفاظ التشهد

- ‌الفصل الرابع في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد

- ‌المبحث الأول في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول

- ‌المبحث الثاني في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني

- ‌الفصل الخامس في صفة الكفين في التشهد

- ‌الفصل السادس في تحريك السبابة بالتشهد

- ‌الفصل السابع الدعاء في التشهد

- ‌المبحث الأول في التعوذ بالله من أربع

- ‌المبحث الثاني في صفة الدعاء في الصلاة

- ‌الباب السادس عشر التسليم في الصلاة

- ‌الفصل الأول حكم التسليم

- ‌الفصل الثاني في حكم زيادة (ورحمة الله) في التسليم

الفصل: ‌المطلب الثاني في استحباب مجافاة الفخذين عن البطن

‌المطلب الثاني في استحباب مجافاة الفخذين عن البطن

المدخل إلى المسألة:

• مجافاة البطن عن الفخذين سنة متفق عليها بين الفقهاء.

• قال صلى الله عليه وسلم اعتدلوا في السجود، والاعتدال أن تكون فيه وسطًا فلا تبالغ في مَدِّ الظهر، ولا تقبضه فيلصق البطن على الفخذ والفخذ على الساق.

• إمكان مرور البهيمة من تحته صلى الله عليه وسلم إذا سجد فيه دلالتان على المجافاة:

مجافاة البطن عن الفخذ المأخوذ من إمكان مرور البهيمة بين يديه.

ومجافاة اليدين عن الجنبين، وهي من دلالة الالتزام، فإنه لو ألصق يديه بجنبيه ما أمكن للبهيمة مرورها بين يديه

[م-672] ذهب الأئمة الأربعة إلى استحباب مجافاة البطن عن الفخذين في الصلاة

(1)

.

(1)

. الهداية (1/ 51، 52)، كنز الدقائق (ص: 164)، الدر المختار (ص: 69)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 52)، العناية شرح الهداية (1/ 306)، البحر الرائق (1/ 338، 339)، مجمع الأنهر (1/ 97)، حاشية ابن عابدين (1/ 503)، شرح مختصر الطحاوي للجصاص (1/ 618)، تبيين الحقائق (1/ 118)، التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة (1/ 157)، الثمر الداني (ص: 112)، الذخيرة للقرافي (2/ 188)، القوانين الفقهية (ص: 45)، الأم (1/ 137)، مختصر المزني (ص: 107)، الحاوي الكبير (2/ 129)، المهذب في فقه الإمام الشافعي (1/ 145)، نهاية المطلب (2/ 168)، فتح العزيز (3/ 473)، المجموع شرح المهذب (3/ 429)، تحفة المحتاج (2/ 76)، نهاية المحتاج (1/ 516)، مغني المحتاج (1/ 375)، التعليقة للقاضي حسين (2/ 751)، المغني (1/ 331)، الفروع (2/ 203)، الإنصاف (2/ 69)، المبدع (1/ 404)، الإقناع (1/ 121)، شرح منتهى الإرادات (1/ 198).

ص: 315

قال ابن قدامة رحمه الله: «وجملته أن من السنة أن يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه إذا سجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك في سجوده»

(1)

.

وقد استدلوا على هذه السنة المتفق عليها بما يلي:

الدليل الأول:

(ح-1866) بما رواه أحمد، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا شعبة، عن عاصم بن كليب، قال: سمعت أبي يحدث،

عن وائل الحضرمي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى فكبر، فرفع يديه، فلما ركع رفع يديه، فلما رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وخوَّى في ركوعه، وخوَّى في سجوده .... الحديث

(2)

.

[حسن]

(3)

.

وقوله: (وخوَّى في سجوده)، قال الجوهري في الصحاح:«خَوَّى البعير تَخْوِيَةً: إذا جافى بطنه عن الأرض في بروكه، وكذلك الرجل في سجوده، والطائر إذا أرسل جناحيه»

(4)

.

وقال في أساس البلاغة: «خوى الرجل في سجوده

وهو أن يبقى بينه وبين الأرض خواء

»

(5)

.

وقال ابن الأثير في النهاية: «أي جافى بطنه عن الأرض ورفعها، وجافى عضديه عن جنبيه، حتى يخوى ما بين ذلك»

(6)

.

فهنا أطلق قوله: (وخوَّى) ليشمل مجافاة البطن عن الفخذ، ومجافاة العضد عن الجنب، ليجعل بينه وبين الأرض خواء: أي هواء وفجوة؛ لأن أصل الخواء كما

(1)

. المغني (1/ 373).

(2)

. المسند (4/ 319).

(3)

. سبق تخريجه، انظر (ح 1247).

(4)

. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2333).

(5)

. أساس البلاغة (1/ 272).

(6)

. النهاية في غريب الحديث (2/ 90)، وانظر غريب الحديث لابن الجوزي (1/ 314).

ص: 316

قال الهروي: المكان الخالي، ومنه يقال: خوى الرجل: إذا خلا جوفه

(1)

.

وقال الشافعي في الأم: «أحب للساجد أن يكون مُتَخَوِّيًا، والتخوية: أن يرفع صدره عن فخذيه، وأن يجافي مرفقيه وذراعيه عن جنبيه، حتى إذا لم يكن عليه ما يستر تحت منكبيه رأيت عفرة إبطيه .... »

(2)

.

وقال في اللباب في علوم الكتاب: «(

إذا سجد خوَّى) أي خلا عن عضده وجنبيه، وبطنه وفخذيه»

(3)

.

الدليل الثاني

(ح-1867) ما رواه أحمد، قال: حدثنا أبو كامل، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق،

عن البراء بن عازب أنه وصف السجود، قال: فبسط كفيه، ورفع عجيزته، وخَوَّى، وقال: هكذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم

(4)

.

[اختلف على شريك في ذكر كلمة (خَوَّى)، والأكثر على عدم ذكرها]

(5)

.

(1)

. انظر الغريبين في القرآن والحديث للهروي (2/ 607)، وانظر: تفسير القرطبي (3/ 290).

(2)

. الأم (1/ 137، 138).

(3)

. اللباب في علوم الكتاب (4/ 350).

(4)

. مسند أحمد (4/ 303).

(5)

. رواه أبو كامل كما في مسند أحمد (4/ 303)، عن شريك، وذكر كلمة (وخوى).

وتابعه على ذكر كلمة (خوى) كل من:

سعيد بن سليمان (سعدويه ثقة) كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 166)،

وعبد الحميد الحماني في شرح معاني الآثار (1/ 231)، والحماني في التقريب: صدوق يخطئ، ورمي بالإرجاء.

ورواه أسود بن عامر كما في مصنف ابن أبي شيبة (2650) عن شريك به، فقال:(فاعتمد على كفيه، ورفع عجيزته فقال: هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسجد).

وبنحو هذا اللفظ رواه كل من:

الربيع بن نافع كما في سنن أبي داود (896)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 166).

وعلي بن حجر المروزي كما في المجتبى من سنن النسائي (1104)، وفي الكبرى (695)، وصحيح ابن خزيمة (646). =

ص: 317

فأطلق كلمة (خوى) لتشمل مجافاة البطن عن الفخذين ومجافاة اليدين عن الجنبين.

الدليل الثالث:

(ح-1868) ما رواه أبو داود في السنن من طريق بقية، حدثني عتبة يعني ابن أبي حكيم، حدثني عبد الله بن عيسى، عن العباس بن سهل الساعدي،

عن أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه

(1)

.

[انفرد عبد الله بن عيسى بقوله: (غير حامل بطنه على شيء من فخذيه) وهو حرف شاذ]

(2)

.

= ومعلى بن منصور كما في مسند الروياني (280)،

وزهير كما في مسند علي بن الجعد (2510)، فهؤلاء خمسة من الرواة رووه عن شريك، عن أبي إسحاق به، ولم يقل أحد منهم (خَوَّي).

وشريك وإن كان سيئ الحفظ إلا أنه ثقة في أبي إسحاق، وسماعه قديم.

قال عبد الله بن أحمد كما في العلل (348): سمعتُ أبي يقول: قال شريك، عن أبي إسحاق. فقال: كان ثبتًا فيه. قال شريك: وقال له إنسان: ما أكثر حديثك عن أبي إسحاق. فقال: وددت أني كتبت نَفَسَه، وكان يتلهف عليه.

ولم ينفرد شريك بلفظ (خوى) فقد رواه ابن مخلد البزار في حديثه عن شيوخه (297 - 40) من طريق أبي الجواب الأحوص بن جواب، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق به، ولفظه:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد خوى).

(1)

. سنن أبي داود (735).

(2)

. حديث أبي حميد الساعدي رواه كل من محمد بن عطاء، وعباس بن سهل.

أما محمد بن عطاء فرواه عنه اثنان.

الأول: محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، وحديثه في صحيح البخاري (828)، وليس في لفظه قوله:(غير حامل بطنه على شيء من فخذيه).

والثاني: عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن عمرو بن عطاء،

رواه عن عبد الحميد بن جعفر، يحيى بن سعيد القطان، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد، وأبو أسامة، حماد بن أسامة، وهشيم بن بشير، وعبد الملك بن الصباح المسمعي، وغيرهم وليس في رواية عبد الحميد بن جعفر قوله:(غير حامل بطنه على شيء من فخذيه) وقد سبق تخريج رواية عبد الحميد بن جعفر، وهي خارج الصحيحين.

وأما رواية عباس بن سهل، فرواها عنه ثلاثة: =

ص: 318

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الأول: فليح بن سليمان (صدوق كثير الخطأ).

الثاني: محمد بن إسحاق، كما في صحيح ابن خزيمة (681)، وقد اتفق فليح وابن إسحاق على عدم ذكر قوله:(غير حامل بطنه على شيء من فخذيه)، وقد سبق تخريج هذه الطرق فيما سبق، انظر (ص: 473) من هذا المجلد.

الثالث: عيسى بن عبد الله، عن عباس بن سهل، وقد اختلف عليه في إسناده، كما اختلف عليه في لفظه، فرواه الحسن بن الحر، عن عيسى بن عبد الله وليس فيه (غير حامل بطنه على شيء من فخذيه).

ورواه عتبة بن أبي حكيم، عن عيسى بن عبد الله، فزاد قوله:(غير حامل بطنه على شيء من فخذيه)، فواضح شذوذ هذا الحرف حيث لم يذكر إلا في هذا الطريق.

وسواء اعتبرنا العهدة في هذه الزيادة على عتبة بن أبي حكيم، أو كانت من شيخه عيسى بن عبد الله، فلا يحتمل التفرد بهذه الزيادة، والمخالفة لكل من روى حديث أبي حميد الساعدي.

فعيسى بن عبد الله قليل الحديث، ولم يوثقه إلا ابن حبان، وقد وصمه بالجهالة كل من علي بن المديني، وابن القطان الفاسي، وفي التقريب: مقبول.

وعتبة بن أبي حكيم، قال الآجري عن أبي داود، سألت يحيى بن معين عنه، فقال: والله الذي لا إله إلا هو إنه لمنكر الحديث.

وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كان أحمد يوهنه قليلًا، وقد سئل عنه أبي، فقال: صالح، لا بأس به. الجرح والتعديل (6/ 370، 371)،

وقال النسائي: ضعيف، وفي موضع آخر: ليس بالقوي.

وقال دحيم: لا أعلمه إلا مستقيم الحديث. وهو أعلم بأهل الشام من غيره.

وعلى كل حال فحديثه من قبيل الحسن ما لم يخالف، كيف وقد تفرد بمثل هذا اللفظ الذي لم يرد في كل طرق حديث أبي حميد الساعدي.

إذا علمت هذا، نأتي لتخريج طريق عيسى بن عبد الله، فهو الطريق الذي لم يخرج سابقًا من طرق حديث أبي حميد الساعدي.

فقد اختلف عليه في إسناده:

فقيل: عن عيسى بن عبد الله، عن العباس بن سهل، عن أبي حميد.

رواه أبو داود في السنن (735)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 166)،

ورواه الطبراني في الكبير (1/ 433) ح 763، كلاهما (أبو داود والطبراني) عن عمرو بن عثمان، عن بقية،

ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 260) من طريق إسماعيل بن عياش، كلاهما (بقية بن الوليد وابن عياش) عن عتبة بن أبي حكيم، حدثني عبد الله بن عيسى -وفي رواية الطبراني: عبد الله بن عيسى وهو خطأ، وفي رواية ابن عياش: عيسى بن عبد الرحمن- عن =

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= العباس بن سهل به، بذكر قوله:(غير حامل بطنه على شيء من فخذيه).

والصواب في اسمه: عيسى بن عبد الله بن مالك الدار.

وقيل: عن عيسى بن عبد الله، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عباس بن سهل أو عياش ابن سهل الساعدي، بذكر واسطة بين عيسى والعباس بن سهل.

ولفظه بتمامه من طريق الوليد بن شجاع السكوني قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا الحسن بن الحر قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء أحد بني مالك، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، أنه كان في مجلس كان فيه أبوه -وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي المجلس أبو هريرة، وأبو أسيد، وأبو حميد الساعدي، من الأنصار، وأنهم تذاكروا الصلاة، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فأرنا، قال: فقام يصلي وهم ينظرون فبدأ يكبر، ورفع يديه حذاء المنكبين، ثم كبر للركوع، فرفع يديه أيضًا، ثم أمكن يديه من ركبتيه غير مقنع ولا مصوب، ثم رفع رأسه، وقال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ثم رفع يديه، ثم قال: الله أكبر، فسجد، فانتصب على كفيه، وركبتيه، وصدور قدميه وهو ساجد، ثم كبر، فجلس، وتورك إحدى رجليه، ونصب قدمه الأخرى، ثم كبر فسجد الأخرى، فكبر، فقام، ولم يتورك، ثم عاد فركع الركعة الأخرى، وكبر كذلك، ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام، كبر، ثم ركع الركعتين الأخيرتين، فلما سلم، سلم عن يمينه: سلام عليكم ورحمة الله، وسلم عن شماله: سلام عليكم ورحمة الله.

قال الحسن بن الحر: وحدثني عيسى أن مما حدثه أيضا في المجلس في التشهد: أن يضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ثم يشير في الدعاء بإصبع واحدة. اهـ

روى أبو داود بعضه (733، 966)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 260) و (4/ 354)، وفي مشكل الآثار (6071، 6072)، والطبراني في الكبير (6/ 129) ح 5738، وابن حبان بتمامه (1866)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه (240)، وأبو العباس في مسنده (100، 101)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 146)، من طريق أبي بدر شجاع بن الوليد، حدثني زهير أبو خيثمة، حدثنا الحسن بن الحر، حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء به.

فأخطأ في إسناده في ذكر واسطة بين محمد بن عمرو بن عطاء، وبين أبي حميد، وهذا الخطأ من قبل عيسى بن عبد الله حيث لم يضبط إسناده، كما لم يضبط لفظه، وقد خالفه كل من:

محمد بن عمرو بن حلحلة، كما في صحيح البخاري (828).

وعبد الحميد بن جعفر، فروياه عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد، ليس بينهما واسطة، وهو المحفوظ.

قال البيهقي (2/ 147): «روى عتبة بن أبي حكيم، عن عبد الله بن عيسى، عن العباس بن =

ص: 320

الدليل الرابع

(ح-1869) روى البخاري ومسلم من طريق شعبة، قال: سمعت قتادة،

عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب

(1)

.

قال ابن رجب: «قوله: (اعتدلوا في السجود) يريد به: اعتدال الظهر فيه، وذلك لا يكون مع افتراش الذراعين، إنما يكون مع التجافي

(2)

.

فالحديث أمر بالاعتدال في السجود، ونهى عن بسط الذراعين.

فالاعتدال في السجود لا يراد منه تسويته فإن ذلك يعني استواء أسفل الظهر بعنقه، ومعلوم أن أسفل الظهر في السجود أعلى من العنق، وإنما أراد بالاعتدال: التوسط بين الافتراش والقبض قاله ابن حجر.

فلا يمد ظهره مدًّا مبالغًا فيه يخرجه عن حد الاعتدال، ولا يقبضه بحيث يبسط ذارعيه على الأرض ويلصق بطنه بفخذيه، بل يكون وسطًا بينهما وذلك برفع البطن

= سهل، عن أبي حميد، ولم يذكر محمدًا في إسناده، والصحيح أن محمد بن عمرو بن عطاء قد شهده من أبي حميد الساعدي».

وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 255): «رواه الحسن بن الحر، عن عيسى بن عبد الله بن مالك الدار مولى عمر بن الخطاب (يعني: عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عباس بن سهل الساعدي).

وخالفه عتبة بن أبي حكيم فرواه عن عيسى، عن العباس نفسه، لم يذكر محمد بن عمرو.

ورواه عبد الحميد بن جعفر ومحمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد، وأسقطا العباس من إسناده».

قلت: والمعروف في إسناد الحديث، أن عيسى بن عبد الله، وفليحًا، وابن إسحاق يروونه عن العباس بن سهل، عن أبي حميد، ليس فيه محمد بن عمرو بن عطاء.

وأن محمد بن عمرو بن حلحلة، وعبد الحميد بن جعفر يرويانه، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد، ليس فيه العباس بن سهل، وكل من خالف ذلك فقد أخطأ في إسناده، والله أعلم.

(1)

. صحيح البخاري (822)، ومسلم (233 - 493).

(2)

. فتح الباري لابن رجب (7/ 280).

ص: 321

عن الفخذين، ورفع المرفقين عن الأرض.

يقول شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في تفسير الاعتدال في السجود: «اجعلوه سجودًا معتدلًا، لا تهصرون فينزل البطن على الفخذ، والفخذ على الساق، ولا تمتدون كما يفعل بعض الناس إذا سجد، يمتد حتى يقرب من الانبطاح، فهذا لا شك أنه من البدع، وليس بسنة فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة فيما نعلم أنَّ الإنسانَ يمدُّ ظهره في السجود، إنَّما مَدُّ الظهر في حال الركوع، أما السجود فإنه يرتفع ببطنه ولا يمده»

(1)

.

الدليل الخامس:

(ح-1870) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه، واسع بن حبان،

عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: إن ناسًا يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، فقال عبد الله ابن عمر: لقد ارتقيت يومًا على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين، مستقبلًا بيت المقدس لحاجته. وقال: لعلك من الذين يصلون على أوراكهم؟ فقلت: لا أدري والله.

قال مالك: يعني الذي يصلي ولا يرتفع عن الأرض، يسجد وهو لاصق بالأرض

(2)

.

فقول ابن عمر موقوفًا عليه: (لعلك من الذين يصلون على أوراكهم) قال ذلك على وجه التحذير له من الصلاة عليها، وقد فسر مالك الصلاة على الأوراك بأن يلصق بطنه بفخذيه إذا سجد، وهو خلاف هيئة السجود المشروعة، من مجافاة البطن عن الوركين.

الدليل السادس:

نقل الإجماع الشوكاني في نيل الأوطار بأنه لا خلاف في مشروعية التفريج

(1)

. الشرح الممتع (3/ 121).

(2)

. صحيح البخاري (145).

ص: 322

بين الفخذين في السجود، ورفع البطن عنهما

(1)

.

الدليل السابع:

(ح-1871) فقد روى مسلم من طريق سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، عن عمه يزيد بن الأصم،

عن ميمونة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه لمرت

(2)

.

قال في الهداية: «ويجافي بطنه عن فخذيه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سجد جافى حتى إن بهمة لو أرادت أن تمر بين يديه لمرت»

(3)

.

وقال الشوكاني: «والمراد أنه لم يجعل شيئًا من فخذيه حاملًا لبطنه، بل يرفع بطنه عن فخذيه، حتى لو شاءت بهيمة أن تمر بين يديه لمرت»

(4)

.

فإن قيل:

(ح-1872) قد رواه مسلم من طريق مروان بن معاوية الفزاري، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم به، بلفظ:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد خَوَّى بيديه -يعني جنح- حتى يرى وضح إِبْطَيْهِ من ورائه .... الحديث

(5)

.

ورواه مسلم من طريق جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم،

عن ميمونة بنت الحارث، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى من خلفه وضح إبطيه

(6)

.

فلماذا لا يحمل مرور البهيمة بين يديه على المجافاة،

قيل: إن إمكان مرور البهيمة من تحته إذا سجد فيه دلالتان على المجافاة:

(1)

. انظر: نيل الأوطار (2/ 297).

(2)

. صحيح مسلم (237 - 496).

(3)

. الهداية شرح البداية (1/ 51، 52)، البحر الرائق (1/ 339).

(4)

. نيل الأوطار (2/ 297).

(5)

. صحيح مسلم (238 - 497).

(6)

. صحيح مسلم (239 - 497).

ص: 323

مجافاة البطن عن الفخذ المأخوذ من إمكان مرور البهيمة بين يديه.

ومجافاة اليدين عن الجنبين، وهي من دلالة الالتزام، فإنه لو ألصق يديه بجنبيه ما أمكن للبهيمة مرورها بين يديه، والله أعلم.

* * *

ص: 324