الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة في الهيئة المستحبة في سجود القدمين
المدخل إلى المسألة:
• الفرض في استقبال القبلة متعلق بالبدن خاصة، أما سائر الأعضاء كالوجه وأصابع اليدين والرجلين فاستقبال القبلة فيها من المستحبات.
• إذا كان الالتفات بالوجه في الصلاة جائزًا للحاجة ويكره لغيرها، فمن باب أولى أن يكون توجيه الأصابع إلى القبلة في الصلاة ليس بواجب.
• استقبال القبلة بأطراف الأصابع ثبت من السنة الفعلية، والفعل بمجرده لا يدل على الوجوب.
• جواز الصلاة بالنعال والخفاف دليل على أن استقبال القبلة بأطراف الأصابع ليس بواجب؛ إذ لوكان واجبًا لوجب خلعها؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
[م-670] تكلمت في مبحث سابق عن اتفاق العلماء بأن القدمين من الأعضاء السبعة التي أمرنا بالسجود عليها على خلاف بينهم في الأمر، أهو للوجوب أم للاستحباب؟
وقد ذهب الأئمة الأربعة إلى أنه يستحب للمصلي إذا نصب قدميه في السجود أن يوجه أطراف أصابعه إلى القبلة
(1)
.
(1)
. الأصل للشيباني (1/ 7)، البحر الرائق (1/ 339)، الهداية (1/ 52)، العناية شرح الهداية (1/ 307)، الجوهرة النيرة (1/ 54)، ملتقى الأبحر (ص: 147)، حاشية ابن عابدين (1/ 504)، كنز الدقائق (ص: 164)، الرسالة للقيرواني (ص: 28)، مختصر خليل (ص: 32)، التاج والإكليل (2/ 218)، الفواكه الدواني (1/ 182)، مواهب الجليل (1/ 521)، شرح الخرشي (1/ 272)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 240)، مختصر المزني (ص: 107)، الحاوي الكبير (2/ 129)، نهاية المطلب (2/ 169)، المجموع (3/ 431)، فتح العزيز (3/ 494)، روضة الطالبين (1/ 259)، تحفة المحتاج (2/ 76)، مغني المحتاج (1/ 375)، الفروع (2/ 203)، الإنصاف (2/ 65)، الإقناع (1/ 121)، شرح منتهى الإرادات (1/ 197)، المغني (1/ 373).
وقيل: يضع أطراف أصابعه على الأرض من غير أن يوجهها إلى القبلة، اختاره إمام الحرمين وتبعه الغزالي، وهو قول في مذهب الحنابلة
(1)
.
(2)
.
(3)
.
وقيل: يخير بين أن يسجد على أطراف أصابعه، وبين أن يجعل بطونها على الأرض، وهو قول في مذهب الحنابلة
(4)
.
وقيل: يجب جعل باطن أطرافها إلى القبلة إلا أن تكون في نعال أو خف، وهو قول في مذهب الحنابلة
(5)
.
ويستثنى من ذلك إذا كانت القدم في نعل أو خف، فيكفي السجود على أطراف النعل أو الخف.
(1)
. نهاية المطلب (2/ 169)، المجموع (3/ 431)، الإنصاف (2/ 65)، الفروع (2/ 203).
وقال ابن تميم الحنبلي في مختصره (2/ 142): «ثم يكبر، ويخر ساجدًا، ويضع ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، ويكون صدور قدميه على الأرض، ويفتح أصابعه نحو القبلة، أويكون على أطراف أصابعه» .
(2)
. نهاية المطلب (2/ 169).
(3)
. المجموع (3/ 431).
(4)
. انظر: المرجعين السابقين.
(5)
. الفروع (2/ 203)، الإنصاف (2/ 65)، مختصر ابن تميم (2/ 143).
فتحصل الخلاف في المسألة على أربعة أقوال:
فقيل: يستحب السجود على أطراف الأصابع موجهة إلى القبلة، وهذا قول الأكثر.
وقيل: يجب جعل باطن أطراف الأصابع إلى القبلة إلا أن تكون في نعال أو خف.
وقيل: يستحب السجود على أطراف الأصابع، ولا يتوجه بها إلى القبلة.
وقيل: يتخير بينهما.
• دليل من قال: يستحب أن تكون أطراف أصابعه إلى القبلة:
الدليل الأول:
(ح-1856) ما رواه البخاري من طريق محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، أنه كان جالسًا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة .... الحديث
(1)
.
الدليل الثاني:
(ح-1857) ما رواه النسائي من طريق يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عبد الحميد ابن جعفر، قال: حدثني محمد بن عطاء،
عن أبي حميد الساعدي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهوى إلى الأرض ساجدًا جافى عضديه عن إبطيه، وفتخ أصابع رجليه
(2)
.
ورواه أحمد مطولًا حدثنا يحيى بن سعيد به، وفيه: (
…
ثم هوى ساجدًا وقال: الله أكبر، ثم جافى وفتح عضديه عن بطنه، وفتح أصابع رجليه .... )
(3)
.
(1)
. صحيح البخاري (828).
(2)
. النسائي (1101).
(3)
. المسند (5/ 424).
[إسناده حسن، وهو حديث صحيح]
(1)
.
والفتخ كما في شرح البخاري لابن رجب: «هو أن يكسر أصابعه فيثنيها حتى تكون أطرافها مواجهة للقبلة، ولو لم يفعل ذلك كانت أطرافها إلى غير القبلة»
(2)
.
• دليل من قال: يسجد على أطراف أصابعه، ولا يستقبل بها القبلة:
الدليل الأول:
(ح-1858) ما رواه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج،
عن أبي هريرة، عن عائشة، قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان .... الحديث
(3)
.
الدليل الثاني:
(ح-1859) ما رواه البخاري ومسلم من طريق وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه،
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده على أنفه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين
…
الحديث
(4)
.
فذكر أن السجود على أطراف القدمين، فإذا وقعت أطراف أصابعه على الأرض مع بقية أعضاء السجود فقد تم سجوده.
ولأن توجيه أطراف أصابع القدمين إلى القبلة لا يكون إلا بالتحامل عليها، وهذا فيه مشقة.
• ويجاب عن هذا:
بأن السجود على أطراف الأصابع هذا أدنى ما يقع عليه السجود، وكماله إنما
(1)
. سبق تخريجه، انظر (ح 1261).
(2)
. فتح الباري لابن رجب (3/ 51).
(3)
. صيح مسلم (222 - 486).
(4)
. صحيح البخاري (812)، وصحيح مسلم (230 - 490).
يكون في توجيه أطراف أصابعه إلى القبلة كما هو في حديث أبي حميد الساعدي في البخاري.
• دليل من قال: يجب أن يستقبل بأطراف أصابعه القبلة:
استدل أصحاب هذا القول بوجوب السجود على القدمين، وسبق بحث الخلاف فيها، والدليل على الوجوب.
(ح-1860) ما رواه البخاري من طريق سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس،
عن ابن عباس، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكف شعرًا ولا ثوبًا: الجبهة، واليدين، والركبتين، والرجلين
(1)
.
ورواه مسلم من طريق حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس،
عن ابن عباس، قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعظم، ونهي أن يكف شعره وثيابه، الكفين والركبتين والقدمين والجبهة
(2)
.
فالأمر بالسجود على القدمين مجمل، وحديث أبي حميد في البخاري (واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة
…
)
(3)
، وإن كان من السنة الفعلية إلا أنه جاء بيانًا لذلك المجمل، والفعل إذا وقع بيانًا لمجمل أخذ حكم ذلك المجمل، فتكون هذه الصفة واجبة.
• ويجاب:
لو كانت هذه الصفة واجبة لما صح السجود على القدمين بالخف والنعل، ولوجب خلع النعال والخفاف في الصلاة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فلما صح السجود فيها دل على أن استقبال القبلة بأطراف الأصابع من الأمور المستحبة.
(1)
. صحيح البخاري (809).
(2)
. صحيح مسلم (227 - 490).
(3)
. صحيح البخاري (828).
• الراجح:
استحباب استقبال القبلة بأطراف أصابعه، والسنة في هذا صريحة والحديث فيها في البخاري، والقول بوجوب هذه الصفة قول ضعيف، انفرد به بعض الحنابلة، فالسجود على القدمين سواء كان بأطراف القدمين أو بظهورهما كاف في القيام بفرض السجود، والله أعلم.
* * *