الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع الدعاء في التشهد
المبحث الأول في التعوذ بالله من أربع
المدخل إلى المسألة:
• لا يجب دعاء في الصلاة بعد التشهد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر التشهد (ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه) ولم يذكر له الاستعاذة من الأربع وتخيير المصلي دليل على عدم تعين صيغة معينة في الدعاء.
• حديث أبي هريرة: فليتعوذ بالله من أربع، أكثر الرواة رووه بلفظ الخبر.
• قول ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن هذا التشبيه لا يقتضي الوجوب؛ لأن تعليم السورة من القرآن ليس واجبًا في غير الفاتحة، ولأن هذا التشبيه قيل في تعليم الاستخارة، وهي ليست واجبة إجماعًا.
[م-678] اتفق الفقهاء على مشروعية الاستعاذة بالله من أربع من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، واختلف في وجوبها:
فقيل: يستحب، وهو مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وقال المالكية: يستحب الدعاء بعد التشهد الأخير، وعمومه يشمل الاستعاذة من الأربع، ونص بعضهم عليها
(1)
.
(1)
. البحر الرائق (1/ 349)، شرح مختصر الطحاوي للجصاص (1/ 636)، تبيين الحقائق =
قال خليل في معرض بيان مندوبات الصلاة: «ودعاء بتشهد ثانٍ»
(1)
.
قال الخرشي في الشرح: «يعني أن الدعاء يستحب في التشهد الثاني ومحله بعد التشهد»
(2)
.
فقوله: (ومحله بعد التشهد) صريح أنهم أدخلوا في جملة الدعاء الاستعاذة من الأربع؛ لأنهم جعلوا محل استحباب الدعاء بعد التشهد، وأولى ما يستحب من الدعاء بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة من الأربع للنص عليها.
قال في الفواكه الدواني: «ويدل على هذا خبر الصحيحين من «أنه عليه الصلاة والسلام لما علمهم التشهد، قال: وليتخير من الدعاء»
(3)
.
وقال ابن عرفة: «يستحب الدعاء عقب التشهد الأخير»
(4)
.
فأطلقوا الدعاء، فدخل فيه الاستعاذة من الأربع.
وقيل: الاستعاذة واجبة، وهو رواية عن أحمد حكاها القاضي أبو يعلى
(5)
.
وقال أبو عبد الله بن بطة: «من ترك من الدعاء المشروع شيئًا مما يقصد به الثناء على الله تعالى أعاد»
(6)
.
وقيل: الاستعاذة فرض، وهو ظاهر فعل طاوس، وصريح كلام ابن حزم
(7)
.
= (1/ 124)، النهر الفائق (1/ 225)، شرح الخرشي (1/ 288)، الذخيرة للقرافي (2/ 234)، مواهب الجليل (1/ 543)، المنتقى شرح الموطأ (1/ 358)، شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 52)، إكمال المعلم (2/ 543)، المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (2/ 208)، بداية المجتهد (1/ 139)، القوانين الفقهية (ص: 47)، شرح النووي على مسلم (5/ 85، 89)، طرح التثريب (3/ 107)، تحفة المحتاج (2/ 88)، المجموع (3/ 470)، مغني المحتاج (1/ 384)، مسائل أحمد رواية عبد الله (298)، المبدع (1/ 415)، مختصر الخرقي (ص: 24)، المغني (1/ 391)، الإنصاف (2/ 81)، الإقناع (1/ 123)، شرح منتهى الإرادات (1/ 203).
(1)
. مختصر خليل (ص: 33).
(2)
. شرح الخرشي (1/ 288).
(3)
. الفواكه الدواني (1/ 187).
(4)
. التاج والإكليل (2/ 250)، أسهل المدارك (1/ 223).
(5)
. الإنصاف (2/ 81)، المبدع (1/ 415).
(6)
. الإنصاف (2/ 81).
(7)
. مصنف عبد الرزاق (3087)، المحلى بالآثار (2/ 301).
قال ابن حزم: «ويلزمه فرض أن يقول: إذا فرغ من التشهد في كلتا الجلستين: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم
…
وهذا فرض كالتشهد، ولا فرق»
(1)
.
وقال ابن تيمية: «ذهب طائفة من السلف، والخلف، إلى أن الدعاء في آخرها واجب، وأوجبوا الدعاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم آخر الصلاة بقوله: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع:
…
وذكر الحديث). رواه مسلم، وغيره، وكان طاوس يأمر من لم يدع به أن يعيد الصلاة، وهو قول بعض أصحاب أحمد»
(2)
.
قال مسلم بن الحجاج: «بلغني أن طاوسًا قال لابنه: أدعوت بها في صلاتك؟ فقال: لا، قال: أعد صلاتك؛ لأن طاوسًا رواه عن ثلاثة أو أربعة، أو كما قال
(3)
.
(4)
.
وقال النووي في شرح مسلم: «لعل طاوسًا أراد تأديب ابنه، وتأكيد هذا الدعاء عنده، لا أنه يعتقد وجوبه، والله أعلم»
(5)
.
ورجح شيخنا ابن عثيمين ما قاله أبو العباس احتمالًا خاصة أن الأمر بالإعادة كان لابنه، في سياق تعليمه، لا لعامة المصلين
(6)
.
وما قاله أبو العباس ورجحه شيخنا قوي جدًّا؛ لأن الظاهر أن طاوسًا سأل
(1)
. المحلى بالآثار (2/ 301).
(2)
. مجموع الفتاوى (22/ 518).
(3)
. صحيح مسلم (1/ 413)، وقد وصله عبد الرزاق بسند صحيح في مصنفه (3087)، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: قال لرجل: أقلتهن في صلاتك؟ قال: لا، قال: فأعد صلاتك.
(4)
. المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (2/ 209).
(5)
. شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 89)، طرح التثريب (3/ 107).
(6)
. الشرح الممتع (3/ 200).
ابنه بعد انصرافه من الصلاة مباشرة، فإن كان طاوس يرى التعوذ من أركان الصلاة فالصواب أن يأمره بالإتيان بها، ثم السجود للسهو، وإن كان يراها من الواجبات فكان حسبه أن يأمره بسجود السهو، فأمره بالإعادة مطلقًا فيه نظر، وعلى القول بأنه لا تكليف قبل العلم فإنه يستقبل ذلك فيما يستقبل من صلاته، لا فيما مضى منها قبل علمه بوجوبها، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المستحاضة ولا عمارًا حين تمرغ كما تتمرغ الدابة، ولا عمر حين ترك الصلاة من الجنابة إلى أن يجد الماء، ولم يعلم بمشروعية التيمم للجنابة لم يأمرهم بتدارك ذلك قبل علمهم، مما يرجح أن أمره بالإعادة قد يكون من باب التأديب على ترك السنن المؤكدة، لا على ترك الواجبات والأركان، والله أعلم.
• دليل من قال: الاستعاذة بالله من الأربع واجبة:
الدليل الأول:
(ح-1996) ما رواه مسلم من طريق الوليد بن مسلم، حدثني الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية، حدثني محمد بن أبي عائشة،
أنه سمع أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر، فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال.
[أكثر الرواة عن أبي هريرة رووه بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر
…
إلخ]
(1)
.
(1)
. رواه جماعة عن أبي هريرة، بلفظ الأمر، منهم محمد بن أبي عائشة، وطاوس، وأبو صالح، لم يختلف عليهم في ذلك.
ورواه جماعة بصيغة الخبر: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ، وهم الأكثر، مثل عبد الله بن شقيق، ومحمد بن زياد، ومجاهد، والراجح من رواية أبي سلمة، والأعرج، وأبي علقمة من رواية شعبة، عن يعلى بن عطاء، عنه خلافًا لرواية أبي الوليد الطيالسي، عن أبي عوانة، عن يعلى بن عطاء، عن أبي علقمة، وإليك تفصيل ما وقفت عليه.
الأول: محمد بن أبي عائشة، عن أبي هريرة، رواه بلفظ:(إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ بالله من أربع)، بصيغة الأمر. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ومحمد بن أبي عائشة قليل الحديث، له ستة أحاديث عن أبي هريرة هذا أشهرها، قال ابن حجر: لا بأس به. اهـ ولم يخرج له البخاري شيئًا، وليس له في مسلم غير هذا الحديث.
ومداره على الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن محمد بن أبي عائشة به، وقد رواه عن الأوزاعي جماعة منهم.
الوليد بن مسلم كما في صحيح مسلم (130 - 588)، ومسند أحمد (2/ 237)، وسنن أبي داود (983)، وسنن ابن ماجه (909)، ومستخرج أبي عوانة (2043، 2044)، وصحيح ابن حبان (1967)، ومستخرج أبي نعيم (1301).
ووكيع كما في صحيح مسلم (588)، ومسند أحمد (2/ 477) ومصنف ابن أبي شيبة (37462)، وصحيح ابن خزيمة (721)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 220).
وعيسى بن يونس كما في المجتبى من سنن النسائي (1310)، والسنن الكبرى للنسائي (1234)، والمنتقى لابن الجارود (207) وصحيح ابن خزيمة (721)، ومستخرج أبي نعيم على مسلم (1301)، والشريعة للآجري (873)، والحلية لأبي نعيم (6/ 79)، وأمالي ابن بشران، الجزء الثاني (ص: 156).
وهقل بن زياد (ثقة) كما في صحيح مسلم ولم يَسُقْ لفظه (130 - 588)، ومستخرج أبي نعيم (1301)، والشريعة للآجري (874)، ومكارم الأخلاق للخرائطي (1089).
ومخلد بن يزيد الحراني، كما في صحيح ابن خزيمة (721)،
و المعافى بن عمران كما في سنن النسائي (1310)، والسنن الكبرى (1234)، والأوسط لابن المنذر (3/ 214).
ومبشر (هو ابن إسماعيل الحلبي) كما في مسند أبي يعلى (6133)،
وأبو المغيرة كما في سنن الدارمي (1383)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 220)، وفي الاعتقاد له (ص: 225)، وفي الدعوات الكبير له (105).
وعقبة بن علقمة كما في السنن الصغير للبيهقي (460)،
ومحمد بن كثير كما في سنن الدارمي (1384)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 220)، وفي الاعتقاد له (ص: 225)،
وبشر بن بكر كما في حديث السراج (632)، ومسنده (827)
وأبو مسهر كما في مسند السراج (827)، وحديثه (631).
ويحيى بن عبد الله البابلتي كما في الدعاء للطبراني (621)، وفوائد تمام (682)، كل هؤلاء رووه عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن محمد بن أبي عائشة، بصيغة الأمر.
خالف الأوزاعي عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان كما ذكر الدارقطني في العلل (10/ 70)، فرواه عن حسان بن عطية، عن أبي هريرة مرسلًا موقوفًا. اهـ فأسقط من إسناده محمد بن أبي عائشة، وابن ثوبان لا يقرن بالإمام الأوزاعي. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الثاني: أبو سلمة، عن أبي هريرة.
رواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، واختلف على يحيى:
فرواه هشام الدستوائي كما في صحيح البخاري (1377)، وصحيح مسلم (131 - 588)، وأكتفي بالصحيحين.
وشيبان، كما في مسند أحمد (2/ 423)، ومستخرج أبي عوانة (2045)، وأمالي ابن بشران الجزء الأول (ص: 172، 237)، والجزء الثاني (ص: 37).
وأبو إسماعيل (إبراهيم بن عبد الملك البصري)، كما في المجتبى من سنن النسائي (2060، 5506)، وفي الكبرى (2198، 7890).
وعلي بن المبارك كما في مستخرج أبي عوانة (2046، 2078)، ومستدرك الحاكم (1011)،
وعمر بن راشد (ضعيف) كما في مصنف عبد الرزاق (6755)،
وحصين بن عبد الرحمن السلمي (ثقة تغير حفظه في الآخر) رواه الطبراني في الدعاء (1374)، من طريق هاشم بن مرزوق (قال أبو حاتم: ثقة) عن أبي جعفر الرازي (عيسى بن أبي عيسى ماهان صدوق سيئ الحفظ) عن حصين، خمستهم عن يحيى به، بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.
خالفهم الأوزاعي كما في صحيح مسلم مقرونًا برواية الأوزاعي عن حسان بن عطية (128 - 588)، ومصنف ابن أبي شيبة مقرونًا به أيضًا (37462)، والمجتبى من سنن النسائي (5518)، وفي الكبرى له (7904)، ومسند البزار (8600)، وصحيح ابن خزيمة (721)، ومستخرج أبي عوانة (2044)، وفوائد تمام (682)، ومستخرج أبي نعيم (1302)، فرواه عن يحيى بن أبي كثير به، بصيغة الأمر بلفظ رواية حسان بن عطية.
وأخشى أن يكون دخل على الأوزاعي روايته عن حسان بن عطية، في روايته عن يحيى بن أبي كثير، فإن اتفاق الرواة عن يحيى على روايته بالصيغة الفعلية ومخالفة الأوزاعي لهم تجعل رواية الأوزاعي شاذة.
الثالث: عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة، بصيغة الخبر.
بلفظ: (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ من عذاب القبر، وعذاب جهنم، وفتنة الدجال).
رواه مسلم (133 - 588)، وأحمد (2/ 298)، وابن بشران في أماليه، ج الثاني (ص: 52)، من طريق محمد بن جعفر.
ورواه أحمد كما في المسند (2/ 454)، والسنة لعبد الله بن أحمد (1414) من طريق حجاج بن محمد،
ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده (95)، وعنه النسائي في المجتبى (5517)، وفي الكبرى (7903)، أخبرنا أبو عامر العقدي، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه الطحاوي في مشكل الآثار (5187) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، أربعتهم (محمد بن جعفر، وحجاج بن محمد، وإسحاق، وعبد الصمد) رووه عن شعبة، عن بديل، عن عبد الله بن شقيق به من السنة الفعلية.
تابع بديلًا صالح بن أبي الجوزاء، كما في حديث السراج (635)، ومسند السراج (829)، ومكارم الأخلاق للخرائطي (1084)، والسنن الواردة في الفتن للداني (656) من طريق سهل بن تمام، عن صالح بن أبي الجوزاء عن عبد الله بن شقيق.
وسهل بن تمام قال ابن أبي حاتم: روى عنه أبي وأبو زرعة
…
سئل عنه أبو زرعة، فقال: لم يكن يكذب، كان ربما وهم في الشيء. وسئل أبي عنه، فقال: شيخ. الجرح والتعديل (4/ 194). وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ.
وأبو الجوزاء فيه جهالة، ذكره ابن أبي حاتم وبيض، انظر الجرح والتعديل (4/ 397)، ولم ينفرد به فقد تابعه عبد الله بن شقيق.
الرابع: الأعرج، عن أبي هريرة.
رواه أبو الزناد، عن الأعرج، واختلف على أبي الزناد فيه:
فرواه مالك، عن أبي الزناد بالسنة الفعلية، بلفظ:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء، كما يعلمهم السورة من القرآن: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات).
رواه أحمد (1/ 258) حدثنا إسماعيل بن عمر، قال: حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج به، ومن طريق إسماعيل بن عمر رواه ابن الأعرابي في معجمه (1073).
ورواه الطحاوي في مشكل الآثار (5186)، والطبراني في الدعاء (1375) من طريق ابن وهب، عن مالك به، بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم
…
وذكر الحديث بالصيغة الفعلية.
ورواه النسائي في المجتبى (5514) من طريق ابن القاسم، عن مالك به، بلفظ: كان يدعو في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم
…
الحديث بالصيغة الفعلية.
وهو في مسند الموطأ للجوهري (ص: 450).
وسليمان بن داود كما في حديث السراج (636)، ومسنده (830).
وموسى بن عقبة كما في المجتبى من سنن النسائي (5505)، وفي الكبرى (7889)، كلاهما (سليمان بن داود وابن عقبة) عن أبي الزناد به، بالصيغة الفعلية.
وسليمان بن داود وإن كان بغداديًّا فإن روايته عن أبي الزناد مستقيمة وسبق الكلام عليها، وموسى بن عقبة مدني، ورواية أهل المدينة عن أبي الزناد صحيحة، كيف وقد رواه مالك عنه بصيغة الخبر.
تابع أبا الزناد من رواية مالك وموسى وسليمان عنه بالصيغة الفعلية تابعه عبد الله بن الفضل كما في مسند أحمد (2/ 288)، والسنة لابن أبي عاصم (869) من طريق عبد الرحمن بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ثوبان، عن عبد الله بن الفضل، عن الأعرج به.
وخالف سفيان بن عيينة، مالكًا وموسى بن عقبة، وسليمان بن دواد، فرواه عن أبي الزناد به بلفظ الأمر، وأظنه دخل على سفيان روايته عن ابن طاوس وعمرو بن دينار، كلاهما عن طاوس، عن أبي هريرة بصيغة الأمر، بروايته عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، فإن سفيان كان تارة يقرنهما بلفظ واحد، وتارة يفرقهما.
ورواه الحميدي في مسنده (1012)، ومن طريق الحميدي أخرجه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1304)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر (189).
ومحمد بن عباد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب كما في صحيح مسلم (588)، ولم يَسُقْ لفظه.
وإبراهيم بن بشار الرمادي، كما في مستخرج أبي نعيم (1304)، وإثبات عذاب القبر للبيهقي (189)،
ومحمد بن ميمون كما في المجتبى من سنن النسائي (5513)، وفي الكبرى (7897)، مقرونًا برواية سفيان عن عمرو، عن طاوس، عن أبي هريرة.
ومحمد بن منصور كما في المجتبى من سنن النسائي (5516)، وفي الكبرى (7902)،
وأبو خيثمة (زهير بن معاوية) كما في مسند أبي يعلى (6279)،
وقتيبة بن سعيد رواه النسائي في الكبرى (7675، 7892) عن سفيان وحده،
ورواه في المجتبى (5508)، قال: حدثنا سفيان ومالك، بلفظ الأمر، ولا يعرف هذا اللفظ لمالك إنما يعرف من طريق سفيان، فحمل رواية مالك على رواية سفيان.
وقد رواه ابن أبي عاصم في السنة (872) حدثنا ابن مصفى، حدثنا يعقوب، حدثنا ابن عيينة، عن أبي الزناد به، بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعوذ بالله من عذاب القبر. والمحفوظ من رواية سفيان أنه يرويه بصيغة الأمر.
وابن مصفى هو محمد بن مصفى، قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: صالح، وقال صالح جزرة: كان مخلطًا، وأرجو أن يكون صادقًا، وقد حدث بأحاديث مناكير. وقال ابن حجر: صدوق له أوهام، وكان يدلس.
الخامس: محمد بن زياد، عن أبي هريرة،
رواه أحمد كما في المسند (2/ 469)، وفي كتاب السنة لعبد الله بن أحمد (1417)، حدثنا عبد الرحمن (هو ابن مهدي).
ورواه أحمد أيضًا (2/ 482) حدثنا وكيع،
ورواه البخاري في الأدب المفرد (657)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر (194)، والشامخوي في أحاديثه (29)، عن موسى بن إسماعيل،
وقبيصة وحجاج كما في الفتن لحنبل بن إسحاق (15)، خمستهم رووه عن حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد به بلفظ: قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من فتنة المحيا والممات، ومن عذاب القبر، ومن شر المسيح الدجال. بالصيغة الفعلية. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، واختلف على موسى:
فرواه البخاري كما في الأدب المفرد (657)،
وعثمان بن سعيد الدارمي كما في إثبات عذاب القبر للبيهقي (194)،
وأبو خليفة الجمحي كما في أحاديث الشاموخي (29)، وصحيح ابن حبان (1018)، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة.
كما في صحيح ابن حبان (1018) فروياه عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال.
ورواه أبو خليفة الجمحي (الفضل بن الحباب، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الخليلي: احترقت كتبه، منهم من وثقه، ومنهم من تكلم فيه، وهو إلى التوثيق أقرب) كما في صحيح ابن حبان (1018).
وعفان كما في مسند أحمد (2/ 414)، روياه عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة.
وعفان من أثبت أصحاب حماد، وقد تابعه أبو خليفة فإن لم يكن الوجهان محفوظين عن حماد فالحمل فيهما على حماد، فإنه قد تغير بآخرة، وقد تفرد به بالوجهين، وهو ثقة فيما يرويه عن ثابت وحميد الطويل وعمار بن أبي عمار، وصدوق في روايته عن غيرهم، وضعيف في بعض الرواة، سبق ذكرهم بالتفصيل فيما سبق، والله أعلم.
السادس: مجاهد، عن أبي هريرة، كما في صحيح ابن حبان (1002) بصيغة الخبر. وإسناده حسن.
السابع: أبو علقمة، عن أبي هريرة،
رواه شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة، واختلف على شعبة.
فرواه محمد بن جعفر كما في المجتبى من سنن النسائي (5510)، وفي الكبرى (7894)، ومسند البزار (9676)،
وعمرو بن مرزوق كما في مسند البزار (9677)،
وإبراهيم بن مرزوق كما في مشكل الآثار (3934)، ثلاثتهم عن شعبة به، بصيغة الفعل.
ورواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة، واختلف عليه فيه
فرواه يونس بن حبيب كما في مسند أبي داود الطيالسي (2701)، ومستخرج أبي عوانة (1629)،
وعمار بن رجاء كما في مستخرج أبي عوانة (1629)،
وإبراهيم بن مرزوق كما في مسند البزار (9677)، ثلاثتهم عن أبي داود الطيالسي به، بصيغة الخبر.
فهؤلاء (محمد بن جعفر، وعمر بن مرزوق، وأبو داود الطيالسي من رواية إبراهيم بن مرزوق، ويونس بن حبيب، وعمار بن رجاء عنه) رووه بلفظ: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من خمس: من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال) بصيغة الخبر زاد بعضهم في أوله ما يتعلق بطاعة الأمير. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= خالفهم عبد الرحمن بن محمد بن سلام بن ناصح (لا بأس به) كما في المجتبى من سنن النسائي (5509)، وفي الكبرى (7893)، قال: حدثنا أبو داود به، وجمع بين الفعل والقول، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله من خمس، يقول: عوذوا بالله من عذاب القبر .... وذكر الحديث. والجمع بين الفعل والقول تفرد به عبد الرحمن بن محمد.
وأخشى أن يكون أخطأ فيه؛ لأن لفظ إبراهيم بن مرزوق، عن أبي داود: (كان يتعوذ من خمس يقول: أعوذ بالله من عذاب القبر
…
). فحول هذا إلى قوله: (عوذوا
…
).
فتبين من هذا أن الراجح في رواية شعبة أن الرواية بصيغة الخبر، ولو خالف عبد الرحمن بن محمد بن سلام محمد بن جعفر وحده لرجح عليه، وهو من أثبت أصحاب شعبة، كيف وقد خالف كل من رواه عن شعبة.
ورواه أبو الوليد الطيالسي، عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله، عن يعلى بن عطاء، بلفظ الأمر واختلف على أبي الوليد الطيالسي في إسناده، وإن اتفقوا على لفظه:
فرواه عبد بن حميد كما في المنتخب من إسناده (1462)، عن أبي الوليد، عن أبي عوانة، عن يعلى، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة، فذكر في أوله طاعة الأمير، ثم قال: استعيذوا بالله من خمس: من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال. بلفظ الأمر.
…
ورواه النسائي في المجتبى (5511)، وفي الكبرى (7895) أخبرنا أبو داود (هو الحراني)، عن أبي الوليد الطيالسي، عن أبي عوانة، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن أبي علقمة به، فزاد في إسناده (عن أبيه) خالفه أبو عوانة الوضاح بن عبد الله كما في سنن النسائي (5511) فرواه عن يعلى بن عطاء به بلفظ: استعيذوا بالله من خمس .... الحديث. قال النسائي في الكبرى: هذا خطأ، والصواب: يعلى بن عطاء، عن أبي علقمة.
ورواية شعبة بصيغة الخبر أرجح من رواية أبي الوليد الطيالسي، والله أعلم.
الثامن: سليمان بن سنان (مقبول)، عن أبي هريرة بالصيغة الفعلية.
رواه النسائي كما في المجتبى (5520)، وفي الكبرى (7906) من طريق ابن وهب، قال: حدثنا عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سليمان بن سنان المزني، أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول في صلاته: اللهم إني أعوذ بك من فتنة القبر، ومن فتنة الدجال، ومن فتنة المحيا والممات، ومن حر جهنم.
قال أبو عبد الرحمن النسائي: هذا الصواب.
وأخرجه النسائي في المجتبى (5515)، وفي الكبرى (7899) قال: أخبرنا أبو عاصم، قال: حدثنا القاسم بن كثير المقري، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سليمان بن يسار به.
قال أبو عبد الرحمن النسائي في المجتبى: هذا خطأ، والصواب سليمان بن سنان.
وقال في الكبرى: هذا خطأ، وينبغي أن يكون يزيد بن أبي حبيب، عن سليمان بن سنان، وليس هذا من حديث سليمان بن يسار، والله هو الموفق وهو أعلم. اهـ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= التاسع: طاوس، عن أبي هريرة، بلفظ الأمر.
رواه عن طاوس اثنان، عمرو بن دينار، وابن طاوس، تفرد بالرواية عنهما سفيان بن عيينة:
أما رواية عمرو بن دينار، عن طاوس.
فرواه محمد بن عباد كما في صحيح مسلم (132 - 588).
ومحمد بن ميمون كما في المجتبى من سنن النسائي (5513)، وفي الكبرى (7897).
والحميدي كما في مستخرج أبي نعيم على مسلم (1304)،
وإبراهيم بن بشار كما في مستخرج أبي نعيم على مسلم (1304)، وإثبات عذاب القبر للبيهقي (189)، أربعتهم، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، بلفظ الأمر، بلفظ: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عوذوا بالله من عذاب الله، عوذوا بالله من عذاب القبر، عوذوا بالله من فتنة المسيح الدجال، عوذوا بالله من فتنة المحيا والممات.
وأما رواية ابن طاوس، عن أبيه.
فرواها الحميدي في مسنده (1010)، ومن طريقه أبو نعيم في مستخرجه (1305).
وإبراهيم بن بشار الرمادي كما في مستخرج أبي نعيم (1305)
ومحمد بن عباد كما في صحيح مسلم (588)، ثلاثتهم عن سفيان عن ابن طاوس، عن أبيه به، بمثله.
فهذا سفيان إن روى الحديث عن أبي الزناد، عن الأعرج رواه بلفظ الأمر، مخالفًا لمالك، وموسى بن عقبة، وسليمان بن داود.
وإن رواه عن عمرو بن دينار، أو عن ابن طاوس، عن طاوس عن أبي هريرة، رواه بلفظ الأمر، ورواية طاوس، عن أبي هريرة بلفظ الأمر أرجح من روايته عن أبي الزناد، لأمرين:
الأول: أن طاوسًا نفسه يرى وجوب الاستعاذة من الأربع، فقد يكون ذهب إلى الوجوب استدلالًا بروايته.
ولأن الرواية عن طاوس، عن أبي هريرة لم يختلف على سفيان فيها، بل تفرد سفيان برواياتها، بخلاف روايته عن أبي الزناد، فقد خالفه فيها ثلاثة على رأسهم مالك بن أنس. والله أعلم.
وقد خالف سفيان بن عيينة محمد بن عبد الله بن طاوس، فرواه عن أبيه، عن طاوس، عن ابن عباس بصيغة الخبر.
رواه أبو داود في السنن (984) والطبراني في الكبير (11/ 29) ح 10939، والبزار في مسنده (4893) من طريق عمر بن يونس اليمامي، حدثني محمد بن عبد الله بن طاوس به، بلفظ: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بعد التشهد: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جنهم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات. هذا لفظ أبي داود. ولم يذكر البزار قيد التشهد.
ومحمد بن عبد الله بن طاوس ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يوثقه أحد غيره، وهو محفوظ من رواية طاوس، عن ابن عباس، وسوف أسوقه دليلًا مستقلًّا إن شاء الله تعالى.
العاشر: أبو صالح، عن أبي هريرة، بلفظ الأمر. =
وجه الاستدلال:
قوله صلى الله عليه وسلم: (فليتعوذ بالله من أربع)، فهذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب، وقوله:(إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر). مفهومه اختصاص هذا الدعاء بالتشهد الأخير.
• وأجيب بجوابين:
الجواب الأول:
أن أكثر الرواة رووه بلفظ: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر
…
)، وهو الموافق لحديث عائشة في الصحيحين، ونحوه حديث ابن عباس في مسلم.
الجواب الثاني:
لو قدر أن الأمر بالتعوذ محفوظ، فالشرط في دلالة الأمر على الوجوب ألا يوجد قرينة تصرفه إلى الاستحباب، وقد وجد ما يصرف الأمر عن الوجوب، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، فإنه بعد ما ذكر التشهد، قال:(ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو)، فلم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر التعوذ بالله من الأربع، فدل على أن الأمر للاستحباب، وسيأتي ذكر الحديث تامًّا في أدلة الجمهور إن شاء الله تعالى.
قال ابن المنذر: «لولا خبر ابن مسعود لكان هذا يجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به»
(1)
.
وعلى التسليم بأن الأمر لا صارف له عن الوجوب فالحديث لا يدل على أن
= رواه أبو معاوية كما في مصنف ابن أبي شيبة (12027، 29136)، والأدب المفرد للبخاري (648)، وسنن الترمذي (3604)، ومسند البزار (9134).
وهدبة بن المنهال كما في الدعاء للطبراني (1376)،
وفضيل بن عياض كما في حلية الأولياء (8/ 118).
وعبد الرحمن بن مَغْرَاء الدوسي، كما في إثبات عذاب القبر للبيهقي (193)،
وأبو عوانة كما في فوائد أبي بكر بن القاسم المطرز وأماليه (97)، كلهم عن الأعمش، عن أبي صالح به، بلفظ الأمر:(تعوذوا بالله من جهنم، تعوذوا بالله من عذاب القبر، تعوذوا بالله من فتنة المسيح الدجال، تعوذوا بالله من فتنة المحيا والممات).
(1)
. الأوسط (3/ 214).
الاستعاذة فرض إلا إن قصدوا بالفرض الواجب، أما الركنية فهي قدر زائد على دلالة الوجوب، فيحتاج القول بها إلى دليل على انتفاء صحة الصلاة بتركها، ولم يوجد، أو يوجد إجماع على بطلان الصلاة بتركها ولو سهوًا، فالقول ببطلان الصلاة أو وجوب إعادتها بمطلق الترك لا تساعد عليه دلالة الأمر بها لو كان محفوظًا، وسلم من قرينة صارفة عن الوجوب إلى الاستحباب، والله أعلم.
الدليل الثاني:
(ح-1997) ما رواه مسلم من طريق مالك بن أنس، فيما قرئ عليه، عن أبي الزبير، عن طاوس،
عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات
(1)
.
• ويناقش:
بأن التشبيه لا يقتضي الوجوب؛ ذلك لأن تعليم السورة من القرآن ليس واجبًا، فكذلك هنا، فلا يستفاد من هذه الصيغة الوجوب، لورود هذه الصيغة بما هو مجمع على عدم وجوبها.
(ح-1998) فقد روى البخاري من طريق عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن محمد بن المنكدر،
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن
(2)
.
والمقصود من التشبيه الحرص على التقيد بلفظ التشهد من غير زيادة ولا نقص ولا استبدال ألفاظه بأخرى، وهذا لا يدل على الوجوب؛ لأن كل ذكر مقيد لا يتجاوز به الصفة الواردة، قياسًا على التكبير في الصلاة وأدعية الاستفتاح، بخلاف الذكر المطلق؛ لقول النبي للصحابي الذي قال: آمنت بكتابك الذي
(1)
. صحيح مسلم (134 - 590).
(2)
. صحيح البخاري (2/ 57).
أنزلت وبرسولك الذي أرسلت، فقال له النبي: قل: وبنبيك الذي أرسلت، ولم يقبل منه الرسول صلى الله عليه وسلم استبدال الرسول بالنبي.
قال الزرقاني: «(كما يعلمهم السورة من القرآن) تشبيه في تحفيظ حروفه، وترتيب كلماته، ومنع الزيادة والنقص منه، والدرس له، والمحافظة عليه»
(1)
.
• دليل من قال: يستحب التعوذ بالله من الأربع:
الدليل الأول:
(ح-1999) ما رواه البخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد (القطان)، عن عبيد الله (العمري)، قال: حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه،
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال: ارجع فَصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ
…
وذكر الحديث وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالاستعاذة من الأربع، فدل على أن ذلك ليس بواجب؛ إذ لو كان واجبًا لذكره له كما ذكر له تكبيرة الإحرام، والقراءة، والركوع والسجود، والاعتدال منهما، وقد طلب الصحابي من النبي صلى الله عليه وسلم تعليمه الصلاة، فخرج الحديث مخرج البيان لما هو لازم لصحة الصلاة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
الدليل الثاني:
(ح-2000) استدلوا بما رواه البخاري ومسلم من طريق الأعمش، حدثني شقيق،
عن عبد الله، قال: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على
(1)
. شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 52).
(2)
. صحيح البخاري (793)، وصحيح مسلم (45 - 397).
الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو. هذا لفظ البخاري وأحال مسلم في لفظه على رواية سابقة
(1)
.
ورواه البخاري ومسلم من طريق جرير، عن منصور، عن أبي وائل،
عن عبد الله رضي الله عنه، قال: كنا نقول في الصلاة: السلام على الله، السلام على فلان، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: إن الله هو السلام، فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله -إلى قوله- الصالحين، فإذا قالها أصاب كل عبد لله في السماء والأرض صالح، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله، ثم يتخير من الثناء ما شاء
(2)
.
وجه الاستدلال:
قوله صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر التشهد (ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه)، ولم يذكر له الاستعاذة من الأربع، فدل ذلك على سنية الدعاء بعد التشهد، ومنه الاستعاذة بالله من الأربع؛ إذ لو كان من الواجبات لم يترك الأمر لاختيار المصلي.
قال ابن المنذر: «لولا خبر ابن مسعود لكان هذا يجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به»
(3)
.
الدليل الثالث:
(ح-2001) روى البخاري ومسلم من طريق شعيب، عن الزهري، قال: أخبرنا عروة بن الزبير،
عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا، وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم.
(1)
. صحيح البخاري (835)، وصحيح مسلم (58 - 402).
(2)
. صحيح البخاري (6328)، وصحيح مسلم (55 - 402).
(3)
. الأوسط (3/ 214).
فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، فقال: إن الرجل إذا غرم، حدث فكذب، ووعد فأخلف
(1)
.
وجه الاستدلال على الاستحباب:
المحفوظ من أحاديث الاستعاذة بالله من أربع أنها نقلت إلينا من السنة الفعلية، كما في حديث عائشة، وأكثر الرواة من حديث أبي هريرة، وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم على الاستحباب.
الدليل الرابع:
(ح-2002) ما رواه أحمد من طريق حيوة، قال: أخبرني أبو هانئ حميد بن هانئ، عن عمرو بن مالك الجنبي حدثنا،
أنه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو في الصلاة، ولم يذكر الله عز وجل، ولم يُصَلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجل هذا، ثم دعاه فقال له ولغيره: إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم ليُصَلِّ على النبي، ثم ليدع بعد بما شاء
(2)
.
[صحيح]
(3)
.
وجه الاستدلال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم، (ثم ليدع بعد بما شاء) بعد الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأمره بالاستعاذة من الأربع.
الدليل الخامس:
(ح-2003) ما رواه أحمد من طريق زائدة، عن الأعمش، عن أبي صالح،
عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: كيف تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد، ثم أقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن
(4)
.
(1)
. صحيح البخاري (832)، وصحيح مسلم (129 - 589).
(2)
. المسند (6/ 18).
(3)
. سبق تخريجه، انظر (ح 1975).
(4)
. المسند (3/ 474).
[صحيح]
(1)
.
الدليل السادس:
(ح-2004) روى الدارقطني في السنن ومن طريقه البيهقي من طريق شبابة ابن سوار، عن أبي خيثمة، عن القاسم بن مخيمرة قال:
أخذ علقمة بيدي قال: وأخذ عبد الله بن مسعود بيدي قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فعلمني التشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال عبد الله: فإذا قلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة فإذا شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد
(2)
.
[صحيح]
(3)
.
وجه الاستدلال:
في هذا الحديث بعد أن ذكر ابن مسعود التشهد مرفوعًا، قال عبد الله موقوفًا عليه:(فإذا قلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة، فإذا شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد).
فدل على أن الاستعاذة من الأربع ليست واجبة. والله أعلم.
• دليل من قال: الاستعاذة في التشهدين فرض:
(ح-2005) ما رواه مسلم من طريق وكيع، قال: حدثنا الأوزاعي، عن حسان ابن عطية، عن محمد بن أبي عائشة،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله
(1)
. رواه معاوية بن عمرو كما في مسند أحمد (3/ 474).
وحسين بن علي الجعفي كما في سنن أبي داود (792)، كلاهما عن زائدة به، وإسناده صحيح، ويحتمل أن يكون الصحابي الذي أبهم هو جابر بن عبد الله، وقد سبق لي تخريجه من مسنده، انظر ح (1460).
(2)
. رواه الدارقطني في السنن (1335)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 248).
(3)
. سبق تخريجه، ولله الحمد، انظر:(ح 1956).
من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال
(1)
.
[سبق تخريجه في أدلة القول الأول، والجواب عنه].
وجه الاستدلال:
قوله عليه السلام (إذا تشهد أحدكم فليستعذ) عام في التشهد الأول والأخير.
قال ابن دقيق العيد: فمن خصه فلا بد له من دليل راجح. وإن كان نصًّا فلا بد من صحته. والله أعلم»
(2)
.
• ويناقش:
من قال بأن الاستعاذة مشروعة في التشهد الأول، ولا يكفي لاعتماد القول النظر إلى دلالة اللفظ بمعزل عن فهم السلف، فلئن كان لابن حزم سلف بالقول بالوجوب، وهو رواية عن أحمد، وظاهر فعل طاوس، فأين السلف له بالقول بمشروعيته في التشهد الأول، ولقد كنت في يوم من الأيام أرى أن مذهب الظاهرية كغيره من المذاهب حتى رأيت طريقتهم في الاستدلال، وعدم اهتمامهم بفهم السلف، ولو تبنوا أقوالًا شاذة، والاعتماد على دلالة اللفظ فقط، وقد ناقشت هذه المسألة في مسائل كثيرة مرت في البحث.
• الراجح:
أن الاستعاذة مستحبة، والقول بالوجوب أو بالركنية قول ضعيف جدًّا مع شذوذه، ومخالفته لمذهب الأئمة الأربعة، والله أعلم.
* * *
(1)
. صحيح مسلم (128 - 588).
(2)
. إحكام الأحكام (1/ 312).