المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول حكم التسليم - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٤

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث السادس أقل الكمال في التسبيح

- ‌المبحث السابع كراهة قراءة القرآن في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثامن حكم الدعاء في الركوع والسجود

- ‌الباب الثامن في أحكام الرفع من الركوع

- ‌الفصل الأول حكم الرفع من الركوع والسجود

- ‌الفصل الثاني في مشروعية التسميع والتحميد

- ‌المبحث الأول في وقت ابتداء التسميع والتحميد

- ‌المبحث الثاني في مشروعية التسميع للإمام

- ‌المبحث الثالث حكم التحميد للإمام

- ‌المبحث الرابع حكم التسميع والتحميد للمأموم

- ‌المبحث الخامس حكم التسميع والتحميد للمنفرد

- ‌الفصل الثالث في رفع اليدين للرفع من الركوع

- ‌المبحث الأول في مشروعية الرفع

- ‌المبحث الثاني في صفة رفع اليدين

- ‌المبحث الثالث في منتهى رفع اليدين

- ‌الباب التاسع أحكام الاعتدال في الصلاة

- ‌الفصل الأول في حكم الاعتدال من الركوع والسجود

- ‌الفصل الثاني في حكم الزياده على التسميع والتحميد

- ‌الفصل الثالث في قبض اليسرى باليمنى بعد الرفع من الركوع

- ‌الفصل الرابع في صيغ التحميد المشروعه

- ‌الفصل الخامس في تطويل مقدار الاعتدال من الركوع

- ‌الباب العشر في أحكام السجود

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول في تعريف السجود

- ‌المبحث الثاني في مقام السجود من العبادة

- ‌الفرع الأول في فضل السجود

- ‌الفرع الثاني في تفضيل كثرة السجود على طول القيام

- ‌الفصل الأول في حكم السجود

- ‌الفصل الثاني في صفة السجود

- ‌المبحث الأول في صفة التجزئة

- ‌الفرع الأول في وجوب الطمأنينة في السجود

- ‌الفرع الثاني في الأعضاء التي يجب السجود عليها

- ‌المسألة الأولى في حكم السجود على الجبهة

- ‌المسألة الثانية حكم السجود على الأنف

- ‌المسألة الثالثة حكم السجود على الكفين والركبتين والقدمين

- ‌المسألة الرابعة في حكم رفع الذراعين عن الأرض في السجود

- ‌المبحث الثاني في صفة السجود الكاملة

- ‌الفرع الأول في السنن القولية

- ‌المسألة الأولى في مشروعية التكبير للسجود

- ‌المسألة الثانية في صفة التكبير للسجود

- ‌المسألة الثالثة في حكم التسبيح في السجود

- ‌مطلبفي بعض أذكار السجود الواردة في الصلاة

- ‌الفرع الثاني في سنن السجود الفعلية

- ‌المسألة الأولى في صفة الهوي للسجود

- ‌المسألة الثانية في رفع الأيدي إذا كبر للسجود أو رفع منه

- ‌المسألة الثالثة السنة في موضع الكفين حال السجود

- ‌المسألة الرابعة في استحباب ضم أصابع يديه في السجود وتوجهها إلى القبلة

- ‌المسألة الخامسة في الهيئة المستحبة في سجود القدمين

- ‌المسألة السادسة في استحباب المجافاة في السجود

- ‌المطلب الأول في استحباب مجافاة العضدين عن الجنبين

- ‌المطلب الثاني في استحباب مجافاة الفخذين عن البطن

- ‌المطلب الثالث في مجافاة المرأة

- ‌المطلب الرابع في المجافاة بين الفخذين وكذا الركبتين

- ‌المطلب الخامس في المجافاة بين القدمين

- ‌الفصل الثالث في تعذر السجود على أحد الأعضاء السبعة

- ‌المبحث الأول إذا قدر على السجود بالوجه وعجز عن الباقي

- ‌المبحث الثاني إذا تعذر السجود بالجبهة وقدر على الباقي

- ‌المبحث الثالث إذا تعذر السجود بالجبهة والأنف وقدر على الباقي

- ‌الفصل الرابع في السجود على الحائل

- ‌المبحث الأول في السجود على حائل منفصل عن المصلى

- ‌المبحث الثاني في السجود على حائل متصل بالمصلي

- ‌الفرع الأول في السجود على عضو من أعضاء المصلي

- ‌الفرع الثاني في السجود على حائل متصل ليس من أعضاء المصلي

- ‌المسألة الأولى في مباشرة الأرض بالقدمين والركبتين في السجود

- ‌المسألة الثانية في مباشرة الأرض باليدين حال السجود

- ‌المسألة الثالثة في مباشرة الأرض بالجبهة حال السجود

- ‌الباب الحادي عشر في الرفع من السجود

- ‌الفصل الأول في مشروعية التكبير للرفع من السجود

- ‌الفصل الثاني في وقت ابتداء التكبير للرفع من السجود

- ‌الفصل الثالث في رفع اليدين مع الرفع من السجود

- ‌الفصل الرابع في حكم الرفع من السجود

- ‌الباب الثاني عشر في الاعتدال من السجود

- ‌الفصل الأول في ركنية الجلوس بين السجدتين

- ‌الفصل الثاني في صفة الجلوس في الصلاة

- ‌الفصل الثالث في النهي عن الإقعاء في الصلاة

- ‌الفصل الرابع في مشروعية الذكر بين السجدتين وفي حكمه وصيغته

- ‌الفصل الخامس صفة وضع اليدين إذا جلس بين السجدتين

- ‌الفصل السادس في وجوب السجده الثانية في الصلاة

- ‌الباب الثالث عشر في النهوض للركعة الثانية

- ‌الفصل الأول في مشروعية جلسة الاستراحة قبل القيام

- ‌الفصل الثاني في صفة النهوض إلى الركعة الثانية

- ‌الباب الرابع عشر في الفروق بين الركعة الأولى وسائر الركعات

- ‌الفصل الأول في تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الثاني لا يشرع الاستفتاح في الركعة الثانية

- ‌الفصل الثالث لا يستعيذ في الركعة الثانية إذا استعاذ في الركعة الأولى

- ‌الفصل الرابع لا يجدد النية للركعة الثانية

- ‌الفصل الخامس في أطالة الركعة الأولى على سائر الركعات

- ‌الباب الخامس عشر في الأحكام الخاصة بالتشهد

- ‌الفصل الأول في حكم التشهد الأول والجلوس له

- ‌الفصل الثاني حكم التشهد الأخير

- ‌الفصل الثالث في ألفاظ التشهد

- ‌الفصل الرابع في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد

- ‌المبحث الأول في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول

- ‌المبحث الثاني في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني

- ‌الفصل الخامس في صفة الكفين في التشهد

- ‌الفصل السادس في تحريك السبابة بالتشهد

- ‌الفصل السابع الدعاء في التشهد

- ‌المبحث الأول في التعوذ بالله من أربع

- ‌المبحث الثاني في صفة الدعاء في الصلاة

- ‌الباب السادس عشر التسليم في الصلاة

- ‌الفصل الأول حكم التسليم

- ‌الفصل الثاني في حكم زيادة (ورحمة الله) في التسليم

الفصل: ‌الفصل الأول حكم التسليم

‌الباب السادس عشر التسليم في الصلاة

‌الفصل الأول حكم التسليم

المدخل إلى المسألة:

• لا يصح في الاقتصار على تسليمة واحدة حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

• الاقتصار على تسليمة واحدة، صح عن عائشة، وابن عمر، وأنس رضي الله عنهم.

• توافقهم على الاقتصار على تسليمة واحدة دليل على جواز التسليمة الواحدة؛ لأني لا أظن بهم أنهم أخذوا المسألة من قبيل الرأي المحض في أمر عظيم كالصلاة، فالظن بهم أنهم علموا هذا الحكم من النبي صلى الله عليه وسلم، مشافهة أو إقرارًا، وهو يدل على جواز التسليمة الواحدة واستحباب التسليمتين.

• اقتصار بعض الصحابة على تسليمة واحدة يدل على أن (أل) في قوله صلى الله عليه وسلم (وتحليلها التسليم للجنس)، وليست للعهد.

قوله صلى الله عليه وسلم: (تحليلها التسليم) يفيد الحصر وأنه لا تحليل لها غيره.

قال ابن عبد البر: الأعم والأكثر بالمدينة التسليمة الواحدة، والأكثر والأشهر بالعراق التسليمتان.

[م-680] اختلف العلماء في حكم التسليم:

فقيل: يجب لفظ التسليم في الأولى والثانية، ولو تركها ساهيًا يلزمه سجود السهو، والخروج بلفظ السلام ليس بفرض، وهذا مذهب الحنفية

(1)

.

(1)

. جاء في المحيط البرهاني في الفقه النعماني (1/ 400): «وإذا قهقه الإمام بعدما قعد مقدار التشهد قبل أن يسلم فصلاته تامة، وإن لم يكُ بلفظ السلام؛ لأن الخروج بلفظ السلام ليس بفرض =

ص: 591

قال ابن الهمام في فتح القدير: «ثم قيل: الثانية سنة، والأصح أنها واجبة كالأولى»

(1)

.

وقال الكاساني في البدائع: «ومن المشايخ من أطلق اسم السنة عليها، وأنها لا تنافي الوجوب لما عرف»

(2)

.

وذهب جماعة من أهل العلم إلى القول بصحة صلاة من أحدث قبل السلام، كأبي يوسف ومحمد بن الحسن والثوري، وإسحاق بن راهويه، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وإبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان، ومكحول، وغيرهم

(3)

.

= عندنا». قال في درر الحكام (1/ 98): «والمراد بالتمام الصحة؛ إذ لا شك أنها ناقصة لتركه واجبًا منها» .

وقال ابن نجيم في البحر الرائق (1/ 396): معنى قوله: (تمت صلاته) تمت فرائضها، ولهذا لم تفسد بفعل المنافي، وإلا فمعلوم أنها لم تتم بسائر ما ينسب إليها من الواجبات، لعدم خروجه بلفظ السلام، وهو واجب بالاتفاق

ولا خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه في أن من سبقه الحدث بعده يتوضأ ويسلم، وإنما الخلاف إذا لم يتوضأ حتى أتى بمنافٍ فعند أبي حنيفة بطلت صلاته لعدم الخروج بِصُنْعِه، وعندهما لا تبطل؛ لأنه ليس بفرض عندهما».

وانظر: فتح القدير (1/ 321)، العناية شرح الهداية (1/ 321، 322)، البحر الرائق (1/ 318، 396)، حاشية ابن عابدين (1/ 468)، بدائع الصنائع (1/ 194)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 54)، تبيين الحقائق (1/ 106).

(1)

. فتح القدير (1/ 320).

(2)

. بدائع الصنائع (1/ 194).

(3)

. أما توثيق القول عن أبي يوسف ومحمد فقد سبق في الصفحة السابقة،

وصح عن عطاء أنه قال: إذا تشهد ثم أحدث فقد صحت صلاته، رواه عبد الرزاق في المصنف (3674، 3675)، وابن أبي شيبة في المصنف (8709)، والطبري في تهذيب الآثار، الجزء المفقود (419، 421)، والطحاوي في معاني الآثار (1/ 277).

ورواه عبد الرزاق في المصنف (3676) عن قتادة، عن ابن المسيب، ورواية قتادة عن ابن المسيب فيها كلام، لكن رواه عبد الرزاق (3679) عن ابن التيمي، عن أبيه، عن ابن المسيب والنخعي، وسنده صحيح.

ورواه عبد الرزاق (3677)، والطبري في تهذيب الآثار، في الجزء المفقود (422، 423) عن إبراهيم النخعي وحده بسند صحيح.

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (8480) عن مكحول بسند حسن.

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (8708)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 277)، =

ص: 592

وقال أبو حنيفة خلافًا لصاحبيه: الخروج من الصلاة بصنع المصلي فرض، والخروج بلفظ السلام ليس بفرض

(1)

.

وقيل: التسليمة الأولى ركن مطلقًا، والثانية ركن في الفرائض وأما النوافل والجنازة فيخرج منها بتسليمة واحدة، وهذا مذهب الحنابلة

(2)

.

وقيل: التسليمة الأولى ركن، والثانية سنة، وهو مذهب المالكية، والشافعية

(3)

.

جاء في مواهب الجليل نقلًا من: «كل من أثبت التسليمة الثانية فإنه يقول: إنها غير واجبة إلا أحمد بن حنبل والحسن بن صالح.

قال في الطِّرَاز: لو أحدث المصلي بعد فراغه من التسليمة الأولى لم تفسد صلاته وفاقًا بين أرباب المذهب»

(4)

.

وقوله متعقب، فإن الحنفية يقولون في الأصح بوجوب التسليمة الثانية، وتقدم توثيق ذلك من كلامهم.

= والطبري في تهذيب الآثار الجزء المفقود (416، 417، 418) عن الحسن بسند صحيح.

ورواه الطبري في تهذيب الآثار الجزء المفقود (425) بسند صحيح عن شعبة، قال: سألت الحكم وحمادًا عن الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الصلاة؟ فقال: لا حتى يتشهد، أو يقعد قدر التشهد.

ورواه الطبري في تهذيب الآثار (427) عن سفيان بسند صحيح.

وانظر قول إسحاق بن راهوية في مسائل أحمد وإسحاق، رواية الكوسج (2/ 257) المسألة الأولى.

(1)

. المبسوط للسرخسي (1/ 125)، تبيين الحقائق (1/ 151)، الجوهرة النيرة (1/ 65).

(2)

. قال القاضي في كتاب الروايتين والوجهين (1/ 130): «الجنازة والنوافل، فإن الرواية لا تختلف في ذلك أنه يخرج منها التسليمة واحدة» .

وقال ابن قدامة في المغني (1/ 397): «أما صلاة الجنازة، والنافلة، وسجود التلاوة، فلا خلاف في أنه يخرج منها بتسليمة واحدة» .

وانظر: الإقناع (1/ 134)، شرح منتهى الإرادات (1/ 217)، غاية المنتهى (1/ 182)، الهداية على مذهب أحمد (ص: 87)، شرح الزركشي على الخرقي (1/ 594)، كشاف القناع (1/ 388).

(3)

. شرح التلقين (2/ 533)، مواهب الجليل (1/ 531)، المعونة (ص: 225)، الجامع لمسائل المدونة (2/ 414)، لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (2/ 111)، الأم (1/ 146)، روضة الطالبين (1/ 268)، المهذب للشيرازي (1/ 156)، المجموع (3/ 481).

(4)

. مواهب الجليل (1/ 531).

ص: 593

وقيل: التسليمة الأولى واجبة، والثانية سنة، وهو قول في مذهب الحنابلة، وهو رواية عن أحمد، اختارها ابن قدامة

(1)

.

قال في المغني: «والواجب تسليمة واحدة، والثانية سنة

وليس نص أحمد بصريح بوجوب التسليمتين، إنما قال: التسليمتان أصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث ابن مسعود وغيره أذهب إليه. ويجوز أن يذهب إليه في المشروعية والاستحباب دون الإيجاب كما ذهب إلى ذلك غيره وقد دل عليه قوله في رواية مهنا: أعجب إليَّ التسليمتان»

(2)

.

فخلص لنا من الخلاف كالتالي:

الخروج من الصلاة بلفظ السلام ركن من أركان الصلاة عند الجمهور، وقال الحنفية وأحمد في رواية رجحها ابن قدامة واجب.

واختلفوا في التسليمة الثانية.

فقيل: واجبة، وهو مذهب الحنفية.

وقيل: ركن في الفريضة دون النوافل والجنازة، وهو مذهب الحنابلة.

وقيل: سنة، وهو مذهب المالكية والشافعية وقول في مذهب الحنفية، وقول في مذهب الحنابلة.

والخلاف في المسألة راجع إلى مسألتين:

الأولى: قوله: (وتحليلها التسليم) التسليم أهو جزء من الصلاة، أم هو فعل منافٍ للصلاة، يخاطب به المصلي غيره بالسلام، فهو إطلاق من محظور: وهو المنع من الكلام. فإن قلنا: هو جزء من الصلاة تعين التسليم للخروج من الصلاة، وإن قلنا: إن التسليم إطلاق من محظور، وهو مخاطبة المصلين أو الملائكة بالسلام وقد كان الكلام ممنوعًا فتكلم المصلي بالسلام قاصدًا غيره؛ لكونه منافيًا للصلاة، ليخرج به من الصلاة، فإن ذلك يعني أن التسليم لا يتعين التسليم للخروج منها،

(1)

. المغني (1/ 396)، شرح الزركشي على الخرقي (1/ 594)، عمدة الحازم في الزوائد على مختصر أبي القاسم (ص: 81).

(2)

. المغني لابن قدامة (1/ 396، 397).

ص: 594

فكل قول أو فعل ينافي الصلاة يمكن أن يخرج به المصلي من الصلاة.

المسألة الثانية: الخلاف في (أل) في قولك: (وتحليلها التسليم) هل أل للعهد، أم هي للجنس، فإن قلنا: للعهد، كان لابد من التسليمتين، لأنه المعهود من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن قلنا: إن (أل) للجنس، كفى تسليمة واحدة، بل يكفي قولك:(السلام عليكم) ولو لم تقل ورحمة الله وبركاته؛ لأنه يصدق على ذلك لفظ التسليم، إذا عرفنا مرجع الخلاف نأتي إلى الأدلة.

• دليل من قال: الخروج من الصلاة بلفظ السلام ليس بفرض:

الدليل الأول:

(ح-2009) روى البخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد (القطان)، عن عبيد الله (العمري)، قال: حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه،

عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال: ارجع فَصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ

وذكر الحديث وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها

(1)

.

وقد مر معنا في مسائل سابقة جواب المخالفين على الاستدلال بحديث المسيء صلاته، وأنهم يفترضون إما أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما علمه ما أساء فيه فقط، وهذا لا يظهر، لأنه علمه الوضوء، وبعض الأفعال لا يمكن افتراضها، كالقول بأنه أساء في تكبيرة الإحرام دون تكبيرات الانتقال، وهي كلها من جنس واحد.

وإما أن بعض الواجبات لم تكن واجبة حين خاطب النبي صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته، ثم وجبت بعد ذلك، أو أنه وكل أمر تعليمه إلى غيره، وهذا أبعدها.

الدليل الثاني:

(ح-2010) روى الدارقطني في السنن ومن طريقه البيهقي من طريق شبابة

(1)

. صحيح البخاري (793)، وصحيح مسلم (45 - 397).

ص: 595

ابن سوار، عن أبي خيثمة، عن القاسم بن مخيمرة قال:

أخذ علقمة بيدي قال: وأخذ عبد الله بن مسعود بيدي قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فعلمني التشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال عبد الله: فإذا قلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة فإذا شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد

(1)

.

[قوله: (إذا شئت أن تقوم فقم

) صحيح من قول ابن مسعود وروي مرفوعًا ولا يصح]

(2)

.

فهذا أثر صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه يرى أنه إذا تشهد المصلي فإن شاء أن يقوم قام، وإن شاء أن يقعد قعد، ولم يشترط التسليم للخروج من الصلاة.

• وأجيب:

بأن قول ابن مسعود موقوف عليه، والحجة إنما هو المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

أو يحمل قوله: (فقد قضيت ما عليك)، القضاء هنا بمعنى الإتمام، ويراد به:

إما أنه قارب التمام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من وقف بعرفة فقد تم حجه وقضى تفثه.

أو يراد به أنه قضى ما عليه، ولم يبق عليه إلا الانصراف من الصلاة بالتسليم.

الدليل الثالث:

(ح-2011) ما رواه الترمذي من طريق ابن المبارك، قال: أخبرنا عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم، أن عبد الرحمن بن رافع، وبكر بن سوادة، أخبراه،

عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحدث، يعني الرجل، وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته

(3)

.

(1)

. رواه الدارقطني في السنن (1335)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 248).

(2)

. سبق تخريجه، ولله الحمد، انظر:(ح 1956).

(3)

. سنن الترمذي (408).

ص: 596

[ضعيف وقد اضطرب فيه عبد الرحمن بن زياد]

(1)

.

(1)

. فيه أكثر من علة:

العلة الأولى: بكر بن سوادة لم يسمع من عبد الله بن عمرو، قاله النووي.

العلة الثانية: مداره على عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، وقد تفرد به، وهو ضعيف.

العلة الثالثة: اضطرب فيه عبد الرحمن بن زياد اضطرابًا شديدًا،

رواه الترمذي كما في أحاديث الباب (408)، قال: حدثنا أحمد بن محمد، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، أن عبد الرحمن بن رافع، وبكر بن سوادة به.

ورواه أبو داود الطيالسي (2366)، ومن طريقه الطحاوي (1/ 274).

والطبري في تهذيب الآثار (405) حدثنا ابن حميد، ومحمد بن عيسى الدامغاني، ثلاثتهم عن ابن المبارك به، بلفظ:(إذا رفع رأسه من آخر السجود ثم أحدث، فقد مضت صلاته)، هذا لفظ الطيالسي. ولفظ الطبري (من رفع رأسه من السجود في آخر صلاته، ثم أحدث قبل أن يسلم فقد جازت صلاته).

قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بالقوي، وقد اضطربوا في إسناده.

ورواه زهير بن معاوية كما في سنن أبي داود (617)، ومن طريقه الدارقطني في السنن (1423)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 250)، عن عبد الرحمن بن زياد به، بلفظ:(إذا قضى الإمام الصلاة، وقعد، فأحدث قبل أن يتكلم: فقد تمت صلاته، ومن كان خلفه ممن أتم الصلاة).

قال البيهقي (2/ 251): لا يصح، وعبد الرحمن بن زياد ينفرد به، وهو مختلف عليه في لفظه، وعبد الرحمن لا يحتج به، كان يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي لا يحدثان عنه؛ لضعفه، وجرحه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وغيرهما من الحفاظ

».

رواه عبد الرزاق في المصنف (3673)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (13/ 53) ح 130، عن الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد، عن بكر بن سوادة وعبد الرحمن بن رافع به، بلفظ:(إذا أحدث الإمام في آخر صلاته حين يستوي قاعدًا، فقد تمت صلاته، وصلاة من وراءه على مثل صلاته).

ورواه الطبري في تهذيب الآثار الجزء المفقود (402)، والدارقطني في السنن (1424) من طريق وكيع،

والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 199) من طريق أبي حذيفة، كلاهما عن سفيان، عن عبد الرحمن بن زياد، عن بكر بن سوادة الجذامي وحده به، بلفظ: إذا أحدث الإمام بعدما يرفع رأسه من آخر السجدة، واستوى جالسًا تمت صلاته، وصلاة من خلفه ممن ائتم به ممن أدرك معه أول الصلاة). هذا لفظ وكيع.

ورواه الطبري في تهذيب الآثار الجزء المفقود (403) من طريق أبي داود عمر بن سعد، عن =

ص: 597

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= سفيان، عن عبد الرحمن بن زياد، عن بكر بن سوادة وعبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو به، بلفظ: إذا رفع رأسه من الركعة الرابعة، وأحدث فقد تمت صلاته).

فذكر في إسناده عبد الله بن يزيد بدلًا من عبد الرحمن بن رافع.

ورواه الدارقطني (1422)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 151) من طريق مروان بن معاوية الفزاري، حدثنا عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، عن بكر بن سوادة، وعبد الرحمن بن رافع به. بلفظ:(إذا جلس الإمام في آخر ركعة ثم أحدث رجل من خلفه قبل أن يسلم الإمام فقد تمت صلاته). قال الدارقطني: عبد الرحمن بن زياد ضعيف لا يحتج به.

ورواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 199، 200) من طريق القعنبي: حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبد الرحمن بن رافع، وبكر بن سوادة به، بلفظ:(إذا رفع الرجل رأسه من السجود في آخر صلاته، ثم أحدث قبل أن يسلم: فقد جازت صلاته).

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (8468) حدثنا أبو معاوية، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبد الرحمن بن رافع وحده به، بلفظ:(إذا جلس الإمام ثم أحدث فقد تمت صلاته، ومن كان خلفه ممن أدرك معه الصلاة على مثل ذلك).

ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 274) من طريق معاذ بن الحكم، فقال: فلقيت عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، فحدثني عن عبد الرحمن بن رافع، وبكر بن سوادة، فقلت له: لقيتهما جميعًا؟ فقال: كليهما حدثني به عن عبد الله بن عمرو به، بلفظ:(إذا رفع المصلي رأسه من آخر صلاته، وقضى تشهده، ثم أحدث، فقد تمت صلاته، فلا يعود لها).

وأخرجه الطوسي في مختصر الأحكام (393)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 274) من طريق عبد الله بن يزيد القصير، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي، وبكر بن سوادة الجذامي به، بلفظ: (إذا قضى الإمام الصلاة، فقعد، فأحدث هو، أو أحد ممن أتم الصلاة معه، قبل أن يسلم الإمام، فقد تمت صلاته، فلا يعود فيها.

ورواه البزار في مسنده (2451) من طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن الأفريقي عبد الرحمن بن زياد، عن بكر بن سوادة، وعبد الرحمن بن رافع به، بلفظ:(إذا قضى الإمام صلاته ثم أحدث قبل أن يسلم: فقد تمت صلاته).

ورواه الطبري في تهذيب الآثار الجزء المفقود (404) من طريق يعلى (هو ابن عبيد الطنافسي)، حدثنا الأفْرِيقِي، عَن عبد الله بن يزِيد وحده به، بلفظ: إذا جلس الإمام في آخر صلاته، ثمَّ أحدث فقد تمت صلاته، وصلاة من خلفه.

فهذا الاضطراب في إسناده، وفي لفظه يشهد على ضعف الأفريقي، فلا يقبل تفرده به ولو حفظه، فكيف وهو يضطرب به مثل هذا الاضطراب،

قال النووي في الخلاصة (1474): «واتفق الحفاظ على ضعفه؛ لأنه مضطرب ومنقطع، ومن رواية عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، وهو: ضعيف بالاتفاق» . والله أعلم.

ص: 598

الدليل الرابع:

أن السلام يقصد به المصلي مخاطبة من بجواره من المصلين، فهو ارتكاب ما ينافي الصلاة للخروج منها، فهو إطلاق من محظور، فلفظ السلام ليس فرضًا للخروج منها.

(ح-2012) فقد روى مسلم من طريق مسعر، حدثني عبيد الله بن القبطية،

عن جابر بن سمرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من على يمينه، وشماله

(1)

.

فقوله: (ثم يسلم على أخيه) إشارة إلى أن المصلي خرج من الصلاة بتكليم أخيه، فأي كلام تكلم به المصلي حصل المقصود، لأن الغرض هو إعلان الخروج من الحال التي كان يحرم فيها الكلام إلى ضدها، فأي فعل أو قول منافٍ للصلاة من صنع المصلي فإنه يخرج به المصلي من الصلاة، بل ذهب جماعة من السلف بأنه يخرج من الصلاة إذا جلس مقدار التشهد عند من لا يرى وجوب التشهد، وبعضهم يقول: إذا تشهد.

• دليل من قال: التسليمة الأولى فرض:

الدليل الأول:

(ح-2013) ما رواه الترمذي من طريق سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن الحنفية،

عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليها التسليم

(2)

.

[حسن]

(3)

.

وجه الاستدلال:

قوله: (تحليلها التسليم) يفيد الحصر وأنه لا تحليل لها غيره، لأنه حصر

(1)

. صحيح مسلم (120 - 431).

(2)

. سنن الترمذي (3).

(3)

. سبق تخريجه في موسوعة أحكام الطهارة، الطبعة الثالثة، (8/ 461) ح 1781.

ص: 599

المبتدأ في الخبر وهما معرفتان، ولأن كلمة (تحليل) مضافة إلى معرفة، فتعم، فكأنه قال: جميع تحليل الصلاة هو التسليم، وإذا كان التسليم هو ما يتحلل به لم يكن لها تحليل غيره.

قال القرطبي: «وهذا الحديث أصل في إيجاب التكبير والتسليم، وأنه لا يجزئ عنهما غيرهما، كما لا يجزئ عن الطهارة غيرها باتفاق.

قال عبد الرحمن بن مهدي: لو افتتح رجل صلاته بسبعين اسمًا من أسماء الله عز وجل، ولم يكبر تكبيرة الإحرام لم يجزه، وإن أحدث قبل أن يسلم لم يجزه، وهذا تصحيح من عبد الرحمن بن مهدي لحديث علي، وهو إمام في علم الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه. وحسبك به»

(1)

.

الدليل الثاني:

(ح-2014) ما رواه مسلم من طريق حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء،

عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير. والقراءة، بـ الحمد لله رب العالمين .... وكان يختم الصلاة بالتسليم

(2)

.

وجه الاستدلال:

قوله (يختم الصلاة بالتسليم) فـ (أل) بالتسليم للعهد، وليست للجنس، وقد سبق لك التفريق بينهما.

• دليل من قال: التسليمتان فرض:

الدليل الأول:

(ح-2015) ما رواه مسلم من طريق مسعر، حدثني عبيد الله بن القبطية،

عن جابر بن سمرة، قال: كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام

(1)

. تفسير القرطبي (1/ 175).

(2)

. صحيح مسلم (240 - 498).

ص: 600

عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من على يمينه، وشماله

(1)

.

الدليل الثاني:

(ح-2016) ما رواه البخاري من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن هند بنت الحارث،

عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيرًا قبل أن يقوم.

وجه الاستدلال:

قوله: (حين يقضي تسليمه) قال ابن رجب، فإن هذا الكلام مشعر بأنه كان يسلم تسليمتين، فإذا قضاهما قام النساء، فإنه لا يقال:(قضى) بمعنى الفراغ منه إلا فيما له أجزاء متعددة تنقضي شيئًا فشيئًا، كما قال تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللّهَ} [النساء: 103]، وقال:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10].

وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الشيطان، وهربه من الأذان والتثويب به:(فإذا قضي الأذان -وإذا قضي التثويب- أقبل).

ولا يكاد يقال لمن سَلَّم على قوم مرَّة: قضى سلامه، بمعنى: فرغ، ولا لمن كبر للإحرام قضى تكبيره، ولا لمن عطس فحمد الله: قضى حمده»

(2)

.

وقد يقال: هذا فعل، وهو يدل على مشروعية التسليمة الثانية، ولا يدل على وجوبها فضلًا عن ركنيتها.

الدليل الثالث:

(ح-2017) ما رواه مسلم من طريق عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمد، عن عامر بن سعد،

(1)

. صحيح مسلم (120 - 431).

(2)

. فتح الباري لابن رجب (7/ 362، 363).

ص: 601

عن أبيه، قال: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه، وعن يساره، حتى أرى بياض خده

(1)

.

وفي الباب حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وهو حديث صحيح

(2)

.

• دليل من قال: التسليمة الأولى واجبة:

استدل صاحب هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد واظب على التسليمتين، ولم يصح حديث واحد بأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على تسليمة واحدة،

كما استدل كذلك بأدلة القول السابق، إلا أنه رأى دلالتها على الوجوب أظهر من دلالتها على الركنية؛ لأن الركنية لا تثبت إلا بدليلين:

إما الإجماع على ركنيتها كالإجماع على ركنية تكبيرة الإحرام.

وإما أن يوجد في الأدلة ما يدل على انعدام الصلاة بانعدام التسليم، كما وجد ما يدل على انعدام الصلاة بانعدام الطمأنينة كما في حديث المسيء صلاته، حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم (ارجع فَصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ).

ولا يوجد في التسليم أحد هذين الأمرين، فلا إجماع على ركنية التسليم، ولا يوجد في الأدلة ما يدل على بطلان الصلاة بترك التسليم، فكان القول بالوجوب وسطًا بين القول بالركنية، وبين القول بالسنية، والله أعلم.

• دليل من قال: التسليمة الثانية سنة:

الدليل الأول:

(ح-2018) ما رواه مسلم من طريق شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن أبي معمر،

عن عبد الله، - قال شعبة: رفعه مرة - أن أميرًا أو رجلًا سلم تسليمتين، فقال عبد الله: أنى علقها؟

(3)

.

(1)

. صحيح مسلم (119 - 582).

(2)

. انظر تخريجه في مسألة حكم قول (ورحمة الله) في لفظ التسليم بعد هذه المسألة إن شاء الله تعالى.

(3)

. صحيح مسلم (118 - 581).

ص: 602

رواه مسلم مرفوعًا وموقوفًا.

وجه الاستدلال:

هذا الحديث دليل على أن التسليمة الثانية ليست بفرض؛ إذ لو كانت فرضًا لم يتعجب منه ابن مسعود؛ لأن الفرائض يتساوى الناس في فعلها.

الدليل الثاني:

(ح-2019) ما رواه إسحاق بن راهويه، قال: أخبرنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام،

عن عائشة، نحو حديث معمر وزاد قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة، فيحمد الله، ويذكره، ويدعو، ثم ينهض، ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة، فيجلس، فيذكر الله، ويدعو ثم يسلم تسليمة يسمعنا

الحديث

(1)

.

[المحفوظ: ثم يسلم تسليمًا يسمعنا]

(2)

.

(1)

. مسند إسحاق بن راهويه (1317).

(2)

. الحديث رواه قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة،

رواه هشام الدستوائي، عن قتادة وذكر فيه:(يسلم تسليمة يسمعنا)، رواه عن هشام ابنه معاذ، وعبد الصمد بن عبد الوارث ..

فأما رواية معاذ بن هشام، فرواها إسحاق بن راهويه في المسند (1317)، عن معاذ بن هشام، عن أبيه به، ومن طريق إسحاق أخرجه الدارمي في السنن (1516)، والنسائي في المجتبى (1719)، وفي الكبرى (1413)، وابن نصر المروزي في قيام الليل كما في المختصر (ص: 195)، وابن خزيمة مقرونًا بغيره (1078)،، كما رواه أيضًا مختصرًا (2552)، والسنن الكبرى للبيهقي (3/ 44).

ورواه ابن حبان في صحيحه (2442) أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، قال: حدثنا إسحاق بن راهويه به، وقال: يسلم تسليمًا يسمعنا (2442)، وأظن أن هذا اللفظ خطأ.

ورواه مسلم (746) حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام به، قال: أنه طلق امرأته، ثم انطلق إلى المدينة ليبيع عقاره، فذكر نحوه، أي نحو رواية ابن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، ولم يَسُق مسلم رواية هشام، ورواية ابن أبي عدي، قال:(يسلم تسليمًا يسمعنا).

وأما رواية عبد الصمد بن عبد الوارث، عن هشام فرواها ابن خزيمة في صحيحه (1079)، قال ابن خزيمة: وقال عبد الصمد، عن هشام، عن قتادة في هذا الخبر: ثم يسلم تسليمةً =

ص: 603

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يسمعنا. ثم ساق الحديث ابن خزيمة مقرونًا بغيره (1079).

ورواه أبو داود الطيالسي (1586) عن هشام مختصرًا ليس فيه جملة البحث.

ورواه أزهر بن القاسم عن هشام مختصرًا كما في مسند أحمد (6/ 255) وليس فيه جملة البحث.

ورواه عمرو بن أبي رزين كما في مشكل الآثار للطحاوي (1438) عن هشام ببعضه، ليس فيه جملة البحث. هذه رواية هشام الدستوائي.

تابع هشامًا في هذا اللفظ سعيد بن أبي عروبة، إلا أنه قد اختلف على سعيد:

فرواه ابن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، واختلف على ابن أبي عدي:

فرواه ابن خزيمة عن بندار محمد بن بشار عن ابن أبي عدي، عن سعيد به، فقال: مرة: (ويسلم تسليمة يسمعنا) كما في صحيح ابن خزيمة (1078)

ورواه البيهقي في معرفة السنن (4/ 68) من طريق أحمد بن سلمة، قال: حدثنا محمد بن بشار العبدي، قال: حدثنا ابن أبي عدي به، في ذكر وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: (

ثم يسلم تسليمًا يسمعنا

).

ورواه البيهقي في السنن الكبرى (3/ 43) من طريق أحمد بن سلمة، حدثنا محمد بن بشار به، مقرونًا برواية يحيى بن سعيد القطان عن ابن أبي عروبة، وفيه:(ويسلم تسليمًا يسمعنا .. )، ولولا رواية البيهقي في معرفة السنن لقلت إن البيهقي قدم لفظ يحيى بن سعيد القطان، عن ابن أبي عروبة، لكنه في المعرفة ساق رواية ابن أبي عدي وحده، فتبين أن محمد بن بشار قد اختلف عليه في لفظه: فرواه مرة (ثم يسلم تسليمة

) وقال في أخرى: (ثم يسلم تسليمًا) وهي الموافقة لرواية الجماعة، والله أعلم.

وخالف محمد بن بشار في إحدى روايتيه من هو أوثق منه، فرواه محمد بن المثنى كما في صحيح مسلم (139 - 746)، ومن طريق مسلم أخرجه البغوي في شرح السنة (963)، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن سعيد (هو ابن أبي عروبة) به، بتمامه، وفيه: (

ثم يسلم تسليمًا يسمعنا .... ).

لكن خالف مسلمًا محمد بن نصر في قيام الليل كما في المختصر (ص: 122) فرواه عن محمد بن المثنى، حدثنا ابن أبي عدي به، تامًّا، وفيه: (

ثم يسلم تسليمة يسمعنا

).

فواضح أن ابن أبي عدي رواه عنه اثنان: محمد بن المثنى، وبندار، وكلاهما رواه على الوجهين، فإن رجحنا رواية محمد بن المثنى التي عند مسلم، وإلا كان هذا اضطرابًا من ابن أبي عدي، أو من الرواة عنه.

وقد توبع ابن أبي عدي من رواية محمد بن المثنى عنه في قوله: (يسلم تسليمًا يسمعنا).

تابعه في ابن أبي عروبة كل من:

الأول: يحيى بن سعيد القطان، عن ابن أبي عروبة، وفيه (يسلم تسليمًا يسمعنا) كما في مسند أحمد (6/ 53)، وسنن أبي داود مختصرًا ليس فيه جملة البحث (1343)، والمجتبى =

ص: 604

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= من سنن النسائي (1601، 1315)، وفي الكبرى (1239، 1296)، وصحيح ابن خزيمة (1078)، وصحيح ابن حبان مختصرًا وليس فيه جملة البحث (2441)، والحاكم في المستدرك مختصرًا وليس فيه جملة البحث (4222)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 43)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم مقرونًا برواية محمد بن بشر، واللفظ له (1690).

قال عبد الله بن أحمد كما في العلل (2/ 338): «حدثني أبي -يعني الإمام أحمد - قال: قال عبد الرحمن بن مهدي: يحيى بن سعيد عالم بحديث سعيد بن أبي عروبة» .اهـ.

الثاني: عبدة بن سليمان، عن ابن أبي عروبة، كما في المجتبى من سنن النسائي (1720)، وابن خزيمة (1078).

الثالث: محمد بن بشر، كما في سنن أبي داود (1344)، وسنن ابن ماجه (1191)، مستخرج أبي نعيم على صحيح مسلم (1690).

قال أبو داود: قال: يسلم تسليمًا يسمعنا، كما قال يحيى بن سعيد.

الرابع: خالد بن الحارث، كما في السنن الكبرى للنسائي (424، 1418).

كما تابع ابن أبي عروبة من رواية يحيى بن سعيد، ومحمد بن بشر، وعبدة وخالد، عنه، تابعه معمر، عن قتادة.

رواه عبد الرزاق في المصنف تامًّا (4714)، وعنه إسحاق بن راهويه (1316)، والإمام أحمد (6/ 168)، والنسائي في المجتبى (1721)، وفي الكبرى (448)، وابن نصر في قيام الليل كما في المختصر (ص: 110)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 176)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1691).

كما رواه همام بن يحيى، عن قتادة، بلفظ:: (ثم يسلم حتى يسمعني التسليم).

رواه ابن المنذر في الأوسط (5/ 202) من طريق عفان، قال: حدثنا همام به، وفيه (

ثم يسلم حتى يسمعني التسليم).

وقد رواه أحمد عن عفان مختصرًا وليس فيه جملة ا لبحث (6/ 94، 95)،

كما رواه أبو داود (1342) حدثنا حفص بن عمر، حدثنا همام بذكر وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر جملة البحث.

ورواه البيهقي في شعب الإيمان مختصرًا (1359) من طريق عمرو بن عاصم، وأبو عمر (حفص بن عمر الحوضي)، عن همام به.

وأبو نعيم في معرفة الصحابة مختصرًا (5173) من طريق هدبة وحفص بن عمر قالا: حدثنا همام به.

وقد أبانت رواية همام من طريق عفان بن مسلم عند ابن المنذر، وهو من أثبت أصحاب همام، أنها أرادت أن تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالتسليم كي يوقظها، ولم ترد بيان عدد التسليمات. والله أعلم. =

ص: 605

• وأجيب:

قال ابن القيم في الهدي: «أجود ما فيه -يعني في التسليمة الواحدة- حديث عائشة رضي الله عنها

وهو حديث معلول، وهو في السنن، لكنه كان في قيام الليل، والذين رووا عنه التسليمتين رووا ما شاهدوه في الفرض والنفل، على أن حديث عائشة ليس صريحًا في الاقتصار على التسليمة الواحدة، بل أخبرت أنه كان يسلم تسليمة واحدة يوقظهم بها، ولم تَنْفِ الأخرى، بل سكتت عنها، وليس سكوتها عنها مقدمًا على رواية من حفظها وضبطها، وهم أكثر عددًا، وأحاديثهم أصح»

(1)

.

الدليل الثالث:

(ح-2020) ما رواه ابن الأعرابي في معجمه من طريق يزيد بن عبد ربه الجرجسي، عن بقية بن الوليد، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهري، عن سالم،

عن أبيه ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم: سلم تسليمة

(2)

.

[لم يروه عن الزبيدي إلا بقية، وقد اختلف عليه، وضعفه الأئمة]

(3)

.

الدليل الرابع:

(ح-2021) ما رواه الترمذي في سننه من طريق عمرو بن أبي سلمة، عن

= وقد سبق لي تخريج الحديث وجمع طرقه عند الكلام على حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، فإن أحببت تتبع طرقه، فارجع إليه بوركت.

(1)

. زاد المعاد (1/ 251).

(2)

. معجم ابن الأعرابي (1817).

(3)

. خالفه حيوة بن شريح كما في شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 268)، والطبراني في الأوسط (3569)، وفي مسند الشاميين (1766)، قال: حدثنا بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمتين، عن يمينه وعن شماله.

وقال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا الزبيدي» .

قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (2/ 463) ح 518: «هذا حديث منكر» .

قال أبو داود في مسائله (2005): «ذكرت لأحمد حديث بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين؟ قال: يقول فيه: «حدثنا» يعني بقية؟ قلت: لا ينكرون أن يكون سمعه. قال: هذا أبطل باطل»

ص: 606

زهير بن محمد، عن هشام بن عروة، عن أبيه،

عن عائشة، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه، ثم يميل إلى الشق الأيمن شيئًا

(1)

.

[ضعيف]

(2)

.

(1)

. سنن الترمذي (296). وورد العاشر (738).

(2)

. الحديث مداره على زهير بن محمد المكي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة،

رواه عمرو بن أبي سلمة كما في سنن الترمذي (296)، وشرح معاني الآثار (1/ 270)، ومستخرج الطوسي (279)،، ومسند البزار (55)، وصحيح ابن خزيمة (729)، وصحيح ابن حبان (1995)، وحديث أبي العباس السراج (1905)، وسنن الدارقطني (1352)، ومستدرك الحاكم (841)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 254)، ومعجم ابن المقرئ (1032)، والأوسط لابن المنذر (3/ 220).

وعبد الملك بن محمد الصنعاني (صنعاء دمشق) كما في سنن ابن ماجه (919)، والأوسط للطبراني (6746)، كلاهما عن زهير بن محمد به.

وقد أعل الحديث بأكثر من علة:

العلة الأولى: تفرد برفعه زهير بن محمد، عن هشام بن عروة،

قال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 189): «وأما حديث عائشة: فانفرد به زهير بن محمد، لم يروه مرفوعًا غيره، وهو ضعيف، لا يحتج بما ينفرد به» . اهـ

وقد رواه ابن خزيمة (730)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 222)، من طريق وهيب.

ورواه ابن خزيمة (732) من طريق يحيى بن سعيد،

والبيهقي في السنن (2/ 255) من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد، ثلاثتهم عن عبيد الله ابن عمر، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تسلم تسليمة واحدة قبالة وجهها السلام عليكم، هذا لفظ وهيب، ولفظ يحيى رأيت عائشة تسلم واحدة.

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (3073) قال: بلغني عن يحيى بن سعيد، عن عبيد الله به.

قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 203): «حديث زهير في التسليمة لا يصح مرفوعًا، وزهير ضعفه ابن معين وغيره في التسليمة» .

وممن أعله بالوقف أبو حاتم، والطحاوي، والدارقطني والبزار.

قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (414): «هذا حديث منكر؛ هو عن عائشة موقوف» .

وقال الطحاوي (1/ 270): «هذا حديث أصله موقوف على عائشة رضي الله عنها، هكذا رواه الحفاظ، وزهير بن محمد وإن كان رجلًا ثقة؛ فإن رواية عمرو بن أبي سلمة عنه تضعَّف جدًّا، هكذا قال يحيى بن معين

». =

ص: 607

الدليل الخامس:

(ح-2022) ما رواه أحمد، قال: حدثنا عتاب بن زياد، حدثنا أبو حمزة يعني السكري، عن إبراهيم يعني الصائغ، عن نافع،

عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الوتر والشفع بتسليمة ويسمعناها

(1)

.

= وقال الدارقطني كما نقل ذلك ابن رجب في فتح الباري (7/ 369): «الصحيح وقفه، ومن رفعه فقد وهم» .

وقال البزار: كما في المسند (18/ 113): «وهذا الحديث رواه غير واحد موقوفًا، ولا نعلم أسنده إلا عمرو بن أبي سلمة عن زهير» .

العلة الثانية: أن هذا الحديث هو من رواية أهل الشام، عن زهير بن محمد، وروايتهم عنه منكرة، جاء في سنن الترمذي (2/ 91): قال محمد بن إسماعيل (يعني البخاري): زهير بن محمد أهل الشام يروون عنه مناكير، ورواية أهل العراق أشبه. قال محمد: وقال أحمد بن حنبل: كأن زهير بن محمد الذي كان وقع عندهم ليس هو هذا الذي يروى عنه بالعراق، كأنه رجل آخر، قلبوا اسمه».

وعمرو بن أبي سلمة، وعبد الملك كلاهما شاميان.

العلة الثالثة: أن عمرو بن أبي سلمة متكلم في روايته عن زهير، وقال أحمد كما في التهذيب عن عمرو بن أبي سلمة:«روى عن زهير أحاديث بواطيل؛ كأنه سمعها من صدقة بن عبد الله، فغلط، فقلبها عن زهير»

فإن قيل: لم ينفرد به، تابعه عبد الملك، قيل لا تنفعه، فإن عبد الملك بن محمد الصنعاني شامي، وقد علمت أن رواية أهل الشام عن زهير متكلم فيها، وهو في نفسه ضعيف، قال فيه ابن حبان في المجروحين (2/ 136):«كان ممن يجيب في كل ما يُسأل حتى تفرد عن الثقات بالموضوعات، لا يجوز الاحتجاج بروايته» .

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. اهـ

قال ابن رجب في الفتح (7/ 367، 368): «خرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، وأخطأ فيما قال؛ فإن روايات الشاميين عن زهير مناكير عند أحمد ويحيى بن معين والبخاري وغيرهم، قال أحمد -في رواية الأثرم- أحاديث التنيسي عن زهيرٍ بواطيل، قال: وأظنه قال: موضوعة، قال: فذكرت له هذا الحديث في التسليمة الواحدة، فقال: مثلُ هذا» .

(1)

. اختلف فيه على أبي حمزة السكري (محمد بن ميمون المروزي)،

فرواه عنه عتاب بن زيد كما في مسند أحمد (2/ 76)، والمعجم الأوسط للطبراني (753)، وصحيح ابن حبان (2435).

تابع عتابًا همام بن مسلم عند ابن الأعرابي في المعجم (1674)، وهمام متروك. =

ص: 608

الدليل السادس:

(ح-2023) ما رواه ابن ماجه من طريق عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه،

عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه

(1)

.

[ضعيف جدًّا]

(2)

.

وفي الباب أحاديث ضعيفة تركتها اقتصارًا، واختصارًا.

قال ابن رجب: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم تسليمة واحدة من وجوه لا يصح منها شيء، قاله ابن المديني، والأثرم، والعقيلي، وقال الإمام أحمد: لا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في التسليمة الواحدة إلا حديثًا مرسلًا لابن شهاب الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ

قال ابن رجب: ومراسيل ابن شهاب من أوهى المراسيل، وأضعفها»

(3)

.

= خالفهما علي بن الحسن بن شقيق كما في صحيح ابن حبان (2433)، قال: أخبرني أبو حمزة السكري به، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر.

وعلي بن الحسن بن شقيق مقدم على عتاب في أبي حمزة،

قال أبو داود في سؤالاته للإمام أحمد (561): سمعت أحمد قال: من سمع من أبي حمزة السكري وهو مروزي قبل أن يذهب بصره فهو صالح، سمع منه علي بن الحسن قبل أن يذهب بصره، وسمع عتاب بن زياد منه بعدما ذهب بصره». اهـ

وفي شرح علل الترمذي لابن رجب (2/ 754): «قال أحمد في رواية ابن هانئ: كان قد ذهب بصره، كان ابن شقيق قد كتب عنه، وهو بصير، قال: وابن شقيق أصح حديثًا ممن كتب عنه من غيره» . اهـ

(1)

. سنن ابن ماجه (918).

(2)

. ومن طريق عباس بن سهل أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (6/ 122) ح 5703، والدارقطني في السنن (1354، 1355)، والروياني في مسنده (1099)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 269، 270)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 114).

تفرد به عبد المهيمن بن عباس، قال البخاري: منكر الحديث، وهذا جرح شديد عنده.

وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن معين: ضعيف.

وقد تفرد عن آبائه بأحاديث مناكير.

(3)

. فتح الباري لابن رجب (7/ 367).

ص: 609

وقال العقيلي في الضعفاء: « .... لا يصح في التسليمة شيء»

(1)

.

وقال النووي «وليس في الاقتصار على تسليمة واحدة: شيء ثابت»

(2)

.

الدليل السابع: من الآثار.

(ث-481) روى عبد الرزاق في المصنف، قال: عن ابن جريج قال:

أخبرني نافع، وسألته: كيف كان ابن عمر يسلم إذا كان إمامكم؟ قال: «عن يمينه واحدة السلام عليكم

(3)

.

[صحيح]

(4)

.

(ث-482) وروى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن حميد، قال: كان أنس، يسلم واحدة

(5)

.

[حسن موقوفًا، وروي مرفوعًا، ولا يصح]

(6)

.

(1)

. الضعفاء الكبير (1/ 177).

(2)

. الخلاصة (1463).

(3)

. المصنف (3142).

(4)

. ورواه عبد الرزاق في المصنف (3147)، قال: عن ابن جريج قال: أخبرني نافع قال: كان ابن عمر إذا كان في الناس رد على الإمام، ثم سلم عن يمينه، ولا يسلم عن يساره، إلا أن يسلم عليه إنسان فيرد عليه. وهذا إسناد صحيح.

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (3076) حدثنا وكيع، عن مالك بن دينار، عن نافع به بنحوه.

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (3071)، قال: حدثنا عبد الأعلى، عن خالد، عن أنس بن سيرين، عن ابن عمر، أنه كان يسلم تسليمة. وهذا إسناد صحيح أيضًا.

(5)

. المصنف (3065).

(6)

. تابعه على وقفه عبد الله بن بكر عند ابن المنذر في الأوسط (3/ 222)،

خالفهما: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، كما في المعجم الأوسط للطبراني (8473)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 255) وفي معرفة السنن (3/ 97)، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (2095)، فرواه عن حميد به مرفوعًا.

قال ابن رجب في الفتح (7/ 370): «رفعه خطأ، إنما هو موقوف، كذا رواه أصحاب حميد، عنه، عن أنس من فعله» .

كما رواه ابن أبي شيبة في المصنف (3072) من طريق جرير بن حازم، عن أيوب، عن أنس؛ =

ص: 610

(ث-483) وصح عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تسلم تسليمة واحدة

(1)

.

فهؤلاء ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم صح عنهم الاكتفاء بتسليمة واحدة، ولا شك أن هؤلاء الصحابة كانوا من طول الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعرفة بسنته، والحرص على اتباعها، ومن أهل الفتوى والفقه مما يجعل توافقهم على جواز التسليمة الواحدة في منزلة المرفوع، لأني لا أظن بهم أنهم أخذوا المسألة من قبيل الرأي المحض في أمر عظيم كالصلاة، فالظن بهم أنهم علموا هذا الحكم من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على جواز الاكتفاء بتسليمة واحدة، واستحباب التسليمتين.

وقد احتج المالكية بعمل أهل المدينة، قال مالك: ما أدركنا الأئمة إلا على تسليمة

(2)

.

والخلاف في الاحتجاج بعمل أهل المدينة مشهور بين أهل الأصول.

قال ابن عبد البر: «والعمل المشهور بالمدينة التسليمة الواحدة، وهو عمل قد توارثه أهل المدينة كابرًا عن كابر، ومثله يصح فيه الاحتجاج بالعمل في كل بلد، لأنه لا يخفى، لوقوعه في كل يوم مرارًا، وكذلك العمل بالكوفة وغيرها مستفيض عندهم بالتسليمتين متوارث عندهم أيضًا، وكل ما جرى هذا المجرى فهو اختلاف في المباح كالأذان، ولذلك لا يروى عن عالم بالحجاز ولا بالعراق ولا بالشام

= أن النبي صلى الله عليه وسلم سلَّم تسليمةً.

قال ابن رجب في فتح الباري (7/ 370): «أيوب رأى أنسًا، ولم يسمع منه، قاله أبو حاتم.

وقال الأثر: هذا حديث مرسل، وهو منكر، وسمعت أبا عبد الله يقول: جرير بن حازم يروي عن أيوب عجائب».

(1)

. رواه ابن خزيمة (730)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 222)، من طريق وهيب.

ورواه ابن خزيمة (732) من طريق يحيى بن سعيد،

والبيهقي في السنن (2/ 255) من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد، ثلاثتهم عن عبيد الله ابن عمر، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تسلم تسليمة واحدة قبالة وجهها السلام عليكم، هذا لفظ وهيب، ولفظ يحيى رأيت عائشة تسلم واحدة.

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (3073) قال: بلغني عن يحيى بن سعيد، عن عبيد الله به.

(2)

. الذخيرة للقرافي (2/ 200).

ص: 611

ولا بمصر إنكار التسليمة الواحدة، ولا إنكار التسليمتين، بل ذلك عندهم معروف، وإن كان اختيار بعضهم فيه التسليمة الواحدة وبعضهم التسليمتين على حسب ما غلب على البلد من عمل أهله، إلا أن الأعم والأكثر بالمدينة التسليمة الواحدة، والأكثر والأشهر بالعراق التسليمتان: السلام عليكم ورحمة الله على اليمين، السلام عليكم ورحمة الله على اليسار»

(1)

.

وقال في التمهيد:: «والقول عندي في التسليمة الواحدة وفي التسليمتين: أن ذلك كله صحيح بنقل من لا يجوز عليهم السهو ولا الغلط في مثل ذلك، معمولٌ به عملًا مستفيضًا بالحجاز التسليمة الواحدة، وبالعراق التسليمتان، وهذا مما يصح فيه الاحتجاج بالعمل؛ لتواتر النقل كافة عن كافة في ذلك، ومثله لا ينسى ولا مدخل فيه للوهم؛ لأنه مما يتكرر به العمل في كل يوم مرات، فصح أن ذلك من المباح والسعة والتخيير، كالأذان، وكالوضوء ثلاثًا واثنين وواحدة .... »

(2)

.

الدليل الثامن:

قال ابن المنذر في الإجماع: «وأجمعوا على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة»

(3)

.

ولابد من معرفة ماذا يقصد ابن المنذر بالإجماع، أيريد الأكثر، أم يريد الصدر الأول، ولا يعتبر بخلاف المتأخر، أم يريد الإجماع بمصطلح أهل الأصول، فالأخير لا يتحقق في كثير من الإجماعات التي ينقلها، ومنها هذه المسألة، فإن الحنفية يرون في الأصح أنها واجبة، ويرى الحنابلة التسليمة الثانية ركنًا، وإن أنكر ابن قدامة صحة هذا القول عن الإمام أحمد، والله أعلم.

(1)

. الاستذكار (1/ 491).

(2)

. التمهيد (16/ 190).

(3)

. الإجماع (ص: 39).

ص: 612

• الراجح:

استحباب التسليمة الثانية، وأما الأولى فالقول بوجوبها أقوى من القول بركنيتها، والله أعلم.

* * *

ص: 613