المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٤

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث السادس أقل الكمال في التسبيح

- ‌المبحث السابع كراهة قراءة القرآن في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثامن حكم الدعاء في الركوع والسجود

- ‌الباب الثامن في أحكام الرفع من الركوع

- ‌الفصل الأول حكم الرفع من الركوع والسجود

- ‌الفصل الثاني في مشروعية التسميع والتحميد

- ‌المبحث الأول في وقت ابتداء التسميع والتحميد

- ‌المبحث الثاني في مشروعية التسميع للإمام

- ‌المبحث الثالث حكم التحميد للإمام

- ‌المبحث الرابع حكم التسميع والتحميد للمأموم

- ‌المبحث الخامس حكم التسميع والتحميد للمنفرد

- ‌الفصل الثالث في رفع اليدين للرفع من الركوع

- ‌المبحث الأول في مشروعية الرفع

- ‌المبحث الثاني في صفة رفع اليدين

- ‌المبحث الثالث في منتهى رفع اليدين

- ‌الباب التاسع أحكام الاعتدال في الصلاة

- ‌الفصل الأول في حكم الاعتدال من الركوع والسجود

- ‌الفصل الثاني في حكم الزياده على التسميع والتحميد

- ‌الفصل الثالث في قبض اليسرى باليمنى بعد الرفع من الركوع

- ‌الفصل الرابع في صيغ التحميد المشروعه

- ‌الفصل الخامس في تطويل مقدار الاعتدال من الركوع

- ‌الباب العشر في أحكام السجود

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول في تعريف السجود

- ‌المبحث الثاني في مقام السجود من العبادة

- ‌الفرع الأول في فضل السجود

- ‌الفرع الثاني في تفضيل كثرة السجود على طول القيام

- ‌الفصل الأول في حكم السجود

- ‌الفصل الثاني في صفة السجود

- ‌المبحث الأول في صفة التجزئة

- ‌الفرع الأول في وجوب الطمأنينة في السجود

- ‌الفرع الثاني في الأعضاء التي يجب السجود عليها

- ‌المسألة الأولى في حكم السجود على الجبهة

- ‌المسألة الثانية حكم السجود على الأنف

- ‌المسألة الثالثة حكم السجود على الكفين والركبتين والقدمين

- ‌المسألة الرابعة في حكم رفع الذراعين عن الأرض في السجود

- ‌المبحث الثاني في صفة السجود الكاملة

- ‌الفرع الأول في السنن القولية

- ‌المسألة الأولى في مشروعية التكبير للسجود

- ‌المسألة الثانية في صفة التكبير للسجود

- ‌المسألة الثالثة في حكم التسبيح في السجود

- ‌مطلبفي بعض أذكار السجود الواردة في الصلاة

- ‌الفرع الثاني في سنن السجود الفعلية

- ‌المسألة الأولى في صفة الهوي للسجود

- ‌المسألة الثانية في رفع الأيدي إذا كبر للسجود أو رفع منه

- ‌المسألة الثالثة السنة في موضع الكفين حال السجود

- ‌المسألة الرابعة في استحباب ضم أصابع يديه في السجود وتوجهها إلى القبلة

- ‌المسألة الخامسة في الهيئة المستحبة في سجود القدمين

- ‌المسألة السادسة في استحباب المجافاة في السجود

- ‌المطلب الأول في استحباب مجافاة العضدين عن الجنبين

- ‌المطلب الثاني في استحباب مجافاة الفخذين عن البطن

- ‌المطلب الثالث في مجافاة المرأة

- ‌المطلب الرابع في المجافاة بين الفخذين وكذا الركبتين

- ‌المطلب الخامس في المجافاة بين القدمين

- ‌الفصل الثالث في تعذر السجود على أحد الأعضاء السبعة

- ‌المبحث الأول إذا قدر على السجود بالوجه وعجز عن الباقي

- ‌المبحث الثاني إذا تعذر السجود بالجبهة وقدر على الباقي

- ‌المبحث الثالث إذا تعذر السجود بالجبهة والأنف وقدر على الباقي

- ‌الفصل الرابع في السجود على الحائل

- ‌المبحث الأول في السجود على حائل منفصل عن المصلى

- ‌المبحث الثاني في السجود على حائل متصل بالمصلي

- ‌الفرع الأول في السجود على عضو من أعضاء المصلي

- ‌الفرع الثاني في السجود على حائل متصل ليس من أعضاء المصلي

- ‌المسألة الأولى في مباشرة الأرض بالقدمين والركبتين في السجود

- ‌المسألة الثانية في مباشرة الأرض باليدين حال السجود

- ‌المسألة الثالثة في مباشرة الأرض بالجبهة حال السجود

- ‌الباب الحادي عشر في الرفع من السجود

- ‌الفصل الأول في مشروعية التكبير للرفع من السجود

- ‌الفصل الثاني في وقت ابتداء التكبير للرفع من السجود

- ‌الفصل الثالث في رفع اليدين مع الرفع من السجود

- ‌الفصل الرابع في حكم الرفع من السجود

- ‌الباب الثاني عشر في الاعتدال من السجود

- ‌الفصل الأول في ركنية الجلوس بين السجدتين

- ‌الفصل الثاني في صفة الجلوس في الصلاة

- ‌الفصل الثالث في النهي عن الإقعاء في الصلاة

- ‌الفصل الرابع في مشروعية الذكر بين السجدتين وفي حكمه وصيغته

- ‌الفصل الخامس صفة وضع اليدين إذا جلس بين السجدتين

- ‌الفصل السادس في وجوب السجده الثانية في الصلاة

- ‌الباب الثالث عشر في النهوض للركعة الثانية

- ‌الفصل الأول في مشروعية جلسة الاستراحة قبل القيام

- ‌الفصل الثاني في صفة النهوض إلى الركعة الثانية

- ‌الباب الرابع عشر في الفروق بين الركعة الأولى وسائر الركعات

- ‌الفصل الأول في تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الثاني لا يشرع الاستفتاح في الركعة الثانية

- ‌الفصل الثالث لا يستعيذ في الركعة الثانية إذا استعاذ في الركعة الأولى

- ‌الفصل الرابع لا يجدد النية للركعة الثانية

- ‌الفصل الخامس في أطالة الركعة الأولى على سائر الركعات

- ‌الباب الخامس عشر في الأحكام الخاصة بالتشهد

- ‌الفصل الأول في حكم التشهد الأول والجلوس له

- ‌الفصل الثاني حكم التشهد الأخير

- ‌الفصل الثالث في ألفاظ التشهد

- ‌الفصل الرابع في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد

- ‌المبحث الأول في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول

- ‌المبحث الثاني في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني

- ‌الفصل الخامس في صفة الكفين في التشهد

- ‌الفصل السادس في تحريك السبابة بالتشهد

- ‌الفصل السابع الدعاء في التشهد

- ‌المبحث الأول في التعوذ بالله من أربع

- ‌المبحث الثاني في صفة الدعاء في الصلاة

- ‌الباب السادس عشر التسليم في الصلاة

- ‌الفصل الأول حكم التسليم

- ‌الفصل الثاني في حكم زيادة (ورحمة الله) في التسليم

الفصل: ‌المبحث الثاني في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني

‌المبحث الثاني في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني

المدخل إلى المسألة:

• لا نزاع في مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل تشهد يعقبه تسليم.

• أكثر أهل العلم على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ليست واجبة.

• قول الصحابي (كيف نصلي عليك) سؤال عن الكيفية، والأمر بالكيفية لا يفيد وجوب أصل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

• لو كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في الصلاة لجاءت الأوامر التي تأمر بها ابتداء، ولم ينتظر النبي صلى الله عليه وسلم حتى يسأله الصحابة عنها.

• لم يبادر النبي صلى الله عليه وسلم السائل بالجواب حتى تمنى الصحابة أن الرجل لم يسأله خوفًا من كراهة النبي صلى الله عليه وسلم لمسألته، كل ذلك يشعر بأن الصلاة ليست من الواجبات.

• علم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة التشهد، ثم قال: ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو، فلو كانت الصلاة واجبة لذكرها بين التشهد والدعاء.

• إذا كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أجل مراعاة آداب الدعاء؛ لقوله: عجل هذا؛ لكونه دعا من غير أن يراعي آدابه ومنها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فالدعاء في نفسه ليس واجبًا، فكذلك توابعه.

[م-675] اختلف العلماء في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الذي يعقبه سلام بعد اتفاقهم على مشروعيته فيه على ثلاثة أقوال:

فقيل: الصلاة على النبي سنة، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، ورواية عن أحمد، وبه قال أكثر أهل العلم، واختاره ابن جرير الطبري، وابن المنذر والخطابي

ص: 530

من الشافعية، وقال به أهل الظاهر كالإمام داود وابن حزم

(1)

.

قال ابن نجيم: وهو قول عامة السلف والخلف

(2)

.

وقال ابن رشد في المقدمات: «وجميع أقوال الصلاة سنة وفضيلة حاشا ثلاثة: تكبيرة الإحرام، وقراءة أم القرآن، والسلام»

(3)

.

وجاء في المغني نقلًا عن المروذي: «قيل لأبي عبد الله. إن ابن راهويه يقول: لو أن رجلًا ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، بطلت صلاته. قال: ما أجترئ أن أقول هذا. وقال في موضع: هذا شذوذ. وهذا يدل على أنه لم يوجبها»

(4)

.

وقيل: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، واختاره محمد بن المواز، واللخمي وابن العربي من المالكية

(5)

.

(1)

. ملتقى الأبحر (ص: 135)، كنز الدقائق (ص: 161)، نور الإيضاح (ص: 58)، الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (1/ 477)، البحر الرائق (1/ 321)، تبيين الحقائق (1/ 108)، تفسير القرطبي (1/ 173)، مختصر خليل (ص: 33)، التلقين في الفقه المالكي (1/ 43)، القوانين الفقهية (ص: 38)، التاج والإكليل (2/ 250)، مواهب الجليل (1/ 543)، شرح الخرشي (1/ 288)، الشرح الكبير (1/ 251)، التوضيح لخليل (1/ 328)، الجامع لمسائل المدونة (2/ 406)، الأوسط لابن المنذر (3/ 213)، معالم السنن للخطابي (1/ 196).

(2)

. البحر الرائق (1/ 321).

(3)

. المقدمات الممهدات (1/ 227).

(4)

. المغني (1/ 388).

(5)

. قال ابن العربي في أحكام القرآن (3/ 623): «الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض في العمر مرة بلا خلاف، فأما في الصلاة فقال: محمد بن المواز والشافعي: إنها فرض، فمن تركها بطلت صلاته. وقال سائر العلماء: هي سنة في الصلة، والصحيح ما قاله ابن المواز للحديث الصحيح: إن الله أمرنا أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟» . وانظر: النوادر والزيادات (1/ 149)، التاج والإكليل (2/ 250)، المختصر الفقهي لابن عرفة (1/ 266)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 252)، الذخيرة للقرافي (2/ 218).

وانظر في مذهب الشافعية: الأم (1/ 140)، الحاوي الكبير (2/ 137)، نهاية المطلب (2/ 285)، فتح العزيز (3/ 503)، روضة الطالبين (1/ 223)، منهاج الطالبين (ص: 29)، تحفة المحتاج (2/ 80)، مغني المحتاج (1/ 379)، نهاية المحتاج (1/ 523)، الهداية على مذهب الإمام أحمد (ص: 87)، الإنصاف (2/ 116).

ص: 531

قال النووي في المجموع: «الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير فرض بلا خلاف عندنا إلا ما سأذكره عن ابن المنذر إن شاء الله تعالى فإنه من أصحابنا»

(1)

.

وقيل: التشهد واجب، وهو رواية عن أحمد، اختارها الخرقي والمجد وبعض الحنابلة، وهو ظاهر قول إسحاق، حيث قال: إن تركها عمدًا لم تصح صلاته، وإن تركها سهوًا رجوت أن تجزئه

(2)

.

وجاء في المغني: «ونقل أبو زرعة الدمشقي عن أحمد، أنه قال: كنت أتهيب ذلك -يعني القول بوجوب الصلاة- ثم تبينت، فإذا الصلاة واجبة، قال ابن قدامة: فظاهر هذا أنه رجع عن قوله الأول إلى هذا»

(3)

.

• دليل من قال: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض أو واجب:

الدليل الأول:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

وجه الاستدلال على الوجوب من وجهين:

الوجه الأول:

قال الشافعي فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة.

الوجه الثاني:

أن الآية الكريمة تضمنت الأمر بالصلاة والتسليم، والأمر المطلق على الوجوب ما لم يقدم دليل على خلافه، وإذا اقتضى الأمر الوجوب فقد قال الخطابي: «

لا خلاف أن الصلاة عليه غير واجبة في غير الصلاة، فدل على وجوبها في الصلاة». أي أن الإطلاق في الآية غير مراد.

وقد يأتي المطلق ويراد به شيئ معين، كما أن العام قد يأتي ويراد به الخاص،

كقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصوم في السفر) متفق عليه

(4)

، فلا يراد به نفي البر

(1)

. المجموع شرح المهذب (3/ 465، 467).

(2)

. مختصر الخرقي (ص: 26)، الإنصاف (2/ 116)، الكافي لابن قدامة (1/ 262)، المجموع (3/ 467)، الأوسط لابن المنذر (3/ 213)،.

(3)

. المغني لابن قدامة (1/ 389).

(4)

. صحيح البخاري (1946)، وصحيح مسلم (92 - 1115).

ص: 532

عن عموم الصيام في السفر.

وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173]، فقوله:(الناس) لا يراد به العموم، بل ولا جماعة من الناس، فالقائل رجل واحد هو نعيم بن مسعود الأشجعي كما ذكر ذلك بعض المفسرين، قال ابن حجر: إطلاق الناس على الواحد لكونه من جنسهم

(1)

.

وهناك آيات في القرآن جاءت مطلقة، وأريد بها الصلاة، كقوله تعالى:{وَرَبَّكَ فَكَبِّر} فالمراد تكبير الصلاة.

وقال تعالى: {وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِين} [البقرة: 238]، والمراد به قيام الصلاة.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]، ولا يراد به مطلق الركوع والسجود، بل أراد بذلك داخل الصلاة.

وقال تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]، ويراد به القراءة في الصلاة، فكذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

• وأجيب:

الوجه الأول:

قال القرافي جوابًا على قول الشافعي: «(فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة) منقوض بالدعاء، فإن الله تعالى أمرنا بالدعاء في قوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ} فلم يكن الدعاء في موضع أولى منه في الصلاة، فليكن الدعاء أيضًا فرضًا في الصلاة تبطل الصلاة بهما، ولم يقل به أحد» .

الوجه الثاني:

الآيات التي سيقت مطلقة وأريد بها داخل الصلاة، لم تقيد إلا بقرينة ظاهرة، فالقيام والركوع لا يتعبد الله به إلا في الصلاة.

والسجود لا يتعبد الله به إلا إذا وجد مقتضاه من تلاوة، أو شكر، أو صلاة، فلما قرن بالركوع تعينت الصلاة، وليس المقصود صورة الركوع والسجود بل هو من إطلاق

(1)

. فتح الباري (8/ 229).

ص: 533

بعض الشيء على كله، كما يطلق تحرير الرقبة ويراد به تحرير كامل العبد، وكما تطلق السجدة على الركعة الكاملة من قيام وركوع وسجود، وهو معروف في لغة العرب.

وقراءة ما تيسر كذلك، فإن الآية كانت تتحدث عن القراءة في قيام الليل، وما جرى فيه من التخفيف، بخلاف الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه عبادة داخل الصلاة وخارجها، فتقييد الآية بالصلاة تقييد بلا مقيد.

الوجه الثالث:

تقييد الآية بداخل الصلاة يلزم منه محذوران:

الأول: بطلان صيغة الإطلاق في الآية، فإن النص المطلق لا يقيده إلا نص مثله، أو إجماع خاصة إذا كان الإطلاق لا يمنع منه مانع شرعي أو لغوي.

الثاني: الصحيح من أقوال أهل الأصول أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، فإذا صلى أو سلم على النبي صلى الله عليه وسلم في العمر مرة واحدة فقد امتثل الأمر.

الدليل الثاني:

(ح-1971) ما رواه البخاري حدثنا آدم، حدثنا الحكم، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال:

لقيني كعب بن عجرة، فقال: ألا أهدي لك هدية؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: فقولوا: اللهم صَلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد

(1)

.

ورواه مسلم من طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة به بمثله

(2)

.

ورواه أبو داود حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة به، وفيه: قلنا -أو قالوا- يا رسول الله، أمرتنا أن نصلي عليك، وأن نسلم عليك، فأما السلام، فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك .... وذكر الحديث

(3)

.

(1)

. صحيح البخاري (6357).

(2)

. وصحيح مسلم (66 - 406).

(3)

. سنن أبي داود (976).

ص: 534

وقوله: (أمرتنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك) انفرد به حفص بن عمر، عن شعبة، وكل أصحاب شعبة لم يذكروا هذا الحرف، بل كل من رواه عن الحكم غير شعبة لم يذكره، وهو محفوظ من مسند أبي مسعود الأنصاري

(1)

.

(ح-1972) فقد رواه مسلم من طريق مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري، وعبد الله بن زيد هو الذي كان أُرِيَ النداء بالصلاة أخبره،

عن أبي مسعود الأنصاري، قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن في مجلس

(1)

. رواه آدم بن إياس كما في صحيح البخاري (6357)، والمعجم الكبير للطبراني (19/ 124) ح 270، ومستخرج أبي عوانة (1967)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 210).

ومحمد بن جعفر كما في مسلم (66 - 406)، ومسند أحمد (4/ 241)، وسنن ابن ماجه (904)،

ويحيى بن سعيد كما في مسند أحمد (4/ 241)، ومنتقى بن الجارود (206)،

ووكيع كما في سنن ابن ماجه (904)، وصحيح ابن حبان (912، 1964)،

ويزيد بن زريع كما في سنن أبي داود (977)،

وعبد الرحمن بن مهدي كما في سنن ابن ماجه (904)،

وعبد الله بن المبارك كما في سنن النسائي (1289)، وفي الكبرى له (1213، 9799).

وأبو داود الطيالسي كما في مسنده (1157)، ومن طريقه أبو عوانة في مستخرجه (1967)، والبيهقي في معرفة السنن (3/ 68).

وعلي بن الجعد كما في الجعديات لأبي القاسم البغوي (138)،

وأبو الوليد الطيالسي كما في سنن الدارمي (1381)، والتوحيد لابن منده (318).

وشبابة بن سوار كما في مستخرج أبي عوانة (1967)، والدعوات الكبير للبيهقي (246).

وحجاج بن محمد كما في مستخرج أبي عوانة (1967)، والتوحيد لابن منده (249).

وأبو عامر العقدي ووهب بن جرير كما في مشكل الآثار (2234)،

وعفان بن مسلم كما في المعجم الكبير للطبراني (19/ 124) ح 270، والدعوات الكبير للبيهقي (246).

وسليمان بن حرب وعاصم بن علي كما في المعجم الكبير للطبراني (19/ 124) ح 270،

ويحيى بن عباد كما في الدعوات الكبير للبيهقي (246).

وسهل بن بكار كما في الأوسط لابن المنذر (3/ 215)، كلهم رووه عن شعبة به، فلم يقل أحد منهم (أمرتنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك) إلا حفص بن عمر عند أبي داود، فالظاهر أن هذا اللفظ غير محفوظ من رواية شعبة.

ص: 535

سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا اللهم صَلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم

(1)

.

(ح-1973) ورواه أحمد، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي (إبراهيم بن سعد) عن ابن إسحاق، قال: وحدثني -في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا المرء المسلم صلى عليه في صلاته- محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، أخي بلحارث بن الخزرج،

عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، قال: أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده، فقال: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلى الله عليك؟ قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله، فقال: إذا أنتم صليتم عليَّ فقولوا

وذكر الحديث

(2)

.

وفي الباب حديث أبي حميد الساعدي، وحديث أبي سعيد الخدري وغيرهما

(3)

.

[قوله: (إذا نحن صلينا في صلاتنا) انفرد بها ابن إسحاق، وخالف من هو أوثق منه واختلف عليه في ذكر هذا الحرف]

(4)

.

(1)

. صحيح مسلم (65 - 405).

(2)

. المسند (4/ 119).

(3)

. حديث أبي حميد الساعدي رواه البخاري (3369)، ومسلم (69 - 407).

وحديث أبي سعيد الخدري رواه البخاري (4798، 6358).

(4)

. اختلف فيه على محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، عن أبي مسعود الأنصاري

فرواه مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبي مسعود، ولم يقيد السؤال بقوله:(إذا نحن صلينا في صلاتنا).

ورواه محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن =

ص: 536

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= زيد به، واختلف على ابن إسحاق في ذكر هذا الحرف.

فالحديث مخرجه واحد يتفق فيه مالك وابن إسحاق على روايته من طريق محمد بن عبد الله ابن زيد، عن أبي مسعود.

يرويه مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن محمد بن عبد الله.

ويرويه ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن محمد بن عبد الله، فيلتقيان في محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبي مسعود.

وأما رواية مالك فلا أريد أن أطيل في تخريجها، فقد أخرجتها من طريق مسلم، وهي في موطأ مالك، ولا إشكال فيها، ولا اختلاف، ولا يذكر فيها قيد (إذا نحن صلينا)، كباقي الأحاديث التي روت القصة من مسند كعب بن عجرة، ومسند أبي حميد الساعدي، ومسند أبي سعيد الخدري، وغيرها.

وأما رواية ابن إسحاق، فقد اختلف عليه:

فرواه إبراهيم بن سعد كما في مسند أحمد (4/ 119)، وصحيح ابن خزيمة (711)، وصحيح ابن حبان (1959)، وشعار أصحاب الحديث لأبي أحمد الحاكم (64)، وسنن الدارقطني (1339)، ومستدرك الحاكم (987)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 209، 529)، بزيادة (إذا نحن صلينا في صلاتنا).

ورواه أبو خيثمة (زهير بن معاوية) كما في مصنف ابن أبي شيبة (8635)، وسنن أبي داود (981)، ومسند عبد بن حميد كما في المنتخب (234)، وكما في تهذيب الآثار للطبري الجزء المفقود (344)، والمعجم الكبير للطبراني (17/ 251) ح 698، وفي فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لإسماعيل بن إسحاق القاضي (59)، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عاصم (7)،

ومحمد بن سلمة، كما في السنن الكبرى للنسائي (9794)،

وزياد بن عبد الله البكائي كما في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عاصم (6)،

وأحمد بن خالد كما في تهذيب الآثار للطبري الجزء المفقود (343)، والطبراني في الكبير (17/ 251/698)، أربعتهم عن ابن إسحاق به، كرواية الجماعة ليس فيه زيادة هذا الحرف.

وإبراهيم بن سعد من أثبت أصحاب ابن إسحاق، إلا أن البلاء ليس منه، بل من شيخه محمد بن إسحاق، فالترجيح بين الرواة عن ابن إسحاق لو كان ابن إسحاق بريئًا من العهدة، وهنا الحمل عليه، فتفرده بهذا الحرف، والاختلاف عليه في ذكرها يَزِيدُ تفرده وهنًا على وهن.

فاجتمع في طريق ابن إسحاق ثلاث علل:

العلة الأولى: تفرده بهذا الحرف، ولم تذكر لا في هذا الإسناد، ولا في إسناد آخر ممن روى القصة والسؤال.

العلة الثانية: الاختلاف عليه في ذكره، فأكثر الرواة عنه لا يذكرون هذا الحرف، والبلاء في الاختلاف منه، لا من الرواة عنه. =

ص: 537

وجه الاستدلال:

أن قوله: (أمرنا الله بالصلاة عليك) والأصل في الأمر الوجوب.

وقوله: (قولوا: اللهم صَلِّ على محمَّد

) أمر، والأصل فيه الوجوب، ورواية محمد بن إسحاق فيها تنصيص على أن ذلك في الصلاة، وعلى فرض عدم

= العلة الثالثة: أن الإمام مالكًا، قد رواه عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن محمد بن عبد الله بن زيد، ولم يذكر هذا الحرف، فاجتماع هذه العلل الثلاث تجعل في النفس شيئًا بل أشياء من تفرده، وإن حاول أن يدفع ذلك ابن القيم عليه رحمة الله.

قال ابن القيم في جلاء الأفهام (ص: 31): «وقد أعلت هذه الزيادة بتفرد ابن إسحاق بها، ومخالفة سائر الرواة في تركهم ذكرها، وأجيب عن ذلك بجوابين:

أحدهما: أن ابن إسحاق ثقة لم يجرح بما يوجب ترك الاحتجاج به، وقد وثقه كبار الأئمة، وأثنوا عليه بالحفظ والعدالة اللذين هما ركنا الرواية.

والجواب الثاني: أن ابن إسحاق إنما يخاف من تدليسه، وهنا قد صرح بسماعه للحديث من محمد بن إبراهيم التيمي، فزالت تهمة تدليسه

».

ومحمد بن إسحاق حسن الحديث، وليس مبرزًا فيه، وعلى التسليم بأنه ثقة لا يقبل تفرده ومخالفته فيشترط في حديث الثقة ألا يكون شاذًّا ولا معللًا، فإذا اجتمع في حديث الثقة ثلاث علل: تفرده، والاختلاف عليه، ومخالفته لمن هو أوثق، لم يقبل منه ذلك، كما هو معروف في علوم الحديث، وقد قال أيوب بن إسحاق بن سافري كما في تاريخ بغداد (1/ 245): سألت أحمد إذا انفرد ابن إسحاق بحديث تقبله؟ قال: لا، والله، إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد، ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا. اهـ

والإمام أحمد لا يحلف على شيء إلا بعد تتبع واستقراء لأحاديث الرجل.

وقال أبو داود كما في مسائله لأحمد (177): «سمعت أحمد ذكر محمد بن إسحاق، فقال: كان رجلًا يشتهي الحديث، فيأخذ كتب الناس، فيضعها في كتبه» .

وعلق على هذا الذهبي فقال: هذا الفعل سائغ، فهذا الصحيح للبخاري فيه تعليق كثير.

وقال شعبة كما في تاريخ بغداد (1/ 243): محمد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث، ووثقه ابن المديني.

وقال الدارقطني في السنن (2/ 168): هذا إسناد حسن متصل. اهـ وكأن الدارقطني في السنن رجل آخر غير الذي عرفناه في العلل، ولهذا في العلل ساق الاختلاف، ولم يرجح.

وتخريج ابن خزيمة وابن حبان ذهاب منهما إلى تصحيحه، وليس ذلك بأول حديث يخرجانه في صحيحيهما، ولا يوافقان على ذلك، لذلك كانت رتبة الصحيح فيهما أقل من رتبة الصحيح في البخاري ومسلم وإن شَرَطَا الصحة؛ لنزول شرطهما عن شرط الشيخين، والله أعلم.

ص: 538

ثبوتها فقد قال البيهقي: «قوله في الحديث: (قد علمنا كيف نسلم عليك) إشارة إلى السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، فقوله: (فكيف نصلي عليك)؟ أيضًا يكون المراد به في القعود للتشهد»

(1)

.

• وأجيب عن هذا الاستدلال:

الجواب الأول:

شذوذ ما تفرد به ابن إسحاق من قوله: (إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا)، وقد جَلَّى ذلك تخريج الحديث، ولله الحمد، فخرج من الاستدلال تعيين ذلك في الصلاة.

الجواب الثاني:

على التسليم أن قوله: (إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا) محفوظ، فإن الحديث لا يدل على الوجوب؛ لأن الصلاة علقها على فعل المصلي، مما يدل على أن الصلاة عليه ليست حتمًا لازمًا في الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أنتم صليتم عليَّ فقولوا: اللهم صَلِّ على محمد

) فعلق الصلاة على إرادتهم. ومفهومه: وإن لم تصلوا عليَّ فصلاتكم تامة.

الجواب الثالث:

أن السؤال الموجه من الصحابي رضي الله عنه (فكيف نصلي عليك)؟ سؤال عن الكيفية، فالأمر بالكيفية لا يفيد وجوب أصل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول الشوكاني: «الأوامر المذكورة في الأحاديث تعين كيفيته، وهي لا تفيد الوجوب فإنه لا يشك من له ذوق أن من قال لغيره إذا أعطيتك درهمًا فكيف أعطيك إياه، أسرًّا أم جهرًا؟ فقال له: أعطنيه سرًّا كان ذلك أمرًا بالكيفية التي هي السرية لا أمرًا بالإعطاء، وتبادر هذا المعنى لغة وشرعًا وعرفًا لا يدفع.

وقد تكرر في السنة وكثر فمنه (إذا قام أحدكم الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين) الحديث. وكذا قوله صلى الله عليه وسلم في صلاة الاستخارة: (فليركع ركعتين ثم ليقل) الحديث. .... وقوله في الوتر: (فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة).

(1)

. السنن الكبرى للبيهقي (2/ 210).

ص: 539

والقول بأن هذه الكيفية المسئول عنها هي كيفية الصلاة المأمور بها في القرآن فتعليمها بيان للواجب المجمل، فتكون واجبة لا يتم إلا بعد تسليم أن الأمر القرآني بالصلاة مجمل وهو ممنوع لاتضاح معنى الصلاة والسلام المأمور بهما، على أنه قد حكى الطبري الإجماع على أن محمل الآية على الندب، فهو بيان لمجمل مندوب لا واجب، ولو سلم انتهاض الأدلة على الوجوب لكان غايتها أن الواجب فعلها مرة واحدة، فأين دليل التكرار في كل صلاة؟ ولو سلم وجود ما يدل على التكرار لكان تركها في تعليم المسيء دالًّا على عدم وجوبه»

(1)

.

ويقول شيخنا ابن عثيمين: «إذا تأملت هذا الحديث لم يتبيَّن لك منه أنَّ الصَّلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم رُكنٌ، لأن الصحابة إنما طلبوا معرفة الكيفية؛ كيف نُصلِّي؟ فأرشدهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم إليها، ولهذا نقول: إن الأمر في قوله: (قولوا) ليس للوجوب، ولكن للإِرشاد والتعليم»

(2)

.

ولأن الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم وقع جوابًا على سؤال من السائل، فلا يدخل في الأمر المطلق، فإذا سألت رجلًا عن طريق مكة، فقال لك: اذهب من هنا، فقوله لك:(اذهب) ليس أمرًا منه لك بالذهاب، وإنما جاء الأمر جوابًا على سؤالك، ولم يَأْتِ الأمر منه ابتداء بالفعل من غير أن يتسبب فيه المأمور، فلا يكون صريحًا في الوجوب، فضلًا عن الركنية.

الدليل الثالث:

(ح-1974) ما رواه ابن ماجه، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا ابن أبي فديك، عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه،

عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه. ولا صلاة لمن لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صلاة لمن لا يحب الأنصار.

قال أبو الحسن بن سلمة: حدثنا أبو حاتم، حدثنا عبيس بن مرحوم العطار، حدثنا عبد المهيمن بن عباس، فذكر نحوه

(3)

.

(1)

. نيل الأوطار (2/ 330).

(2)

. الشرح الممتع (3/ 310).

(3)

. سنن ابن ماجه (400).

ص: 540

[ضعيف]

(1)

.

الدليل الرابع:

(ح-1975) ما رواه أحمد من طريق حيوة، قال: أخبرني أبو هانئ حميد بن هانئ، عن عمرو بن مالك الجنبي حدثنا،

أنه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في الصلاة، ولم يذكر الله عز وجل، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجل هذا، ثم دعاه فقال له ولغيره: إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم ليصل على النبي، ثم ليدع بعد بما شاء

(2)

.

[صحيح]

(3)

.

وجه الاستدلال:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالصلاة على النبي، والأصل في الأمر الوجوب.

• ونوقش:

بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة، فدل على أن الصلاة على النبي ليست فرضًا في الصلاة.

(1)

. سبق تخريجه في كتابي موسوعة أحكام الطهارة، الطبعة الثالثة (2/ 141) ح (186).

(2)

. المسند (6/ 18).

(3)

. أخرجه أحمد (6/ 18)، وأبو داود (1481)، والترمذي (3477)، والبزار (3748)، والطحاوي في مشكل الآثار (2242)، وابن خزيمة (710)، وابن حبان (1960)، والطبراني في الكبير (18/ 307) ح 791، 793، وابن المنذر في الأوسط (3/ 212)، والحاكم في المستدرك (840، 989)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 11)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5651)، من طريق حيوة،

والترمذي (3476، 3477)، والطبراني في الدعاء (89)، وفي الكبير (18/ 307) 792، 794، من طريق رشدين بن سعد،

والنسائي كما في المجتبى (1284)، وفي الكبرى (1208)، وابن خزيمة (709)، والطبراني في الدعاء (90)، وفي الكبير (18/ 309) ح 795، من طريق ابن وهب، ثلاثتهم (حيوة، ورشدين، وابن وهب) عن أبي هانئ الخولاني حميد بن هانئ، عن عمرو بن مالك أبي علي الجنبي، أنه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 541

• ورد هذا:

بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره لكونه لم يعلم بوجوبها، ولا تكليف قبل العلم.

• وتعقب هذا:

بأن الوقت لا يزال قائمًا، ولذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته بالإعادة؛ لقيام الوقت، ولم يأمره بإعادة الصلوات التي خرج وقتها قبل العلم.

ثم إن الحديث فيه: فقال له أو لغيره، فالراوي لم يجزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنفس الرجل مما يدل على أنها ليست واجبة.

والحديث قد أمره بثلاثة أمور، ثالثها: قوله: (ثم ليدع بما شاء) فإذا كان الدعاء بعد التشهد ليس واجبًا لم تكن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة، وسيأتينا حكم الدعاء بعد التشهد، وإذا كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أجل مراعاة آداب الدعاء؛ لقوله: عجل هذا؛ لكونه دعا من غير أن يراعي آداب الدعاء، فالدعاء في نفسه ليس واجبًا فكذلك ما شرع من أجله.

الدليل الخامس:

(ح-1976) ما رواه الحاكم في المستدرك من طريق سعيد بن أبي هلال، عن يحيى بن السباق، عن رجل، من بني الحارث،

عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدًا، وآل محمد كما صليت، وباركت، وترحمت، على إبراهيم إنك حميد مجيد

(1)

.

[ضعيف، وزيادة الترحم منكر مخالف لما هو ثابت من تشهد ابن مسعود]

(2)

.

(1)

. المستدرك (991)، ومن طريقه البيهقي في السنن (2/ 529).

(2)

. يحيى بن السباق هكذا في المستدرك، وفي سنن البيهقي وفي إتحاف المهرة (13400)، وفي نصب الراية (1/ 427)، وفي البدر المنير (4/ 93)، وفي تلخيص الحبير (1/ 630)، ولم أقف له على ترجمة إلا أن يكون اسمه يحيى بن سابق، قال فيه أبو حاتم كما في الجرح والتعديل (9/ 153): ليس بقوي. =

ص: 542

الدليل السادس:

(ح-1977) ما رواه الدارقطني من طريق عبد المؤمن بن القاسم عن جابر عن أبي جعفر،

عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة لم يُصَلِّ فيها عليَّ ولا على أهل بيتي لم تقبل منه. قال الدارقطني: جابر ضعيف وقد اختلف عنه

(1)

.

[ضعيف جدًّا]

(2)

.

= وقال أبو زرعة: كوفي لين. المرجع السابق.

وقال الدارقطني: متروك.

وقال ابن حبان في الضعفاء: كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به في الديانة، ولا الرواية عنه بحيلة.

قال ابن حجر في التلخيص (1/ 630): رجاله ثقات إلا هذا الرجل الحارثي. اهـ فلا أدري أوقف على تعديل يحيى بن السباق، أو غفل عنه، أو اعتمد تصحيح الحاكم وعلى كلام البيهقي لإسناده، فاعتبر ذلك تعديلًا له، والله أعلم.

ويكفي في نكارته أن حديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم محفوظة من حديث كعب بن عجرة، وأبي حميد الساعدي وأبي سعيد الخدري وغيرهم ليس فيها ذكر الترحم على آل محمد.

(1)

. سنن الدارقطني (1343).

(2)

. ورواه الطبري في تهذيب الآثار الجزء المفقود (359)، من طريق أبي حمزة، عن جابر، عن أبي جعفر، عن أبي مسعود.

فيه أكثر من علة:

الأول: في إسناده جابر الجعفي، متروك.

والثانية: الانقطاع بين أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وبين أبي مسعود الأنصاري، قال: لو صليت صلاة لم أُصَلِّ فيها على النبي صلى الله عليه وسلم ظننت أن صلاتي لم تتم.

قال الطبري في تهذيب الآثار الجزء المفقود (ص: 257): وأما الخبر الذي روي عن أبي مسعود

فإنه خبر مرسل، وذلك أن أبا جعفر لم يدرك أبا مسعود، ولا رآه، ولو كان قد أدركه ورآه لم يجز لنا تصحيحه عنه؛ إذ كان من رواية جابر الجعفي

».

والثالثة: الاختلاف فيه على جابر الجعفي، فتارة يرفعه، وتارة يوقفه.

سئل عنه الدارقطني في العلل (6/ 197)، فقال: «حدث به عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري أخو أبي مريم، عن جابر، عن أبي جعفر كذلك.

وخالفه إسرائيل، وشريك، وقيس، فرووه عن جابر، عن أبي جعفر، عن أبي مسعود: لو =

ص: 543

الدليل السابع:

(ح-1978) ما رواه الدارقطني من طريق عمرو بن شمر، عن جابر، قال: قال الشعبي: سمعت مسروق بن الأجدع، يقول:

قالت عائشة: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقبل صلاة إلا بطهور وبالصلاة عليَّ.

قال الدارقطني: عمرو بن شمر وجابر ضعيفان

(1)

.

[ضعيف جدًّا]

(2)

.

وفي الباب حديث بريدة، وهو ضعيف جدًّا، ومداره على جابر الجعفي، وهو متروك

(3)

.

الدليل الثامن:

(ث-479) روى ابن أبي شيبة بسند صحيح في المصنف، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، وأبي عبيدة،

عن عبد الله، قال: يتشهد الرجل، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو لنفسه

(4)

.

[صحيح]

(5)

.

• ويجاب:

هذا الأثر لا يدل على الوجوب لأمرين:

= صليت صلاة لم يُصَلَّ فيها على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا على أهل بيته، لرأيت أنها لا تتم. موقوفًا، وهو الصواب عن جابر».

فلو صح لكان في نفي تمام الكمال، قال ابن جرير الطبري تعليقًا على قوله: لظننت أن صلاتي لم تتم، قال: ولم يقل: كانت صلاتي فاسدة.

(1)

. سنن الدارقطني (1341).

(2)

. ومن طريق عمرو بن شمر رواه البيهقي في الخلافيات (2297).

وفي إسناده عمرو بن شمر وشيخه جابر الجعفي متروكان.

(3)

. رواه البزار في مسنده (4462)، والدارقطني في السنن (1340)، والبيهقي في الخلافيات (1765، 2298).

قال الحافظ في الفتح في كتاب الدعوات (13/ 423): أخرجه البيهقي بسند واهٍ.

(4)

. المصنف (3026).

(5)

. ومن طريق أبي الأحوص أخرجه الحاكم في المستدرك (990)، وعنه البيهقي (2/ 219).

ص: 544

الأول: أن سياقه مساق الخبر، ولم يَذْكُرْه بصيغة الأمر، فهو دليل على مشروعية التشهد، وليس ذلك محل نزاع بين العلماء.

الثاني: أنه قد صح عن ابن مسعود أنه قال: فإذا قلت ذلك -يعني التشهد- فقد قضيت ما عليك من الصلاة فإذا شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد، وقد سبق تخريجه، وهو صريح في أنه لا يرى وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

الدليل التاسع:

(ث-480) ما رواه الحسن بن علي بن شبيب المعمري حدثنا علي بن ميمون حدثنا خالد بن حيان عن جعفر بن برقان عن عقبة بن نافع،

عن ابن عمر أنه قال لا تكون صلاة إلا بقراءة وتشهد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن نسيت شيئًا من ذلك فاسجد سجدتين بعد السلام

(1)

.

[ضعيف]

(2)

.

(1)

. ذكره ابن القيم في جلاء الأفهام (ص: 330).

(2)

. فيه أكثر من علة:

الأولى: أن جعفر بن برقان لا يروي عن عقبة بن نافع، فلعله سقط من إسناده راشد الأزرق، وراشد هذا مجهول، قال البخاري في التاريخ الكبير (6/ 434): عقبة بن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، روى جعفر بن برقان، عن راشد منقطع.

وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/ 317): عقبة بن نافع سمع ابن عمر، روى جعفر بن برقان عن راشد عنه سمعت أبي يقول ذلك.

العلة الثانية: عقبة بن نافع رجل مجهول، وليس هذا عقبة بن نافع المصري الفهري، فقد فرق البخاري وابن أبي حاتم بينهما.

العلة الثالثة: أن ابن أبي شيبة قد رواه في المصنف (8714) بلفظ: سمعت ابن عمر، يقول:(ليس من صلاة إلا وفيها قراءة، وجلوس في الركعتين، وتشهد وتسليم، فإن لم تفعل ذلك سجدت سجدتين بعدما تسلم، وأنت جالس).

ولم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وسجود السهو بترك القراءة إن كان بترك الفاتحة فقد ترك ركنًا فلا يجبره سجود السهو، وإن ترك ما زاد على الفاتحة فيكون السجود لترك السنة، وقد قال به الجمهور، والله أعلم.

ص: 545

• دليل من قال: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة:

الدليل الأول:

(ح-1979) ما رواه البخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد (القطان)، عن عبيد الله (العمري)، قال: حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه،

عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال: ارجع فَصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ

وذكر الحديث وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها

(1)

.

وجه الاستدلال:

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالصلاة عليه، فدل ذلك على أنه ليس واجبًا؛ إذ لو كان واجبًا لذكره له كما ذكر له تكبيرة الإحرام، والقراءة، والركوع والسجود، والاعتدال منهما، وقد طلب الصحابي من النبي صلى الله عليه وسلم تعليمه الصلاة، فخرج الحديث مخرج البيان لما هو لازم لصحة الصلاة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

• واعترض:

بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر له التسليم، مع أن الجمهور على أنه إما فرض أو واجب وسوف يأتينا بحثه إن شاء الله تعالى.

• ورد من وجهين:

الوجه الأول:

أن التسليم في الصلاة لم يتفق على فرضيته حتى يعترض به على دلالة سقوط وجوب كل ما لم يذكر في حديث المسيء في صلاته، وقد استدل به الحنفية على صحة صلاة من أحدث قبل السلام، وبه قال سعيد بن المسيب، وقتادة وإبراهيم

(1)

. صحيح البخاري (793)، وصحيح مسلم (45 - 397).

ص: 546

النخعي وإسحاق بن راهويه، وحماد بن أبي سليمان، والضحاك والحكم، وطاوس وربيعة ومكحول، وغيرهم، فهؤلاء أئمة فيهم فقهاء، ومحدثون، كلهم يرون أن التسليم تحلل من الصلاة يقوم مقامه كل فعل منافٍ للصلاة.

الوجه الثاني:

الأصل أن كل ما لم يذكر في حديث المسيء في صلاته أنه ليس واجبًا وقت الخطاب، وذلك لا يمنع من وجوبه بعد ذلك بشرطين:

الشرط الأول: أن يقوم دليل خاص على وجوبه، فإذا لم يقم دليل خاص فالأصل عدم الوجوب تمسكًا بدلالة حديث المسيء في صلاته، ولم يقم دليل خاص على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

الشرط الثاني: إذا كان وقت الخطاب مستحبًّا ثم تغير إلى الوجوب أن يحفظ في التشريع ما يدل على أن الحكم السابق قد نسخ، كما نقل نسخ التطبيق، ونسخ موقف الإمام من الجماعة إذا كانوا ثلاثة، ونسخ جواز الكلام في الصلاة، إلى غيرها من الأحكام التي حين تغير التشريع جاءت النصوص التي تنقل للأمة أن الحكم السابق قد نسخ.

أما دعوى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ذكر له إلا ما أساء فيه، فهذا فيه نظر كبير، كيف يتصور أن يجهل الأعرابي تكبيرة الإحرام، وهو يحسن تكبيرات الانتقال، وهي أفعال من جنس واحد، وكيف يتصور أنه لا يطمئن في الركوع والسجود، وهو يحسن أذكار الركوع والسجود، مع أن كل من سبح ولو مرة واحدة في ركوعه أو في سجوده فقد لزم منه حصول ركن الاطمئنان؛ لأن الاطمئنان مقدار لطيف أقل من مقدار التسبيحة الواحدة، وكيف يتصور ألا يطمئن في الجلسة بين السجدتين وفي الوقت نفسه يحسن الاستغفار فيها، فهذا الكلام دعوى مرسلة، لا تثبت عند النقاش.

الدليل الثاني:

(ح-1980) ما رواه البخاري ومسلم من طريق الأعمش، حدثني شقيق،

عن عبد الله، قال: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على

ص: 547

الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو. هذا لفظ البخاري وأحال مسلم في لفظه على رواية سابقة

(1)

.

وجه الاستدلال:

أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر التشهد والدعاء، ولم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كانت واجبة لذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول ابن المنذر: «قوله: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) يدل على أن لا واجب بعد التشهد؛ إذ لو كان بعد التشهد واجب لعلمهم ذلك، ولم يخيرهم»

(2)

.

• وتعقب:

قال في إمتاع الأسماع: إن غاية هذا أن يكون ساكتًا عن وجوب الصلاة، فلا يكون معارضًا لأحاديث الوجوب

(3)

.

• ويجاب عن هذا:

لو كان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر التشهد فقط، لجاز أن يقال: إن سكوته عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا ينافي وجوبه بدليل آخر، أما إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم التشهد، وذكر بعده الدعاء، وكان موضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بينهما فهو صريح بتعمد ترك ذكره، ولم يعارضه دليل سالم من النزاع حتى يصح ما يقال: إنه لا يقوى على معارضة أحاديث الوجوب.

الدليل الثالث:

(ح-1981) ما رواه أحمد من طريق حيوة، قال: أخبرني أبو هانئ حميد بن هانئ، عن عمرو بن مالك الجنبي حدثنا،

(1)

. صحيح البخاري (835)، وصحيح مسلم (58 - 402).

(2)

. الأوسط (3/ 213).

(3)

. إمتاع الأسماع (11/ 104).

ص: 548

أنه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو في الصلاة، ولم يذكر الله عز وجل، ولم يُصَلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجل هذا، ثم دعاه فقال له ولغيره: إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم ليُصَلِّ على النبي، ثم ليدعُ بعد بما شاء

(1)

.

[صحيح]

(2)

.

وجه الاستدلال:

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة، فدل على أن الصلاة ليست فرضًا في الصلاة.

وقد سبق أن هذا الدليل احتج به كل من الفريقين، وقد ناقشت استدلال القائلين بالوجوب، وأن الحديث ليس حجة لهم، فانظر المناقشة في أدلة القول السابق، والله أعلم.

الدليل الرابع:

(ح-1982) روى الدارقطني في السنن ومن طريقه البيهقي من طريق شبابة ابن سوار، عن أبي خيثمة، عن القاسم بن مخيمرة قال:

أخذ علقمة بيدي قال: وأخذ عبد الله بن مسعود بيدي قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فعلمني التشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال عبد الله: فإذا قلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة فإذا شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد

(3)

.

[صحيح]

(4)

.

فهذا أثر صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه صريح بكونه لا يرى وجوب الصلاة

(1)

. المسند (6/ 18).

(2)

. سبق تخريجه، انظر (ح 1975).

(3)

. رواه الدارقطني في السنن (1335)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 248).

(4)

. سبق تخريجه، ولله الحمد، انظر:(ح 1956).

ص: 549

على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي قول ابن مسعود مرفوعًا، ولا يصح، وسبق تخريج ذلك.

الدليل الخامس:

(ح-1983) ما رواه البخاري حدثنا آدم، حدثنا الحكم، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال:

لقيني كعب بن عجرة، فقال: ألا أهدي لك هدية؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: فقولوا: اللهم صَلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد

(1)

.

ورواه مسلم من طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة به بمثله

(2)

.

وجه الاستدلال:

لو كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في الصلاة لابتدأهم بالأمر بها، ولم يؤخر ذلك إلى سؤالهم مع حاجتهم إلى تصحيح صلاتهم؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

• الراجح:

أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست واجبة، وأنها من السنن المؤكدة، والله أعلم.

* * *

(1)

. صحيح البخاري (6357).

(2)

. وصحيح مسلم (66 - 406).

ص: 550