المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول في حكم التشهد الأول والجلوس له - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٤

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث السادس أقل الكمال في التسبيح

- ‌المبحث السابع كراهة قراءة القرآن في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثامن حكم الدعاء في الركوع والسجود

- ‌الباب الثامن في أحكام الرفع من الركوع

- ‌الفصل الأول حكم الرفع من الركوع والسجود

- ‌الفصل الثاني في مشروعية التسميع والتحميد

- ‌المبحث الأول في وقت ابتداء التسميع والتحميد

- ‌المبحث الثاني في مشروعية التسميع للإمام

- ‌المبحث الثالث حكم التحميد للإمام

- ‌المبحث الرابع حكم التسميع والتحميد للمأموم

- ‌المبحث الخامس حكم التسميع والتحميد للمنفرد

- ‌الفصل الثالث في رفع اليدين للرفع من الركوع

- ‌المبحث الأول في مشروعية الرفع

- ‌المبحث الثاني في صفة رفع اليدين

- ‌المبحث الثالث في منتهى رفع اليدين

- ‌الباب التاسع أحكام الاعتدال في الصلاة

- ‌الفصل الأول في حكم الاعتدال من الركوع والسجود

- ‌الفصل الثاني في حكم الزياده على التسميع والتحميد

- ‌الفصل الثالث في قبض اليسرى باليمنى بعد الرفع من الركوع

- ‌الفصل الرابع في صيغ التحميد المشروعه

- ‌الفصل الخامس في تطويل مقدار الاعتدال من الركوع

- ‌الباب العشر في أحكام السجود

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول في تعريف السجود

- ‌المبحث الثاني في مقام السجود من العبادة

- ‌الفرع الأول في فضل السجود

- ‌الفرع الثاني في تفضيل كثرة السجود على طول القيام

- ‌الفصل الأول في حكم السجود

- ‌الفصل الثاني في صفة السجود

- ‌المبحث الأول في صفة التجزئة

- ‌الفرع الأول في وجوب الطمأنينة في السجود

- ‌الفرع الثاني في الأعضاء التي يجب السجود عليها

- ‌المسألة الأولى في حكم السجود على الجبهة

- ‌المسألة الثانية حكم السجود على الأنف

- ‌المسألة الثالثة حكم السجود على الكفين والركبتين والقدمين

- ‌المسألة الرابعة في حكم رفع الذراعين عن الأرض في السجود

- ‌المبحث الثاني في صفة السجود الكاملة

- ‌الفرع الأول في السنن القولية

- ‌المسألة الأولى في مشروعية التكبير للسجود

- ‌المسألة الثانية في صفة التكبير للسجود

- ‌المسألة الثالثة في حكم التسبيح في السجود

- ‌مطلبفي بعض أذكار السجود الواردة في الصلاة

- ‌الفرع الثاني في سنن السجود الفعلية

- ‌المسألة الأولى في صفة الهوي للسجود

- ‌المسألة الثانية في رفع الأيدي إذا كبر للسجود أو رفع منه

- ‌المسألة الثالثة السنة في موضع الكفين حال السجود

- ‌المسألة الرابعة في استحباب ضم أصابع يديه في السجود وتوجهها إلى القبلة

- ‌المسألة الخامسة في الهيئة المستحبة في سجود القدمين

- ‌المسألة السادسة في استحباب المجافاة في السجود

- ‌المطلب الأول في استحباب مجافاة العضدين عن الجنبين

- ‌المطلب الثاني في استحباب مجافاة الفخذين عن البطن

- ‌المطلب الثالث في مجافاة المرأة

- ‌المطلب الرابع في المجافاة بين الفخذين وكذا الركبتين

- ‌المطلب الخامس في المجافاة بين القدمين

- ‌الفصل الثالث في تعذر السجود على أحد الأعضاء السبعة

- ‌المبحث الأول إذا قدر على السجود بالوجه وعجز عن الباقي

- ‌المبحث الثاني إذا تعذر السجود بالجبهة وقدر على الباقي

- ‌المبحث الثالث إذا تعذر السجود بالجبهة والأنف وقدر على الباقي

- ‌الفصل الرابع في السجود على الحائل

- ‌المبحث الأول في السجود على حائل منفصل عن المصلى

- ‌المبحث الثاني في السجود على حائل متصل بالمصلي

- ‌الفرع الأول في السجود على عضو من أعضاء المصلي

- ‌الفرع الثاني في السجود على حائل متصل ليس من أعضاء المصلي

- ‌المسألة الأولى في مباشرة الأرض بالقدمين والركبتين في السجود

- ‌المسألة الثانية في مباشرة الأرض باليدين حال السجود

- ‌المسألة الثالثة في مباشرة الأرض بالجبهة حال السجود

- ‌الباب الحادي عشر في الرفع من السجود

- ‌الفصل الأول في مشروعية التكبير للرفع من السجود

- ‌الفصل الثاني في وقت ابتداء التكبير للرفع من السجود

- ‌الفصل الثالث في رفع اليدين مع الرفع من السجود

- ‌الفصل الرابع في حكم الرفع من السجود

- ‌الباب الثاني عشر في الاعتدال من السجود

- ‌الفصل الأول في ركنية الجلوس بين السجدتين

- ‌الفصل الثاني في صفة الجلوس في الصلاة

- ‌الفصل الثالث في النهي عن الإقعاء في الصلاة

- ‌الفصل الرابع في مشروعية الذكر بين السجدتين وفي حكمه وصيغته

- ‌الفصل الخامس صفة وضع اليدين إذا جلس بين السجدتين

- ‌الفصل السادس في وجوب السجده الثانية في الصلاة

- ‌الباب الثالث عشر في النهوض للركعة الثانية

- ‌الفصل الأول في مشروعية جلسة الاستراحة قبل القيام

- ‌الفصل الثاني في صفة النهوض إلى الركعة الثانية

- ‌الباب الرابع عشر في الفروق بين الركعة الأولى وسائر الركعات

- ‌الفصل الأول في تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الثاني لا يشرع الاستفتاح في الركعة الثانية

- ‌الفصل الثالث لا يستعيذ في الركعة الثانية إذا استعاذ في الركعة الأولى

- ‌الفصل الرابع لا يجدد النية للركعة الثانية

- ‌الفصل الخامس في أطالة الركعة الأولى على سائر الركعات

- ‌الباب الخامس عشر في الأحكام الخاصة بالتشهد

- ‌الفصل الأول في حكم التشهد الأول والجلوس له

- ‌الفصل الثاني حكم التشهد الأخير

- ‌الفصل الثالث في ألفاظ التشهد

- ‌الفصل الرابع في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد

- ‌المبحث الأول في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول

- ‌المبحث الثاني في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني

- ‌الفصل الخامس في صفة الكفين في التشهد

- ‌الفصل السادس في تحريك السبابة بالتشهد

- ‌الفصل السابع الدعاء في التشهد

- ‌المبحث الأول في التعوذ بالله من أربع

- ‌المبحث الثاني في صفة الدعاء في الصلاة

- ‌الباب السادس عشر التسليم في الصلاة

- ‌الفصل الأول حكم التسليم

- ‌الفصل الثاني في حكم زيادة (ورحمة الله) في التسليم

الفصل: ‌الفصل الأول في حكم التشهد الأول والجلوس له

‌الباب الخامس عشر في الأحكام الخاصة بالتشهد

‌الفصل الأول في حكم التشهد الأول والجلوس له

المدخل إلى المسألة:

• ترك النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يجتهدون في ألفاظ التشهد، ولم يرشدهم إلى قول التحيات إلا حين وقعوا في الخطأ، وفي هذا دليل على عدم وجوب التشهد.

• قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على الله

ولكن قولوا: التحيات لله المقصود من الحديث النهي عن الخطأ، وليس الإلزام بالتشهد كقوله صلى الله عليه وسلم: لا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل.

• الأمر إذا تسبب فيه المأمور إما بالسؤال وإما بالتعبد بما لا يشرع، فجاء الأمر من الشارع بالصواب لم يكن الأمر دالًا على الوجوب.

• تشبيه تعليم التشهد كتعليم السورة من القرآن لا يدل على الوجوب؛ لأن هذا التشبيه قيل في تعليم الاستخارة، وهي ليست واجبة إجماعًا وقيل في تعليم الاستعاذة بالله من أربع في التشهد الأخير، والراجح فيها عدم الوجوب.

• لم يذكر التشهد في حديث المسيء صلاته، ولو كان واجبًا لذكره؛ وحديث المسيء صلاته عند أكثر الفقهاء خرج مخرج البيان لما هو لازم لصحة الصلاة.

[م-671] اتفق العلماء على مشروعية التشهد الأول والجلوس له، واختلفوا في حكمهما، أهما واجبان، أم سنتان، أم ركنان، أم أن أحدهما واجب، والآخر سنة، على النحو التالي.

فقيل: الجلسة والتشهد الأول واجبان وهو الأصح في مذهب الحنفية،، وهو

ص: 472

المعتمد في مذهب الحنابلة، وبه قال جمهور المحدثين، واختاره داود، وحكى اللخمي قولًا بوجوب التشهد الأول

(1)

.

قال اللخمي في التبصرة: «والجلسة الأولى سنة، وقيل: فرض، ويجزئ فيها سجود السهو»

(2)

.

وتعقبه المازري في التلقين قائلًا: «أشار إلى أن هذا الاختلاف الذي ذكره إنما هو مقصور على الجلوس خاصة، فإن كان أراد أن الاختلاف واقع في المذهب فإني لم أقف عليه. وإن كان أراد اختلاف الناس فإن اختلافهم إنما وقع في الجلوس والتشهد جميعًا على حسب ما حكيناه»

(3)

.

ويلزم من وجوب التشهد وجوب الجلوس له تبعًا، لأن حكم الظرف حكم المظروف لا ينفك عنه، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وقال في كنز الدقائق: «وواجبها -يعني الصلاة- قراءة الفاتحة

والقعود الأول، والتشهد

»

(4)

.

وجاء في نور الإيضاح في معرض ذكره لواجبات الصلاة: «والقعود الأول، وقراءة التشهد فيه في الصحيح»

(5)

.

قال في شرحه مراقي الفلاح: «وقوله: (في الصحيح) متعلق بكل من القعود

(1)

. في مذهب الحنفية ثلاثة أقوال: الأول: وجوبهما، والثاني. سنيتهما. والثالثة: وجوب القعدة وسنية التشهد. انظر: مراقي الفلاح (ص: 94)، بدائع الصنائع (1/ 163)، العناية شرح الهداية (1/ 504)، البحر الرائق (1/ 317، 318)، ملتقى الأبحر (ص: 132)، حاشية ابن عابدين (1/ 465، 466)، الهداية لأبي الخطاب (ص: 87)، شرح الزركشي على الخرقي (1/ 586)، المبدع (1/ 443)، الإنصاف (2/ 115)، شرح منتهى الإرادات (1/ 219)، كشاف القناع (1/ 390).

(2)

. التبصرة للخمي (1/ 417)، ويقصد بالفرض: الواجب؛ لجبره بالسجود، ولو قصد الركنية لما اكتفى بالسجود، وانظر: حاشية الدسوقي (1/ 243)، حاشية العدوي على الخرشي (1/ 276)، شرح التلقين (2/ 542).

(3)

. شرح التلقين (2/ 542).

(4)

. كنز الدقائق (ص: 160).

(5)

. نور الإيضاح ونجاة الأرواح (ص: 75).

ص: 473

وتشهده، وهو احتراز عن القول بسنتيهما، أو سنية التشهد وحده»

(1)

.

وجاء في مجمع الأنهر: «وعليه المحققون من أصحابنا، وهو الأصح كما في المحيط، وصرح به صاحب الهداية في باب سجود السهو»

(2)

.

وإطلاق بعض الحنفية اسم السنة عليهما، قال الكاساني:«إما لأن وجوبها عرف بالسنة فعلًا، أو لأن السنة المؤكدة في معنى الواجب»

(3)

.

قال في النهر الفائق: «وهذا يقتضي رفع الخلاف»

(4)

.

وقيل: كلاهما سنة، وهو المذهب عند المالكية والشافعية، واختار ذلك الكرخي والطحاوي من الحنفية، وهو رواية عن أحمد

(5)

.

(1)

. مراقي الفلاح (ص: 94).

(2)

. مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (1/ 89).

(3)

. بدائع الصنائع (1/ 163).

(4)

. النهر الفائق (1/ 199).

(5)

. وعلل ابن نجيم في البحر الرائق (1/ 317) وجوب القعود الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه جميع العمر، وهذا يدل على الوجوب .... وعند الطحاوي والكرخي هي سنة .. ». وانظر تبيين الحقائق (1/ 106).

ونقل الزرقاني في شرحه على خليل (1/ 362) عن ابن بزيزة ثلاثة أقوال في التشهدين المشهور أنهما سنتان.

وقيل: فضيلتان. وقيل: الأول: سنة، والثاني: فريضة. اهـ وترك قولًا آخر حكاه اللخمي، وهو وجوب الجلوس للتشهد الأول. وانظر: روضة المستبين في شرح التلقين (1/ 334).

وقيل: الخلاف بين السنية والفضيلة إنما يتعلق بلفظ التشهد الوارد، وأما أصل التشهد بأي لفظ كان فلا خلاف في أنه سنة. انظر: أسهل المدارك (1/ 209).

والفرق بين السنة والفضيلة وجوب السجود لترك السنة سهوًا عند المالكية بخلاف الفضيلة، والسنن التي يسجد لتركها ثمان سنن عند المالكية، راجعها في لوامع الدرر (2/ 216).

وانظر: الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 243)، جامع الأمهات (ص: 93)، مختصر خليل (ص: 32)، التاج والإكليل (2/ 224)، شرح الخرشي (1/ 276)، التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 328)، عقد الجواهر الثمينة (1/ 96)، الذخيرة للقرافي (2/ 225)، روضة الطالبين (1/ 223)، منهاج الطالبين (ص: 28)، تحفة المحتاج (2/ 79)، مغني المحتاج (1/ 377)، نهاية المحتاج (1/ 520)، المغني لابن قدامة (1/ 362)، الإنصاف (2/ 115).

ص: 474

جاء في منهاج الطالبين: «التشهد وقعوده إن عقبهما سلام ركنان وإلا فسنتان»

(1)

.

وقيل: القعدة الأولى واجبة، والتشهد فيها سنة، اختاره بعض الحنفية

(2)

.

جاء في البحر الرائق: «واختار جماعة سنية التشهد في القعدة الأولى للفرق بين القعدتين؛ لأن الأخيرة لما كانت فرضًا كان تشهدها واجبًا، والأولى لما كانت واجبة كان تشهدها سنة»

(3)

.

وقيل: كلاهما ركن، وهو رواية عند الحنابلة

(4)

.

ذكر في الإنصاف واجبات الصلاة، فذكر منها:«(والتشهد الأول، والجلوس له) هذا المذهب، وعليه الأصحاب، وعنه ركن، وعنه سنة»

(5)

.

هذا مجمل الأقوال، وإليك ما يمكن أن يقال في أدلتها، والراجح منها:

• دليل من قال كلاهما التشهد والجلوس واجبان:

الدليل الأول:

(ح-1941) ما رواه البخاري ومسلم من طريق الأعمش، حدثني شقيق،

عن عبد الله، قال: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم يتخير من الدعاء

(1)

. منهاج الطالبين (ص: 28).

(2)

. جاء في الجوهرة النيرة (1/ 50): ومن الواجبات أيضًا القعدة الأولى، وقراءة التشهد في القعدة الأخيرة». فخص الوجوب في قراءة التشهد في القعدة الأخيرة. وانظر: العناية شرح الهداية (1/ 504).

(3)

. البحر الرائق (1/ 318)،.

(4)

. الإنصاف (2/ 115).

(5)

. المرجع السابق.

ص: 475

أعجبه إليه، فيدعو. هذا لفظ البخاري وأحال مسلم في لفظه على رواية سابقة

(1)

.

ورواه البخاري ومسلم من طريق جرير، عن منصور، عن أبي وائل،

عن عبد الله رضي الله عنه، قال: كنا نقول في الصلاة: السلام على الله، السلام على فلان، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: إن الله هو السلام، فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله -إلى قوله- الصالحين، فإذا قالها أصاب كل عبد لله في السماء والأرض صالح، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله، ثم يتخير من الثناء ما شاء

(2)

.

(ح-1942) وروى النسائي من طريق ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن زيد بن أبي أنيسة الجزري حدثه، أن أبا إسحاق حدثه، عن الأسود وعلقمة،

عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعلم شيئًا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا في كل جلسة: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله

(3)

.

[أبو إسحاق لم يسمع من علقمة شيئًا]

(4)

.

وجه الاستدلال:

قوله صلى الله عليه وسلم: (قولوا التحيات

) فأمرهم بالتشهد، والأصل في الأمر الوجوب.

• وقد يناقش من وجهين:

الوجه الأول:

الأمر بالتحيات لم يكن موجهًا للمكلف ابتداء، حتى يستفاد من صيغته

(1)

. صحيح البخاري (835)، وصحيح مسلم (58 - 402).

(2)

. صحيح البخاري (6328)، وصحيح مسلم (55 - 402).

(3)

. النسائي (1161)، وفي الكبرى (756)،.

(4)

. والحديث أخرجه الطبراني في الأوسط (6521)، وأبو العباس السراج في حديثه (729)، وغيرهما من طريق ابن وهب به.

قال الدارقطني: وكل الأقاويل صحاح عن أبي إسحاق إلا ما قال زيد بن أبي أنيسة من ذكر علقمة، فإن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة شيئًا.

ص: 476

الوجوب وإنما أمرهم تصحيحًا لفعلهم، فلا يفيد الوجوب، ورواية أبي إسحاق وقع فيها اختصار، وقد عنى بقوله:(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعلم شيئًا) كالاعتذار مما كانوا يفعلونه مخالفًا للسنة، كما في حديث: إذا عثرت الدابة فلا تقل: تعس الشيطان فإنه يتعاظم

ولكن قل باسم الله.

فالأمر بالتسمية لا يفيد الوجوب. وكلام جمهور الأصوليين بأن الأصل في الأمر الوجوب إنما هو في الأمر المجرد، أما إذا كان الأمر قد تسبب فيه المأمور، كأن يفعل خطأ فيؤمر بالصواب، أو يسأل فيأتيه الجواب على سؤاله بصيغة الأمر فليست صريحة في الوجوب، والله أعلم.

الوجه الثاني:

أنه ذكر مع التشهد الدعاء، والتشهد الأوسط لا دعاء فيه على الصحيح، فقد يكون ذلك قرينة على أنه عنى به التشهد الأخير، والخلاف في وجوبه أقوى من الخلاف في وجوب التشهد الأول، أو أن ذكر الدعاء فيه ليس محفوظًا، والله أعلم.

الدليل الثاني:

(ح-1943) ما رواه مسلم من طريق أبي عوانة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال: صليت مع أبي موسى الأشعري صلاةً

فذكر قصة، وفيه:

قال أبو موسى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا، فبين لنا سنَّتنا، وعلمنا صلاتنا. فقال: صلى الله عليه وسلم: إذا صليتم، فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذ قال {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7]، فقولوا: آمين، يجبكم الله .... وذكر الحديث وفيه: وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .... الحديث

(1)

.

وجه الاستدلال:

قوله: (فليكن من أول قول أحدكم التحيات

) وهذا أمر بالتحيات،

(1)

. صحيح مسلم (62 - 404).

ص: 477

والأصل في الأمر الوجوب.

• ويجاب:

بأن هذا الحديث اشتمل على أوامر منها ما هو متفق على استحبابه كالتأمين، ومنها ما هو محل خلاف، والراجح فيه عدم الوجوب كتكبيرات الانتقال وتسوية الصف، فلو كانت الأوامر في هذا الحديث مقتصرة على الأمور الواجبة لكانت دلالته على وجوب التشهد محل تسليم، فأما القول بأن الأمر في التأمين للسنة، والأمر بالتشهد للوجوب في دليل واحد، فهذا تحكم.

الدليل الثالث:

(ح-1944) ما رواه مسلم من طريق الليث، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، وعن طاوس،

عن ابن عباس، أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول: التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله

(1)

.

ورواه مسلم من طريق عبد الرحمن بن حميد، حدثني أبو الزبير، عن طاوس،

عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد، كما يعلمنا السورة من القرآن

(2)

.

وجه الاستدلال:

تشبيه تعلم التشهد بتعليم السورة من القرآن، وإذا كانت القراءة في الصلاة فرضًا، فكذلك التشهد.

• ويناقش من وجهين:

الوجه الأول:

بأن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن لا يدل

(1)

. صحيح مسلم (60 - 403).

(2)

. صحيح مسلم (61 - 403).

ص: 478

على الوجوب؛ لأن القرآن في الصلاة منه ما هو ركن كالفاتحة، والتشهد الأول ليس بركن، ومنه ما هو سنة، وهو قراءة غير الفاتحة، فالشبه لا يفيد الوجوب؛ ولأن السورة من القرآن تعلمها ليس واجبًا فكذلك التشهد،

وردت هذه الصيغة بما هو مجمع على عدم وجوبه، كتعليم الاستخارة، أو بما هو الراجح فيه عدم الوجوب كالاستعاذة بالله من أربع في التشهد الأخير.

(ح-1945) فقد روى البخاري من طريق عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن محمد بن المنكدر،

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن .... الحديث

(1)

.

(ح-1946) وروى مسلم من طريق مالك بن أنس، فيما قرئ عليه، عن أبي الزبير، عن طاوس،

عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات

(2)

.

(ح-1947) وروى أحمد من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من شر المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات

(3)

.

الوجه الثاني:

أن المقصود بالتشبيه الحرص على التقيد بلفظ التشهد من غير زيادة ولا نقص ولا استبدال ألفاظه بأخرى، فهذا لا يدل على الوجوب؛ لأن كل ذكر مقيد لا يتجاوز به الصفة الواردة، قياسًا على التكبير في الصلاة وأدعية الاستفتاح، بخلاف الذكر

(1)

. صحيح البخاري (2/ 57).

(2)

. صحيح مسلم (134 - 590).

(3)

. انظر تخريج الحديث في مسألة التعوذ بالله من أربع من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 479

المطلق؛ لقول النبي للصحابي الذي قال: آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت، فقال له النبي: قل: وبنبيك الذي أرسلت.

الدليل الرابع:

(ح-1948) ما رواه مسلم من طريق حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء،

عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة، بـ {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} ، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يُصَوِّبْهُ ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد، حتى يستوي قائمًا، وكان إذا رفع رأسه من السجدة، لم يسجد حتى يستوي جالسًا، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى

الحديث

(1)

.

وجه الاستدلال:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على فعل التشهد الأول في صلاته، ولم ينقل أنه أَخَلَّ به مرة واحدة متعمدًا.

(ح-1949) وقد روى البخاري من حديث مالك بن الحويرث، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لهم: صلوا كما رأيتموني أصلي.

رواه البخاري ومسلم من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث

(2)

.

والفعل إذا كان بيانًا للمجمل أخذ حكم ذلك المجمل، والله أعلم.

• ويناقش:

سبق لنا مناقشة صلاحية حديث مالك بن الحويرث على الاستدلال به على أن الأصل في جميع أفعال الصلاة الوجوب، وبينت أن حديث مالك بن الحويرث إذا أخذ مفردًا عن ذكر سببه وسياقه أشعر بأنه خطاب للأمة بأن يصلوا كما رأوه يصلي،

(1)

. صحيح مسلم (240 - 498).

(2)

. صحيح البخاري (631)، وصحيح مسلم (292 - 674).

ص: 480

فيقوى الاستدلال بهذه الطريقة على أن الأصل في جميع أفعال الصلاة الوجوب إلا بدليل، فتكون أفعاله في الصلاة بيانًا لهذا الأمر المجمل:(صلوا كما رأيتموني أصلي)، ومثله حديث: لتأخذوا عني مناسككم، وتكون الرؤية في الحديث يقصد بها العلم، أي صلوا كما عَلِمْتُمُوِني أصلي.

وإذا أخذنا حديث مالك بن الحويرث في سياق قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم وجلوسه عنده ما يقارب العشرين يومًا، وهو يصلي معه، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم حين مصرفهم منه أن يصلوا كما رأوه يصلي، كانت الرؤية في حق مالك ومن كان معه رؤية بصرية.

ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه طيلة العشرين يومًا صلاة تامة بفروضها وسننها، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقتصر في صلاته على الفروض دون السنن، فالاستدلال بمثل هذا الأمر العام المشتمل على أحوال وهيئات، وصفات وأقوال، أحكامها مختلفة، لا يمكن أن يستدل على وجوبها بهذا العموم، إلا لو كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اقتصر على الواجبات دون السنن طيلة بقاء مالك بن الحويرث في زيارته للمدينة، وإذ لا يمكن دعوى ذلك فلا ينهض الحديث دليلًا على وجوب أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، غاية ما يفيده حديث (صلوا كما رأيتموني أصلي) على مشروعية جميع ما رآه مالك مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في صلاته طيلة مقامه عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأما دليل الركنية أو الوجوب فتؤخذ من أدلة أخرى، فالمقطوع به هو الاستحباب، ولا يصرف عن ذلك إلا بقرينة؛ ولأن الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة الاستحباب، والله أعلم.

الدليل الخامس:

(ح-1950) ما رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق، حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع، عن أبيه،

عن عمه رفاعة بن رافع، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة - قال: إذا أنت قمت في صلاتك، فكبر الله تعالى، ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن، وقال فيه: فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن، وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد، ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ من صلاتك

(1)

.

(1)

. سنن أبي داود (860).

ص: 481

[ذكر التشهد في الحديث شاذ]

(1)

.

• دليل من قال: ليس بواجب:

الدليل الأول:

الأصل عدم الوجوب إلا بدليل صريح خال من النزاع، والأحاديث التي ساقها أصحاب القول الأول لم تسلم من المناقشة، والله أعلم.

الدليل الثاني:

(ح-1951) ما رواه البخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد (القطان)، عن عبيد الله (العمري)، قال: حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه،

عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال: ارجع فَصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ

وذكر الحديث وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم

(1)

. أخرجه أبو داود (860)، وابن خزيمة (597، 638)، والطبراني في الكبير (5/ 39) ح: 4528، والبيهقي في السنن (1/ 133، 134) وهذا الإسناد موافق لرواية الأكثر، ولم يذكر محمد بن إسحاق الوضوء في لفظه، وقد اختصره أبو داود وابن خزيمة، وأما الطبراني فقد ذكره بتمامه.

كما أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 243) من طريق محمد بن إسحاق، إلا أنه قال: عن علي بن يحيى بن خلاد، حدثني زريق، عن أبيه، عن عمه رفاعة، واختصر الحديث، وهو خطأ فزريق نسب لعلي بن يحيى بن خلاد، وانظر إتحاف المهرة (4/ 512).

ولفظه عند الطبراني: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل رجلٌ من الأنصار بعد أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة فصلى، ثم أقبل فسلم عليه، فقال: وعليك السلام، ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ، قال: يا رسول الله! قد جهدت فبين لي، قال: إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله، ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن، ثم إذا أنت ركعت فأثبت يديك على ركبتيك حتى يطمئن كل عظم منك، ثم إذا رفعت رأسك فاعتدل حتى يرجع كل عظم منك، ثم إذا سجدت فاطمئن حتى يعتدل كل عظم منك، ثم إذا رفعت رأسك فاثبت حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم مثل ذلك؛ فإذا جلست في وسط صلاتك فاطمئن، وافترش فخذك اليسرى، ثم تشهد، ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ من صلاتك.

وقد انفرد محمد بن إسحاق عن سائر الرواة بالآتي:

1 -

الافتراش في وسط الصلاة عند التشهد الأول.

2 -

ذكر التشهد الأول.

وقد سبق لي دراسة هذا الحديث وجمع طرقه، انظر ح (1187).

ص: 482

اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها

(1)

.

وجه الاستدلال:

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالتشهد، فدل على أنه ليس واجبًا؛ إذ لو كان واجبًا لذكره له كما ذكر له تكبيرة الإحرام، والقراءة، والركوع والسجود، والاعتدال منهما، وقد طلب الصحابي من النبي صلى الله عليه وسلم تعليمه الصلاة، فخرج الحديث مخرج البيان لما هو لازم لصحة الصلاة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

• واعترض:

بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر له التسليم، مع أن الجمهور على أنه إما فرض أو واجب وسوف يأتينا بحثه إن شاء الله تعالى.

الدليل الثالث:

(ح-1952) ما رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من طريق يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن الأعرج،

عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه، أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر لم يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، ثم سلم بعد ذلك

(2)

.

وجه الاستدلال:

ترجم له البخاري بقوله: باب من لم ير التشهد الأول واجبًا. اهـ

وقالوا في جه الاستدلال: لا يخلو إما أن يكون هذا الجلوس يسقط بالنسيان، أو لا.

فإن قالوا: لا يسقط خالفوا السنة الثابتة. وإن قالوا: يسقط فنقول: كل ما سقط بالنسيان لا يكون واجبًا، قياسًا على سائر المسنونات، ولو تذكر الإمام أنه قام عنه وأمكنه الرجوع إليه لم يرجع إلى التشهد. وهذا دليل على ضعف مأخذ الوجوب.

ثم يقال: الإمام معذور بالنسيان، فما بال المأموم يتبع إمامه في تركه للتشهد،

(1)

. صحيح البخاري (793)، وصحيح مسلم (45 - 397).

(2)

. صحيح البخاري (1225)، وصحيح مسلم (87 - 570).

ص: 483

وهو غير معذور بالنسيان؟

فلو كان التشهد واجبًا لقيل للمأموم تشهد والحق بالإمام إن كان يمكنك ذلك، وإلا فأنت معذور بتخلفك عن الإمام؛ لأن المأموم لا يترك جزءًا من صلاته لواجب المتابعة إلا أن يكون ذلك الجزء ليس واجبًا، فالمتابعة واجبة للصلاة والتشهد واجب فيها، وما كان واجبًا فيها كان أولى بالمراعاة، و إنما تجب المتابعة إذا لم يترتب عليها الإخلال بواجباتها.

فإن قيل: إن كان مسنونًا فلماذا يجبر بسجود السهو؟ فالجبر لا يكون إلا لترك واجب قياسًا على ترك واجبات الحج، فإن تركه لا يبطل الحج، ويجب له الجبر على قول جمهور العلماء.

فالجواب: جبره بسجود السهو، إن كان المصلي قد أمر به من قبل الشارع، فالأصل في الأمر الوجوب. أو كان هناك إجماع على أن سجود السهو لا يصح فعله لترك السنن، فيكون سجود النبي صلى الله عليه وسلم للسهو دليلًا على وجوب التشهد.

ولا أعلم دليلًا يأمر المصلي بالسجود إذا ترك التشهد الأول، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على الوجوب، وإنما المحفوظ هو السجود للسهو تأسيًا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا وحده لا يكفي دليلًا على وجوب التشهد، وليس هناك إجماع بأن المصلي لا يسجد لترك السنن المؤكدة في الصلاة حتى يقال: إن سجود النبي صلى الله عليه وسلم دليل على وجوب التشهد، والجمهور قالوا يسجد للسهو لترك السنن على خلاف بينهم في هذه السنن إلا الحنفية فإنهم قالوا: لا يشرع سجود السهو لترك السنن.

فالحنابلة في المعتمد يقولون بمشروعية سجود السهو إذا أتى بسنة قولية في غير موضعها، ويباح السجود لترك سنة قولية.

والشافعية يرون مشروعية سجود السهو إذا ترك من السنن ما هو من أبعاض الصلاة كالقنوت، والتشهد الأول، والقعود له.

والمالكية يرون مشروعية سجود السهو إذا ترك سنة مؤكدة، فلم يكن سجود السهو لترك التشهد دليلًا على وجوب التشهد عند جمهور العلماء بما فيهم الحنابلة القائلون بوجوب التشهد الأول، وزيادة السجود في الصلاة إذا وجد المقتضي

ص: 484

ولو كان المقتضي سنة لا يبطل الصلاة، فهذا سجود التلاوة في الصلاة زيادة في الصلاة، وفعله في الصلاة لا يدل على وجوب سجود التلاوة، فسجود التلاوة سنة، لا فرق في حكمه بين أن يكون خارج الصلاة أو داخلها.

• ويجاب:

الحقيقة أن حديث ابن بحينة يمكن الاستدلال به لكل من القولين مما يوسع دائرة الخلاف في هذه المسألة.

ومتابعة المأموم للإمام إذا نسي التشهد لا يستفاد منها أن التشهد ليس بواجب؛ لأن المتابعة في الصلاة أوجب حتى ولو أحدثت زيادة في صلاة المأموم لولا وجوب المتابعة لأبطلت صلاته، فهذا المسبوق بركعة إذا دخل مع إمامه، فإذا صلى ركعة مع الإمام جلس الإمام للتشهد الأول؛ فجلس المأموم معه متابعة، مع أن جلوس المأموم ليس هذا موضعه، وإنما اغتفر للمتابعة، وقل مثل ذلك في بقية الركعات. وربما جلس المأموم أربع تشهدات في الصلاة من أجل المتابعة، فلا يمكن اعتبار متابعة المأموم لإمامه دليلًا على أن التشهد الأول ليس واجبًا.

وترك الرجوع للتشهد إذا استتب قائمًا، ليس عندنا في السنة إلا حديث ابن بحينة، وهو فعل، وليس من السنة القولية، فقد يقال: إن الواجب إذا فارقه الإمام لا يرجع إليه، كما يذهب إلى هذا الحنابلة.

وقد يقال: إن عدم الرجوع إليه دليل على عدم وجوبه، ولو وجد سنة قولية أو أدلة أخرى للمسألة تحسم الخلاف لأمكن ترجيح أحد القولين.

والسجود لترك التشهد الأول ليس حاسمًا في الاستدلال به على وجوب التشهد، ولا على عكسه؛ لأن جمهور الفقهاء بما فيهم الحنابلة لا يقصرون السجود على ترك الأركان والواجبات، وإذا كان يمكن السجود لترك السنن لم يكن السجود حاسمًا في بيان وجوب التشهد أو سنيته، والله أعلم.

• دليل من قال: الجلوس والتشهد ركنان:

أن الجلوس للتشهد الأول جزء من ماهية الصلاة، فحقيقة الصلاة قيام، وركوع، وسجود، وقعود، فهذه أبعاض الصلاة التي تقوم عليها الماهية، والجلوس للتشهد أولى بالركنية من القول بركنية ما بين السجدتين؛ لأن الجلوس للتشهد

ص: 485

مقصود لذاته، والجلوس بين السجدتين شرع للفصل بين السجدتين.

• ويناقش:

الأركان إذا تركت لابد من القيام بها، ولا يكتفى بجبرها بسجود السهو، فلما لم يرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى التشهد الأول حين تركه، وصحت الركعة الثالثة والرابعة مع سقوطه كان ذلك دليلًا على عدم وجوبه، ولهذا القائلون بأن التشهد الأخير فرض لا يرون سقوطه بالنسيان، ولا تقوم سجدتا السهو مقامه.

• دليل من قال: الجلوس واجب والتشهد سنة:

هذا القول يذهب إلى أن الجلوس للتشهد أهم من التشهد، فالجلوس جزء من أبعاض الصلاة، كالجلسة بين السجدتين، وأما التشهد فهو ملحق بالأذكار، وأذكار الصلاة لا تجب على الصحيح كالاستفتاح والتسبيح في الركوع والسجود، وسؤال المغفرة بين السجدتين، فكذلك التشهد الأول، والله أعلم.

• الراجح من الخلاف:

الخلاف قوي جدًّا، والأدلة فيها محتملة، وهذا الأمر يكون لصالح القول بعدم الوجوب؛ لأن الاحتياط عدم القول بالوجوب إلا في دليل صريح، يرجح ذلك حديث المسيء صلاته حيث لم يذكر له التشهد، إلا أنه ينبغي ألا يغامر المصلي فيترك التشهد الأول للقول بسنيته، فالصلاة أعظم أركان الإسلام العملية، وليخرج المصلي من صلاته بيقين وأنه خرج من العهدة، وإذا تركه ساهيًا سجد للسهو، ويبقى الاجتهاد فيما لو نسي سجود السهو، وطال الفصل، هل يعيد الصلاة للقول بوجوبه، أو لا يعيد الصلاة للقول بسنيته، هذا موضع اجتهاد، وتكليف الناس بالإعادة يحتاج إلى دليل أقوى، والله أعلم.

* * *

ص: 486