الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني حكم التشهد الأخير
المدخل إلى المسألة:
• الصلاة أفعال وأقوال، والأفعال كلها أركان إلا القعدة الأولى وجلسة الاستراحة، وأما الأقوال فيتفقون على ركنية التكبيرة الأولى والقراءة، والجمهور على تَعَيُّن الفاتحة خلافًا للحنفية.
• الراجح في أذكار الركوع والسجود وما بين السجدتين أنها من السنن، وهو قول الجمهور خلافًا للحنابلة.
• التشهد متردد بين الركنية فيلحق بتكبيرة الإحرام، وبين السنية فيلحق بأذكار الركوع والسجود، وبين التوسط وذلك بإلحاقه بالواجبات، وكلها قد قيل بها.
• لا يصح التفريق بين التشهد الأول والأخير، وقد سوَّى بينهما النبي صلى الله عليه وسلم في عدم ذكرهما في حديث المسيء صلاته.
• التفريق في الحكم بين التشهدين الأول والأخير إن كان ذلك يتعلق باللفظ فألفاظهما واحدة، أو كان ذلك يتعلق بالمحل فلا فرق، فالغالب أن التشهد يأتي بعد كل ركعتين إلا المغرب، فلا يوجد معنى يوجب التفريق بينهما.
• لفظ (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد) حديث شاذ، أعرض عنه الشيخان.
• لو صح حديث (قبل أن يفرض التشهد) لم يدل على الركنية؛ لأن الشرع لا يفرق في الاصطلاح بين الفرض والواجب، ويطلق أحدهما على الآخر، وإنما التفريق اصطلاح فقهي كدلالة لفظ السنة بين النصوص والفقه.
[م-672] اختلف العلماء في التشهد الأخير على ثلاثة أقوال:
فقيل: التشهد واجب والجلوس له فرض، وهو مذهب الحنفية، وقول في
مذهب الحنابلة، قال المرداوي: وهو غريب بعيد
(1)
.
قال في الاختيار لتعليل المختار: «القعدة الأخيرة فرض والتشهد فيها واجب»
(2)
.
وقيل: الجلوس بقدر السلام فقط واجب، وأما التشهد فهو سنة، وهو مذهب المالكية
(3)
.
وقال شعبة: «سألت الحكم وحمادًا عن الرجل ينسى التشهد، فقالا: أَكُلُّ الناس يحسن يتشهد؟ جازت صلاته»
(4)
.
وقيل: التشهد والجلوس كلاهما فرض، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وحكاه أبو مصعب في مختصره عن مالك، وأهل المدينة، وبه قال داود
(5)
.
وقيل: الجلوس والتشهد واجبان، وهو رواية عن أحمد، قال في الرعاية كما في الإنصاف: وهو غريب بعيد
(6)
.
قال أبو الحسين نقلًا من الإنصاف: «لا يختلف قوله -يعني أحمد- أن الجلوس
(1)
. مختصر القدوري (ص: 27)، تحفة الفقهاء (1/ 137)، بدائع الصنائع (1/ 113)، العناية شرح الهداية (1/ 217، 275، 277)، الجوهرة النيرة (1/ 50)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 54)، الإنصاف (2/ 113).
(2)
. الاختيار لتعليل المختار (1/ 54).
(3)
. مختصر خليل (ص: 32)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 240)، التاج والإكليل (2/ 218)، المختصر الفقهي لابن عرفة (1/ 264)، الخرشي (1/ 273)، منح الجليل (1/ 250)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 356) ..
(4)
. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (8710) حدثنا شبابة، عن شعبة، وسنده صحيح.
(5)
. تفسير القرطبي (1/ 136، 137)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 356)، الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 204)، الدر الثمين والمورد المعين (ص: 277)، الإنصاف (2/ 113)، الهداية لأبي الخطاب (ص: 87)، المبدع (1/ 442)، المقنع (ص: 53)، الممتع للتنوخي (1/ 391)، الإقناع (1/ 133)، شرح منتهى الإرادات (1/ 217)، مطالب أولي النهى (1/ 499).
وقال خليل في التوضيح (1/ 329): «ما ذكره المصنف من أن التشهد الأخير سنة هو المشهور، وروى أبو مصعب وجوبه، وعليه فيكون الجلوس واجبًا؛ لأن القاعدة أن الظرف حكمه ما يفعل فيه. وحكى ابن بزيزة في التشهدين ثلاثة أقوال، والمشهور أنهما سنتان، وقيل: فضيلتان. وقيل: الأول سنة، والثاني: فريضة» .
(6)
. الإنصاف (2/ 113).
فرض، واختلف قوله في الذكر فيه، وعنه أنهما سنة، وعنه التشهد الأخير فقط سنة»
(1)
.
قال أحمد كما في سنن الترمذي: «إذا لم يتشهد وسلم أجزأه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وتحليلها التسليم، والتشهد أهون، قام النبي صلى الله عليه وسلم في اثنتين فمضى في صلاته ولم يتشهد»
(2)
.
فهذا النص عن الإمام أحمد يشير إلى أنه لا فرق بين التشهد الأول والأخير، فاحتج على صحة الاكتفاء بالتسليم وترك التشهد الأخير على ترك الرجوع إلى التشهد الأوسط حين قام النبي صلى الله عليه وسلم عنه ناسيًا، والله أعلم.
• دليل من قال: التشهد الأخير فرض:
الدليل الأول:
(ح-1953) ما رواه النسائي، قال: أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن أبو عبيد الله المخزومي، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، ومنصور، عن شقيق بن سلمة،
عن ابن مسعود قال: كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد: السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا، فإن الله عز وجل هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
(3)
.
[معلول]
(4)
.
(1)
. الإنصاف (2/ 113).
(2)
. سنن الترمذي (2/ 261).
(3)
. سنن النسائي (1277).
(4)
. الحديث رواه النسائي في المجتبى (1277)، وفي الكبرى (1201)، والدارقطني في السنن (1327)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 198)، وفي الخلافيات (2274)،وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (62)، وابن عساكر في الأربعين البلدانية (ص: 84)، عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، عن سفيان بن عيينة، عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود.
والحديث فيه علتان:
العلة الأولى: الانقطاع. قال عبد الله بن أحمد كما في العلل (4610)، قال أبي: لم يسمع =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= سفيان حديث عبد الله في التشهد.
العلة الثانية: التفرد والمخالفة،
أما التفرد فلم يقل أحد في هذا الحديث في جميع طرقه (كنا نقول قبل أن يفرض التشهد .. ) إلا سفيان بن عيينة، تفرد به عنه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي.
وأما المخالفة فقد اختلف فيه على الأعمش ..
فرواه سفيان بن عيينة، عن الأعمش ومنصور، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، فذكر فيه (كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض علينا التشهد
…
) إلخ.
وقد رواه عن الأعمش أكثر من عشرين نفسًا من أصحاب الأعمش، ومن الطبقة الأولى من أصحابه، كأبي معاوية الضرير،، وشعبة، والثوري، ويحيى بن سعيد القطان وأبي نعيم الفضل ابن دكين، ووكيع، وغيرهم.
كما رواه جماعة عن منصور، عن أبي وائل (شقيق بن سلمة) فلم يذكروا ما ذكره ابن عيينة، منهم شعبة وجرير، والثوري وزائدة،
كما رواه جماعة عن أبي وائل شقيق بن سلمة من غير رواية الأعمش، فلم يذكروا ما ذكره ابن عيينة، منهم: أبو حصين، والمغيرة بن مقسم وحماد بن أبي سليمان، وعاصم بن أبي النجود وغيرهم.
كما رواه أصحاب عبد الله بن مسعود من غير أبي وائل، كالأسود بن يزيد، وأبي الأحوص، وعلقمة وغيرهم، فلم يذكروا في حديثهم (كنا نقول قبل أن يفرض التشهد) فإذا لم تكن هذه الرواية شاذة فلا يوجد في السنة حديث شاذ.
وسوف أخرج رواية أبي وائل شقيق بن سلمة، للاحتجاج بها، وأدع تخريج طرق حديث عبد الله للقارئ الكريم أن يراجعها اختصارًا وبعدًا عن التطويل.
فالحديث رواه أبو وائل شقيق بن سلمة، ورواه عن شقيق جماعة منهم:
الأول: الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله.
رواه ابن عيينة، عنه وعن منصور، وتقدم تخريجه، وخالفه كل من:
الأول: أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، كما في مصنف ابن أبي شيبة (29524)، ومسند أحمد (1/ 382، 427)، وصحيح مسلم (58 - 402)، ومسند البزار (1692)، وصحيح ابن خزيمة (703)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 219).
الثاني: يحيى بن سعيد القطان، كما في صحيح البخاري (835)، ومسند أحمد (1/ 431)، وسنن أبي داود (968)، وسنن النسائي (1298)، وفي الكبرى (1222)، وسنن ابن ماجه (899)، وصحيح ابن خزيمة (703)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 219).
الثالث: أبو نعيم الفضل بن دكين كما في صحيح البخاري (831)، والمعجم الكبير للطبراني (10/ 40) ح 9885، ومسند الشاشي (507)،
الرابع: وكيع كما في مصنف ابن أبي شيبة (2983)، ومسند ابن أبي شيبة (239)، ومستخرج =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أبي عوانة (2027)، وصحيح ابن خزيمة (703)،
الخامس: هشيم بن بشير مقرونًا بغيره كما في مصنف ابن أبي شيبة (2985)، وصحيح ابن حبان (1948).
السادس: الثوري مقرونًا بغيره كما في مصنف عبد الرزاق (3061)، ومسند أحمد (1/ 418، 423)، وسنن النسائي (1165)، سنن ابن ماجه (899)، ومسند البزار (1674)، والمعجم الكبير للطبراني (10/ 41) ح 9888، ومشكل الآثار (5614)، ومسند الشاشي (504)، وصحيح ابن حبان (1948، 1950، 1956)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 527).
السابع: شعبة مقرونًا بغيره كما في مسند أحمد (1/ 440)، و سنن النسائي (1170)، وفي الكبرى (760)، ومسند البزار (1637)، والمعجم الكبير للطبراني (10/ 45) ح 9904، وحلية الأولياء (7/ 179).
الثامن: حفص بن غياث، كما في صحيح البخاري (6230)، والأدب المفرد له (630)،
التاسع: عبد الله بن نمير، كما في سنن ابن ماجه (899)، ومسند الشاشي (503)،
العاشر: الفضيل بن عياض، كما في سنن النسائي (1279)، وفي الكبرى (1203، 7653)،
الحادي عشر: زائدة بن قدامة، كما في مسند أحمد (1/ 413)، وصحيح مسلم (57 - 402)، ساق إسناده، واختصر لفظه، ومسند البزار (1628)، والمعجم الكبير للطبراني (10/ 40) ح 9886، ومستخرج أبي عوانة (2028).
الثاني عشر: يعلى بن عبيد كما في سنن الدارمي (1379)، ومنتقى ابن الجارود (205)، وتهذيب الآثار للطبري الجزء المفقود (361)، ومستخرج أبي عوانة (2027)، ومسند الشاشي (502)،
الثالث عشر: عبثر بن القاسم كما في السنن الكبرى للنسائي (11520)، وصحيح ابن خزيمة (703).
الرابع عشر: عبد الله بن إدريس، كما في صحيح ابن خزيمة (703)،
الخامس عشر: أبو أسامة حماد بن أسامة كما في صحيح ابن خزيمة (703)،
السادس عشر: محمد بن فضيل، كما في مصنف ابن أبي شيبة (3007)، وصحيح ابن خزيمة (703)، ومسند البزار (1629)،
السابع عشر: عيسى بن يونس كما في صحيح ابن حبان (1955)،
الثامن عشر: أبو عوانة كما في مشكل الآثار (2241)، وشرح معاني الآثار (1/ 237، 262)، ومسند البزار (1630)، ومستخرج أبي عوانة (2241)،
التاسع عشر: واصل الأحدب كما في مسند الشاشي (508)،
العشرون: علي بن مسهر كما في مسند أبي يعلى (5082)، كلهم عشرون راويًا وهناك غيرهم رووه عن الأعمش به، فلم يقل أحد منهم ما ذكره ابن عيينة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الثاني: منصور بن المعتمر، عن أبي وائل.
رواه جرير كما في صحيح البخاري (6328)، ومسلم (55 - 402)، وأكتفي بالصحيحين اختصارًا.
وشعبة كما في صحيح مسلم (56 - 402)، ومسند أحمد (1/ 440)، والمجتبى من سنن النسائي (1170)، وفي الكبرى (760)، ومسند البزار (1673)، ومستخرج أبي عوانة (2029)، ومستخرج أبي نعيم (891)، وحلية الأولياء (7/ 179).
وزائدة كما في صحيح مسلم (57 - 402)، ومسند أحمد (1/ 413)، ومستخرج أبي عوانة (2030)، ومستخرج أبي نعيم (892)، عن منصور.
والثوري مقرونًا بغيره كما في مصنف عبد الرزاق (3061)، عن منصور كما في المجتبى من سنن النسائي (1277)، وفي الكبرى (1201)، وسنن ابن ماجه (899)، ومسند البزار (1674)، والمعجم الكبير للطبراني (10/ 41) ح 9888، ومشكل الآثار (5614)، وصحيح ابن حبان (1950، 1956)، ومسند الشاشي (504)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 527).
والفضيل بن عياض كما في شرح معاني الآثار (1/ 237)، والمعجم الكبير للطبراني (10/ 41) ح 9889.
وهيب بن خالد كما في شرح معاني الآثار (1/ 262)، ستتهم رووه عن منصور، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، وليس فيه الحرف الذي رواه ابن عيينة عن أبي وائل.
الثالث: المغيرة، عن أبي وائل، كما في صحيح البخاري (7381)، ومصنف ابن أبي شيبة مقرونًا بغيره (2985)، ومسند أحمد (1/ 440)، والمجتبى من سنن النسائي (1170)، وفي الكبرى له (760)، ومسند الشاشي (506)، ومسند البزار (1673، 1711)، والمعجم الكبير للطبراني (10/ 45) ح 9904، وصحيح ابن خزيمة (704)، وصحيح ابن حبان (1948)، ومعجم ابن الأعرابي (247)، وحلية الأولياء (7/ 179).
الرابع: حصين بن عبد الرحمن، عن أبي وائل، كما في صحيح البخاري (1202)، ومصنف ابن أبي شيبة مقرونًا بغيره (2985)، وسنن ابن ماجه مقرونًا بغيره (899)، ومسند البزار (1674)، وصحيح ابن خزيمة (704)، وصحيح ابن حبان (1948، 1956)،
وحماد بن أبي سليمان، عن أبي وائل، كما في مسند أبي داود الطيالسي (246)، ومصنف عبد الرزاق (3601)، ومسند أحمد (1/ 440، 464)، وسنن ابن ماجه (899)، والبغوي في الجعديات (363)، وسنن النسائي (1169)، وفي الكبرى (759)، وشرح معاني الآثار (1/ 262)، ومسند البزار (1673، 1674)، والمعجم الكبير للطبراني (10/ 41، 42، 45) ح 9888، 9894، 9904، وصحيح ابن حبان (1949، 1956)، ومسند الشاشي (501، 504)، والآثار لأبي يوسف (268)، وحلية الأولياء (7/ 179)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 527)، وأكتفي بهؤلاء من أصحاب أبي وائل.
وقد تجنب الشيخان رواية ابن عيينة لما فيها من التفرد والمخالفة. =
وجه الاستدلال:
قول الصحابي: (قبل أن يفرض التشهد)، وقوله: (لا تقولوا
…
ولكن قولوا التحيات لله) فدل على وجوبه: بقوله: قبل أن يفرض، وللأمر به في قوله:(قولوا التحيات لله)، والأصل في الأمر الوجوب.
• ويناقش:
أن لفظ: (قبل أن يفرض التشهد) إذا لم يثبت لم يكن هناك فرق بين التشهد الأول والتشهد الأخير، ولفظهما واحد، إلا أن هذا في وسط الصلاة، والثاني في آخرها، ويعقبه التسليم، وهذا لا يثبت فرقًا.
فلو صح لفظ: (قبل أن يفرض علينا التشهد) لكان هذا دليلًا على وجوب التشهد الأول والأخير؛ لأن (أل) في التشهد للعموم.
ولفظ (قبل أن يفرض علينا) لو صح لا يدل على الركنية؛ لأن التفريق بين الفرض والواجب لفظ اصطلاحي من قبل الفقهاء، وليس اصطلاحًا شرعيًّا، وإنما الافتراق بين ترك الركن والواجب إنما هو في الحكم، أما الشرع فلا يفرق في الاصطلاح بين الفرض والواجب، ويطلق أحدهما على الآخر.
= قال الطحاوي في المشكل (14/ 269): «ولا نعلم أحدًا روى هذا الحديث، فيذكر فيه: فلما فُرِضَ التشهد، غير ابن عيينة، وقد رواه من سواه، وكلهم لا يذكر فيه هذا الحرف» .
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 488): «لم يقل أحد في حديث ابن مسعود هذا بهذا الإسناد، ولا بغيره: قبل أن يفرض التشهد، والله أعلم» .
وقال ابن عساكر في الأربعين البلدانية (ص: 85): «وأخرجه النسائي في سننه عن سعيد بن عبد الرحمن كما أخرجناه، وهو ينفرد بقوله: قبل أن يُفرَض التشهد؛ فإنها لفظة لم يَأْتِ بها غيره» .
فجعل الحمل على الراوي عن ابن عيينة، وهذا صحيح لو كان ابن عيينة قد سمعه من أبي وائل، أما وقد دلسه كما قال الإمام أحمد، فلا يمكن الجزم بأن الحمل على سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وهو من ثقات أصحاب ابن عيينة، والله أعلم.
بقي الجواب عن قول الدارقطني في السنن:: هذا إسناد صحيح. اهـ
وكأن الدارقطني في السنن ليس هو الدارقطني في العلل، ولعل نفس الدارقطني في السنن تغلب عليه الصنعة الفقهية؛ لكونه كتابًا جرى تأليفه على أبواب الفقه.
وقد تابع الدارقطني كل من البيهقي والحافظ ابن حجر، والله أعلم.
وإذا لم يصح حرف (قبل أن يفرض التشهد) لشذوذه، ومخالفة كل من روى الحديث عن ابن مسعود ابتداء بأصحابه، إلى آخر طبقة فلا يصح الاحتجاج بهذا الحرف دليلًا على وجوب التشهد.
وأما الأمر بالتحيات فلا يفيد الوجوب أيضًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالتحيات ابتداء وإنما نهاهم عن خطأ كانوا يقعون فيه، فكانوا يقولون: السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا) فناسب أن يرشدهم إلى الصواب، فقال:(ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات).
والأمر إذا تسبب فيه المأمور إما بالسؤال وإما بالتعبد بما لا يشرع، فأمر بسبب ذلك بالصواب لا يستفاد من الأمر الوجوب فليس بمنزلة الأوامر الشرعية التي توجه للمكلف طالبة منه الفعل ابتداء، والله أعلم.
وكون التشهد الأول يسقط بالنسيان، فهل التشهد الأخير يختلف عنه؟
لا يمكن الجزم بوجود فرق بين التشهد الأول والأخير من هذه الناحية حيث لم يثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم سها عن التشهد الأخير، ولم يسقطه بالنسيان حتى نجزم بوجود فارق بينهما، فكان مقتضى القياس سقوطه بالنسيان، خاصة أن سقوط التشهد الأول بالنسيان لم يَأْتِ من السنة القولية حتى يقال: لما خص التشهد الأول بالسقوط فهم منه أن التشهد الأخير يختلف عنه، وإنما جاء من السنة الفعلية لعارض السهو، فكان المعنى التسوية بين التشهد الأول والأخير، وقد سوى بينهما النبي صلى الله عليه وسلم حيث أسقطهما في حديث المسيء صلاته، فلم يذكر له التشهدين.
ولأن التفريق في الحكم بين التشهد الأول والأخير إن كان ذلك يتعلق باللفظ فألفاظهما واحدة.
وإن كان اختلاف الحكم بينهما يتعلق بالمحل فلا فرق، فالغالب أن التشهد يأتي بعد كل ركعتين إلا المغرب، فلا يوجد معنى يوجب التفريق بين التشهد الأول والأخير، ومن جزم باختلاف التشهد الأخير عن الأول فعليه الدليل.
وكون التشهد الأخير يزيد بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله، وبالتعوذ والدعاء، فهذه
الزيادات كما سيأتينا أنها من سنن الصلاة، لا من واجباته، وتعلق هذه الأدعية ليس مرتبطًا بالتشهد، وإلا لاقتضى ذلك أن يدعو بالتشهد الأول، وإنما الدعاء مشروع في دبر الصلاة، كما رواه الترمذي من طريق عبد الرحمن بن سابط، عن أبي أمامة قيل يا رسول الله: أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات
(1)
.
[ابن سابط لم يسمع من أبي أمامة].
فكأن الصلاة كلها كانت بمثابة الثناء والتمجيد لله سبحانه يعقبه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعقبه الدعاء ورفع الحاجات العامة والخاصة.
الدليل الثاني:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على فعل التشهد الأول في صلاته، ولم ينقل أنه أَخَلَّ به مرة واحدة متعمدًا.
(ح-1954) وقد روى البخاري من حديث مالك بن الحويرث، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لهم: صلوا كما رأيتموني أصلي.
رواه البخاري ومسلم من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث
(2)
.
• ويجاب:
سبق لنا مناقشة صلاحية حديث مالك بن الحويرث على الاستدلال به على أن الأصل في جميع أفعال الصلاة الوجوب، انظر الجواب عليه في حكم التشهد الأول.
الدليل الثالث:
(ث-473) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا الفضل بن دكين، قال: ثنا شعبة، عن مسلم أبي النضر، قال:
سمعت حَمَلَةَ بن عبد الرحمن، يقول: قال عمر: لا صلاة إلا بتشهد
(3)
.
[ضعيف]
(4)
.
(1)
. سنن الترمذي (3499).
(2)
. صحيح البخاري (631)، وصحيح مسلم (292 - 674).
(3)
. المصنف (8715).
(4)
. في إسناده حملة بن عبد الرحمن لم يَرْوِ عنه إلا مسلم بن عبد الله أبو النضر. =
الدليل الرابع:
(ح-1955) ما رواه البزار من طريق محبوب بن الحسن، قال: أخبرنا أبو حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة،
عن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: تعلموها فإنه لا صلاة إلا بتشهد، يقول: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
(1)
.
= قال البوصيري في إتحاف الخيرة (2/ 212): «حملة- بفتح الحاء المهملة والميم- والراوي عنه قال ابن خزيمة: لست أعرفهما. وذكر ابن حبان حملة في الثقات» .
وذكره البخاري في التاريخ الكبير (3/ 131) ولم يذكر فيه جرحًا، ولا تعديلًا.
قال عبد الله بن أحمد كما في العلل (1895): سألته (يعني أَباه) عن حديث أبي النضر، قال: سمعت حملة بن عبد الرحمن، قال أبي: وليس هذا أبا النضر الذي يحدث عنه مالك، وابن عيينة، هذا رجل شامي من عك.
وقال عبد الله أيضًا كما في العلل (3377): قال أبي: مسلم أبو النضر، شامي، روى عنه شعبة.
فقول الإمام أحمد: رجل شامي من عك يشعرك بجهالة حاله، وإن انتفت عنه الجهالة العينية برواية شعبة عنه.
وقال البخاري في التاريخ الكبير (7/ 265): «مسلم بن عبد الله أبو النضر، عن حملة بن عبد الرحمن، سمع منه شعبة، هو شامي» .
وليس لهما من الرواية إلا أثران، هذا أحدهما، ومع قلة روايتهما، وكونهما لا يعرفان إلا بالرواية عن بعضهما، ولم يتابعا عليه، ولم يرد في السنة ما يدل على انتفاء الصلاة بانتفاء التشهد إلا من هذا الوجه الغريب، وفيه مخالفة لحديث ابن بحينة من صحة الصلاة مع إسقاط التشهد، كل ذلك كافٍ في الدلالة على ضعف ما تفردا به، والله أعلم.
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (8713) حدثنا وكيع أو غيره، عن شعبة به.
ورواه محمد بن الحسن في الآثار (184)، قال: أخبرنا شعبة به.
ورواه عبد الرزاق في المصنف (3080) عن عبد الله بن كثير، عن شعبة، عن مسلم الشامي، عن حملة رجل من عك به، وترجم له عبد الرزاق: باب من نسي التشهد.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 200) من طريق محمد بن جعفر، وابن مهدي، قالا: حدثنا شعبة، قال: سمعت مسلمًا أبا النضر قال: سمعت حملة بن عبد الرحمن قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول
…
وذكر الأثر.
(1)
. مسند البزار (1571).
[ضعيف جدًّا]
(1)
.
(1)
. الحديث رواه البزار في المسند (1571) وفي كشف الأستار (560)، من طريق محبوب بن الحسن.
والطحاوي (1/ 275)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 528) من طريق أبي معشر البراء.
والطبراني في الكبير (10/ 51/9922)، وفي الأوسط (4574)، وابن عدي في الكامل (5/ 141)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 236)، والبيهقي في الخلافيات (2282، 2283)، من طريق صغدي بن سنان، ثلاثتهم رووه عن أبي حمزة الأعور به.
وقال البيهقي في السنن (2/ 528) وهو بشواهده الصحيحة يقوى بعض القوة.
وعبارة البيهقي ليست تقوية لحديث أبي حمزة الأعور إلا فيما توبع عليه من الشواهد الصحيحة، ومعلوم أن تشهد ابن مسعود من أصح ما ورد في التشهد، ويفهم من قوله (بعض القوة) أن ما لم يتابع عليه من الشواهد الصحيحة لا يقوى بعض القوة، والله أعلم.
والحديث له أكثر من علة:
العلة الأولى: تفرد به أبو حمزة الأعور، وهو ضعيف.
العلة الثانية: أنه قد تفرد به عن إبراهيم، وهو ضعيف جدًّا فيه، قال ابن عدي:«وأحاديثه التي يرويها خاصة عن إبراهيم مما لا يتابع عليها» .
العلة الثالثة: أنه قد خولف في إبراهيم، فقد رواه البزار (1581) من طريق سالم بن نوح، قال: أخبرنا ابن عون، عن إبراهيم، عن علقمة، أن عبد الله كان يعلم رجلًا التشهد فقال: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فأعادها عبد الله عليه مرارًا كل ذلك يقول: وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله والرجل يقول: وأن محمدًا عبده ورسوله، فقال عبد الله: هكذا علمنا.
قال البزار: وهذا الحديث إنما أدخلته المسند لأنه قال: هكذا علمنا.
وليس فيه قوله: (لا صلاة إلا بتشهد).
وسالم بن نوح تكلم فيه من قبل حفظه،
قال أحمد: ما أرى به بأسًا، قد كتبت عنه. العلل لابنه (3351).
وقال أبو زرعة: صدوق ثقة.
وقال ابن معين: ليس بشيء.
وقال أبو حاتم: لا يحتج به.
وقال الذهبي: محدث صدوق، وقال ابن حجر: صدوق له أوهام.
وهو أحسن حالًا من أبي حمزة الأعور.
وقد توبع سالم بن نوح تابعه عثمان بن الهيثم (صدوق تغير حفظه في آخرة فكان يتلقن)،
أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 50)، وفي المعجم الصغير (845)، وفي الأوسط 6072)، =
الدليل الخامس:
(ث-474) ما رواه البيهقي من طريق أبي وكيع، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: التشهد تمام الصلاة.
[انفرد به أبو وكيع عن أبي إسحاق]
(1)
.
= وتمام في فوائده (960)، وابن عدي في الكامل (4/ 382)، عن محمد بن عثمان بن أبي سويد الزارع (ضعيف)، حدثنا عثمان بن الهيثم، ثنا ابن عون، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد: قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
قال الطبراني: لم يروه مرفوعًا عن ابن عون إلا عثمان بن الهيثم. اهـ
ولم يذكر قوله: (لا صلاة إلا بتشهد).
ورواه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (730) حدثني إبراهيم بن راشد.
وابن الأعرابي في المعجم (1129) أخبرنا إبراهيم بن فهد (ضعيف).
وأبو نعيم في الحلية (3/ 44) من طريق محمد بن غالب بن حرب (قال الدارقطني: ثقة مأمون إلا أنه كان يخطئ، وكان وهم في أحاديث) وثلاثتهم عن عثمان بن الهيثم به.
قال ابن عدي: ولا أعلم رواه، عن ابن عون فصيره شبه المسند إلا سالم بن نوح وعثمان بن الهيثم المؤذن .... وغيرهما يوقفونه وغيرهما رووه، عن ابن عون فأوقفوه على عبد الله.
وكل من رواه مرفوعًا أو موقوفًا لم يقل فيه: (لا صلاة إلا بتشهد) إلا أبو حمزة، عن إبراهيم، وروايته عن إبراهيم منكرة.
وقال الدارقطني في العلل (5/ 156): «ورواه النضر بن شميل عن ابن عون موقوفًا على ابن مسعود، وهو الصواب من رواية ابن عون» .
العلة الرابعة: أن الشيخين قد رويا حديث ابن مسعود، وليس فيه (لا صلاة إلا بتشهد)
فقد رواه البخاري (6265)، ومسلم (59 - 402)، واللفظ للبخاري، عن أبي نعيم، حدثنا سيف، قال: سمعت مجاهدًا يقول: حدثني عبد الله بن سخبرة أبو معمر قال: سمعت ابن مسعود، يقول: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفي بين كفيه، التشهد، كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام -يعني- على النبي صلى الله عليه وسلم.
مما يدل على نكارة ما تفرد به أبو حمزة الأعور، والله أعلم.
(1)
. تفرد به الجراح بن مليح، وقد وثقه أبو داود، وقال النسائي: ليس به بأس. =
التمام يحتمل أكثر من معنى، منها:
المعنى الأول: أن التشهد تمام الصلاة: أي آخرها، فهو علامة على بلوغ آخر الصلاة، فليس بعده إلا التحلل منها بالتسليم، وكما قال الحنفية: إن التسليم يقصد به الإتيان بما ينافي الصلاة بقصد الخروج منها، ولذلك لا يقصرون الخروج من الصلاة بالتسليم، فكل فعل ينافي الصلاة يقوم مقام التسليم، وهو قول الحنفية في التسليم تفردوا به عن الجمهور.
المعنى الثاني: أن التمام: يطلق ويراد به أحيانًا بلوغ رتبة الكمال، يقال: تم الشيء إذا كمل.
المعنى الثالث: يطلق التمام ويراد به ما يقابل النقص، ولهذا وصف الله كلماته بالتامات، فجاء في الحديث:(أعوذ بكلمات الله التامات)، لأنه لا يجوز أن يكون في شيء من كلامه نقص أو عيب كما يكون في كلام الناس، فيكون ترك التمام دليلًا على
= وأما الدارقطني فقال: ليس بشيء، وهو كثير الوهم، قلت: يعتبر به؟ قال: لا.
وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه، ولا يحتج به.
وقال ابن سعد: كان ضعيفًا في الحديث، عسرًا فيه ممتنعًا به.
قال العباس بن محمد الدوري: دخل وكيع بن الجراح البصرة، فاجتمع الناس عليه، وقالوا: حدثنا، فحدثهم حتى قال: حدثني أبي وسفيان، صاح الناس من كل جانب، وقالوا: لا نريد أباك. حدثنا عن الثوري، فقال: أخبرنا أبي وسفيان، فقالوا: لا نريد أباك حدثنا عن الثوري، فأطرق مليًّا، ثم رفع رأسه فقال: يا أصحاب الحديث من بلي بكم فليصبر.
وقال ابن حبان: كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، وزعم يحيى بن معين أنه كان وضاعًا للحديث. اهـ
قلت: يحيى بن معين اختلف كلامه فيه،
فقال عثمان بن أبي جعفر الطيالسي، عن يحيى بن معين: ما كتبت عن وكيع، عن أبيه، ولا من حديث قيس شيئًا قط.
وقال أبو سعد الإدريسي في كتابه (تاريخ سمرقند): كذبه يحيى بن معين، وقال: كان وضاعًا للحديث.
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: ضعيف الحديث، وهو أمثل من أبي يحيى الحماني. قلت: أبو يحيى الحماني: حافظ متهم بسرقة الحديث.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي، عن يحيى بن معين: ليس به بأس.
وعن عباس، قال: سألت يحيى بن معين، عن الجراح بن مليح أبي وكيع، فقال: ثقة.
وقال ابن حجر في التقريب: صدوق يهم.
ترك ركن، أو واجب.
وإذا احتمل التمام كل هذا أخذنا بالمتقين، وهو إما بلوغ آخر الصلاة، أو تمامها بمعنى كمالها، خاصة أنه أثر موقوف على صحابي رضي الله عنه، والصحابة رضي الله عنهم حريصون على بلوغ رتبة الكمال، حتى قال حذيفة رضي الله عنه: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يزل قائمًا حتى هممت بأمر سوء، قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
الدليل السادس:
(ح-1956) ما رواه أحمد، قال: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا زهير، حدثنا الحسن بن الحر، قال: حدثني القاسم بن مخيمرة، قال: أخذ علقمة، بيدي وحدثني،
أن عبد الله بن مسعود، أخذ بيده، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله، فعلمه التشهد في الصلاة، قال: قل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين -قال زهير: حفظت عنه إن شاء الله- أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قال: فإذا قضيت هذا، أو قال: فإذا فعلت هذا، فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد
(2)
.
[لفظ: (فإذا قضيت هذا
…
فقد قضيت صلاتك
…
إلخ) مدرج، والمحفوظ وقفه على ابن مسعود رضي الله عنه]
(3)
.
(1)
. صحيح البخاري (1135)، وصحيح مسلم (204 - 773).
(2)
. المسند (1/ 422).
(3)
. اختلف فيه على الحسن بن الحر،
فرواه الطبراني في الكبير (10/ 51) ح 9924، وفي الأوسط (4389)، وفي مسند الشاميين (164)، وابن حبان (1962)، والدارقطني (1337)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 249) والخطيب في الفصل (1/ 111) من طريق غسان بن الربيع (فيه ضعف)،
ورواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 249) والخطيب في الفصل (1/ 112) من طريق محمد ابن مصفى (صدوق له أوهام) حدثنا بقية. (صدوق مدلس، وقد صرح بالتحديث) كلاهما (غسان بن الربيع، وبقية بن الوليد) روياه عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان (صدوق)، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عن الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، قال: أخذ علقمة بيدي، وأخذ ابن مسعود بيد علقمة، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد ابن مسعود، فعلمه التشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. قال عبد الله بن مسعود: فإذا فرغت من هذا فقد فرغت من صلاتك، فإن شئت فاثبت، وإن شئت فانصرف.
هذا لفظ غسان بن الربيع كما في صحيح ابن حبان.
ففصل ابن ثوبان في روايته عن الحسن بن الحر الحديث المرفوع عن الموقوف، وبين أن قوله: فإذا فرغت من هذا فقد فرغت من صلاتك أنه من كلام ابن مسعود موقوفًا عليه.
ورواه زهير بن معاوية، عن الحسن بن الحر، واختلف على زهير:
فرواه أبو داود الطيالسي كما في مسنده (273)،
ويحيى بن آدم كما في مسند أحمد (1/ 422)،
وعبد الله بن محمد النفيلي كما في سنن أبي داود (970)،
وأبو نعيم الفضل بن دكين كما في سنن الدارمي (1380)، وشرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 275)، ومشكل الآثار له (3800)،
وعلي بن الجعد كما في الجعديات لأبي القاسم البغوي (2593)،
وأحمد بن يونس، كما في مشكل الآثار (3801)، والمعجم الكبير للطبراني (10/ 52) ح 9952.
وأحمد بن عبد الملك الحراني، وأبو بلال الأشعري كما في المعجم الكبير للطبراني (10/ 52) ح 9925،
وعبد الرحمن بن عمرو البجلي كما في صحيح ابن حبان (1961)،
وموسى بن داود كما في سنن الدارقطني (1336)،
ويحيى بن يحيى كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 248)،
وأبو النضر هاشم بن القاسم كما في معرفة السنن للبيهقي (3/ 63)، كلهم رووه عن أبي خيثمة زهير بن معاوية، عن الحسن بن الحر به، فذكروا قوله:(فإذا قضيت هذا، أو قال: فإذا فعلت هذا، فقد قضيت صلاتك) مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
خالفهم شبابة بن سوار، فرواه عن أبي خيثمة، عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي قال: وأخذ عبد الله بن مسعود بيدي قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فعلمني التشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. قال عبد الله: فإذا قلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة فإذا شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد.
رواه الدارقطني في السنن (1335)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 248).
قال الدارقطني: شبابة ثقة، وقد فصل آخر الحديث جعله من قول ابن مسعود، وهو أصح من رواية =
وعلى فرض أن يكون اللفظ مرفوعًا فإن قوله: (فإذا قضيت هذا
…
فقد قضيت صلاتك
…
إلخ) لا يدل على الوجوب، فالقضاء هنا بمعنى الإتمام، كما في قوله تعالى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12]. أي أتمهن. وهو موافق للفظ الآخر عن ابن مسعود رضي الله عنه حين قال: التشهد تمام الصلاة، فهما بمعنى واحد.
وقد استدل به الحنفية على صحة صلاة من أحدث قبل السلام، وبه قال سعيد بن المسيب، وقتادة وإبراهيم النخعي والإمام إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، وحماد بن أبي سليمان، والضحاك والحكم، وطاوس وربيعة ومكحول خلافًا لقول جمهور الفقهاء، ولم أوثق ذلك؛ لأن البحث في حكم التشهد.
• دليل من قال: التشهد الأخير سنة:
الدليل الأول:
الأصل عدم الوجوب إلا بدليل صريحٍ خالٍ من النزاع، والأحاديث التي ساقها أصحاب القول الأول لم تسلم من المناقشة، والأصل براءة الذمة، والاحتياط ألا تشغل الذمم، ولا يحكم بفساد عبادة الخلق إلا بشيء صحيح صريح، والله أعلم.
= من أدرج آخره في كلام النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم. وقد تابعه غسان بن الربيع وغيره، فرووه عن ابن ثوبان، عن الحسن بن الحر كذلك، وجعل آخر الحديث من كلام ابن مسعود، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
كما حكم بإدراج هذه اللفظة جمع من العلماء، منهم ابن حبان، والحاكم، والبيهقي وأبو بكر الخطيب في الفصل.
وحكى النووي اتفاق الحفاظ على إدراجها، قال في الخلاصة:«هذه الزيادة ليست في الصحيح، اتفق الحفاظ على أنها مدرجة، ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من كلام ابن مسعود. وقد جاء ذلك صريحًا بإدراجها مبيَّنًا، وقد أوضح طرق ذلك الدارقطني، والبيهقي، وغيرهما» .
وقد رواه جماعة عن الحسن بن الحر، فلم يذكروا فيه قول ابن مسعود، واكتفوا بالمرفوع.
فقد رواه الحسين بن علي الجعفي المقرئ (ثقة) كما في مسند ابن أبي شيبة (203)، وفي مصنفه (2982)، ومسند أحمد (1/ 450)، والمعجم الكبير للطبراني (10/ 51) ح 9926، وابن حبان (1963)، ومسند الشاشي (338)، وسنن الدارقطني (1333)،
ومحمد بن عجلان كما في المعجم الكبير للطبراني (10/ 51) ح 9923، حديث أبي العباس السراج (723)، ومعجم ابن الأعرابي (922)، وسنن الدارقطني (1334)، كلاهما الجعفي وابن عجلان روياه عن الحسن بن الحر به، فلم يذكرا فيه قول ابن مسعود، والله أعلم.
الدليل الثاني:
(ح-1957) ما رواه البخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد (القطان)، عن عبيد الله (العمري)، قال: حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه،
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال: ارجع فَصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ
…
وذكر الحديث وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالتشهد، فدل على أنه ليس واجبًا؛ إذ لو كان واجبًا لذكره له كما ذكر له تكبيرة الإحرام، والقراءة، والركوع والسجود، والاعتدال منهما، وقد طلب الصحابي من النبي صلى الله عليه وسلم تعليمه الصلاة، فخرج الحديث مخرج البيان لما هو لازم لصحة الصلاة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
• واعترض:
بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر له التسليم، وهو واجب أو فرض عند الجمهور خلافًا لأبي حنيفة والثوري والأوزاعي، وسوف يأتي بحثها إن شاء الله تعالى.
الدليل الثالث:
(ح-1958) ما رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من طريق يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن الأعرج،
عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه، أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر لم يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، ثم سلم بعد ذلك
(2)
.
وجه الاستدلال:
ترجم له البخاري بقوله: باب من لم ير التشهد الأول واجبًا. اهـ
(1)
. صحيح البخاري (793)، وصحيح مسلم (45 - 397).
(2)
. صحيح البخاري (1225)، وصحيح مسلم (87 - 570).
وإذا صح هذا في التشهد الأول، فالتشهد الأخير مقيس عليه؛ لأن التشهد جنس واحد في عبادة واحدة، وقياسًا على ما يشرع تكراره في الصلاة كالسجدتين فما يصح في إحداهما يصح في الأخرى.
وكون ترك التشهد سببًا لسجود السهو لا يدل على وجوب التشهد قياسًا على سجود التلاوة، حيث تزاد في هيئة الصلاة ولا يدل ذلك على وجوبها، ولأن جمهور الفقهاء يستحبون السجود لترك السنن، ولم يوجد أمر من الشارع بالسجود لترك التشهد بالنسيان حتى يقال وجوب السجود دليل على وجوب التشهد، والله أعلم.
وقد سبق لي الجواب عن هذا الاستدلال في المسألة السابقة، فارجع إليه إن شئت.
• دليل من قال: التشهد واجب، وليس بفرض:
(ح-1959) استدلوا بما رواه البخاري ومسلم من طريق الأعمش، حدثني شقيق،
عن عبد الله، قال: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو. هذا لفظ البخاري وأحال مسلم في لفظه على رواية سابقة
(1)
.
ورواه البخاري ومسلم من طريق جرير، عن منصور، عن أبي وائل،
عن عبد الله رضي الله عنه، قال: كنا نقول في الصلاة: السلام على الله، السلام على فلان، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: إن الله هو السلام، فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله -إلى قوله- الصالحين، فإذا قالها أصاب كل عبد لله في السماء والأرض صالح، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله، ثم يتخير من الثناء ما شاء
(2)
.
(1)
. صحيح البخاري (835)، وصحيح مسلم (58 - 402).
(2)
. صحيح البخاري (6328)، وصحيح مسلم (55 - 402).
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتشهد، والأصل في الأمر الوجوب، ولا تثبت الركنية بمجرد الأمر به؛ لأن الركنية قدر زائد على الوجوب ولم يوجد في الأدلة ما يدل على انتفاء الصلاة بانتفائه حتى تثبت به الركنية، وأما على أصول الحنفية لا تثبت الركنية إلا بدليل قطعي الثبوت، وهذا من أحاديث الآحاد.
فإذا اجتمع الأمر الشرعي بالتشهد، وصدقته المواظبة من لدن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلم يثبت عن أحد منهم أنه تركه، كان هذا دليلًا على وجوبه، ولو كان سنة لنقل ما يدل على جواز الترك، والله أعلم.
وقد ناقشت الاستدلال بالأمر بالتحيات عند الكلام على حكم التشهد الأول، وأما الجواب عن المواظبة فهي تدل على أنه من السنن المؤكدة، ولا تكفي وحدها لتدل على الوجوب، فهناك سنن واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم حضرًا وسفرًا، ومع ذلك هي في عداد السنن، كالوتر، وسنة الصبح، ونحوهما، والله أعلم.
• دليل من قال: التشهد سنة:
ذكرت أدلتهم عند الكلام على حكم التشهد الأول، فانظره هناك دفعًا للتكرار.
• الراجح:
ما رجحته في التشهد الأول أرجحه في التشهد الأخير؛ لأن حكمهما واحد على الصحيح، ولم يقم دليل صريح صحيح في التفريق بينهما، والله أعلم.
وقد نقلت قول أحمد: «إذا لم يتشهد وسلم أجزأه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وتحليلها التسليم) والتشهد أهون، قام النبي صلى الله عليه وسلم في اثنتين فمضى في صلاته، ولم يتشهد»
(1)
.
فاستشهد على صحة ترك التشهد الأخير بالقياس على عدم الرجوع إلى التشهد الأول حين تركه نسيانًا، وقول أحمد موافق لمذهب المالكية، وهو مقتضى دلالة حديث المسيء في صلاته حيث لم يذكر له النبي صلى الله عليه وسلم التشهدين، والله أعلم.
* * *
(1)
. سنن الترمذي (2/ 261).